Saturday 19 January 2013

مثقفون يقولون لا للمتاجرة بالاسرى الفلسطينيين

02/11/2012
لقد وجدت في البيان الذي اصدرته مجموعة من المثقفين العرب، منذ ايام، وبعنوان ' لا للمتاجرة بالأسرى الفلسطينيين'، جوابا عمليا على العديد من الاسئلة التي طالما تثار ثقافيا وما يصاحبها من اشكاليات فكرية.
اسئلة عن علاقة المثقف بالسلطة ودور المثقف في المجتمع، لا في مجتمعنا فحسب ولكن في جميع ارجاء العالم . وهي اسئلة ملحة يزاد تسليط الضوء عليها ويزداد النقاش حدة وتتراوح ردود الافعال ما بين اقصى نهايات البندول الاخلاقي في الفترات التي يعاني فيها المجتمع من ازمات ثقيلة ويمر بها البلد بمحنة تاريخية على غرار الاحتلال مثلا بالاضافة الى مواجهة الطغيان والانظمة الاستبدادية واغراء المهرجانات والمناصب والمكافآت المالية الضخمة. حينئذ، يطالب المثقف باتخاذ موقف، ردا على الاصوات المتسائلة. اين هو من الاحتلال؟ من قضايا مجتمعه في الحقبة الكارثية ؟ من الازمات اليومية وتفاعله الانساني؟ ما مدى تمثيله لطموحات شعبه ومساهمته الفكرية في طرح المشاريع المستقبلية؟ هل يقف الفنان والاديب والعالم جانبا متحفظا على ان يكون له دور في قضايا لا تمسه ومحيطه المباشر؟ كيف يتفاعل المثقف صاحب الوعي النقدي الذي يرى ابعد من الآخرين مع ما يستجد من قضايا لئلا تتناقض مع قناعاته المبدئية؟
ان البيان الذي اشرت اليه لا يعبر عن موقف اخلاقي وانساني فحسب بل يؤكد، ايضا، ان الثقافة، لا تقتصر على الانتاج الفكري والابداع الفني فحسب، على اهميتهما ودورهما المؤثر، بل تمتد الى كافة الجوانب المشكلة للوعي الفردي والمجتمعي. ويحضرني هنا وصف المفكر الراحل محمد عابد الجابري للمثقف بانه :' في جوهره ناقد اجتماعي، إنه الشخص الذي همه أن يحدد ويحلل ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل، نظام أكثر إنسانية وأكثر عقلانية'.
ان أغلب الموقعين على البيان هم من فلسطين والعراق، لعله هم الاحتلال المشترك الذي نعرف طعمه المر جيدا أو لعل كون المؤتمر الذي يدعو المثقفون الى مقاطعته يعنى بالاسرى الفلسطينيين وسيعقد بالعراق. اذ قامت الجامعة العربية مؤخراً بتوجيه دعوة إلى عددٍ من الشخصيات العربية والعالمية لحضور مؤتمر دولي بشأن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وأعلنت أنّ المؤتمر سيفتتح في العاصمة العراقية بغداد، يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، من قبل 'رئيس الجمهورية جلال طالباني ونظيره الفلسطيني محمود عباس والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي'، وأن 'محاور المؤتمر ستتناول وضع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في القانون الدولي، وحالة السجون الإسرائيلية وأوضاع السجناء اللاإنسانية والمحاكم الإسرائيلية'. وقد يقول أحدهم بان الاسير الفلسطيني بحاجة ملحة الى كل الجهود المبذولة، وبضمنها المؤتمرات، اينما كانت، للمساهمة في تفعيل قضيته والتعجيل باطلاق سراحه. فلم الدعوة الى مقاطعة مؤتمر سيعقد ببغداد وبحضور الرئيس الفلسطيني ولن يكلف الجانب الفلسطيني شيئا لأنه سينعقد بتمويل رسمي عراقي؟
يجيب المثقفون من بلدان عربية متعددة من بينها مصر ولبنان وتونس وسوريا والاردن وليبيا والمغرب بالاضافة الى فلسطين والعراق قائلين في بيانهم: 'نحن الموقعين أدناه، ندعو إلى مقاطعة المؤتمر ونرفض استخدام محنة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كورقة لتبييض وجه نظام حزب الدعوة في العراق برئاسة نوري المالكي على حساب الحقيقة. فعراقنا، تحت نظام المالكي، بات يحتلّ واحداً من أعلى المراكز، دولياً، في سلم الفساد والقمع وانتهاك حقوق الإنسان، وأكثرها بشاعة هي الاعتقالات الجماعية والتعذيب والإعدامات بالجملة. ولا يكاد يمرّ شهر إلا وتُصدر إحدى المنظمات الحقوقية الدولية تقريراً تدين فيه بالأمثلة والوثائق الجرائم المرتكبة بحق الأسرى العراقيين السرية والعلنية، علماً بأن النظام يتخذ من 'المادة 4 إرهاب' ذريعة لاعتقال الصحافيين والناشطين وترويع المثقفين، كما يستخدم مليارات النفط لشراء الذمم وأجهزة الإعلام'. ويؤكد الموقعون موقفهم الواضح من محنة الاسرى الفلسطينيين مذكرين في الوقت نفسه بازدواجية مواقف الانظمة الجائرة، قائلين: ' إننا كمثقفين عراقيين وفلسطينيين وعرب لننحني إجلالاً للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، رجالات ونساء صابرات وفتية كبروا قبل أوانهم، عانقوا حرياتهم الطليقة في أرواحهم رغم الأسر والقهر، وسطروا نصراً للكرامة الإنسانية في معارك 'البطون الخاوية'، لكننا نعرف تماماً أن هؤلاء الأسرى، و قبل الجميع، يرفضون أن تُزجّ قضيتهم النبيلة في مؤتمر لن يسهم إلا في تجميل أفعال النظام العراقي الإرهابية ضد مواطنيه وأبناء جلدته'.
ولأننا لا ننفك نسمع اصوات بعض المثقفين الداعين، تحت مختلف الحجج، الى تسويغ القبول باقل القليل او 'القبول بالامر الواقع'، يتصدى الموقعون على البيان لتفكيك زيف صفقة الامر الواقع قائلين: 'وإذا افترضنا أن المدعوّين مقتنعون بأن محنة الفلسطيني لها الأولوية على العراقي، وأن البراغماتية ضرورية لمواجهة النظام الصهيوني، وإذا ما قبلنا بمنظور تجزئة القضايا، نتساءل هنا: ماذا عن محنة الفلسطينيين في العراق؟ ما هو موقف الجامعة العربية والسلطة الفلسطينية من تهجير وتغييب واعتقال وتعذيب الفلسطينيين في العراق منذ احتلاله عام 2003 وحتى اليوم؟ كيف يمكن تبرير السكوت على تجريم الفلسطينيين وإجبارهم على عيش النكبة للمرة الثانية والثالثة؟ هل سيتطرق حضور المؤتمر، من حماة حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، إلى كيفية معاملة نظام المالكي لـ462 معتقلاً من حاملي الجنسيات العربية في معتقلات حزب الدعوة، من بينهم 40 معتقلاً فلسطينياً تم اعتقالهم بتهمة 'الإرهاب'، بلا دفاع أو محاكمة عادلة؟ وهل سيتطرق المدعوّون إلى مصير 22 فلسطينياً هربوا من العراق ثم انطلقوا بقارب مع مجموعة من اللاجئين بعد منتصف ليل 29/6/2012 من إندونيسيا باتجاه السواحل الأسترالية ثم فقد أثرهم؟ هل سيطّلع المدعوون على حملة تصفية الفلسطينيين، حتى من ولد منهم في بغداد وتربى ودرس وتزوج فيها؟ ماذا عن تعرضهم للاعتداءات المتكررة والمداهمات والشتائم الطائفية؟ وماذا عن عرض عدد من المعتقلين الفلسطينيين الأبرياء في برنامج 'العيون الساهرة'، في تلفزيون 'العراقية' الرسمي، في 16/5/2012، باعتبارهم إرهابيين، وهو فعل مناف لحقوق الإنسان طالما أخضع له المواطن العراقي؟'.
ان تبني القضايا الانسانية العادلة والدفاع عن حقوق الانسان ليس حكرا على المثقفين ولكن، وكما تساءل الفنان الاسباني بيكاسو عندما وجه اليه البعض النقد لانه رسم لوحته 'غيرنيكا' عن القرية التي قصفها نظام فرانكو الفاشي، كيف يمكن للمثقف 'ألا يبدي اهتماما بالآخرين وان ينسحب الى برج عاجي بعيدا عن المشاركة في وجودهم؟ لا، ليست اللوحة ديكورا داخليا'. ان المثقف باختياره الوقوف بوضوح ازاء قضايا يحيطها الاعلام الرسمي بغموض يتماشى مع رسالة الحكام، قامعي الشعوب، انما يمارس فعل النقد الواعي كمثقف وليس كواعظ للسلاطين كما يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي.