Tuesday 15 January 2013

صواريخ وكرسي فارغ وقمة بلا قمة

30/03/2012
هناك اعلان ضخم ينتصب وسط مدينة لاس فيغاس الامريكية تعلن فيه احدى شركات المباني المسبقة الصنع ان بامكانها تشييد اية مدينة كانت وبالمواصفات المطلوبة (كما هي لاس فيغاس) خلال شهر واحد فقط.
هذا الاعلان يبين بوضوح المفهوم الامريكي لعمران المدن وكيفية انشائها، خلال ايام، كمبان توضع على سطح الارض لاستيفاء حاجة آنية مؤقتة بلا تاريخ او مستقبل. انها وليدة اللحظة، كديكورات المسارح، وستزول بانتفاء الحاجة اللحظوية لها. وهذا هو ماحصل فيما يخص عقد القمة العربية، ببغداد، التي ولدت نتيجة حاجة آنية استهلكت نفسها خلال بضع ساعات بعد ان صرفت المليارات لفبركة الحاجة الى انعقادها وترتيب متطلبات انعقادها، وفق خطوات، ساهمت في صياغتها دوائر الاعلام الترويجي في بعض البلدان العربية بالاضافة الى ادارة الاحتلال الامريكي وحكومة ظله برئاسة المالكي. وخصصت الجهات المتعاونة، خاصة حكومة ظل الاحتلال، ميزانية خيالية، بالدولار، لاستئجار اجهزة الاعلام وتأثيث قاعة الاستعراض وشراء بدلات لامعة أنيقة لرجال الميليشيات (من فيلق بدر الى فوج العقرب) الذين تم تحويلهم، بسرعة، من عتاة العصابات الى دبلوماسيين يليقون باستقبال الوفود العربية. وتفرغت القوات الخاصة الملحقة بمكتب المالكي لمطاردة واعتقال آلاف المواطنين، خلال فترة قياسية، لئلا تكدر اجواء ضيوف القمة. وتم اغلاق الطرق وافراغ مدينة بغداد من حياتها اليومية خوف ان يتخدش سير استعراضهم. وتباهت قيادة عمليات بغداد (الناشطة دوما في ارهاب المواطنين) بنشر ' القوات بشكل تصاعدي للوصول الى الذروة الامنية'. وفي فعل سوريالي لا يحدث الا في زمن الكوليرا (مع الاعتذار من الكاتب الكولومبي غارسيا ماركيز) نصبت أمانة بغداد، المشهورة بتحويلها بغداد الى مدينة قمامة، شاشات تلفاز عملاقة في عدد من مناطق العاصمة لتنقل الى المواطنين المحرومين من الكهرباء ' وقائع جلسات مؤتمر القمة العربية وكلمات الملوك والرؤساء العرب على الهواء مباشرة'. ولن ادخل هنا في تفاصيل العقود والاموال الطائلة المنهوبة اثناء توقيع عقود التجميل الموقعة تحت بند 'القمة العربية'، فتاريخ المليارات المسروقة كعمولات ومشاريع وهمية منذ عام الغزو 2003 يغني عن ذلك، وما اعلن عنه كتكلفة تتجاوز النصف مليار دولار لايزيد عن كونه تغطية لما هو اكثر بكثير من الفرهود الجماعي لرزق المواطنين.
اما جهاز المخابرات ( السي آي ايه) والاستخبارات العسكري الامريكي، فقد تكفلا بتوفير الحماية الجوية ورصد خطوط المكالمات الهاتفية حيث تم قطع الهاتف والموبايلات والانترنت مدة ثلاثة ايام، فضلا عن التزويق الدبلوماسي الذي سربلته تصريحات المسؤولين الامريكيين، بواشنطن، بمباركة القمة العربية و'الترحيب' بانعقادها ببغداد وضرورة اعادة العراق الى ' الصف العربي'، كأن العراق تلميذ مشاغب امره المعلم بمغادرة الصف وهاهو يعود اليه بعد ان رضى المعلم عليه. وتسابقت اجهزة الاعلام العربية المستأجرة بالساعة، كما القمة، الى تقديم البرامج وتكرار تصريحات مسؤولي واحدة من اكثر الحكومات فسادا ومحاصصة واستهدافا لمواطنيها في العالم، باعتبارها حكومة تمثل 'التضامن العربي' وتحارب 'الارهاب' وتعمل على احلال السلام. وطبلت وزمرت قنوات الاحزاب الطائفية والميليشيات لاعلان أهمية انعقاد القمة ومساهمة حكومة المالكي في ايجاد الحلول للقضايا العربية ومنها حل 'الازمة السورية'. بعد ان تناسى المطبلون بان ساسة العراق الحاليين لايقلون شراسة وهمجية ضد شعبهم من نظام الاسد وحكومته الفاسدة . واختار من حضر من الحكام العرب من (جزر القمر وجيبوتي والصومال وتونس وفلسطين والسودان وليبيا ولبنان والكويت والسودان) التعامي لا عن جرائم النظام نفسه فحسب (وهي التهم التي كانت موجهة الى الانظمة الليبية والتونسية والمصرية) بل وعن كونه نظاما تعاون مع الاحتلال وشارك في جرائم بشكل مباشر وغير مباشر. مما يجعل الحكام العرب، على قلتهم وتمثيل بعضهم الذي لم يرتق الى ما هو اكثر من وزير دولة، واصغائهم لأكاذيب المالكي وزيباري والطالباني، التي تفوح منها رائحة دماء الشهداء وكل من رفع صوته مقاوما الاحتلال، مثل المستجير بسفاح لانصاف ضحاياه.
فما هي حصيلة المؤتمر بالنسبة الى حكومة ظل الاحتلال والمواطنين العراقيين خاصة ومواطني البلاد العربية عموما؟ لقد كان استعراضا خطابيا بكل معنى الكلمة، استغرق بضع ساعات، نقلته القنوات التلفزيونية العراقية والعربية والاجنبية الناطقة بالعربية، مباشرة، كما تفعل مع حفلات توزيع الجوائز الهوليوودية. وتركز الاهتمام الاعلامي، لا على المالكي او الطالباني، رغم سخائهما المالي بالدولار، بل على كرسي سوريا الفارغ من جهة وعلى سقف مبنى الاجتماع، في المنطقة الخضراء، من جهة اخرى، توقعا لسقوط صاروخ يستهدف الحكام الذين رفض معظمهم النوم ببغداد. وتثير نقطتا الاهتمام مفارقات عدة من بينها مهزلة ان يناقش عدد من الحكام ثورة شعب ضد نظام مستبد غيابيا. اما النقطة الثانية فتمس رهان نظام المالكي والادارة الامريكية على انعقاد القمة بلا هجوم واعتبار ذلك بحد ذاته انتصارا لايستهان به. غير ان آمال ساسة الاحتلال تهاوت مع سقوط ثلاث قذائف اطلقت، على تخوم المنطقة الخضراء، بالتزامن مع انطلاق فعاليات القمة واثناء القاء رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل كلمته، كرسالة بأن مجيء الضيوف لا يغير شيئا في مسيرة المقاومة العراقية وقصفها شبه اليومي لمواقع الإحتلال ومنها المنطقة الخضراء. ليسمع المتعامون عن مأساة الشعب العراقي صرخته وترتج اجسادهم التي وضعت ثقتها بنظام يعادي شعبه خدمة للغزاة. ولم تنفعهم حماية اكبر سفارة امريكية في العالم ولا نقاط التفتيش ولا المصفحات ولا تفريغ العاصمة من سكانها. ان تمكن المقاومة من الوصول الى تخوم المنطقة الحصينة، يعني شيئا واحدا وهو ان حاضنة المقاومة هو الشعب وان حاضنة نظام المالكي هو الامبريالية الامريكية. وأن من حضر من الحكام العرب بصم على المشروع الامبريالي بالعشرة. وللرد على تصريح نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي قال لدى حضوره إلى بغداد إن هذه القمة هي قمة للعراق، ساقتبس اجابة احد المواطنين عندما سأله مراسل قناة تلفزيونية عن رأيه بقرارات القمة العربية ببغداد فقال وهو يتلفت ناظرا الى اكداس القمامة المنتشرة حوله: كومة أخرى علينا تنظيفها!