Monday 7 January 2013

أحسن العروض في اوكازيون الاعلام العربي

14/07/2011
فضيحة مالية كبيرة طفت على السطح، هذا الشهر، حول الاعلام العراقي والعربي، وهي بحاجة الى الإهتمام والتقييم. وكنت قد كتبت أكثر من مرة عن دور الاعلانات السياسية الترويجية، مدفوعة الثمن، التي لعبت دورا حاسما في شراء تعاون أو صمت بعض اجهزة الاعلام، العراقية والعربية، على انواعها مع الإحتلال.
ومن بين الاعلانات الدعائية الموجهة الى الجمهور العراقي، خاصة، والعربي عموما، هي الاعلانات التي يتم بثها (واقوى الاعلانات واكثرها تأثيرا على المتلقي هي التلفزيونية) تحت اسم 'محاربة الارهاب'.
ومن بين أهم القنوات التي بثت (بعضها لايزال) هذه الاعلانات قناة ' الشرقية' العراقية وقنوات عربية اخرى مثل 'العربية' و'روتانا' والأم بي سي وقنوات لبنانية اخرى بالاضافة الى قنوات دول الخليج وصحافتها.
وكنت قد كتبت سابقا عن تفاوت المستوى الفني لهذه الاعلانات. اذ كانت الاعلانات المنتجة في 2006 و2007 تهدف الى تشويه صورة المقاومة وتقديمها باعتبارها المسؤولة عن الارهاب المستهدف للابرياء وعدم الاكتفاء بالترويج لسياسة الاحتلال فحسب.
ثم ظهرت إعلانات تبشر بإعادة الإعمار، وتوكد أن البلد يستعيد عافيته. في حينها، تم بث الاعلانات المنتجة في استديوهات لوس انجليس وبميزانية تجاوزت عشرات الملايين وبتقنية فنية عالية تجمع ما بين جمالية اللقطة السينمائية وقوة التأثير المستندة الى كل ما يحبه ويتأثر به العراقي.
وكان عنوان مسلسل الاعلانات التي تم بثها في البلاد العربية بشكل واسع هو (كلا للارهاب) وهو ذات العنوان المستخدم من قبل الادارة الامريكية واجهزة التوجيه الاعلامي العسكري ووحدة التوجيه السايكولوجي في البنتاغون والهادف الى تكريس الاحتلال. وكما هو معروف فان الانتاج التلفزيوني والسينمائي يتطلب مبالغ كبيرة تتجاوز بكثير تكلفة المقالات التي كتبها جنود الاحتلال ونشرت في الصحف العراقية باقلام عراقية مأجورة وبثمن يتراوح ما بين 30 ـ 100 دولار للمقالة. فمن اين أتت الاموال لشراء المساحات الاعلانية التلفزيونية والتي يقدر سعرها بالآلاف للثواني؟ ومن هو الممول صاحب المصلحة في تقديم صورة جميلة عن المحتل ومستخدميه؟
هناك بالتأكيد ميزانية مخصصة من قبل وزارة الدفاع للاعلام الترويجي العسكري الهادف الى تقديم صورة حسنة عن قوات الاحتلال باعتبارها قوات 'تحرير' جاءت الى العراق لمساعدة شعبه على بناء الديمقراطية وتأسيس حقوق الانسان و'مكافحة الارهاب'.
وهذه المخصصات تبلغ الملايين وهي معلنة ومعروفة حسب السياسة الامريكية في الكشف عن بنود ميزانيتها (على الاغلب) وتعتبر المخصصات جزءا اساسيا من استراتيجية العمل العسكري الناجح. حيث وقع البنتاغون الامريكي، بداية الاحتلال، عقدا مع اربع شركات امريكية بقيمة 300 مليون دولار لانتاج مجموعة من الاعلانات الدعائية للبث والنشر في اجهزة الاعلام العراقية والعربية تهدف الى تغيير نظرة العراقيين الى الوجود العسكري الامريكي واظهار (الجوانب الايجابية) لاستمرارية بقاء قوات الاحتلال. وهو العقد الثاني للبنتاغون خاصة مع شركة لنكولن.
هذا من جهة البنتاغون ولكن، ماذا عن مساهمة مستخدمي الاحتلال في شراء الاصوات والمحطات والقنوات والصحف الهادفة الى تحسين صورة المحتل وصورتهم؟
كيف حدث واصيبت معظم اجهزة الاعلام العراقية والعربية بالخرس تجاه ما يجري في العراق من جرائم مريعة وفضائح فساد تزكم الانوف؟ ما هو الثمن و ما هو مصدر التمويل؟
للاجابة على هذه التساؤلات، علينا قراءة بيان أصدره مركز الاعلام الاقتصادي، ببغداد، يوم 27 أيلول/سبتمبر 2011 وجاء فيه ان هناك ما يشير الى ' استمرار العمل بقرار الحاكم المدني الامريكي للعراق بول بريمر ابان عام 2003 بأن يخصص 2 بالمئة من عائدات النفط كاعلانات تلفزيونية ضد الارهاب يوزع على وسائل اعلام عربية ومحلية'.
وهذه هي المرة الاولى التي يتوضح فيها مصدر التمويل، خاصة وان البيان صادر عن مركز احتفى اعضاء بارزون في الحكومة بتأسيسه ولا يحسب على الجهات المناهضة للاحتلال.
وتصل النسبة المذكورة 'وفق تقديرات موازنة العام المقبل الى ملياري دولار وهي مبالغ كافية لتنفيذ 40 الف وحدة سكنية'. اما اذا حسبنا التكلفة منذ اصدار القرار في عام 2003، فان ما صرف على شراء رضى وسكوت اجهزة الاعلام العراقية والعربية يزيد على 10 مليارات دولار في وقت تحولت فيه المرأة العراقية الى سلعة للبيع والشراء في دول الجوار واطفالنا الى مشروع اجرام مستديم بسبب الفاقة والتهجير وقلة الخدمات.
ويبين المركز ان المبالغ المدفوعة لعام واحد 'اعلى من التي حصل العراق عليها كقروض من البنك الدولي طيلة السنوات الماضية والتي اخضعته لجملة من الاجراءات الاقتصادية المتقشفة لابقاء التعاون مفتوحا معه'.
ولمن يحاجج حول اهمية الاعلام الكبيرة في التوعية والتأثير والتغيير، وفي مجال مكافحة الارهاب بالتحديد، فان المركز الاقتصادي الاعلامي، يوضح بانه كان بامكان العراق 'تمويل قناة اعلامية ضخمة توازي قناتي الجزيرة والعربية والتي لا تتجاوز موازناتها الـ 2 بالمئة من عائدات النفط العراقية خلال السنوات الاربع الاخيرة'. مطالبا 'بايضاحات حول سبب منح تلك الجهات هذه المبالغ خصوصا انه لا توجد اية مؤشرات تؤكد ان هذه الاعلانات ساهمت في الحد من العمليات الارهابية او عادت بالفائدة على الشعب العراقي'.
وما لم يذكره البيان هو ان هذه الاعلانات المعنون معظمها 'كلا للارهاب' و'الارهاب ليس به دين' يليه دائما شعار 'أنا مسلم انا ضده' قبل ان تظهر صورة 'الارهابي' محمود بلحيته واسمه المطبوع بجانب اشلائه.
فاذا كان الارهاب بلا دين، كما يقولون، وهنا اقتبس تعليق احد مشاهدي الاعلانات على اليوتيوب 'إن كان كذلك حقاً، فأين صور ومشاهد الإرهاب الذي يمارسه الصهاينة في فلسطين، والإحتلال الأمريكي ومرتزقة بلاك ووتر في العراق وأفغانستان؟'.
ولم يصدر أي رد فعل من 'الحكومة' حول هذه القضية الخطيرة باستثناء تصريح لعضو في اللجنة المالية النيابية نافيا الخبر وان اضاف قائلا: 'لا توجد لدينا نية لتخصيص اي مبلغ للاعلانات التلفزونية خلال العام الحالي ... وان موازنة هذا العام لم تصل الى اللجنة المالية ومازالت لدى الحكومة'.
هذا هو التوضيح الرسمي حول دفع عشرة مليارات دولار لاجهزة الاعلام العراقية والعربية، فهل تستغربون وجود العديد من فضائح هدر المال العام، أو سلب ممتلكات العراق وشعبه، كما حدث مثلا عند العثور على مئات القطع الأثرية في مطبخ رئيس الوزراء؟
وعلى من تقع مسؤولية هذا الهدر والإستهانة بالعقول ان لم يكن على من سلمهم الإحتلال مقاليد الأمور شركاء له، أو شهود الزور على هذه الفترة المظلمة من تاريخنا؟