Saturday 19 January 2013

ردود افعال المتظاهرين العراقيين على مناورات النظام

18/01/2013
سأعود الى محنة المعتقلين العراقيين، المنسيين في غياهب المعتقلات الخاصة والعامة بانواعها، تلك التابعة بوزارة العدل، وهي وحدها ما يتحدثون عنه، أو لأكثر من عشرة لفرق عسكرية بألويتها المتعددة المنتشرة في جميع المحافظات، ولقوات الشرطة والامن التي لا تحصى، وكلها مرتبط برئاسة الوزراء. سأعود اليها مرة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة ... لأقول مع المتظاهرين والمعتصمين في ساحات الكرامة، في ارجاء العراق، كفى للاعتقالات والتعذيب، كفى للاهانات اليومية واحتقار الناس، كفى للابتزاز والترويع بالتهم الجاهزة. نعم للمطالبة بتحقيق العدالة ومعاقبة المسؤولين ووضع حد لانتهاكات حقوق الانسان المنهجية التي فاقت كل تصور وبلغت أوجها تحت النظام الحالي في ظل توجيه الاتهامات للمتظاهرين بانهم أصحاب أجندة وتمويل خارجي حين أسقط المعتصمون تهمة الطائفية. ولايشفع للمتظاهرين مطالبهم الحقيقية المشروعة وسلمية اعتصاماتهم وحرصهم على وحدة العراق والوطنية الشاملة.
ويوافق الصحافي جاسم الشمري (15 كانون الثاني - السبيل الاردنية) مثقفي اليسار رأيهم قائلا بأن هناك، حقا، تمويلا للحراك الشعبي. ولكن هوية الممولين الحقيقيين هي الظلم، هي باختصار شديد' الاعتقالات العشوائية المستمرة في عموم البلاد. التعذيب المستمر داخل المعتقلات الحكومية السرية والعلنية. ابقاء المعتقلين قيد الاحتجاز لسنوات دون أن تعرض أوراقهم على القضاء. وشايات المخبر السري الباطلة. اتباع الحكومة لأساليب بعيدة عن الأخلاق الإسلامية والعربية والأعراف الاجتماعية، ومن ذلك اعتقال النساء بدلاً عن الرجال؛ كورقة ضغط من أجل تسليمهم أنفسهم بعدما تركوا بيتهم خوفاً من الاعتقالات العشوائية الظالمة. المادة (4 ) ارهاب، وهي مادة مسمومة تشمل كل من يعارض الوضع الحالي في العراق، وأحكامها قد تصل إلى الاعدام'. ويرى الشمري ان 'أهم الممولين للبركان العراقي، هو النفس الطائفي المقيت' الذي يبثه النظام الحالي وان ادعى الوطنية. ازاء هذه الانتهاكات التي يرقى الكثير منها الى مستوى الجرائم اليومية بحق المواطنين، هل المتظاهرون بحاجة الى المئة دولار، ثمنا، كما اتهمهم المالكي، لينطلقوا الى شوارع وساحات مدنهم مطالبين بحقوقهم القانونية المشروعة ؟
ولننظر الى رد فعل النظام وتلبيته لمطالب المتظاهرين خلال الاسبوع الماضي. لقد انخفض معدل ظهور 'دولة رئيس الوزراء' امام اجهزة الأعلام واطلاقه التصريحات المهينة للشعب الى أدنى مستوى. واصبحت جملة 'مطالب المتظاهرين مشروعة' هي الشائعة بين الساسة. وتم اطلاق سراح 13 معتقلة (طالما انكر النظام وجودهن اساسا!) و335 معتقلا. ووقف حسين الشهرستاني، رئيس اللجنة السباعية في التحقيق بقضايا المعتقلين ومطالب المتظاهرين، معتذرا من المعتقلين الابرياء (بعضهم قضى ما يزيد على الاربع سنوات في المعتقل بلا حكم قضائي)، استجابة لمطالب المتظاهرين بعد ان كان رئيس حكومته قد وصف التظاهرات بالفقاعة ومطالبهم بالنتنة.
ومن الضروري تفحص الاسباب التي دعت النظام الى تغيير موقفه من الاحتقار المطلق للمتظاهرين الى تقديم التنازلات، مهما كانت شكلية أو مؤقتة. اهم الاسباب هي : اولا اصرار وصمود المتظاهرين على البقاء وقدرتهم على التنظيم ومحافظتهم على سلمية التظاهرات. ثانيا : زيارة العلامة الشيخ عبد الملك السعدي للمتظاهرين في الانبار (حيث اندلعت شرارة الانتفاضة) وخطابه التوحيدي (في 1 كانون الثاني) قائلا: 'انكم 'شيعة' طالما تحبون آل البيت عليهم السلام، والشيعة هم 'سنة' طالما يقدسون السنة النبوية ويعدونها بعد كتاب الله مرجعية لهم'. ثالثا: بعد سماع خطاب السعدي، أيد السيد مقتدى الصدر (2 كانون الثاني) مطالب المتظاهرين بداية، رابعا : زيارة ممثل الامم المتحدة في العراق مارتن كوبلر (يصفه البعض بانه صوت امريكا في العراق) للمرجع الديني الأعلى علي السيستاني (13 كانون الثاني)، لبحث 'الأزمات التي تمر بها البلاد' بعد ان قام بزيارات مكوكية سريعة الى رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني ( 12 كانون الثاني)، ورئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي، في (10 كانون الثاني)، وعدد من الساسة الآخرين. وكان كوبل قد دعا في (9 كانون الثاني)، المتظاهرين إلى الحفاظ على الطابع السلمي للتظاهرات، فيما طالب القوات الأمنية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس. وصرح كوبلر بان لقاءه بالمرجع السيستاني بدد ' مخاوف للأمم المتحدة بخصوص جر البلد الى العنف من جديد'. خامسا: يوم 14 كانون الثاني، اصدر آية الله علي السيستاني توصياته برفض حل البرلمان، وتطبيق أغلب مطالب المتظاهرين في موضوعي المعتقلين وحقوق المشمولين بقانون الاجتثاث.
ومن المفيد قراءة تصريح كوبلر الذي اعقب زيارته للمرجعية لفهم طبيعة ما تلاها من توصيات جعلت قادة التحالف الوطني الحاكم وبقية ساسة 'العملية السياسية' يتراكضون للقاء بعضهم البعض ومحاولة ايجاد مخرج لما يكاد يلتهمهم قبل غيرهم من تغيير، اذ قال: 'لم أتخذ أية مواقف تجاه شرعية المطالب، ولكنني قلت أن بعضها يمكن معالجته على الفور في حين أن بعضها الآخر يمكن التصدي له على المدى الطويل'. وهو ذات الخطاب، كلمة بكلمة، الذي القاه حسين الشهرستاني في مدينة سامراء الضاجة بالتظاهرات.
هذا هو الوجه الرسمي لتلبية مطالب المتظاهرين، غير ان تفحص ما وراء القناع، يبين ان هناك محاولات احتواء ومناورات وتسويف غايتها وضع حد للتظاهر والاعتصامات واشغال المتظاهرين بتفاصيل تلهيهم عن الاهداف الحقيقية. اذ هاهو السيد مقتدى الصدر يصدر بيانا من ست نقاط لتكون مطالب المتظاهرين والمعتصمين موحدة، محملا الجهة التي تخالف هذا التوجيه 'جميع التبعات اللازمة'. ومن يقرأ المطالب سيجدها، في جوهرها، ابقاء للقوانين والحال كما هو واقتصار المطالبات على 'التطبيق الحيادي والعادل'. وهو موقف يماثل موقفه ايام تظاهرات ساحة التحرير ببغداد حين طالب المالكي بمهلة شهر لانجاز بعض التغييرات فمنحه الصدر، بسخاء، مدة 100 يوم والذي سبقه، اذا ماعدنا بالذاكرة الى عام 2003 وانطلاق المقاومة، مناورة تأجيل مقاومة المحتل وإعطائه مهلة ستة أشهر وتمديدها الى سنة بعد ذلك!
هناك، ايضا، مسألة اطلاق سراح بعض المعتقلين الذين تبين ان احكام اطلاق سراحهم كانت صدرت منذ شهور بلا تنفيذ، مع بقاء آلاف المعتقلين منذ سنوات في غياهب السجون، بل واعتقال ما يزيد على الالف مواطن شهريا. فما الفائدة من إطلاق سراح 300 أو 400 معتقل أن كنت تعتقل 1500 في الشهر الواحد؟
ان تحقيق العدالة يتطلب، بشكل اساسي، معاملة كل العراقيين كمواطنين متساوين أمام القانون، من قبل حكومة وطنية يتمتع الجميع فيها بالامان والحرية وحقوق الانسان ونبذ اساليب التعذيب وايجاد السبل الانسانية لتطبيق العدالة الانتقالية للتخلص من دائرة الانتقام التي باتت تتحكم بالمجتمع. وإذا كان السيد مقتدى الصدر يشدد على 'على ضرورة تطبيق المختصين المساءلة والعدالة بعدالة ومن دون ظلم ولا إجحاف'، أفلا يجدر به أن يدعو الى شمول هذا القانون مرتكبي جرائم السنين العشر الأخيرة أيضا؟ حينئذ، قد يكون هذا الشمول مفتاح وعي السياسيين بمبدأ المحاسبة الفردية لا الجماعية والأيديولوجية، ويجعلهم، كغيرهم يحاسبون عند ارتكاب جريمة ما، وبلا حصانة من 'تطبيق القانون العادل'.
لقد اثبت النظام الحالي، حتى الآن، وعلى الرغم من ميزانيته الهائلة وقوة أمنه وقوات الشرطة والجيش وفرقه الخاصة، فضلا عن تواجد الحماية الامريكية المستمرة باشكال مختلفة، عجزه عن تحقيق أي من الاساسيات لصالح الشعب. فالمواطن لايزال يسقط، بالعشرات يوميا، ضحية سهلة لعمليات الارهاب المتواصلة التي لا يعرف منفذوها. ويصرخ ذوو الضحايا وهم يلتقطون اشلاء ابنائهم بصوت يقطع نياط القلب : اين هي الحكومة؟ كيف يتم التنفيذ وهناك المئات من نقاط التفتيش والجدران الكونكريتية وجيش جرار من اجهزة الأمن والمخبرين؟ اين هي الفرق الخاصة، والفرقة الذهبية أو الفرقة القذرة؟ أم لعلها هي المسؤولة تحت مسمى القاعدة خاصة وان مختلف التقارير تشير الى وجود انواع متعددة من القاعدة؟
ولايتوقف المواطنون، من مختلف المدن عن توجيه اللوم الى الساسة المنشغلين بالنزاع حول المناصب وسمسرة العقود والفساد. فعلى من تقع مسؤولية تفجيرات، يوم الاربعاء والخميس الماضين، التي عمت مدنا عدة؟
ان عجز النظام يتفاقم يوما بعد يوم، واستمرار الاعتصامات والتظاهرات السلمية، واحدة من السبل المهمة لتعرية ظلم النظام وقمعه وتمييزه بين المواطنين دينيا ومذهبيا وعرقيا، كما انه خطوة ضرورية لتغييره
.
11/01/2013
لاتزال التظاهرات والاعتصامات السلمية مستمرة، في العديد من المدن العراقية، وهي إنجاز رائع للشعب العراقي كله لإكمال تصفية آثار الاحتلال بصيانة الدم العراقي. ولاتزال مطالب المتظاهرين، منذ ما يزيد على الثلاثة أسابيع، كما هي وأهمها: اطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين ومحاسبة المقصرين، ايقاف تنفيذ احكام الاعدام الجائرة، الغاء مادة 4 ارهاب المسلطة على رقاب المواطنين جميعا ترويعا وابتزازا، وضع حد لفيروس المحاصصة الطائفية، تشريع قانون العفو العام، وايقاف العمل بقانون المساءلة والعدالة.
وقد ارتفع سقف المطالب ليصل الى حد تغيير النظام ازاء استهانة النظام بالمحتجين وعنجهية رد فعل رئيس وزراء نظام حزب الدعوة نوري المالكي، الذي وصف المتظاهرين بانهم 'فقاعة' بشعارات 'نتنة'، وتهديداته بانهائهم.
وهو موقف يثير الكثير من التساؤلات حول مصداقية ما كتبه في سيرته الذاتية واصفا نفسه، على موقعه الالكتروني كرئيس للوزراء، بأنه يتميز بـ'ثقافته الاسلامية ونشأته الدينية واحترامه للرأي الآخر القائم على تقديم الحجة والى تواضعه وميله للتسامح وتغليب لغة الحوار'.
واستمرت التظاهرات على الرغم من حملات الاتهام، المكثفة اعلاميا بشكل لم يسبق له مثيل، التي بدأت باتهامات الطائفية والصدامية والارهاب والعمل لصالح أجندات أجنبية، ووصلت بشكل عد تنازلي، الى حد التشذيب 'الديمقراطي' والاكتفاء باتهام الخروج على الدستور والقانون . لينتقل نظام حزب الدعوة، بعد فشل حملة التشويه الأولية، وفي لحظات اصابته بالذهول ازاء استمرار التحدي الجماهيري، الى خطوة اخرى، هي محاولة احتواء مطالب المتظاهرين الذين كسروا حاجز الترويع والارهاب الحكومي/ الطائفي المتمثل بالمداهمات الليلية والاختطاف والقتل وحملات الاعتقال والتعذيب والاغتصاب، للجنسين معا،
فضلا عن عيش ثلثي الشعب العراقي تحت خط الفقر، في ظل اعلى ايرادات النفط بتاريخ العراق كله. من بين محاولات الاحتواء اطلاق سراح 13 موقوفة وهي خطوة تمثل استهانة بعقول الناس اذا ما علمنا ان سليم الجبوري، رئيس لجنة حقوق الانسان النيابية، اعلن يوم 5 كانون الثاني (يناير) 2013 بان عدد المعتقلات هو 1500 معتقلة. بينما يؤكد المتظاهرون ان العدد لا يقل عن خمسة آلاف معتقلة في مختلف السجون السرية ومراكز الشرطة والجيش، كما قامت اجهزة أمن وقوات النظام الخاصة باعتقال 1405 مواطنين ، بينهم ثلاث نساء، خلال 142 حملة دهم وتفتيش معلنة خلال الشهر الماضي فقط ، في معظم المحافظات العراقية، فضلاً عن جرائم القتل التي رافقت تلك الحملات (حسب توثيق قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين).
وتلا ذلك تصريح للمالكي يخاطب فيه المتظاهرين لتقديم طلباتهم الى الحكومة والبرلمان، في الوقت ذاته الذي يقضي فيه الساعات جالسا او واقفا امام عدسات الكاميرات ليصرح بانه لا حول له ولا قوة على البرلمان (بالمقابل اعضاء البرلمان يقولون الشيء ذاته)، كما انه لا يستطيع تنفيذ اي شيء لصالح الشعب بسبب الوزراء والحكومة، وانه اذا كانت لدى المواطنين شكوى ما فعليهم التوقف عن توجيه اللوم اليه، وكأنه ليس 'دولة رئيس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، أمين حزب الدعوة، ورئيس دولة القانون، وزعيم التحالف الوطني'.
واذا ما امتلك البعض ما يكفي من الصبر ليشاهد مقابلات نوري المالكي الطويلة، خلال الاسبوع الماضي فقط ، وعلى خلفية استمرار التظاهرات السلمية ولا طائفيتها وتطورها النوعي، لوجد ان للرجل تعريفه الانتقائي الخاص للتظاهرات والاعتصامات وكيفية تنفيذها بمواصفاته التي يجب ان ينصاع اليها الشعب والا...
وتتطابق التهديدات التي يطلقها المالكي، اليوم، مع ما اراده الغزاة الامريكيون والانكليز في عام 2003، وجوهرها التخلص من ابناء الشعب الرافضين للاحتلال والخنوع، والصب في قالب طائفي جاهز. وكما رأينا، في السنوات الماضية، فشل المحتل بنوعيه الخارجي والداخلي فشلا ذريعا. وها هو نظام حزب الدعوة يعيد الكرة مهددا متوعدا، ليفاجأ ببوادر هزيمته جماهيريا. لذلك، يلجأ الآن الى اعادة تدوير صورة 'الديمقراطية' والالتزام بالدستور والقانون واحترام الدولة بلسان المالكي. ففي كلمة بعيد الشرطة، في الاسبوع الماضي، قال المالكي: 'إن هناك فرقا بين مظاهرة سلمية وعصيان مدني'، ليستدرك بعد وهلة، مغطيا ضعفه، بأن ' الدولة' قادرة على الدفاع عن نفسها، متهما المتظاهرين باستغلال الحريات بهدف نشر الفوضى. وما هو الحل؟ يقول المالكي: 'ان الحكومة شكلت لجنة لتلقي طلبات المتظاهرين'، وعلى الطلبات التي يمكن أن يقبلها 'ألا تناقض الدستور'، وأن على المتظاهرين الحصول على ترخيص من نظامه والا... 'فان من واجب الشرطة أن تتدخل لمنع المظاهرات التي تتم من دون ترخيص، أو التي ترفع شعارات تهدد الأمن الوطني والمؤسسات الخاصة'.
ولن تكفي مساحة المقالة لادراج كل تهديدات المالكي ضد المتظاهرين ولكنها ، باختصار شديد، صدى أجوف لتهديدات سمعناها سابقا من رؤساء عرب أسقطتهم ثورات شعوبهم المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة. وقد اثبتت التظاهرات عراقيتها ووطنيتها منذ الشهر الاول للاحتلال عام 2003، حين تظاهر عدد من سكان مدينة الفلوجة امام مدرسة ابتدائية مطالبين قوات الاحتلال بمغادرتها، رافعين شعارا هو 'ايها المحتلون القتلة سنخرجكم ان آجلا أم عاجلا' والذي لم يبق شعارا تظاهريا بل تم تنفيذه عمليا عام 2011 بتكاليف باهضة للمحتلين وباستعادة الكرامة الوطنية. واستمرت التظاهرات بشكل متقطع في كافة ارجاء البلاد بمطاليب مختلفة لتعود، بقوة في 25 شباط (فبراير) 2011، تزامنا مع ثورات الحرية في تونس ومصر. وجوبهت التظاهرات بالرصاص من قبل حكومة حزب الدعوة وتم قتل واعتقال وتعذيب عشرات المتظاهرين، بالاضافة الى حملة نقل الشقاوات (البلطجية) بالشاحنات الى ساحة التحرير لضرب وترويع وتهديد واختطاف المتظاهرين بحماية أمنية رسمية. وهي ذات الخطوة التي يقوم بها النظام، حاليا، داعيا الى تظاهرات رسمية مضادة بأرجاء العراق لتأييد 'رئيس الحكومة الذي تصدى بكل شجاعة ووطنية وإخلاص لمكافحة الإرهاب والدفع بعجلة الازدهار والأمن والاستقرار'، وهي مظاهرات ستدعم من قبل جهاز أمن النظام. أما عن خبر تشكيل 'مجلس الوزراء لجنة وزارية لتلقي طلبات المتظاهرين المشروعة التي لا تتعارض مع الدستور' فكنت اتمنى لو تفرغ احد الباحثين لجدولة عدد اللجان التي شكلها مجلس الوزراء على مدى السنوات الماضية، ولم يحدث يوما ان سمع المواطنون بنتائجها. ترى من الذي ألقي القبض عليه وحوكم جراء قتل 27 متظاهرا في فبراير 2011؟ من هو المسؤول؟ واين هي نتائج اللجنة التي تم تشكيلها حينئذ؟
لقد اثبتت التظاهرات والاعتصامات الجماهيرية الرائعة، خلال الاسابيع الماضية، انها عراقية وطنية سلمية، على الرغم من كل محاولات اختطافها واحتوائها، وان استمراريتها ضرورية لاستعادة الكرامة والأمل بالمستقبل وتحقيق العدالة. كما اثبتت، كما في تظاهرات الانبار، انها منظمة من قبل لجان شعبية (باستثناء اليومين الاوليين) تشرف كل لجنة منها على احد الجوانب العملية كالمحافظة على أمن وسلامة المتظاهرين، وتحديد مداخل التظاهرة ومراجعة الشعارات والكلمات الخطابية لئلا تتعارض مع الروح الوطنية، بالاضافة الى الاشراف على توفير اماكن التواصل الاجتماعي ووجبات الطعام والمحافظة على نظافة المكان.
اما التعكز على اثارة التظاهرات للعنف والحرب الطائفية، اذا ما استمرت، والتي لا يكف المالكي وساسة 'العملية السياسية' عن ترويجها تخويفا للمتظاهرين، فان مصدرها الوحيد 'اذا ما حدثت فهو الحكومة نفسها، لانها الجهة التي تملك الامكانية'، وهذا ليس كلامي أنا بل هو جواب السيد عدنان الباججي، وزير الخارجية السابق، في مقابلة تلفزيونية مع قناة سكاي نيوز العربية، يوم الخميس 10 كانون الثاني/يناير 2013 ، على سؤال حول امكانية تحول التظاهرات الى اعمال عنف.
والمعروف ان الباججي كان جزءا لا يتجزأ من العملية السياسية التي رسمها ورعاها الاحتلال الامريكي منذ عام 2003، وان بات 'يلوم أمريكا' الآن لأنها تسببت في تأسيس الطائفية لأنها لم تفهم طبيعة الشعب العراقي
.

مهلا يا دولة رئيس وزراء العراق

04/01/2013
وصف نوري المالكي، رئيس وزراء نظام 'حزب الدعوة' بالعراق، التظاهرات الشعبية والاعتصامات التي يساهم فيها ما يزيد على المئة ألف مواطن، منذ عشرة ايام، بأنها 'نتنة' وطائفية وانها 'فقاعة'، وهي 'عملية تواصل مع جهات اجنبية' وان المحتجين هم 'اصحاب اجندات خارجية' متوعدا اياهم، وهو يزم شفتيه، بقوله: 'انتهوا قبل ان تنهوا'.
وهي اتهامات كان من الممكن اعتبارها مضحكة لولا انها متعلقة بحياة المواطنين، خاصة انها صادرة من أمين عام حزب مذهبي دينيا / طائفي سياسيا، بامتياز، اذ لا يضم بين صفوفه فردا واحدا من اي مذهب او دين آخر. وأسس منذ توليه الحكم، بالوكالة، سياسة طائفية لم تعد خافية على أحد، فضلا عن نشره مفهوم الفساد المنهجي الذي بات سمة كل ساسته ومسؤوليه. أما بالنسبة الى تهمة 'التواصل مع جهات اجنبية' او وفق 'اجندات اجنبية' فهنا يصبح المضحك مبكيا. فهل بقي هناك، في العالم كله، من لا يعرف ان حكام العراق وصلوا الى سدة مناصبهم بدبابات الاحتلال الانكلو امريكي؟ فاذا لم يكن هذا تواصلا مع جهات اجنبية فما هو معنى التواصل والأجندة الاجنبية؟ ترى ألم يسمع دولة رئيس الوزراء تصريحات القيادي في حزبه وهو سامي العسكري، القائل في مقابلة تلفزيونية، اخيرا، ما معناه بانهم وصلوا الحكم بجهود امريكية.
فمن هم 'اصحاب الاجندات الخارجية'؟ وما هي حقيقة 'الفقاعة'؟
مثل كل الانتفاضات، لم تبدأ انتفاضة غرب العراق بالحدث المنفرد الذي اشيع عنه بانه الدافع الحقيقي، أي اعتقال عدد من حراس وزير المالية رافع العيساوي الذي وصف الأساليب الأمنية لحكومة المالكي بأساليب العصابات، الا ان الحدث شكل النقطة الحرجة اللازمة، بعد فترة مديدة من الغضب المتعاظم تحت السطح، لاحداث تحول نوعي، التي اصبح فيها السكوت على الظلم تجريدا للمواطن لا من عزته وكرامته فحسب بل ومن انسانيته.
ان الدافع الحقيقي للتظاهرات والاعتصامات التي انتشرت، خلال ايام، الى مدن الانبار والفلوجة وسامراء والموصل وكركوك وصلاح الدين وديالى هو تراكم الظلم السافر، على مدى سنوات الاحتلال، جراء الفساد والممارسات الطائفية وانتهاكات حقوق الانسان والاعتقالات والتهجير واعادة رسم خارطة بغداد وفق التطهير المذهبي، بالاضافة الى الجريمة الابشع، التي واصل ساسة الاحتلال التستر عليها وممارستها بعد رحيل اسيادهم، وهي الاغتصاب المنهجي للاناث والذكور لـ'كسر عين المرأة والرجل' معا. وهي جريمة لا تكف التقارير الحقوقية العالمية عن توثيقها وادانتها ومطالبة نظام 'حزب الدعوة' والمتعاونين معه بالكف عنها ولكن بلا فائدة. والادهى من ذلك اطلاق التصريحات الملتوية للتمويه وتغطية الجرائم واخفاء الحقائق حول وجود المعتقلات اساسا. ففي الوقت الذي يؤكد فيه المتظاهرون ان عدد المعتقلات يقارب الخمسة آلاف معتقلة، معظمهن تعرضن للتعذيب والاغتصاب، وان عددا منهن انجب اطفالا من الجلاوزة الذين انتهكوا اعراضهن، نفى المالكي اولا وجود معتقلات، ثم صرح عندما تعالت صرخات المطالبة باطلاق سراحهن إن عدد السجينات المحكوم عليهن في قضايا الإرهاب 'لا يتعدى عدد أصابع اليد' ليكذبه وزير العدل حسن الشمري في حكومته قائلا بأن عدد المعتقلات هو 980 معتقلة من بينهن 211 'ارهابية'.
ثم عاد المالكي، بعد ان امضى سنوات وهو ينفي وجود معتقلات بريئات، ليعترف يوم 1 / 1 بوجود نساء اعتقلن كرهائن في حال غياب الذكور من افراد العائلة، حيث قال بأنه 'أمر بإطلاق سراح فوري لكل امرأة اعتقلت دون أمر قضائي، فضلا عن اللواتي اعتقلن بجريرة ذنب ارتكبه شخص من ذويهن'. وضحكا على آلام ومعاناة المواطنين تم اطلاق سراح ثلاث معتقلات فقط.
واذا ما علمنا بان المادة 4 ارهاب التي يتم وفقها اعتقال اي كان بتهمة الارهاب وحسب تقارير المخبر السري، هي السيف المسلط بانتقائية على رقاب المواطنين، وان القضاء العراقي بات مسيسا، طائفيا، فاسدا وفق التقارير الدولية، لأدركنا مدى مصداقية تهمة الارهاب الملصقة بالنسوة المعتقلات، ولعرفنا مدى مصداقية تصريحات رئيس الوزراء.
فلا عجب ان يرتفع سقف مطالب المتظاهرين للمطالبة بتغيير النظام، بالاضافة الى الغاء المادة 4 ارهاب واطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين ووضع حد للطائفية والفساد. وتضم صفوف المتظاهرين، مواطنين من مختلف الاعمار والمهن والاتجاهات السياسية، فمن طلاب جامعة الموصل الذين اطلق عليهم الرصاص، يوم أمس، لمنعهم من المشاركة الى الموظفين ورؤساء العشائر ورجال الدين واعضاء من مجالس المحافظات والحركات الشبابية، التي نشطت بالتزامن مع ميلاد الثورة التونسية والمصرية، وكان لها حضور متميز في ساحة التحرير ببغداد ما يقارب العام، واهمها ''الحركة الشعبية لإنقاذ العراق' و'شباب الثورة العراقية الكبرى' و'ائتلاف ثورة 25 شباط'. وقد اصدرت هذه التجمعات بيانات أكدت فيها أهمية المطالب لانها تمس حياة المواطنين جميعا ورفعوا اعلاما وشعارات وطنية شعبية على غرار 'كلنا حسينيون من الانبار الى كربلاء'، 'سلمية، سلمية'، 'حكمت فظلمت فارحل لا بارك الله فيك'، 'وصلوا خبر للأنبار أهل الموصل ذولة احرار'، 'لا للطائفية ... اطلقوا سراح المعتقلات'، و'محاسبة ومعاقبة منتهكي اعراض العراقيات' ورفعت نسوة الفلوجة المتظاهرات شعار 'سنبقى مع الرجال في ساحات العز والشرف حتى تحقيق المطالب'. واطلقت على ايام الاعتصام اسماء مثل: 'اعتصام استعادة الحقوق'، 'ثلاثاء الحرائر'، 'واربعاء الكرامة'، و'جمعة الصمود على نهج الأمام الحسين' تيمنّاً بثورة الأمام الحسين وصموده ضد الظلم والحيف.
وكان العلامة عبد الملك السعدي، الذي رفض منصب مفتي العراق بعد عرضه عليه عام 2007، قد انضم الى التظاهرة وخطب في ساحة الاعتصام بالانبار يوم الاحد الماضي، قائلا ان 'هذا الاعتصام ليس على أساس القومية ولا على أساس الطائفية، بل دعوة من اجل المطالبة بحقوق العراقيين جميعا، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية'.
وتدل مطالب المتظاهرين اليوم كما تدل تظاهراتهم، عبر السنوات في جميع ارجاء العراق، بأن تداخل المحاصصة الطائفية والعرقية والفساد المالي والاداري، المنعكس على دقائق الحياة اليومية للمواطن باشكال مختلفة اكثرها بروزا شرعنة الارهاب والترويع 'الحكومي'، هو ما يجب تغييره وليس استبدال وجه المالكي بالجعفري او صالح المطلك. ان رفض المتظاهرين الاصغاء في ساحات اعتصام الكرامة لوجوه نظام حزب الدعوة او تحالفاته، سنية كانت ام شيعية، هو رفض للعملية السياسية التي صاغها المحتل وطبقتها حكومات الاحتلال بالنيابة. انه رفض لتقسيم وتفتيت العراق. اما تهديدات 'دولة رئيس الوزراء' المتناثرة، اخيرا، يمينا ويسارا على شاشات التلفزيون فانها في استصغارها للشعب العراقي لا تقل عن خطابات بن علي ومبارك والقذافي، استهانة واستصغارا لشعوبهم ووصفهم بالارهاب والارتباط بالاجندات الاجنبية، حين طالبت الشعوب بالتغيير. وكانت النتيجة؟ هل نحن بحاجة الى التذكير بمصيرهم؟

كل عام وانت بخير يا اكثر المدن حزنا!

28/12/2012
انها المدينة التي تحذر معظم سفارات العالم الغربي من زيارتها الا للضرورة القصوى حرصا على سلامة مواطنيها. انها المدينة المحاصرة، المهددة، الموبوءة، الملوثة، الموحلة، المظلمة، المريضة، الشاحبة، المسلحة، الوسخة، المهملة. المدينة التي تشقق وجهها لفرط ما داستها عربات ودبابات المحتل. مدينة الحفر والمجاري الفائضة. المدينة التي لاتغسلها الامطار بل تزيدها ولولة وحزنا بلا نخيل يشرب المطر لنسمع بدر شاكر السياب هامسا: 'بلا انتهاء، كالدمِ المُراق، كالجياع كالحبّ كالأطفالِ كالموتى'.
انها بغداد. بغداد الآن. بغداد 'العراق الجديد'. بغداد التي امتدت جذور الكآبة فيها حتى الروح. ولأن للمدن روحها المنسوجة بحياة قاطنيها، باتت بغداد الزاهية، الجذلة، بغداد الغناء والموسيقى والفن والشعر والاحتفالات، كئيبة، تناضل لتتنفس، لتواصل الحياة، لتبعد صخرة الموت الجاثمة على صدرها منذ دقت فيها طبول الحروب حاصرها الغزاة ووطئتها همجية المحتل وطائفية الانتقام.
ان علاقة المدن بالغزاة واضحة لا لبس فيها. انها تماثل رغبة الانسان بالتطهر من نجس، فهو لا يريد تأخير الاغتسال لئلا يتغلغل النجس في خلايا جسده. لهذا ترفض المدن الغزاة ومن يصاحبهم وتنأى بنفسها عنهم فلا فن ينتج ولا اصوات تصدح بالغناء. فهل فكر زعماء أحزاب دعوة الاحتلال بذلك حين استجاروا به وبرروا له جرائمه ضد أبناء شعبهم والشرعية الدولية والإنسانية؟ هل يفكرون بذلك وهم، الآن، سدنة معابد الطائفية والفساد التي أبتناها الاحتلال لنفسه أولا ثم أورثها لهم ولفرقهم القذرة بعد هزيمته؟ هل نحن بحاجة الى تقرير عالمي (التقرير السنوي لمجموعة 'ميرسر للاستشارات') ليبلغنا ان بغداد هي 'أسوأ مدينة يمكن العيش فيها في العالم'؟ أم ان قراءة التقرير وتعليق 'مسؤول حكومي' عليه يجمع ما بين الماساة والكوميديا. فالمسؤول يعترض على اعتبار بغداد أسوأ مكان يمكن العيش فيه، لا لأن المعلومات الواردة فيه غير صحيحة (هل انقطع حبل الكذب؟) ولكن لان 'عواصم بلاد الربيع العربي ليست أفضل حالا من بغداد'! ودفعا للشك، يؤكد التقرير بان بغداد هي الاسوأ في مجال الخدمات والنظافة، ليس فقط على الصعيد العربي بل حتى العالمي.
تكتئب المدن وقد تموت كمدا كما يموت الانسان. واذا كان الكاتب الانكليزي جورج اورويل قد شكك باستمرارية الحضارة الانسانية عندما سار في خرائب المدن الالمانية اثر الحرب العالمية الثانية فان السائر في خرائب المدن العراقية، بغداد خاصة، لابد ان يشكك بمستقبل الحضارة نفسها اذا ما استمر الحال على ما عليه الآن. فالساحات مخنوقة والأزقة مطمورة تحت ركام القاذورات والروائح الكريهة تزكم الانوف، حيث إختلطت مياه صرف المجاري والمراحيض مع مياه الأمطار التي غطت شوارع المدينة وأرضيات البيوت وغرفها، والسيارات والشاحنات، وتنز من بين شقوق الارصفة دماء الضحايا.
وهل المدن غير الانسان؟ وكيف يبني الانسان مستقبله اذا ما كان مستغرقا في ليل الحزن وظلمة البكاء وعمى البصيرة على أمل الوصول الى الفردوس عبر طريق معبد بالانتقام؟ كيف يتطلع الانسان الى رؤية نهار مشرق اذا ما كان يحمل الخراب في نفسه، كما يقول الشاعر اليوناني كفافيس؟
تقرير عالمي آخر يطالعنا في نهاية العام. العراقيون هم الأقل ضحكاً وراحة وإظهاراً للمشاعر الإيجابية من بين 148 دولة في العالم. هل يدهشنا التقرير؟ لامكان للدهشة في العراق الجديد. كيف نضحك ونحن نقضي معظم ايام العام اما مرتدين السواد او الاكفان ونحن نلطم وننشج ونضرب ظهورنا بالسلاسل ونضرب رؤوسنا بالسكاكين حتى تسيل الدماء، حزنا على حدث تاريخي تم منذ ما يقارب الالفي عام، وان اعتبرنا الحدث الشهادة الكبرى في التاريخ؟ كيف نضحك ونحن نعيش في مجلس عزاء دائم ومسيرات 'مليونية' لحضور مجالس العزاء العابرة للمدن، على مدى العام، وبتشجيع من النظام الحاكم ولقاء منح سخية لكل من يطبخ ويرفع الرايات ويقيم مجلسا للعزاء؟ وهل اتاكم حديث كيف فرح مواطنو البصرة الذين ناشدوا 'الحكومة ومجلس المحافظة المحلي' بانقاذهم من طفح المجاري والفيضانات وغرق بيوتهم وتعطل اغلب شبكات الكهرباء والانترنت فيها جراء هطول الامطار، بعدم الاستجابة لمناشداتهم بحجة ' ذهاب اغلب الكوادر والعمال إلى زيارة الاربعينية في كربلاء مشيا على الاقدام'!
وكيف يظهر سكان بغداد المشاعر الايجابية ومدينتهم، كما المدن الفلسطينية تحت الاحتلال الصهيوني، مكتظة بنقاط التفتيش والكتل الخرسانية والأسلاك الشائكة وغالبيتهم لا يحصلون على الكهرباء سوى بضع ساعات يوميا والذين يحصلون، في العراق، على مياه نظيفة لا يزيدون على ثلث السكان فيما لا تتجاوز نسبة الذين ربطت مساكنهم بشبكة الصرف الصحي19 في المئة، بينما تختلس مليارات الدولارات في ظل تدهور التعليم والصحة والتهجير القسري، في واحد من دول العالم الغنية بالنفط والموارد الطبيعية؟
ولئلا اتهم بالتشاؤم (ونحن على عتبة عام جديد يستدعي التفاؤل) ومسايرة التقارير الاجنبية 'المعادية' لروح العدالة السائدة في عهد نظام حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي، انقل اليكم خبرا تناقلته مواقع اخبارية عراقية واجده خير مايمثل عقلية النظام الحالي. جاء في الخبر المذهل ( موقع براثا ـ 23 كانون الاول 2012) ان نقابة المحامين العراقيين، فرع النجف الاشرف، اقامت 'أول محكمة تاريخية لمحاكمة قتلة الشهيد زيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين (عليهم السلام) والذي حدث قبل 1313عاما عندما ارتكبت بحقه جريمة مأساوية يندى لها جبين الإنسانية'. لاحظوا ان الجهة التي اقامت المحاكمة ليست مجموعة جهلة او حشود تتحكم بها العواطف غير العقلانية بل انها نقابة المحامين العراقيين. وقد اقيمت المحكمة في قاعة جامعة الكوفة، اي في مكان علمي، وليس استديو لتقديم برنامج تلفزيوني هزلي. تألفت هيئة المحكمة من ثلاثة قضاة ومدع عام ومحام للدفاع عن المتهمين. وقد ' استمعت رئاسة المحكمة إلى شهادة الشهود وهم كل من الباحث والمؤرخ الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم ورجل الدين والباحث مهدي الحكيم والصحافي حيدر حسين الجنابي.
وبعد استماع المحكمة إلى ما أدلى به الشهود من معلومات وحقائق وملابسات الجريمة والتي تم فيها اثبات العمل الإجرامي الذي ارتكب بحق الشهيد السعيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين (عليهم السلام)، إبان حكم هشام بن عبد الملك وبعدها أبن أخيه الوليد بن يزيد في عصر الدولة الأموية سنة 121هـ.
وبعد انتهاء المرافعات وسماع محامي المتهمين أصدرت المحكمة حكمها النهائي بالإعدام شنقاً حتى الموت بحق المدانين: المجرم هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويوسف بن عمر والي العراق والحكم بن الصلت أحد القادة العسكريين في الجيش الأموي'.
لقد ظننت وانا اقرأ الخبر، لاول مرة، بانه مفبرك، غير ان نشره في مواقع جعلته متصدرا لبقية الاخبار، بضمنها الكوارث المحيقة بالمواطنين الآن، ابعد الشك بصحته. وقد يعتقد البعض انه خبر مؤهل لنقض مقولة اننا الشعب الأكثر بكاء او اثارة للبكاء. غير ان التساؤل المهم، مادامت نقابة المحامين هي الجهة التي اقامت المحاكمة هو: الا تكفينا احكام الاعدام التي اصدرها ونفذها نظام حزب الدعوة منذ تبوئه الحكم وحتى اليوم، وهي احكام وصفتها كل المنظمات الحقوقية الانسانية المحلية والعالمية بالانتقائية وغير المستندة الى القضاء العادل؟ ام ان عجلة الانتقام لا يمكن ايقافها حالما تشرع بالدوران لتحرق كل ما يوحي بالامل وما نريده لاطفالنا وشعبنا ومدننا مستقبلا؟

اهمية توثيق مسار المقاومة العراقية

21/12/2012
لقد عانت المقاومة العراقية الباسلة منذ الايام الاولى للاحتلال الانكلو- امريكي، في آذار / مارس 2003، من الكثير من التشويه والتضليل والتهم الجاهزة. ولاتزال تعاني من كيل الاتهامات ذاتها حتى اليوم. من بين الاتهامات ما هو عالمي وما هو محلي. فتهمة 'الارهاب' التي الصقت لصقا بالمقاومة العراقية عالمية، جاهزة، استنبطتها قريحة الادارة الامريكية لتبرير شن الحرب على اية جهة لاتسايرها، ولشرعنة دورها كقوة ردع استباقية في العالم. اما الاتهامات المحلية التي ساعد على ترويجها مستخدمو الاحتلال، فهي على غرار 'ازلام النظام البائد'، و'صداميون'، و'وهابيون' و'القاعدة'. ومع وجود اجهزة اعلام مدفوعة الأجر بالاختلاسات المالية وعمولات الصفقات بالملايين واختفاء المليارات، لاعجب ان تكرر الصحافة وكل اجهزة الاعلام الصورة المشوهة للمقاومة وتنكر وجودها او تطمس دورها الفعلي في اجبار قوات الاحتلال على الجلاء.
ازاء هذه التعمية عن وجود واحدة من اكثر صفحات العراق المعاصر اشراقا وتضحية ودفاعا عن كرامة المواطن، تنبع حاجة حقيقية لتوثيق يوميات المقاومة والمقاومين الذين دفعوا حياتهم (ولايزالون) ثمنا للتخلص من هيمنة المحتل الاجنبي وحكوماته الطائفية الفاسدة. وقد قام عدد من الكتاب والصحافيين والباحثين، بين الحين والآخر، بمحاولة توثيق مسار المقاومة منذ ايامها الاولى. كما لجأ البعض الى سرد شهادات لقلة من المقاتلين، وهي شهادات، على اهميتها، لا تمنح الباحث المتابع ما يساعده على استشراف الصورة كاملة او التوصل الى الحقيقة وهو هدف يتطلب جهدا كبيرا وشهادات كثيرين من المقاومين من مختلف الفصائل التي ساعدت على ابقاء المقاومة حية لتوجه الضربات المتتالية الى العدو. خاصة وان للمقاومة العراقية، كما يذكر الباحث خالد المعيني 'خصوصية معينة؛ فكافة تجارب العالم السابقة انطلقت وهي تخضع لنظام دولي خاص أتيح لها حاضنة دولية كما هو الحال في المقاومة الفيتنامية والجزائرية والكورية وما إلى ذلك، ولكن المقاومة العراقية لها وضع خاص إنها تقاتل القطب الأوحد في العالم وبدون أي حاضنة دولية أو عربية أو إسلامية أو إقليمية عدا التعاطف الشعبي'. ويركز الباحث العسكري مهند العزاوي على تغيير سياسة القيادة العسكرية الأمريكية في العراق واستخدامها 'إستراتيجية 'الهندسة المعكوسة' التي تجعل المدني والمقاتل جميعهم أعداء، وباستخدام قانون مكافحة الإرهاب وعبر شبكة سجون ومعتقلات حكومية سرية وعلنية، ويمارس هذا التكتيك كوسيلة لأشغال الشعب بالقمع والترهيب والتعذيب'. وفي مجال توثيق مسار المقاومة، قامت 'قناة الرافدين' العراقية، خلال الشهر الحالي، بتقديم برنامج، عن المقاومة، اجرى فيه رافع الفلاحي، مقابلة مع مثنى حارث الضاري، مسؤول قسم الثقافة والاعلام في هيئة علماء المسلمين وأن اكد الفلاحي بان ضيفه لا يتحدث ضمن هذا الاطار بل لكونه شاهدا ومتابعا وموثقا لقضية المقاومة التي منحت الشعب الامل والقوة على مواصلة النضال ضد المحتل.
وتنبع اهمية البرنامج بحلقتيه الاولى والثانية وهناك ما يشير الى وجود حلقات اخرى، من انه يمنح الشاهد/ الباحث مساحة كافية للحديث عن تجربته وتفاصيل متابعته للاحداث داخل العراق التي بدأت في فترة اعداد الولايات المتحدة وغيرها من 'دول التحالف' للغزو. وقد قام مثنى حارث بتقديم شهادته التفصيلية بلغة بسيطة خالية من جعجعة الادعاء والتضخيم التي، غالبا، ما تدفع المشاهد الى تفادي برامج كهذه لفرط الاستعراضات البطولية. ويلاحظ، في الوقت نفسه، ابتعاده الكلي عن الادعاء بانه كان جزءا من فصيل المقاومة الوحيد في الميدان كما تميز بالحديث باعتزاز وفخر عن ادوار المقاومين ممن ضحوا بحياتهم دفاعا عن الوطن وعن كرمة وعزة الشعب. مشيرا بالاسماء والامثلة الى بطولة الناس العاديين وقوتهم الداخلية التي جعلتهم لا يترددون في مواجهة اعتى الاسلحة واكثرها فتكا بابسط الاسلحة المتوفرة. هناك مثلا حاج حمزة الذي هجم على دبابة امريكية بخنجره. كما قدم مثنى حارث سردا تاريخيا عن الاتصالات التي جرت بين الجهات المختلفة للتنسيق قبل الغزو، حول الاشكاليات التي واجهت من كانوا يتهيئون للدفاع عن الوطن في حال الغزو ولعل اهمها محاولة البعض الخلط ما بين الدفاع عن الوطن والدفاع عن النظام، بالاضافة الى موقف البعض المنادي بقبول المحتل وانتظار ماسيحدث، وهي وجهة النظر التي قوبلت بالرفض الشديد من قبل معظم المجتمعين سواء داخل او خارج العراق. هناك توثيق للحظات المقاومة الاولى، البناء التدريجي لفكرة المقاومة، جرح احد المقاومين واستشهاده، صدور الفتاوي الداعية الى المقاومة واعتبارها ' فرض عين'، ومناقشات الشباب داخل المساجد. ولا يكتفي مثنى حارث بتقديم شهادته عن المقاومة في المنطقة التي كان يقطنها وهي منطقة ابو غريب قرب بغداد، بل ينتقل لتقديم صور المقاومة في عموم العراق ساردا باعتزاز الافعال البطولية للمقاومين وقوات الجيش في العديد من المدن بدأ بأم قصر والبصرة والناصرية وبقية الطرق الى مشارف بغداد .
وتضيء المقابلة جوانب ومناقشات قلما يشار اليها مثل شيوع استخدام مصطلح المقاومة وليس الجهاد فحسب، وامكانية مواجهة قوات عاتية عسكريا بلا سلاح وما هو الموقف من دعاة الاستسلام؟
ان كتابة تاريخ المقاومة، وهي لاتزال مستمرة، ليست مهمة سهلة، خاصة وان معارك بطولية كاملة انتهت بتضحية المقاومين بأنفسهم ولجوء قوات الاحتلال الى القصف والقتل الجماعي ادت الى غياب الشهود. لذلك، من الضروري ومن الواجب تدوين افعال المقاومة مهما كان حجمها. ان تدوين افعال المقاومة هو استمرار لفعل المقاومة المسلحة نفسها بالاضافة الى اشكال المقاومة الاخرى. وهو امتداد طبيعي اذا ما اردنا الا يقوم المحتل بكتابة تاريخنا كما يريده هو وبمنظوره ليسلبنا حق بناء الذاكرة الجماعية. وهي جريمة طالما ارتكبها الغزاة ليكتب التاريخ وفقا لمنظور المحتل والمتعاونين معه واجهزة اعلامهم التضليلية مع الاهمال الكلي او محو صفحات المقاومة التي خطها المقاومون بدمائهم. وهو ما يشير اليه الروائي اللبناني أمين معلوف في كتابه 'الحروب الصليبية كما رآها العرب'. اذ اقتصرت سردية 'الحروب الصليبية' وكتابة تاريخها وتحليلها على الصورة المنتقاة التي قدمها الغزاة وتم الترويج لها في الغرب فعمد امين معلوف الى تقديم 'صورة مقابلة تركها المؤرخون العرب'، ولم تعرف طريقها الى عموم الجمهور ولم يتح للصوت العربي ان يسمع استنادا الى توثيقه من قبله هو.
لقد كشفت وثائق ويكليكس بعض الجوانب الخفية لعمليات المحتل الوحشية ضد المواطنين ومحاولات المقاومين التصدي لها. لكن اللغة العسكرية الخاصة وكثرة الرموز تجعل تشفيرها وقراءتها مهمة صعبة المنال، وهنا تأتي اهمية التدوين التوثيقي وتسجيل الشهادات وعدم الاكتفاء بالسرد الشفهي. نحن بحاجة، من بين ما نفعل في هذا المجال، لتشجيع الشباب، وحتى الطالبات والطلبة، على تسجيل الأحداث التي شهدها الكبار في عوائلهم ومحلاتهم، وجمع الصور والخرائط والقصاصات، والإستفادة حسب الممكن من تحميل هذه على الإنترنت، أو حفظها في أكثر من مكان إذا كان هناك داع للسرية. وسيسمح الزمن بتدقيق هذه وغربلتها، لكن البداية هي في تسجيل التأريخ المحلي، و جمع ما سيغربل. ولا شك أن ظروفنا تسمح بأن لا تعاد دورات إستمرت مئات السنين قام فيها كل جيل من العراقيين وغيرهم في منطقتنا بحرق تراث الجيل السابق من كتب وأوراق، تفاديا لإنتقام الحكام.
فالتوثيق هو ذاكرة الشعوب الجماعية وما تحمله من موروث ثقافي وحضاري يساعد على فهم احداث الماضي وتطويرها او تجاوزها او البناء عليها. انه اداة العثور على الحقيقة وردم القطيعة المعرفية ما بين الاجيال فضلا عن كونه الأداة التي ستبقي على المقاومة، عراقية، باسلة، مهما حاول الاحتلال وحكوماته الطائفية مسح كل ما هو عراقي فيها
.

العراق: قتل المخيلة جريمة لا يعاقب عليها القانون!

14/12/2012
يتردد، غالبا، عند الحديث عن محنة المبدع في ظل القمع السياسي، بان الظروف المأساوية تخلق ادبا انسانيا لامثيل له وأن ومرور المبدع بتجربة مؤلمة يجعل نتاجه اكثر صدقا من الآخرين. ويشير الاستاذ والباحث المغربي سعيد بكور، الى هذا الافتراض قائلا ' يرتبط الإبداع عند كثير من المبدعين بالمعاناة ويقترن عند أكثرهم بالألم والوجع، وغالبا ما يكون الإبداع المقترن بالألم صادقا وذا قيمة فنية عالية، تأتيه أساسا من صدق التجربة التي يكتوي المبدع بلهيبها اللافح ونارها الحارقة'.
وهي محاججة يكررها كثيرون، وكأن العالم الغربي، المستقر سياسيا والمرفه اقتصاديا، منذ عشرات السنين لم ينتج مبدعين كبارا، وان أدباء الدول العربية، لوحدهم، هم حملة راية الابداع في العالم، شكرا للقمع السياسي والحروب والفقر والامراض. متناسين واقع المبدع المرير حيث يجبر على العمل في وظيفتين ليعيش، وان يكتب برمزية لا يستطيع أحد فك رموزها للافلات من ارهاب الرقيب، وان يتم تجنيده في حروب عبثية ينبض قلبه ضدها. وقد منحنا الادب العراقي، في ظل القمع السياسي، وباستثناء قلة لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة، قصصا وروايات ونصوصا، اما موغلة في التاريخ القديم باساطيره وامجاده او مستغرقة في صوفية الاستطراد اللغوي بلا مضمون او واقعية ' الجبهة' وامجاد البطولات الفذة. فما الذي يمنحه المبدع العراقي هذه الايام في ' العراق الحرّ الجديد ' كما يسميه الاتحاد العام للادباء والكتاب ؟ هل تصح مقولة ان الابداع صنو المأساة، خلال سنوات الاحتلال والطائفية منذ عام 2003 وحتى اليوم؟ أفليس الاحتلال وجرائمه واستلاب ارض المرء وحريته وكرامته معاناة تقترن بالالم والوجع؟ ألا يستوجب هذا الوضع ان تتراكم، امامنا، الكتب والقصص والروايات الحافلة بالابداع الحقيقي الخالد؟ أم ان عصر الابداع قد ولى مع أجهزة الرقابة والأوصياء على الفكر الحر وفي ظل ' الانفتاح المفاجىء على فضاءات الديمقراطية والحرية'، كما يصف القاص سلام حربة وضع مابعد 2003 ؟ فهل ' فضاءات الديمقراطية والحرية' هي سبب ما نلمسه، في معظم مجالات الابداع الفني والادبي، من جفاف المخيلة، وقحط الابداع، وانصراف النقاد الى قراءة نصوص ثلاثة ادباء راحلين فقط، لئلا يتهموا بالخروج عن جادة الصواب؟
لو فحصنا النتاج الإبداعي، خلال العشر سنوات الاخيرة، لوجدنا ان معظمه لم يزد عن كونه انعكاسا للوضع السياسي والخراب المجتمعي الذي يعانى منه البلد في ظل الاحتلال وحكوماته الطائفية الفاسدة، خاصة، وان معظم ادبائنا يجمعون ما بين مهنة الصحافة والعمل في اجهزة الاعلام المختلفة كمورد رزق لهم بينما تنزوي الكتابة الادبية، غالبا، فيما تبقى لديهم من وقت وجهد. ولأن اجهزة الاعلام مقسمة سياسيا وطائفيا وعرقيا، صار الاديب المتحرر لتوه من سلطة الرقيب خاضعا لأكثر من رقيب. فتم استبدال الرقيب الخارجي (المعجون في داخل المبدع احيانا) برقباء يقفون بالمرصاد لكل كلمة او لون قد يحفز المخيلة او يمرن على التساؤل والنقد الواعي أو يساعد على تقديم عمل خارج القوالب المفروضة قسرا. لعل اشد الرقباء الجدد قسوة سلطات قسوة هم سلطة سدنة التقسيم الطائفي والعرقي من ساسة وقادة احزاب وأدعياء دين وميليشيات واجهزة اعلام تابعة لكل من يدفع.
واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان 60 بالمئة من كتابنا وفنانينا، ومعهم شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة المتعلمة، قد اجبروا على مغادرة العراق منذ عام الغزو، لأدركنا حجم مأساة من بقي منهم ومدى المساحة المتوفرة له للعمل والابداع. انها مساحة بحجم زنزانة محاطة بزنزانة أكبر موجودة في معتقل كبير.
هنا يسقط مفهوم المعاناة المنتجة للابداع كما يسقط ادعاء 'الانفتاح المفاجئ على فضاءات الديمقراطية والحرية'. كلاهما لم يمنحا الاديب والفنان المساحة الضرورية لكي يتنفس، لكي يعيش، لكي يتذوق معنى الديمقراطية والتمتع بحرية التعبير وان يعيشهما، حقا، عقلا وجسدا. لقد صدر، منذ الاحتلال عدد من الروايات والمجموعات القصصية لكتاب عراقيين، الا ان معظمها، وللاسباب التي ذكرناها، صدر من كتاب مقيمين خارج العراق كما ان مجموع ماصدر من قصص وروايات، بالاضافة الى الدراسات والبحوث، من قبل كتاب غربيين عن الحرب والاحتلال، يساوي اضعاف اضعاف النتاج العراقي والعربي، معا.
ان الحرية شرط واجب للابداع. أما اجبار المبدعين على مغادرة وطنهم بعد تهديدهم بالموت اغتيالا، ووضع قوالب فولاذية لصب الباقين منهم فيها، فانه حكم بالاعدام على المخيلة وقطع اوكسجين الحياة عنها، وفتح الابواب على مصراعيها لاحتلال عقولنا والهيمنة عليها، كما تم احتلال بلادنا. فلا عجب، ومبدعينا بهذا الحال، ان يصدر محتلو بلادنا الكتب عنا، وان يكتبوا القصص والروايات عنا، وان يمتلكوا الجرأة على سرقة اصواتنا.
60 بالمئة من الكتاب والفنانين اجبروا على مغادرة العراق بعد 2003. انه جدب المخيلة. ضمرها نتيجة نقص اوكسجين الحرية الذي يؤدي بين الكثير من آثاره الضارة الى نقل الواقع كما هو او اعادة انتاج مايعرفه فحسب بدون امتلاك القوة الجسدية والذهنية على المغامرة وما يلازمها من خطر الاستفزاز والتحريض والدعوة الى التغيير. علينا ان نعترف ان الروايات التي تحمل هذه المواصفات هي التي صدرت خارج العراق كما رواية سنان انطون.
ان مهمة المبدع الحقيقي ليست سهلة لما يواجهه من ظروف عصيبة في بلد كالعراق الا انها ليست غامضة الملامح او ملتبسة . فالمبدع، لما يمتلكه من امكانيات ذاتية ومعرفية، بامكانه اتخاذ موقف واضح من قضاياه وقضايا امته وهي غالبا متلاحمة ومتداخلة الى حد من الصعب الفصل بينها. ان المثقف هو من يعمل على التحرر فوزارة الثقافة وزيرها هو ذاته وزير الدفاع
.

الجيل الرابع من الحروب الامريكية على العالم

07/12/2012
أكد الرئيس الامريكي باراك اوباما، اثر انتخابه رئيسا للمرة الثانية، على مواصلته سياسته السلمية في جميع انحاء العالم، معلنا للشعب الامريكي والعالم 'انتهاء عقد من الحرب'. وتشير معطيات العقد الأخير الى ان الادارة الامريكية وبعد شنها الحرب على افغانستان والعراق ومواصلة دعم الحرب على الشعب الفلسطيني بواسطة الكيان الصهيوني، قد تعلمت درسا بليغا جعلها تنأى بنفسها عن شن الحرب، مباشرة، على بلدان أخرى. ولكن ... هل يعني هذا التأكيد الأمريكي انتهاء استخدام الحروب كأداة ردع للدول والشعوب المناهضة للسياسة الامريكية والرافضة لاحتكارها القرار السياسي والإقتصادي في أغلب مناطق العالم؟
قد يبدو مسار السياسة الامريكية المتجنبة لمواصلة الحرب، تحت ادارة اوباما، بالنسبة الى العراق وفلسطين، سائرا بهذا الاتجاه فعلا. فقد قامت الادارة الامريكية بتنفيذ الاتفاقية الامنية الموقعة بين العراق وأمريكا بصدد سحب قوات الاحتلال، كما لعبت دورا في تحجيم اعادة احتلال القوات الصهيونية لقطاع غزة، أخيرا، ولو من باب 'الحث على العودة الى طاولة المفاوضات'. واسباب اتخاذ هذا المسار المختلف عن السياسة الامريكية الداعية الى التوسع الامبريالي وفق مخطط المحافظين الجدد، هو وقوف المقاومة العراقية والافغانية والفلسطينية بوجه العدوان العسكري الامريكي الصهيوني، مما ادى الى رفع تكلفة الحرب العسكرية الشاملة بشكل لم تتوقعه امريكا ودفع الى حدوث الازمة الاقتصادية الخانقة للشعب الامريكي.
ان ارتفاع التكلفة الاقتصادية اولا والبشرية ( من الامريكيين بطبيعة الحال) ثانيا، هو الذي دفع اوباما الى عزف مقطوعة نهاية الحرب. وهي مقطوعة يراد منها ارضاء الشعب الامريكي المثقل بالديون وآثار الازمة الاقتصادية وحروب لم تجلب للامريكي الغنائم التي كان يأمل الحصول عليها.
غير ان مسار السياسة الخارجية الامريكية، في العقد الأخير، واستراتيجية أميركا في مجال الأمن القومي، وكلاهما مبني على عقيدة 'الحرب على الارهاب'، يشيران الى ان معنى 'نهاية الحرب'الحقيقي هو 'نهاية الحرب العسكرية المباشرة'وبموازاة تكييف امريكا، لنفسها، سياسيا وعسكريا، لتطبيق بدائل تكنولوجية حديثة تمارس من خلالها مواصلة الهيمنة على مستعمراتها القديمة والجديدة. وقد لاحظنا تطبيق البدائل، بشكل تدريجي ومتصاعد، في السنوات الاخيرة في العراق وافغانستان وباكستان وشمال افريقيا واليمن والصومال، بالاضافة الى تطبيقها من قبل الكيان الصهيوني، بالنيابة، في فلسطين والسودان وسوريا. ولعل استخدام الطائرات المسيرة (بدون طيار) في مراقبة أجواء الدول وتطويرها من اجهزة رصد الى اجهزة قادرة على الهجوم والاغتيالات بعد تزويدها بالصواريخ، كما رأينا في هذه البلدان، هو الوجه الظاهر الأبرز للتحول التدريجي في هيكلة الحرب العسكرية. اما الوجوه الاخرى فهي فرق التحرك السريع، ثم فرق المهمات الخاصة. وهذه الأخيرة تنفذ عمليات تمتد من الخطف والاغتيال والتدمير الى اثارة الفتن والقلاقل تمهيدا لتحولات سياسية . وتتراوح اسماء هذه بين الفرق القذرة (وهم يعتبرون التسمية صفة لائقة لقوات رسمية لا تلتزم بالقواعد القانونية العادية، أي لغرض الترهيب) وفرق الموت الأكثر سرية، والعاملة تحت رايات مختلفة، سواء كانت مكونة من المرتزقة او الامريكيين انفسهم او من 'النخبة'المتعاونة مع القوات الامريكية من اهل البلد المغضوب عليه.
وتسعى الادارة الامريكية الى التخلص تدريجيا من الإعتماد السابق على تمركز القواعد العسكرية الضخمة بمعداتها وآلياتها في البلدان المحتلة، مع ابقاء عدد محدد منها كمراكز سيطرة ورصد بعيدة المدى يالتركيز على الاجهزة الالكترونية المتطورة والمدارة عن بعد. ويتلاءم هذا التطورمع توقيع اتفاقيات أمنية واستراتيجية مع الحكومات الحليفة أو الخاضعة، لتحقيق المفهوم الذي كتب عنه منظر الامن القومي الاستراتيجي اليميني مارك هلز قبل عشر سنوات، بعد عام من تفجيرات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، قائلا : 'سواء في داخل او خارج أمريكا سننتهي بالوضع التالي: ابناؤهم ضد تقنيتنا'. واذا ما اضفنا الى ذلك اللجوء الى سياسة 'القوة الناعمة'، أي بالتفاعل مع المجتمعات بتفاصيلها ومع الطيف السياسي بمجمله، ومع بنية المجتمع المدني والتعليم والاقتصاد، لوجدنا اننا بحاجة ماسة الى تمحيص الكثير من المتغيرات الاخيرة في البلدان العربية.
ويشكل العراق، بحد ذاته، نموذجا يستحق الدراسة، للاطلاع على تطور الاستراتيجية الامريكية والهيكلة العسكرية والاعتماد اكثر فاكثر على جهاز المخابرات المركزي، استشرافا للآتي غير الطافي على السطح، بعد. أول ما يمكن النظر اليه هنا تميز العراق بوجود الحصن الامريكي الهائل، السفارة الامريكية، وفيها نحو 2000 دبلوماسي، ويرتبط بها آلاف المتعاقدين الأجانب من غير الدبلوماسيين، وتوظيفها أكثر من 300 عربة مصفحة لتنقلات منتسبي سفارتها وطاقمهم الأمني. وتبلغ نفقات السفارة السنوية نحو 6 مليارات دولار. نعم، أنه عشرالتكلفة السنوية للحرب في افغانستان مثلا، لكنه يصرف لا لمصانع السلاح والعتاد كما في الماضي، إنما لجوانب أكثر دقة واستهدافا.
وينبهنا الاكاديمي البريطاني المعروف ستيفن غراهام، في كتابه القيم 'مدن تحت الحصار : التمدين العسكري الجديد في المدن'، الى ان غزو العراق وحصار غزة اثبتا ان الحضور العسكري الجديد في المدن، أو 'الحضرية العسكرية'الحديثة، تعتمد على تطور اساليب وتكنولوجيا استهداف الأشخاص والمباني في مناطق الحروب الاستعمارية، اي تحويل المدن الآهلة بالسكان وكل مساحة سكانية مأهولة الى ساحة حرب مؤهلة لأستخدام كافة انواع الاسلحة المميتة الموجهة عن بعد، المعتمدة على معلومات تواكب الأوضاع دقيقة دقيقة. وهذا خلافا لما كان معروفا عما كان يخطط ويعد له في ساحات المعارك الكبيرة سواء كانت جبالا او مستنقعات (كما في فيتنام) مع اللجوء في حالات معينة الى قصف المدن. ويتحدث غراهام عن حاجة امريكا والدول الاستعمارية الاخرى الى الهيمنة بواسطة التكنولوجيا وعولمة الرصد والمراقبة الاستخبارية والسيطرة على اجهزة التواصل ونقل المعلومات كاسلوب يشل حياة 'العدو'. واجد ان مفهوم 'العدو' في هذه الحالة قد يعني الشعب المناهض لسياسة الهيمنة الامبريالية او الدولة الرافضة للخضوع وليس ما تقدمه الينا الادارة الامريكية كعدو ارهابي كالقاعدة مثلا.
وكما ذكر دافيد بترايوس، قائد قوات الاحتلال السابق للعراق، ذات مرة بان 'ما نحتاج اليه هو العنف المستديم' داخل العراق، اي العنف المسيطر عليه لفترات مديدة، لتسهل السيطرة على البلد وإبقائه شبه عاجز وبلا قوة حقيقية. ولا شك أن محللينا العسكريين والإستراتيجيين الوطنيين سيتمعنون، من وجهة نظرنا ومستقبل شعوبنا، في تبعات هذه التطورات في السياسة الأمريكية. ولعل اكثرها أهمية تطبيق العقيدة العسكرية الجديدة المتضمنة مفهوم العنف المستديم ولكن بمصطلحات مختلفة مثل 'الجيل الرابع من الحروب' و'النزاع منخفض الشدة' والذي نراه مطبقا، بوضوح، في العراق. ونحن ننتظر منهم تحليل ملامح هذه 'النزاعات' بمسمياتها الجديدة، اثر تغيرات 'الربيع العربي' في العديد من البلدان العربية، وما يريد الرئيس الامريكي الترويج له فعليا تحت مسمى 'نهاية الحروب
'.

سلام عليك ايتها العراقية وانت تواصلين البقاء والمقاومة

30/11/2012
يمر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة على المرأة العراقية كالقطار العابر للمحطات المهجورة. فلا الانوار مضاءة في المحطة ولا الارصفة مأهولة. صوتها يرتطم بالفراغ فلا صدى. المرأة العراقية، هل تتذكرونها؟ المرأة التي كانت عزة العراق ورمز كبريائه. المرأة التي ساهمت ببناء وطن أملت ان يكون لكل الابناء. المرأة التي عاشت سنوات الحصار عزيزة النفس غير خانعة. المرأة التي استخدمتها الادارة الامريكية ومؤيديها من ساسة النظام الحالي، كسبب 'انساني' لتبرير غزو العراق واحتلاله وتخريبه بعد اكذوبة اسلحة الدمار الشامل. كيف تتذكرونها؟ هل هي التي تحدث عنها بول بريمر، حاكم الاحتلال العسكري الامريكي، رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة، القائل في 2 ايلول/ سبتمبر 2003، قائلا:
'الشعب العراقي حر الآن، وليس لديه ما يدعو للقلق من الشرطة السرية القادمة لالقاء القبض عليه في منتصف الليل، وليس هناك ما يدعو النساء للقلق على أزواجهن وإخوانهن الذين يلقى القبض عليهم ثم يقتلون. وليس من داع لقلق الرجال على زوجاتهم اللواتي يتم اقتيادهن الى غرف الاغتصاب.
تلك الأيام قد ولت. ' أم انها من خاطبها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش، بـ'انسانية' وسعى لـ 'تحريرها'، كما قال، في يوم عالمي آخر، حول 'الجهود الرامية إلى تعزيز حقوق المرأة على الصعيد العالمي ' في 12 آذار/ مارس 2004: 'كل امرأة في العراق أفضل حالا لأن غرف الاغتصاب وغرف التعذيب تحت نظام صدام حسين أغلقت إلى الأبد '. ولئلا ادخل في سرد يؤرخ للانتهاكات والجرائم والمداهمات والتعذيب والاغتصاب الموثق للنساء والرجال معا (هل هو الهدف الجديد للمساواة؟) في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة واطولها عمرا نظام حزب الدعوة الطائفي برئاسة نوري المالكي و'رئيس الجمهورية' جلال طالباني، ساشير الى تقرير منظمة تقرير هيومن رايتس ووتش، لعام 2011، وهو واحد من مئات التقارير الدولية، والذي جاء فيه ذكر حقيقة لايتطرق اليها الشك وهي: 'تنتهك حقوق المواطنين العراقيين الأكثر ضعفا، لا سيما النساء والمحتجزين، مع الإفلات من العقاب'.
كما ذكرت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في 12 أيلول 2011، ان هناك ما لا يقل عن 30 ألف معتقل في السجون العراقية لم تصدر بحقهم أحكام قضائية، معرضين للتعذيب وسوء المعاملة، من بينهم نساء. ولم يعد خافيا على احد كيفية معاملة النساء في معتقلات نظام حزب الدعوة بحيث صارت رائحة التعذيب النتنة وممارسة الجلادين تستدعي 'استنكار وادانة' بعض المشاركين في العملية السياسية. ولننظر الى احداث اسبوع واحد ذات علاقة بانتهاكات حقوق المراة. ففي يوم 26 نوفمبر، اتهم القيادي في القائمة العراقية حامد المطلك، الأجهزة الأمنية باغتصاب وتعذيب سجينات عراقيات، واصفا الحال بانه 'أخزى' من أفعال الأميركيين في سجن أبو غريب، وأن 'هناك حملة لاعتقال النساء بدلا من أزواجهن أو إخوانهن عن طريق المخبر السري وبتهمة أربعة إرهاب'. وأضاف المطلك في مؤتمر صحافي أن '12 امرأة اعتقلت في منطقة التاجي، في الثالث من الشهر الحالي، بينهن صبيتان أحداهن تبلغ من العمر 11 عاما وأخرى 12'. مؤكداً تسجيل وفيات جراء التعذيب شملت نساء ورجالاً وأطفالاً.
والمفارقة المبكية في تصريح 'القيادي' هو تحذيره من انعكاس الافعال (يعني اعتقال وتعذيب واغتصاب الفتيات) 'سلبا على مشروع الوحدة الوطنية'! مشروع الوحدة الوطنية! مما يدفعنا الى التساؤل عما يتناوله ساسة النظام لينطقوا بكذا تصريحات بدلا من اعلان الانسحاب من عملية سياسية لوثت منذ تأسيسها كل القيم الاخلاقية والانسانية المتعارف عليها؟
وقبله بيومين، في 24 تشرين الثاني / نوفمبر، كشف النائب أحمد العلواني المنتمي الى ذات القائمة الهمامة، تعرض نزيلات في عدد من السجون العراقية إلى حالات 'اغتصاب' من قبل محققين لانتزاع اعترافات قسرية. وبدلا من ان يستقيل النائب الجسور بعد اطلاعه على هذه الجرائم البشعة والتي لو اصابت مواطنا واحدا في بلد ديمقراطي حقا لأسقطت الحكومة بكاملها، أكد أن قائمته ستطلب من رئاسة البرلمان تشكيل لجنة لمتابعة هذه القضية. فالف مبروك للمرأة على تشكيل اللجنة (هل سمع احد بنتيجة تحقيق احدى اللجان حتى اليوم؟) وألف مبروك على وجود 'القائمة العراقية' الفخورة بانها، خلافا للاحزاب الطائفية، تضم بين صفوفها ناشطات نسويات مدافعات عن المرأة لا يتقاعسن، يوما، عن حضور محترفات حقوق المرأة والديمقراطية ومشاركتها في الحياة السياسية ووضع الحلول المناسبة لجميع المشكلات!
في ذات اليوم، أصدر مرصد الحريات الصحافية بيانا عن الصحفية صباح حسن، رئيسة تحرير صحيفة 'الرأي الحر' ببغداد، المعتقلة منذ العشرين من فبراير الماضي أي قبل أكثر من عشرة أشهر والتي، حسب ابنتها وتقارير طبية موثقة، تشير الى تعرضها (للتعذيب الوحشي بالضرب والكي بالسجائر عدا عن تعريتها بالكامل والتنكيل بها ونقلها بالبطانية من مديرية الجرائم الكبرى الى سجن تكريت وسط المدينة امام انظار المنتسبين). ويبين الصحافي هادي مرعي جلو، مدير المرصد، نقلا عن ابنة الصحافية المعتقلة: 'إن والدتها تقبع في حال سيئة للغاية بمركز إعتقال يقع جوار وزارة الداخلية العراقية' مطالبا بإطلاق سراحها على الفور والتحقيق مع المتسببين بنسبة الضرر العالية في جسدها.
وبعده بيوم، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، خرجت تظاهرة حاشدة في محافظة الانبار، غرب العراق، احتجاجا على اعتقال امرأة وطالب المتظاهرون الحكومة المركزية باطلاق سراح المرأة وسراح جميع المعتقلات العراقيات في سجون الحكومة وايقاف الانتهاكات التي يتعرضن لها.
واذا ما انتقلنا الى اقليم كردستان فان العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة، من بينهن كزال نجم الدين، في تصريح لها لبي يوكي ميديا، يؤكدن ان المجتمع الكوردستاني يشهد قسوة في التعامل مع المرأة تصل الى حد القتل، وتعود الاسباب الى 'عدم جدية واستقلالية الجهات القضائية في مثل هذه القضايا، بالرغم من القوانين والتشريعات التي أصدرها برلمان الاقليم للحد من هذه الظاهرة، الا ان شيئا فعليا وجادا لم يحصل على الاطلاق'. وقد ذكر تقرير اصدره (برنامج العدالة في متناول الجميع ـ وارفن)، المدعوم من قبل الادارة الامريكية، بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الحالي، ان هناك، خلال الشهرين السابقين فقط، 19 أمراة قتلت و 55 أمرأة احرقت نفسها وان أكثر من 740 حالة انتحار لنساء أحرقن أنفسهن سجلت خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي فقط!
فما الذي فعله مجلس النواب في 'العراق الديمقراطي الجديد' بعضوية الاسلاميين الطائفيين والشيوعيين والقوميين؟ قدمت لجنة حقوق الإنسان البرلمانية تقريراً اولياً عن المعتقلات في السجون العراقية، مبينة أن 'عدد الموقوفات والمحكومات لغاية يوم 27 نوفمبر في وزارة الداخلية 101 امرأة وفي وزارة العدل 960 امرأة وفي وزارة العمل 69 امراة معتقلة او محكومة... واشارت إلى اعتقال 12 امرأة في منطقة التاجي بضواحي بغداد الشرقية بدلا عن المطلوبين من اقاربهن وتم احتجازهن دون أوامر قضائية'.
تم اقتراح اصدار بيان بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة. حدثت مشادة كلامية بين النواب حول تضمين حال المعتقلات. رفعت الجلسة تفاديا لتحول المجلس الى حلبة مصارعة جسدية. ثم، كالعادة، انخرط 'شركاء العملية السياسية' في تبادل الاتهامات عبر الفضائيات والتهديد بفتح ملفات الارهاب مقابل المتاجرة بشرف العراقيات.
من هو المسؤول عن اعتقال وتعذيب المرأة العراقية؟ هل هو الجلاد لوحده أم انه النظام الذي يمنح الجلاد الأذن بالتعذيب والاغتصاب عن طريق عدم المساءلة وعدم تنفيذ القانون. ان الجلاد الموجود في ظلمات المعتقلات السرية والعلنية ومراكز التحقيق التابعة بثلاث وزارات على الاقل ليس شبحا لايعرفه أحد. انه جزء لايتجزأ من نظام يتشدق بوزرائه ونوابه وساسته بحقوق الانسان حتى باتت حقوق الانسان شتيمة مقززة. انها مسؤولية الجميع في النظام. الصامتون والمبررون والمتنازعون اعلاميا.
وسلام عليك ايتها المرأة، يا مانحة الحياة، يا حفيدة الشاعرة السومرية إنخيدوانا مدونة أقدم أثر أدبي معروف في التاريخ الإنساني. يا من خاطبت الآلهة، واقفة على قدم المساواة معها، متسائلة 'من يستطيع أن يهدّئ قلبكِ الغاضب'. سلام عليك وانت تواصلين البقاء والمقاومة.
 

اقبضوا على ساسة الاحتلال العراقيين!

23/11/2012
 تم في الاسبوع الماضي تبرئة مخرج الافلام الوثائقية البريطاني دافيد لولي ووكلن، من تهمة محاولة الحاق الأذى برئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير . وكان دافيد قد اقتحم قاعة المحكمة الملكية بلندن، يوم 28 ايار/مايس، اثناء وجود بلير كشاهد، متهما اياه بانه مجرم حرب وفاسد استفاد ماديا من صفقة الحرب العدوانية على العراق وإستلم عشرات الملايين من البنك الأمريكي جي بي مورغان. وليست محاولة دافيد لمواجهة توني بلير واتهامه بانه مجرم حرب الاولى من نوعها . اذ سبقتها ثلاث محاولات لالقاء القبض عليه من قبل مواطنين عاديين في عام 2010 في بريطانيا وتلتها محاولة اخرى، في هونغ كونغ، شهر حزيران / يونيو من العام الحالي.
وقد بات واضحا، في الآونة الأخيرة، انه لم يعد هناك من مكان يتوجه اليه توني بلير بأمان بشكل علني. فحين تم الاعلان، منذ اسابيع مثلا، عن مشاركته في مائدة حوارية في جامعة لندن، وقف المتظاهرون احتجاجا من الطلاب ومناهضي الحرب امام ابواب الجامعة فاضطرت الجامعة الى معاملته كمجرم هارب من العدالة ولايمكن توفير الحماية له بحضور الناس فتم اخفاء المعلومات عن مكان ووقت القاء المحاضرة بالضبط لحمايته وعلى الرغم من كونه محاطا بالحماية الخاصة.
وتم توثيق محاولات القاء القبض عليه كمجرم حرب وبالتفصيل على موقع الكتروني اسسه الكاتب الانكليزي جورج مونبيه بعنوان 'اقبض على توني بلير كمجرم ضد السلام'. وهو موقع من الضروري زيارته والاطلاع عليه للتعرف على تفاصيل مبادرة عملية بدأها مثقف ملتزم ومتمسك بقضايا انسانية مبدئية من بينها ان شن الحرب على العراق هو فعل عدواني ولاشرعي. وجاءت المبادرة والجائزة التي اسسها لتمنح لكل من يقوم بمحاولة القاء القبض على توني بلير نتيجة ادراكه بان الحكومة البريطانية تبذل اقصى جهدها لتمحو جرائم الحرب التي ارتكبتها في العراق وبرئاسة توني بلير. فجاءت مبادرته الفردية ليثبت بان المثقف، كما يقول بيكاسو، هو اكثر من صانع ديكور منزلي وان جرائم بلير بحق الشعب العراقي يجب الا تنسى (قارنوا ذلك بمثقفي ليبرالية الاحتلال العراقيين دعاة القبول بالامر الواقع) بل يجب التذكير بها دائما ومحاسبة المسؤول عنها، وفق القانون الدولي ان لم يكن المحلي، كمجرم حرب. والمعروف ان توني بلير كان قد ادين من قبل محكمة دولية في كوالالمبور في وقت سابق من هذا العام. كما أدين الى جانبه كل من جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وألبرتو غونزاليس. واعتبرت السلطات الكندية هذه الادانة فاعلة ولم يعد بامكان اي من اولئك المدانين زيارة كندا. وتوني بلير واحد من سلسلة 'مجرمي الحرب' والساسة الفاسدين والمعادين للسلام المطاردين شعبيا وقضائيا في اوروبا. جنرال تشيلي المتقاعد بينوشيه كان واحدا منهم، كما صدر قرار ببريطانيا للقبض على وزيرة الخارجية السابقة وزعيمة المعارضة الاسرائيلية تسيبني ليفني. واجبر قرار صدر باعتقال الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الى الغاء زيارة له الى جنيف.
وتنبع قيمة هذه المبادرة من امكانية تطبيقها من قبل المواطنين العرب المقيمين في الغرب، خاصة العراقيين منهم، لالقاء القبض على الساسة الذين طالموا الحقوا بهم الأذى بانواعه وساهموا في تخريب البلاد. وبما ان الكثيرين من ساسة الاحتلال العراقيين وسارقي الاموال العراقية ومرتكبي الجرائم بانواعها بدءا من انتهاكات حقوق الانسان الى التهجير القسري هم من حملة الجنسية المزدوجة العراقية والاوروبية، خاصة، في بريطانيا. فمن المعقول الاستفادة من هذا المنفذ القانوني ليس بالضرورة لانزال العقوبة عليهم ولكن، على الاقل، كفعل رمزي سيجعلهم مقيدين في حركاتهم وتنقلاتهم ويذيقهم طعم ان يفقد الانسان حريته ويصبح مطاردا وخاضعا للتحقيق ولو لبضع ساعات. ومثال ذلك اعتقال المسؤول العراقي صادق كاظم ووضعه قيد الحجز الاحتياطي في باريس، في حزيران/يونيو الماضي، على اثر شكوى تقدم بها معارض ايراني واتهمه فيها بممارسة التعذيب وارتكاب جرائم حرب اثناء اعمال عنف جرت في معسكر اشرف عام 2009 في العراق. واوضح المعارض الايراني لوكالة انباء فرانس برس انه اعتقل على مدخل معسكر اشرف وضرب على رأسه ثم اقتيد إلى مركز الشرطة قبل ان يزج به في زنزانة مساحتها 12 مترا مربعا مع ثلاثين سجينا آخرين، تحت اشراف عسكريين عراقيين. وقد اعتقل المسؤول العراقي لدى مروره بفرنسا في إطار جولة اوروبية لوفد حكومي عراقي.
ان تبني العراقيين المقيمين في اوروبا لفكرة القاء القبض على ساسة النظام العراقي الوافدين بالمئات الى اوروبا اما للمتعة او زيارة عوائلهم او للاشراف على مشاريعهم التجارية وممتلكاتهم العقارية وحساباتهم المصرفية الناتجة من سنوات الفساد، تحتاج الى تجميع المعلومات الموثقة بالاسماء والاماكن والشهادات وخاصة ما له علاقة بانتهاكات حقوق الانسان كالتعذيب ومن ثم ابلاغ السلطات المحلية عنها مع مراعاة اتمام كل الخطوات بطرق سلمية. انها خطوة تحتاج صبرا ومثابرة لتؤتي ثمارها. انها، ايضا، خطوة ستثبت للجلادين والفاسدين ومجرمي الحروب بأن العالم، على سعته، سيضيق بهم. واكثر من ذلك، انها خطوة ضرورية لمنح المرء الاحساس بالقوة، والقدرة على تحقيق العدالة، وتجاوز الاستسلام والخنوع.. ولأن العدالة هي خبز الشعب، كما يقول المسرحي الالماني برتولت بريخت، فلا بد أن 'يخبز الشعب خبز العدالة وفيراً، ومشبعاً، ويومياً
' .

استعراض قوة اوباما الناعمة في فلسطين والعراق

16/11/2012
مثلما راقبت واشنطن 'عن كثب' تطور الاوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد العربية، اثناء تزايد الحراك الشعبي للتخلص من الدكتاتوريات والحكام منفذي السياسة الامريكية، بالنيابة، على مدى عقود في تونس ومصر، ومن ثم تدخلها الفعلي في ليبيا واليمن والبحرين، ها هي تقف في ظل العدوان الاسرائيلي الوحشي على غزة، لتدعي على لسان ساستها بانها تراقب 'عن كثب' تطور الوضع في القطاع عقب اغتيال أحمد الجعبري، القائد العسكري في حركة حماس، وهو واحد من مجموعة قادة المقاومة الفلسطينية الذين تم استهدافهم. وملخص ما صرح به القادة الامريكيون عن تصاعد الغارات الاسرائيلية وجرائم الاستهداف المباشر للقادة الفلسطينيين هو ابعد ما يكون عن المراقبة عن كثب وما تحمله من مضمون محايد، اذ تحمل التصريحات على العكس من ذلك رسالة تشجيع واضحة بالاضافة الى الحث على وجوب الاستمرار بتنفيذ جرائم القتل وتصفية قادة المقاومة الفلسطينية، بذريعة محاربة الارهاب. وهي جرائم تماثل في تسويغها واساليب تنفيدها ما حدث ويحدث في العراق منذ غزوه واحتلاله عام 2003.
ولننظر الى الخطاب الامريكي، حتى الآن، بدءا من باراك اوباما، الذي سيعمل، كما يردد عدد من محللي السياسة الامريكية، على بروز تأثيره وطبع بصمته الشخصية على السياسة الامريكية في اعقاب انتخابه كرئيس للسنوات الاربع المقبلة. فما هي بصمته التاريخية ازاء القضية الفلسطينية، الجرح النازف في ضمير العالم؟ كان اول رد فعل له ازاء القصف الوحشي لغزة المحاصرة هو تأكيده 'دعم الولايات المتحدة لحق اسرائيل في الدفاع عن النفس'، وان توقف على مبعدة بضع خطوات من تشجيع اسرائيل على ابادة سكان غزة ليطلب منها بقلبه الانساني الكبير، ان تعمل 'على تجنب سقوط ضحايا من المدنيين'!
اما المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية الذي سار على ذات النهج مؤكدا ما قاله الرئيس اوباما عن دعم واشنطن 'لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الارهاب'، فقد ذهب ابعد من ذلك مذكرا بالتبني الاستراتيجي للكيان الصهيوني، قائلا: 'نحن متضامنون مع شريكنا الاسرائيلي في حقه في الدفاع عن النفس ضد الارهاب'.
ان تصريحات كهذه قد لا تكون الدافع الاساسي لاسرائيل لارتكاب العدوان ضد الفلسطينيين الا انها مهمة جدا من ناحية توفير الطمأنينة الاعلامية وغطاء التبرير اللازم لتنفيذ اي فعل عدواني آني ومستقبلي مع غياب الرادع القانوني والاخلاقي بالاضافة الى الدعم العسكري الدائم. ويوفر غياب الرادع القانوني وانعدام المساءلة الغطاء الآمن الذي يدفع المجرمين الى ارتكاب المزيد من الجرائم بل والاستهتار الى حد الاعلان المسبق عن جرائمه المستقبلية. كما فعل وزير النقل الصهيوني يتسرائيل كاتز في تصريح لقناة البي بي سي البريطانية، يوم الخميس الماضي، حين قال: ''سنستهدف أيضاً إسماعيل هنية إذا لم يتوقف القصف من غزة باتجاه إسرائيل. لن يكون أي من قادة المنظمات الإرهابية بمأمن'.
وتقودنا مواقف الكيان الصهيوني، المستهدفة للمقاومة الفلسطينية في ظل الحماية الامريكية، ومع وجود ' سلطة فلسطينية' تبذل اقصى وسعها لطمأنة اسرائيل على أمنها بدلا من تمثيل ابناء شعبها والدفاع عن الاسرى في المعتقلات الاسرائيلية والعراقية، وعدم التفريط بحق العودة والمقاومة الى استحضار ذات النهج الذي تسلكه الادارة الامريكية في العراق ومع وجود 'حكومة عراقية' تبذل اقصى ما في وسعها لطمأنة دول الاحتلال والسكوت على جرائمها بدلا من تمثيل شعبها، والدفاع عن سيادة الوطن، وعدم التفريط بحق المقاومة ضد اي تدخل اجنبي. وكما يستخدم المسؤولون الامريكيون شماعة 'مكافحة الارهاب' للدفاع عن الكيان الصهيوني، يستخدمون الشماعة، ذاتها، للدفاع عن نظام حزب الدعوة الطائفي برئاسة نوري المالكي بالعراق. ففي تصريح أخير لنائب وزير الدفاع الاميركي، اثناء زيارته للعراق، قال إنه 'جاء في مهمة تستهدف تلبية حاجات العراق في مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب بأسرع وقت ممكن'. وعند تذكير مساعد وزيرة الخارجية الامريكية، خلال مؤتمر صحافي عقده في السفارة الامريكية بالمنطقة الخضراء، يوم الأربعاء الماضي، بحقوق الانسان المنتهكة وحملة تنفيذ احكام الاعدام المتزايدة، اجاب بصفاقة لا تليق الا بساسة الاحتلال، انه 'وجد فارقاً كبيراً بين زيارته للعراق في العام 2003 وبين الأوضاع اليوم... وأن العراق حقق تقدماً ملحوظاً على صعيد بناء المؤسسات'! ولا ادري عن اي عراق يتحدث. هل هو العراق الذي ينظر اليه من خلال كوة في السفارة الامريكية المحصنة داخل المنطقة الخضراء المحصنة، بدورها، والواقعة بمنأى عن كل مايمت للعراق بصلة؟ ام انه العراق الذي يراه من خلال لقاءاته 'المثمرة' مع مسؤولي الفساد والطائفية والاعتقالات والتعذيب؟ ام انها عين المحتل المدربة، عبر التاريخ، على رؤية ماتريد رؤيته فقط؟
ان البصمة التي سيتركها الرئيس اوباما في غزة وفلسطين عموما، لن تختلف عن بصمات من سبقه من الرؤساء الامريكيين ديمقراطيين كانوا أو جمهوريين، وعلى اختلاف الوان بشراتهم. ستكون بصمته التاريخية استمرارا لجريمة استهداف الشعب الفلسطيني لتحطيم مقاومته والتخلي عن حقه ولكن .. مع اختلاف بسيط في الاسلوب لا الفحوى. اسلوب اجبرته المقاومة العراقية والافغانية على اللجوء اليه وهو اسلوب القوة الناعمة حيث التخلي التدريجي عن الجيوش الجرارة ومعسكراتها الضخمة وآلياتها العسكرية ذات التكلفة، لتحل محلها الطيارات بلا طيار للاستطلاع وجمع المعلومات والرصد والاستهداف القاتل بالاضافة الى فرق الاغتيال الخاصة وفرق المهمات الخاصة والمرتزقة ونشر منظمات مجتمع مدني تدين بولائها لامريكا باعتبارها ولي نعمتها. هذا هو واقع الحال في فلسطين المحتلة والعراق وسيستمر الوضع بعنفه المستديم، خلال سنوات حكم اوباما مهما كانت نعومة قوته ومادام المجتمع الدولي متحكما به من قبل امريكا المتعامية بدورها عن جرائم الحرب الاسرائيلية وانتهاكات النظام الصهيوني والعراقي لحقوق الانسان والقوانين والاعراف الدولية.
ان فهم التطورات الداخلية في المعسكر الإستعماري ضروري مع اتخاذ موقف حذر من رفع الآمال، مهما بدت تلك التطورات مشجعة، نوعا ما، من قبل الاوساط المناوئة للسياسة الامبريالية في بلدان ذلك المعسكر. فالعلاقة بين المصالح الإستراتيجية الطويلة المدى للدول وبين السياسات الإجتماعية والإقتصادية المحلية الأقرب مدى ليست علاقة مباشرة، وأي تغييرعالمي متوقع سيأتي بالأساس من تغير توازن القوى، وبضمنها قوانا الذاتية، وتغير الأولويات الأمريكية نحو آسيا البعيدة، وليس بسبب أن رموز المحافظين الجدد وغلاة الصهيونية قد إنتكسوا في السنين الأخيرة. وحتى تغير ميزان القوى الداخلي في أمريكا لم يأت الا بسبب مقاومة الشعوب وتكاليف الحروب الفاشلة، والأزمة الإقتصادية التي تسحبها نحو التدهور مثلما جرى عبر التاريخ في تدهور وسقوط الإمبراطوريات. أن التغييرات الإستراتيجية أمر طويل المدى وقد تنتعش الأمبراطورية الأمريكية مرة أخرى، لاكتسابها مرونة تغيير الشكل، والاهم من ذلك في غياب تطور جدي لقوى التحرر في عالمنا العربي والإسلامي.
ان حياة الشهيد أحمد الجعبري واعتقاله وسجنه عدة سنوات من قبل الكيان الصهيوني اولا ثم اعتقاله وسجنه من قبل 'السلطة الفلسطينية' ثانيا، مثال يسقط وهما طالما عاشت الشعوب العربية في ظله. انه وهم القبول بالقمع والدكتاتورية والفساد الداخلي وانتهاكات حقوق الانسان بذريعة المحافظة على الأمن أوالدفاع عن الوطن او 'القضية' ضد العدو الخارجي.
ويبقى الامل الحقيقي للتحرير نابعا من داخل الامة ذاتها ومن قدرتها، في الوقت نفسه، على الرؤية الواضحة بعيدا عن المساومات والخداع والتلاعب بالعواطف
.