Tuesday 15 January 2013

16/03/2012
هل هي مجرد صدفة ان يخطط لعقد القمة العربية، في بغداد، بعد ايام من ذكرى غزوها واحتلالها؟ واذا كانت حكومة الاحتلال ترى في التزامن احتفالا بالنصر فما الذي يراه رؤساء وملوك الدول العربية؟ ويا ليت جسامة القبول بالمشاركة تتعلق بالذكرى المؤلمة التي هزت مشاعر الشعوب في جميع انحاء العالم فحسب، اذ يتمدد القبول بالمشاركة ليتضمن جوانب أعمق واشمل، ما كان الحكام العرب سيرضون بها ويتقبلونها كأمر مسلم به، لو كانوا يمثلون شعوبهم حقا ويحترمون حقوقهم.
لقد كان الموقف الشعبي في البلاد العربية واضحا وضوح الشمس من غزو العراق. قالوا: كلا للغزو والاحتلال مهما كانت المسوغات. الا ان للحكام بالوراثة، او المنتخبين بنسبة 99 بالمئة، أو الملتصقين بكراسي الحزب الواحد بالغراء، سياستهم الخاصة الهادفة الى حمايتهم ومصالحهم قبل الشعب والوطن. لذلك تراهم يتناسون الشعوب مهما لحق بالشعوب من ضرر بل ويتصرف الحكام وكأن من الافضل التخلص من الشعوب برمتها.
وصار نسيان الشعب العراقي وما يحل به من كوارث، ومقاومته الباسلة ضد الاحتلال، وطائفية وفساد وجرائم حكومات الاحتلال المتعاقبة، أمرا مألوفا قلما يثير الانتباه، الى حد ان الحكام العرب سيجتمعون لبحث انتفاضات بقية الشعوب العربية وانتهاكات حقوق الانسان ومستقبل المنطقة ومجازر الكيان الصهيوني وهم يتعامون عن مآسي العراق الذي سيجتمعون فيه. العراق الذي يعيش منذ تسع سنوات كارثة لا يماثلها في ظلمها ووحشيتها ورسوخها في ذاكرتنا الجماعية غير الاحتلال الصهيوني لفلسطين. ولا يماثله في عدد شهدائه غير الجزائر البطلة في حربها ضد الاستعمار الفرنسي. فما الذي يفكر به رؤساء وملوك الدول العربية وهم يتوجهون الى بغداد ليقيموا في فنادق تم تزيينها ورش العطور حولها، على عجل، لئلا تخدش انظارهم وانفاسهم اكوام القمامة المتفسخة، التي باتت معلما يميز مدينة الرشيد ؟ هل سيرون كيف اصبح شارع الرشيد، شريان بغداد الزاهي، مسدودا بمياه المجاري والقاذورات، لأن ميزانية التنظيف تسربت الى احد المصارف الاجنبية؟ أم لعل الحكام سيقيمون، جميعا، في المنطقة الخضراء في ظل اكبر سفارة للاحتلال في العالم، بعيدا عن المواطنين الذين لا يؤتمنون؟ وهل سيلاحظون تفريغ المدينة من سكانها حرصا على سلامة حكام القمة؟
ان قراءة اخبار يوم واحد في العراق تجعل كل ذي ضمير حي يكاد ينفجر غضبا على ما يرتكب نتيجة الاحتلال وابنائه الطيعين باسم 'الديمقراطية'. واولى ضحايا ديمقراطية الاحتلال 'الانساني' هي حقوق الانسان التي يستخدمها ساسة الاحتلال كأداة للتزويق اللفظي والاستهلاك الخارجي، في حضرة ذات الدول التي غزت وهدمت العراق. واذا ما كان للرؤساء والملوك العرب سفراء او وفود تمثلهم في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، او اذا ما حدث وقرأوا تقارير ممثلية الامم المتحدة ببغداد (لن اقول التقارير العراقية لأن الحكام العرب لا يصدقون ما يصدر عن شعوبهم) فانهم سيدركون اي جحيم سيدخلون. انه جحيم الاعتقالات، والتعذيب والاغتصاب والارهاب وفرق الموت يارؤساء وملوك القمة. جحيم اذا ما تسابقتم انتم وحكومة المالكي على الفوز بقمته لفازت حكومة المالكي على الرغم من باعكم الطويل، انتم ايضا، في انتهاك حقوق مواطنيكم. ولا تنسوا مزايداتكم في الدفاع، بانتقائية لا مثيل لها، عن حقوق البعض بينما تشيحون بوجوهكم جانبا، متعامين عن حقوق الآخرين. فمن يدافع عن ثورة الشعب السوري وحقه في التخلص من نظام وراثي فاسد لا يجد غضاضة في غزو البحرين واعتقال المتظاهرين. ومن يدافع عن حقوق أهل البحرين لا يخجل من نصرة نظام ارهابي فاسد في العراق، وكأن حقوق الانسان لا تشمل كل الناس بل تفصل وفقا لرغبات الحكام. ففي يوم واحد من جحيم بغداد، الذي سينحشر فيه الحكام العرب لعقد القمة، يقتل العشرات من الابرياء جراء مفخخة او قنبلة او هجوم باسلحة كاتمة للصوت. ويتم تسجيل الجرائم ضد مجهولين. ويتم السطو على المحال وقتل اصحابها وخطف المواطنين، ويتم تسجيل الجرائم ضد مجهولين. وتتناوب الميليشيات وفرق الموت على ارهاب وترويع المواطنين بلا مساءلة او عقاب. ويلقى القبض على المواطنين الابرياء بتهمة الارهاب، حسب المادة 4 ارهاب، فيعذبون ويغتصبون، حتى الاعتراف بكل ما يراد منهم، ثم يعرضون على شاشات التلفزيون، بوجوه تكاد لا تعرف لفرط التعذيب، ثم يعدمون. هذه الاستهانة الوحشية بحياة المواطن العراقي دفعت مفوضة حقوق الانسان في الامم المتحدة الى ان تصحو من غيبوبة نسيان العراق والقول بانها اصيبت بالصدمة والذهول للرقم القياسي الذي حققته 'الحكومة العراقية' في اعدام المتهمين. ويصيب حال الاحياء ذهول مسؤولين حقوقيين آخرين. فقد أعرب الممثل الخاص للأمين العام الأمم المتحدة مارتن كوبلر، منذ ايام، عن قلقه (وهو تعبير مهذب يستخدمه موظفو الامم المتحدة اذا ما وصلت انتهاكات حقوق الانسان القاع) من الأعداد المتزايدة للأرامل في العراق، وان 'الصحافيين في العراق باتوا هدفاً للهجمات وسوء المعاملة، ولا بد لتضحياتهم أن تحظى بالتكريم، ولا بد لحقوقهم بأن تُصان'، وان تمثيل المرأة السياسي لايزال ناقصا، وان أكثر من مليون وثلاثمائة ألف عراقي لا يزالون مهجرين من أماكنهم الأصلية داخل العراق، ودعت الامم المتحدة 'الحكومة العراقية إلى إيجاد حل جذري لمشكلة هؤلاء بتأمين عودتهم إلى أماكنهم أو السماح لهم بالتوطن والاستقرار في المكان الذي يختارونه'. ويعتبر 'العراق الجديد' واحدا من بين أسوأ الاماكن للاطفال، وكان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون قد اعرب عن قلقه (12 ديسمبر 2011) من انتهاكات حقوق الانسان وانماط العنف في العراق و'وجود أطفال محتجزين مع البالغين في بعض مرافق الاحتجاز'. واشار تقرير بعثة الامم المتحدة الى 'قيام قوات الأمن باستخدام العنف والتخويف ضد ناشطين وصحافيين بما في ذلك قيام عناصر من قوات الأمن يرتدون لباسًا مدنيًا بالقاء القبض على أشخاص ونقلهم بواسطة سيارات الاسعاف'.
ان حضور الحكام العرب ما يسمى بقمة بغداد والشعب العراقي يعيش في ظل الاحتلال المقنع بحكومة هي الافسد والأكثر فشلا (بالمقاييس الدولية) في حماية حياة وأمن مواطنيها وسيادتها هو، في جوهره، التبختر في مسيرة استعراضية على أجساد العراقيين الممزقة. انه، اذا ما تم، سيجعلهم مسؤولين، تماما، عن تبرير وجود المحتل وشرعية بقائه مهما كانت مسمياته
.