Sunday 22 February 2009

جلادو الاحتلال الجدد وأقنعتهم العراقية

31/01/2009
تصوروا ان قوات مدججة بالسلاح تدخل بيتكم، في منتصف الليل، بشكل فظ، وتقتاد فردا من افراد عائلتكم الى مكان مجهول. ما الذي يشعر به افراد العائلة؟ تصوروا، ايضا، ان من يتم اقتياده هو فتاة او امرأة. وان المسلحين لا يبلغون العائلة عن مكان الاعتقال او سبب الاعتقال بل يهددونهم بالقتل والاعتقال هم كذلك. فما الذي سيحصل لهذه الفتاة وما الذي ستمر به العائلة وما الذي بامكانها ان تفعله تجاه حالة الإختطاف الرسمية هذه؟
ان هذه الحوادث تتكرر، يوميا، وتختفي النسوة والفتيات، مثلما يختفي الرجال والأولاد، ويقضي افراد العائلة ايامهم بحثا عنهن، غالبا بلا جدوى، في ' العراق الجديد' على الرغم من ادعاءات طاقم الاحتلال باحترام حقوق الانسان وحقوق المرأة والطفل وعلى الرغم من حضور المؤتمرات وورشات التدريب والتوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة من قبل نسويات الاحتلال ومسؤوليه ذكورا كانوا أم اناثا، على اختلاف مذاهبهم واعراقهم.. وقد تجاوز عدد المعتقلين المليوني عراقي منذ الغزو في 2003 وفي فترات مختلفة، وثبت أن معظمهم ممن كانوا يعملون ويكسبون عيشهم حتى وقت إعتقالهم، حسب تقرير منظمة 'مستهلكون من اجل السلام' ومقرها في واشنطن، في تشرين الاول/اكتوبر 2008، وليس كما تريد قوات الاحتلال واتباعها تصويرهم بانهم من مجهولي الاقامة أو المجرمين وشذاذ الآفاق.
ولم تسلم المرأة والطفل من الهمجية الموثقة للمحتل واتباعه ممن تم تنصيبهم كمسؤولين وممن تم تبنيهم كميليشيات صالحة للاستخدام لفترات حسب الطلب. وتخضع المرأة والطفل والرجل الى التعذيب والاهانة والاغتصاب من قبل الجلادين المتمتعين بدرجات الحصانة والذين يمكن تقسيمهم الى عدة انواع. حيث جلب الجلاد الامريكي والبريطاني معه عراقيين وعربا تحت غطاء العمل كمترجمين ليؤدوا، ايضا، عمل الجلاد. وهناك الكثير من الوثائق التي تثبت بان شراسة المترجمين العراقيين والعرب القادمين من 'البلدان الديمقراطية' تتفوق على همجية الجلاد الامريكي والبريطاني لاسباب عديدة من بينها: ليثبتوا ولاءهم اولا واستحقاقهم لمخصصاتهم المالية العالية ثانيا وللروح الانتقامية التي يحملها البعض منهم ضد ابناء جلدتهم ثالثا ولاحساسهم بالدونية امام المحتل رابعا. ثم قام جلادو الاحتلال، أو الجلادون الجدد، تماشيا مع مصطلح 'المحافظون الجدد السياسي'، أما بتدريب الوجبات التالية من الجلادين المحليين وبدورات ومحترفات تحت مسميات 'أمنية' مختلفة أو ترك الميليشيات المرتبطة بالاحزاب التي دخلت في منظومة الاحتلال السياسية تتصرف وفق سياستها في التصفية والاعدامات وملاحقة المواطنين واعتقالهم وتعذيبهم . وبالاضافة الى جلادي الميليشيات الطائفية والعرقية المعصوبة العيون حقدا ورغبة بالانتقام والجشع المادي، برز النوع الثالث من الجلادين من بين ما يسمى بقوات الامن والشرطة والجيش، وبعضهم تم تدريبه بشكل مباشر من قبل جلادي الجيل الاول بينما تم تجنيد البقية من بين الميليشيات وعصابات الاختطاف والسرقة. ومع ازدياد عدد خريجي دورات الجلادين الامريكيين والبريطانيين، لم يعد الجلاد السيد بحاجة الى ممارسة التعذيب بنفسه بل بات من الطبيعي ان يأمر اتباعه المتعطشين لاثبات استحقاقهم للعمل ولتغطية عار وحشيتهم وخيانتهم بان يقوموا بتنفيذ التعذيب الوحشي بحق ابناء جلدتهم موفرين له القناع الانساني والحماية القانونية امام العالم اجمع. وقد نجح المحتل في تطبيق استراتيجيته القديمة، قدم الاستعمار، هذه الى حد بات فيه الكثير من المعتقلين وذويهم يصرحون بانهم يفضلون الاعتقال من قبل قوات الاحتلال على ان يعتقلوا من قبل قوات الامن والشرطة والجيش العراقية المفترض فيها، كما هو الحال في جميع انحاء العالم، حماية المواطن. وبلغت شراسة جلادي معتقلات وزارة الداخلية والعدل والدفاع وتفننهم في الاهانة والتعذيب حدا دفع الكثير من ذوي المعتقلين الى التوسل بابقاء ابنائهم وبناتهم في معتقلات الاحتلال الامريكي على لاشرعيتها وعلى الرغم من معرفتهم ببراءة المعتقلين، على ان يسلموا الى القوات ' العراقية' ليصح المثل الشعبي العراقي 'نراويك الموت حتى ترضى بالسخونة' أي 'نريك الموت حتى ترضى بالحمى'. 
وقد بلغت رائحة انتهاكات حقوق الانسان في جميع ارجاء 'العراق الديمقراطي الفيدرالي الجديد'، وبضمنه اقليم كردستان، درجة النتانة. فلم يعد الصمت ممكنا حتى بين وزراء حكومة الاحتلال او نوابها. حيث انبرى عدد لايتجاوز اصابع اليد الواحدة للحديث عن الوضع المأساوي الذي تراكمت جرائمه، في سنوات الاحتلال، لئلا يصبح صمتهم مشاركة في الجريمة. من بينهم، وزيرة المرأة نوال السامرائي، بتصريحها، أخيرا، للجزيرة نت، الذي أكد ما نعرفه عن النساء المعتقلات . ذكرت الوزيرة السامرائي، التي عينت منذ بضعة اشهر، وكانت هي الوزيرة الوحيدة التي قامت بواجبها الوطني في التصويت ضد توقيع الاتفاقية الامنية طويلة الامد مع المحتل الامريكي، بان هناك العديد من المعتقلات ممن لا تعرف عوائلهم مصيرهن بعد 'اعتقالهن أو اختطافهن من داخل المنازل أو من أماكن عملهن ومن الشوارع والأزقة، وأن كثيرات منهن تعرضن للاعتداء والتعذيب في سجون الاحتلال الأمريكي أو سجون الحكومة العراقية'. وان التهمة الموجهة هي 'الارهاب' ومعظمها نتيجة وشاية وان قوات الاحتلال الأمريكي تعتقل النساء في 'المناطق الساخنة' لإجبار المشتبه به في رفع السلاح ضدها لتسليم نفسه. 
واقرت 'باختفاء الكثير من النساء العراقيات اللائي تم اعتقالهن من قبل قوات الاحتلال الأمريكي أو من طرف الأجهزة الحكومية من وزارتي الدفاع والداخلية أثناء مداهمات نفذتها مجاميع ترتدي ملابس الأجهزة الأمنية وتستخدم سياراتها. كما أن المليشيات والعصابات الإجرامية شاركت على نطاق واسع في اختطاف النساء وتغييب أعداد كبيرة منهن'. ومن الصعب تحديد عدد النساء المعتقلات أو المختطفات، إذ تمتنع بعض العوائل عن الإبلاغ عن اختطاف النساء لأسباب اجتماعية معروفة. و ' أن بعض العوائل تفضل الاقتصاص من الجهات الفاعلة مهما كانت طريقتهم الخاصة المستندة إلى التقاليد والعادات العربية وما تفرضه الضوابط العشائرية'. مشيرة إلى أن 'الأمريكيين أدركوا لاحقاً دون شك أن بعض الهجمات التي تعرضت لها قواتهم كانت بدوافع الانتقام من جنودهم الذين اعتدوا على النساء والعوائل، ولا شك أن ذلك يشمل الأجهزة الأمنية والجهات الأخرى'. وتكشف الوزيرة أن الاعتداء على السجينات داخل المعتقلات الحكومية أكثر بكثير من الذي يجري في المعتقلات الأمريكية. وتنقل عن معتقلات عراقيات التقتهن في معتقلات أمريكية أن الحراس العراقيين يعتدون عليهن جنسياً بالقوة، وأن هؤلاء يتحينون فرصة غياب الجنود الأمريكيين لتنفيذ اعتداءاتهم الوحشية. أما الذي يجري في معتقلات الحكومة العراقية فتقول إنه بشع، مؤكدة على توثيق الكثير من الروايات التي تحدثت بها المعتقلات عن مثل هذه الاعتداءات. 
وتختتم الوزيرة حديثها بالقول بإنها 'تمكنت من إخراج عشر معتقلات من السجون الأمريكية وتكفلت هي شخصياً بسبع منهن'. وهو عمل ايجابي قامت به الوزيرة بشكل فردي. مما يثير التساؤل عن مصير بقية المعتقلات والمعتقلين 'الأمنيين' المتهمين كيدا ووشاية بـ'الارهاب' وقد تجاوزت اعدادهم الآلاف، في غياهب سجون، لا يعرف منها غير عدد محدد، بينما يتوزع البقية في معتقلات الوزارات والميليشيات المختلفة؟ وماذا عن النساء اللواتي صدرت بحقهن احكام الاعدام بتهمة الارهاب ايضا؟
ان ما نحتاجه، في العراق المحتل، فضلا عن الحالات الفردية الايجابية، وبصدد المعتقلين، هو التخلص من المجرمين والجلادين وأولهم المحتل، مهما بدل جلده ومهما كان اسمه، والعمل على تطبيق العدالة والقانون. لا بالشكل الأسمي المزيف الذي رسمه المحتل وينفذه اتباعه بل بشكل يتوخى تطوير نظام قضائي عادل لا يكون فيه للجلاد، مهما كانت اسبابه وذرائعه، مكان.