Monday 14 January 2013

لجنة قتل الانسان في ' العراق الجديد'

27/01/2012
تضاءلت بعد إعلان الإنسحاب الرسمي لقوات الإحتلال حاجة الأدارة الأمريكية لدعاوى الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون في العراق التي أقامتها خلال السنين الثمانية أو التسعة منه. فأصبحت الادانات الدولية ذات صدى أعلى وبلا حصانة اعلامية كانت تتمتع سابقا. مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان نافي بيلاي أصدرت بيانا غاضبا، يوم الثلاثاء الماضي، قالت فيه انها تشعر 'بصدمة قوية' إزاء اعدام الحكومة العراقية 34 شخصا من بينهم امرأتان في يوم واحد الأسبوع الماضي خاصة مع 'غياب الشفافية في إجراءات المحاكمة، هناك قلق بخصوص الإجراءات الامنية ونزاهة المحاكمات وتوفر الكثير من الادلة التي تشير إلى ان حالات الاعتراف تمت تحت الإكراه'. وهناك اخبار عن عزم حكومة المالكي تنفيذ الاعدام بوجبة جديدة مكونة من 11 شخصا في الايام المقبلة.
ويزداد الغضب حول كثرة الإعدامات خاصة مع ما هو شائع في العراق من عدم الالتزام بالاصول القانونية في اعتقال المشتبه بهم وتقديمهم الى العدالة في محاكمات عادلة بالاضافة الى استخلاص الاعترافات نتيجة التعذيب الوحشي المنهجي ، كما تشير تقارير منظمات العفو الدولية. وآخرها تقرير هيومان رايتس ووتش السنوي الصادر يوم 22 من الشهر الحالي بعنوان، فيما يخص العراق، وقد يكفي للدلالة على فحواه وهو: 'العراق: ما زال المشهد العراقي تعذيبا وسجونا سرية وهجمات على المتظاهرين'.
وتوضح الجملة الأولى في الجزء الخاص بالعراق، المتوفر على موقع المنظمة، بأن العراق 'ينزلق سريعاً نحو الدولة السلطوية القمعية مع إساءة قواته الأمنية إلى المتظاهرين ومضايقتها للصحافيين. رغم تطمينات الحكومة الأمريكية بأنها ساعدت على تهيئة نظام ديمقراطي مستقر، فالواقع يقول إن العراق في طور بدايات الدولة البوليسية'.
هذه التقارير العالمية ليست جديدة طبعا، وأن كانت سابقاتها قد تم تجاهلها بسبب وجود قوات الاحتلال الأمريكية وتطميناتها أن الأمور تسير بالإتجاه الصحيح.
فالمنظمة كانت قد كشفت قبل حوالي العام، في فبراير/شباط 2011 عن 'مركز احتجاز سري داخل قاعدة العدالة العسكرية في بغداد تسيطر عليه قوات أمن نخبوية مسؤولة من مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي مباشرة. نفس الوحدات النخبوية تسيطر على معسكر شرف، وهو منشأة منفصلة في بغداد يُعذب فيها المحتجزون في ظل الإفلات من العقاب'. وتشير شهادات محتجزين موثقة من قبل المنظمة الى ان التعذيب الوحشي روتيني ومنهجي تتفنن به القوات التي يشرف عليها مكتب المالكي مباشرة ، وان الجلادين المالكيين: 'دأبوا على ضربهم وتعليقهم في وضع مقلوب لساعات، وصعقهم بالكهرباء على مختلف أجزاء الجسد، بما في ذلك منطقة العضو التناسلي، وتكرر وضع أكياس بلاستيكية فوق رؤوسهم إلى أن يفقدوا الوعي من الاختناق'. هذه الممارسات التي لا ترقى الى اي مستوى انساني او اخلاقي محليا كان او دوليا هي غيض من فيض مما يتم ذكره في التقارير الدولية المتتالية والتي يصل عددها، احيانا، الى ثلاثة تقارير اسبوعيا. وتجدر الاشارة هنا الى تقرير وزارة الخارجية البريطانية عن حقوق الانسان لعام 2011، يضع العراق أسفل قائمة الدول المعنية بحقوق الانسان وخاصة في مجالي المرأة والاطفال. ويحتل العراق المركز 93 من بين 102 ضمن مؤشر العنف ضد المرأة. لاحظوا ان هذا التقرير لم يصدر من جهة 'بعثية' أو 'قاعدية' بل من ذات الدولة التي وقفت جنبا الى جنب مع امريكا في غزو العراق واحتلاله تحت راية الديمقراطية وحقوق الانسان. فهل من مستقبل لبلد لا يتمتع فيه الطفل والمرأة بحقوقهما الاساسية؟
وما هو رد مسؤولي حقوق الانسان في العراق، وهم كثر، على هذه التقارير الدولية؟ قال وزير حقوق الانسان محمد شياع السوداني في مؤتمر صحافي إن منظمة 'هيومان رايتس ووتش' لم تتوخ الدقة والموضوعية في تقريرها. وجاء في بيان صحافي للوزارة 'ان الموقوفين يتلقون رعاية متماشية مع معايير حقوق الإنسان من زيارات عائلية وخدمات المحامين والخدمات الصحية' . ولاتختلف اجابة الوزارة ، الآن، عن مثيلاتها في الاعوام السابقة.
أما عضوة لجنة حقوق الانسان في البرلمان أشواق الجاف فقد تفوقت على زميلها الوزير حين اعتبرت في حديث لـ'السومرية نيوز'، أن 'من يحكم بالإعدام يستحق العقوبة لأنه يعرف مسبقا حكم الجرائم التي يقترفها ونحن لن ندافع عن شخص اختار طريقا غير قانوني'. مما يعني ان السيدة المتابعة لحقوق الانسان (اما لانها أمية او متعامية او لا تخرج من شرنقة المنطقة الخضراء) لم تقرأ ايا من التقارير المتراكمة حول استخلاص الاعترافات من المواطنين، كما لم تشاهد أيا من برامج قناة 'العراقية' الرسمية المكرسة لاظهار المعتقلين بوجوههم المتورمة وعيونهم المليئة بالذعر وهم 'يعترفون' بكل ما يراد منهم. الم تقرأ، مثلا، التقرير الصادر عن بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق لعام 2010، الذي أوضح فيه ان هناك ' تقارير موثوقا بها عن مراكز اعتقال سرية تعمل في مناطق مختلفة من البلاد حيث يحتجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي.
النظام القضائي لا يزال ضعيفا أيضا - والاعتماد المفرط على الاعترافات، بدلا من التركيز على جمع أدلة الطب الشرعي بشكل صحيح ليبرر الادانات، يشجع بيئة تعذيب المعتقلين'. ولاغرابة اذا ما سمعنا مريم الريس، مستشارة المالكي، وهي تعلق على تقرير 'هيومان رايتس ووتش' على قناة الحرة، يوم الخميس الماضي، قائلة وهي تهز كتفيها باستهانتها المعهودة: 'لم يأت التقرير بفاجعة لاننا نسمع هذه التفاصيل يوميا في البرلمان' وذلك للدلالة على ديمقراطية البرلمان، وكأنها وهي التي تكرر القول دائما 'انا محامية واعرف الاجراءات'، لا تعرف أن الرطانة الخطابية المسرحية شيء وتطبيق احترام وحماية حقوق الانسان شيء آخر!
ولأن منظمات وناشطي حقوق الانسان مستهدفون مهنيا وجسديا وسيف المادة 4 ارهاب مسلطة على رؤوس الجميع، تبقى المنظمات الدولية هي أهم الجهات التي توثق وتدافع عن حقوق الإنسان العراقي ، خاصة وأن لعبة الديمقراطية وحرية الصحافة تشرف الاحتضار، قانونيا.
فقد وصفت لجنة حماية الصحافيين الدولية، يوم الثلاثاء الماضي، قانون حماية الصحافيين العراقي الذي أقره البرلمان في آب/أغسطس بعد أن واجهت حكومة الاحتلال ضغوطات خلال السنوات الأخيرة لإجراء إصلاحات في قطاع الإعلام، بأنه ' كابوس قانوني للصحافيين' و'انه لا يرقى إلى مستوى المعايير الدولية لحرية التعبير، ويجب إلغاؤه فورا'. ولن أدخل في تفاصيل القانون الجديد، على أهمية الاطلاع عليه وعلى الملابسات والخروقات والمآسي التي يعيشها الصحافي العراقي يوميا، من الضرب والاهانة والاعتقال بتهمة الارهاب والتهديد بالاغتصاب، لا لشيء الا لقيامه بممارسة مهنته وهو واحد من حقوق الانسان التي يطبل لها ويلوكها النظام العراقي امام اجهزة الاعلام ذاتها التي يقوم باضطهادها. ان ما استوقفني من تصريح لجنة حماية الصحافيين هو تعبير 'لا يرقى إلى مستوى المعايير الدولية'.
والسبب هو انني منذ اسابيع (لن اقول منذ تسع سنوات) وانا أقرأ ذات الجملة مرارا وتكرارا اثناء انغماري بكتابة بحث اكاديمي عن العنف ضد المرأة في 'العراق الجديد'. وقد تطلبت مني كتابة البحث، لغرض التوثيق وتذكر ما قد يفوتني نتيجة تسارع الاحداث، مراجعة عشرات التقارير التي اصدرتها المنظمات الحقوقية والانسانية الدولية (من بينها العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش، اوكسفام، وانقذوا الاطفال) والتقارير الدورية لمنظمات الامم المتحدة (من بينها اليونسيف واليونيفم ومجلس حقوق الانسان وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق) بالاضافة الى التقارير الدورية للحكومات حول حقوق الانسان في العالم، ومن بينها تقارير حكومات الدول الغازية والمحتلة للعراق كأمريكا وبريطانيا.
اذ ان كل التقارير عن حقوق الانسان، بلا استثناء، تشير الى ان ما يجري في العراق من تشريعات وتطبيقات وممارسات 'لا ترقى الى مستوى المعايير الدولية' مع تضمين التقارير توصيات اما تدعو الى الغاء أو ايقاف ما هو موجود فورا او العمل، على الاقل، على اجراء اصلاحات فورية. وينطبق الامر ذاته على كل جوانب حقوق الانسان التي تمس الجميع، نساء ورجالا واطفالا، بدءا من حق الحياة والأمان والتعليم والصحة والعمل وتوفير الاساسيات الضرورية للعيش بكرامة الى حرية الرأي والتعبير والحركة والحرية من الاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب وتنفيذ عقوبة الاعدام.
وقد دفع تراكم هذه الخروقات والانتهاكات اللأانسانية، ومن بينها تنفيد احكام الاعدام الجماعية. ان مواقف ساسة الاحتلال الذرائعية والمتسترة على الجرائم، ومعظمها بات يصنف كجرائم ضد الانسانية، بكل المقاييس القانونية، تدل بان عملهم كله يهدف الى الغاء وجود المواطن العراقي، بكل الطرق المتوفرة، وان اللجان التي يشكلونها تحت مسميات حقوق الانسان تستحق ان تسمى لجان' قتل الانسان' وليس حقوق الانسان.