القدس العربي- هيفاء زنكنة
16/06/07
16/06/07
أعلن في بغداد، أخيرا، عن تأسيس منظمة نسوية جديدة تحمل اسم حركة بلد السلام تضم مجموعة من الوزيرات
البرلمانيات فضلا عن ناشطات في منظمات المجتمع المدني. من بينهن نسرين برواري وآلا الطالباني. وقد استمعت الي لقاء اذاعي مع السيدتين ومختصره هو: ان هدف المنظمة هو نشر ثقافة السلام ووعي السلام وفتح الحوار واشراك المرأة في عضوية اللجان صاحبة القرار وتوسيع دور المرأة في العملية السياسية. وقد تبدو خطوة تشكيل منظمة داعية لاحلال السلام ومن قبل النساء مسألة رائعة. اذ لا يختلف اثنان بان طموح وامل كل عراقي هو ان يحل السلام، الا ان واقع المنظمة يشير الي صورة مغايرة لما أعلنته من شعار واهداف. ولننظر الي تاريخ السيدتين وحاضرهما اولا لنحكم علي مستقبل المشروع الجديد. ولنبدأ بالسيدة الطالباني وهي رئيسة لجنة مؤسسات المجتمع المدني في مجلس النواب حاليا، وتقدم نفسها الي أجهزة الاعلام العالمي (كناشطة عراقية في مجال حقوق المرأة). وهي نقطة تستحق النظر، فالطالباني من مؤسسات منظمة (نساء من أجل عراق حر)، التي أسستها قبل الغزو بشهر واحد، مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (أف دي دي)، وهي مؤسسة صهيونية عالمية معروفة تهدف وحسب برنامجها المعلن الي الدفاع عن الامن الامريكي والصهيوني في جميع انحاء العالم وبكل السبل الممكنة. وكانت منظمة الطالباني قد عملت مع الادارة الامريكية بشكل محموم في الشهور السابقة لغزو العراق داعية الي (التحرير) وخاصة تحرير المرأة. وقد قامت مع عدد من النساء (العراقيات)، خلال الاسبوعين السابقين للغزو وبترتيب من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بما لايقل عن المئتي ندوة ولقاء صحافي والتقاط الصور وتصوير الفيديو مع مسؤولي الادارة الامريكية، من أجل الترويج للحرب علي العراق وعلي الشعب العراقي المنهك تحت الحصار الانكلو امريكي لمدة 13 عاما. وفي الوقت الذي كانت فيه منظمات السلام العالمية والمنظمات المناهضة للحرب والمنظمات الانسانية مثل الصليب الاحمر الدولي، والشخصيات العراقية المعروفة باستقلالها ونشاطها في مجال حقوق الانسان، تدعو فيه الي ايجاد البديل للحرب، لاحرصا علي النظام السابق، بل من اجل تجنيب الشعب العراقي المنهك حربا ستحرق الاخضر واليابس وحرصا علي حياة الضحايا من المدنيين وخاصة النساء والاطفال، حيث يشكلون عادة الضحايا الاكبر عددا في الحروب المعاصرة، ولئلا يهدم البلد كلية تحت القصف الجوي الامريكي وهو الذي تآكلت بنيته التحتية وعاني من الخراب ما عاني، حيث أصدر تحالف للمنظمات الإنسانية العالمية يضم كلا من الإغاثة الإسلامية وكير إنترنشنال، والعون المسيحي، وعون المسنين الدولية، وكافود، وغيرها بياناً مشتركاً، عبر عن مخاوفها من آثار الحرب علي العراق لانها ستطيل أمد المعاناة الإنسانية. وأشار البيان إلي العواقب الإنسانية جراء حرب جديدة ضد العراق خاصة وإن سنوات طويلة من الحرب والعقوبات قد تركت الناس في حالة ضعف شديد بحيث لم يعد بمقدورهم تحمل المزيد من المصاعب. وهذا يشمل الأطفال الذين يشكلون نصف المجتمع العراقي تقريباً، والأرامل، والمسنين والفقراء. كما أن معدلات وفيات الأطفال ارتفعت بنسبة 160% بسبب العقوبات. وطبقاً لليونيسيف: فلو استمر الانخفاض الكبير في معدل وفيات الأطفال في العراق في الثمانينات في التسعينات بنفس المعدل لنقصت الوفيات بـ 500.000 وفية لدي الأطفال تحت سن الخمس سنوات في البلاد ككل من عام 1991، كانت الطالباني وبقية اعضاء منظمتها مثل زينب السويج وكاترين ميخائيل وزكية اسماعيل حقي ورند رحيم فرانكي وتانيا كلي وصفية السهيل، يتنقلن من استديو تلفزيون امريكي الي اخر ومن قاعة مؤسسة صهيونية الي اخري ومن غرفة في البيت الابيض الي اخري ليكررن وباصوات تراوحت ما بين الرجاء والتوسل وما بين الحزن المؤثر والعيون المغرورقة بالدموع بان الحل الوحيد هو الحرب، ولاسبيل لانهاء معاناة المرأة غير شن الحرب. وكانت التبريرات عديدة الا ان مضمون رسالة الطالباني ومنظمتها النسوية (العراقية) الموجهة الي الشعب الامريكي والعالم كله، عشية شن الحرب علي الشعب العراقي وبالتالي المرأة العراقية، كان واحدا وهو اضفاء الشرعية الاخلاقية علي حرب عدوانية لا تمتلك الشرعية القانونية. لقد وفرت منظمة الطالباني (نساء من اجل عراق حر) باصوات النسوة (العراقيات) الوجه الانثوي - الانساني للحرب الاستعمارية والتدخل العسكري علي الرغم من كل التقارير التي اصدرتها المنظمات الانسانية العالمية ذات الباع الطويل في العمل في مناطق الحروب للتحذير من عواقب الحرب المخيفة. وبلغ الاستخفاف بحياة المرأة العراقية وعائلتها ذروته عندما باتت نسوة التنظيمات يبررن للادارة الامريكية احتمال سقوط ضحايا عراقيين باعتباره ثمنا يجب دفعه من اجل التحرير وضرورة لا بديل لها. ولم تنته نشاطات المدافعات عن حقوق المرأة العراقية عند هذا الحد بل واصلت الطالباني ومن معها العمل في داخل العراق المحتل ضمن منظمات نسوية مماثلة للمنظمة الام وتحت مسميات مختلفة مثل المجلس الاعلي للمرأة العراقية والائتلاف النسوي من اجل عراق ديمقراطي (وافدي) وتمتعن بميزانيات الاموال التي كانت تنقل بالاكياس في عصر بريمر وما تلاه، تكريسا للسياسة الامريكية في ان منظمات المجتمع المدني المدعومة من قبلها هي صوتها الحي النابض محليا بين سكان البلد المحتل. لذلك كان من الطبيعي ان يخبر بريمر أياد علاوي وهو يسلمه (السيادة) في عام 2004، بان مبلغ 750 مليون دولار نقدا خصص لمنظمات المجتمع المدني ومن بينها المنظمات النسوية. وحسب تصريح لعلاء الصافي، وزير الدولة لمنظمات المجتمع المدني لصحيفة الصباح: لقد قامت قوات الائتلاف بتأسيس منظمات غير حكومية بلغ عددها اكثر من 3500 منظمة وكانت تتشكل من ثلاثة اعضاء هدفها الحصول علي مساعدات وتوزيعها علي المجتمع غير ان القسم الاكبر من هذه المساعدات كانت تذهب الي جيوب المنتفعين. وتشير احصائية وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني، في ايلول (سبتمبر) 2006، ان هناك مايزيد علي 8 آلاف منظمة مجتمع مدني والف منظمة نسوية. واذا ما تركنا جانبا غالبيتها لانها اما منظمات وهمية شكلت للحصول علي المنح والمعونة والقلة المستقلة التي تصارع كل القوي من اجل تحقيق بعض الخير للمواطن العراقي، يبقي لدينا الصنف الثالث وهو الممول من جهات تحاول فرض سياستها وخطابها وهيمنتها علي الواقع العراقي. تحت هذا الصنف يمكن النظر الي انطلاقة منظمة حركة بلد السلام الجديدة وهي اضافة طبيعية وتراكمية لما سبقها من منظمات أسستها الوزيرات اللواتي كوفئن بالمناصب من قبل احزابهن المنخرطة في عملية سياسة الاحتلال، وبرواري وزيرة في كل حكومات الاحتلال المتعاقبة، والبرلمانيات اللواتي تم تعيينهن وفق نظام المحاصصة، والناشطات (العراقيات) اللواتي ساهمن في صناعة الحرب وبشكل فعال. وها هو اسم المرأة العراقية المنكوبة يستخدم من جديد من قبل منظمات تتكاثر برئاسة الوجوه ذاتها التي ساهمت في صناعة آلة الموت والدمار في العراق. وها هي المرأة العراقية تصغي لخطاب نسوة الاحتلال وهن يحاولن تمرير تضليلاته عبر شعارات يعرفن جيدا بانهن ساهمن في قتل معانيها الحقيقية. ان شعارات الدعوة الي (المصالحة الوطنية وبناء السلام وإشاعة افكار السلام والمحبة والتسامح والتآخي وترسيخ مفاهيم ومنهج الديمقراطية وتكريس ثقافة نبذ العنف والارهاب بين اطياف الشعب العراقي وتعزيز الحوار )، وهذه الفقرة مقتبسة بالكامل من تصريحات (قياديات) المنظمات النسوية، هي شعارات قد تصلح لملء استمارة الحصول علي منحة مادية او تذكرة سفر واقامة مؤتمر نسوي او التعيين في احدي لجان البرلمان، الا انها لم تعد صالحة لخداع حتي أكثر المواطنين سذاجة. ولعل افضل مثال علي نوعية عمل الطالباني، هو تقديمها أخيرا، طلبا الي مجلس النواب لاستجواب ممثلي المنظمات الدولية العاملة في العراق من بينها مفوضية حقوق الانسان ومفوضية اللاجئين وكذلك منظمة الصليب الاحمر الدولي والمنظمة الدولية للشفافية وعدد من منظمات الامم المتحدة، لانها أصدرت (تقارير خطيرة جدا عن التدهور الاجتماعي والصحي واحصاءات عن عدد الايتام والارامل تتضمن ارقاما كبيرة جدا) حسب تصريح الطالباني. وطعنت الطالباني خاصة بتقرير منظمة الصليب الاحمر الدولية الاخير الذي خلص وعبر شهادات موثقة لعراقيين ينتمون الي شرائح مختلفة الي ان حياة المواطن العراقي تفتقد الي أبسط مقومات العيش بكرامة، وادعت الطالباني بانها تريد ان تعرف (الآليات التي اعتمدت عليها تلك المنظمات. ان السيدة آلا الطالباني ليست فريدة من نوعها من بين اللواتي تعاون مع الاحتلال لترويج بضاعته وهي صناعة الحرب والدمار، وقد غادر بعضهن قطار الاحتلال في محطات زمنية مختلفة ليعدن من حيث جئن، الا ان اختياري الاشارة اليها بالتحديد سببه هو انها احدي مسؤولات (العراق الجديد) الواعية لدورها في صناعة الغطاء الاخلاقي للحرب المدمرة، كما انها تواصل وبوعي وبحكم موقعها الرسمي علي اسكات المنظمات الانسانية الجاهدة وفي غياب حكومة تمثل المواطن العراقي، علي ايصال معاناته الي العالم الخارجي. وهذا النوع من العمل لايختلف كثيرا عن استهداف الاكاديميين والصحافيين، لانه يهدف الي تعتيم حرب الابادة الجارية في العراق واخلاء الساحة للاحتلال ومستخدميه.