Wednesday 16 January 2013

تصنيع الارهاب اعلاميا وحسب الطلب

20/07/2012
في اعقاب تفجير مقر الامن القومي، بدمشق، يوم الاربعاء الماضي ومقتل عدد من أركان النظام السوري، لوحظ، التصاعد الأعلامي المحموم لاستخدام مفردة 'الارهاب' بشكل ينافس استخدامه في اعقاب تفجيرات الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر 2001 وامتداداتها من احتلال عسكري أمريكي لافغانستان والعراق. ولم يعد استخدام المصطلح مقتصرا على من قام بترويجه بصيغة جديدة، اي أميركا واسرائيل، بل تجاوز خصوصيته الانتقائية في وصف 'الاسلاميين' و'العرب' الى مساحة أكبر لتشمل لاعبين جدد، بعضهم من الأهالي الذين إنتقلوا بعد شهورمن الإحتجاج السلمي الى القتال المسلح ودعوة البعض الى الإنتقام جراء تخلي الدولة عن حقوقهم، بالاضافة الى المخضرمين الذين لم يعد وصفهم بالارهاب يثير الاستغراب كتنظيمات القاعدة.
ومن ناحية أخرى اكتظت استديوهات البث التلفزيوني الفضائي العابر للدول خلال الايام الماضية، بـ'خبراء' ارهاب من مراكز دراسات استراتيجية وممثلي حركات سياسية من جهة، ومتحدثين باسماء حركات معارضة او تحرير أو جيش معارضة من جهة أخرى ليجيبوا على اسئلة مقدمي البرامج . ويتركز هم مقدمي البرامج والمذيعين على نقطة اساسية قد تتفاوت في درجتها من قناة الى أخرى وهي: العمل على توجيه اجوبة الضيف، الحاضر في الاستديو او بواسطة الهاتف، لتتطابق مع المسار السياسي لممولي القناة. مع ملاحظة، تقديم بعض وجهات النظر الحيادية او المغايرة لغرض التوازن الشكلي والتي غالبا ما يتم استيعابها من خلال التحكم بالوقت المحدد لضيف دون غيره او المساحة الوقتية المكرسة للخبر.
فقناة الجزيرة القطرية، مثلا، في تغطيتها التالية لتفجير مقر الأمن السوري، وضمن نشرات اخبارها الرئيسية، في يوم الخميس، منحت السيد نصر الله، أمين عام حزب الله الموالي للنظام السوري والايراني، بضع ثوان لتقديم فقرة من خطابه الطويل الذي القاه يوم الاربعاء، وتحدث فيه عن دور النظام السوري في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد اسرائيل. وقد يبدو اختيار الفقرة داعما لموقف النظام السوري من المقاومة، اذ اقتبست القناة قول نصر الله: ' في الوقت الذي كانت سوريا تدعم المقاومة بالسلاح، كانت أنظمة عربية تمنع التبرعات والطعام عن أهل غزة'. الا ان الحقيقة هي ان صوت نصر الله تم تضييعه في خضم تكريس وقت اطول بكثير لكورال بريطانيا وامريكا واسرائيل وفرنسا. اذ دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي، مؤكدا ضرورة أن يجري تغيير النظام في دمشق. وقال وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا أن المجتمع الدولي بحاجة إلى 'ممارسة أقصى درجات الضغط على الأسد لكي يفعل الصواب ويتنحى ويسمح بانتقال سلمي للسلطة'. وأخيرا، وفرت القناة المنصة الاعلامية لايهود باراك، وزير دفاع الكيان الصهيوني، ليتحدث عن استعدادات اسرائيل للتعامل مع التغيير في سورية وحماية أمن اسرائيل وقطع تزويد حزب الله بالسلاح. مما جعل مجموع الوقت المكرس لمعسكر امريكا اسرائيل بريطانيا أضعاف الوقت الذي منح لنصر الله.
وتشكل الفترة الزمنية المكرسة لنقل خبر ما نقطة من الضروري متابعتها في محاولة تفكيك صور واساليب التضليل الاعلامي. من جهة ثانية، جاءت تغطية قناة ' المنار'، صوت حزب الله وايران، مسايرة للنظام السوري وقناته الرسمية التي لا تنفك تبث اخبار ' القضاء على الارهابيين' و'سحق قوى التآمر والارهاب'. كما تواصل عرض بث 'مباشر' يبين الهدوء الذي يسود ذات الاماكن والمواقع التي تبثها قناتا الجزيرة والعربية (السعودية)، بشكل مباشر، ايضا، ويدور فيها الاقتتال بين قوات الجيش النظامي والجيش الحر بالاضافة الى تعريض بعض المناطق الى القصف. وقامت قناة 'المنار'، بتوزيع تهمة الارهاب على المعارضة السورية، عبر اصوات ضيوفها. وبلغ الحد بأحد الضيوف، وهو لبناني ورئيس مركز للدراسات الاستراتيجية، ان وجه اللوم الى الحكومة السورية لانها تعاملت 'بنعومة' مع 'الارهابيين'، وكأن قتل عشرات الآلاف من المواطنين السوريين المحتجين على جرائم النظام لم يكن كافيا. وبلغ حماسه مداه داعيا بشار الاسد الى الضرب بقوة وان يتولى بنفسه القيادة العسكرية قائلا: 'واذا كان بشار الاسد لا يملك بدلة عسكرية فسنعطيه واحدة'.
عروض الدعم للإقٌتصاص لم تقتصر على ضيوف قناة المنار أو على حالة سورية، اذ سارع الرئيس الامريكي باراك أوباما للاتصال برئيس وزراء الكيان الصهيوني عارضا المساعدة بعد استهداف حافلة تقل سياحاً إسرائيليين في بلغاريا، متعهدا 'بالوقوف مع إسرائيل في هذا الوقت العصيب وتقديم أية مساعدة ضرورية لتحديد الفاعلين وجلبهم أمام العدالة'. واصفا الهجوم بانه 'إرهابي بربري'، ومجددا التزام امريكا 'الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل وصداقتنا العميقة وتضامننا مع الشعب الإسرائيلي'. ولم يحدث، واصدر اي رئيس امريكي، سواء كان محافظا او ديمقراطيا، ابيض أو اسود، بيانا مماثلا، او حتى قريبا من لهجته، بحق ضحايا الكيان الصهيوني من المدنيين الفلسطينيين وعلى مدى عقود الاحتلال. لتتحول القضية الفلسطينية العادلة الى اداة مقاومة واستغلال في آن واحد. أداة مقاومة لدى المناضلين المخلصين الباحثين عن المعنى الحقيقي للعدالة ضد الظلم وأداة استغلال وابتزاز لعواطف الشعوب بايدي معظم الحكومات العربية المستبدة التي طالما استخدمت القضية الفلسطينية لقمع اية حركة احتجاج ضد تسلطها وفسادها. وزحف الى قلب قضايانا فيروس الطائفية ليخلق مع ازدواجية المواقف مساحة جديدة للتشرذم والتفتيت. ومع التوسع الامبراطوري للقنوات الفضائية وادراك مموليها لأهميتها البالغة كسلاح اشد فتكا من القوات العسكرية، ازداد سباق التضليل الاعلامي ، ليصبح دور الاعلامي في تحريضه وابتعاده عن الحقيقة، مثل المزايد في بورصة الاسهم. ليزيد من ارتباك المواطن المحاول عبثا فهم الاحداث، خاصة، حين بات من الصعب تمييز الحقيقة من الفبركة والصدق من الزيف والواقع من الصورة الاعلامية.
ان تقديم الأخبار ومتابعة الاحداث بشكل اعلامي انتقائي وفقا لمصالح القناة التلفزيونية ومموليها او الموقع الالكتروني وانتماء صاحبه الى حزب او جهة سياسية دون غيرها، يضبب الحقيقة ويجعل كثرة المنافذ الاعلامية مثل قلتها. ويكفينا ان نرى مذيع البي بي سي او قنوات اخرى، وهو يتلو علينا لازمة 'ولم يتسن لنا التأكد من صحة الخبر'، بعد عرض الخبر ورسوخه في اذهان المشاهدين، لنفهم مدى مساهمة اجهزة الاعلام في تضبيب وتشويه المعلومة والتخلي عن واحد من اهم واجبات الاعلام الاخلاقية وهي تقديم الحقيقة العارية للجمهور.
وقد بات واضحا للكثيرين، في هذه الفترة، عبث تجميع الأخبار من الفضائيات والصحف المتصارعة لمعرفة الحقائق، وإنما صار الإعتماد على التواصل اليومي مع المعارف وعبر قنوات التواصل الاجتماعي، وعلى تحكيم الوجدان للتمييز بين ما هو حقيقي وإنساني ووطني حقا، وبين ما هو مزيف، وسياسي مبتذل، وإرتزاق شخصي وفئوي بين الجهات المتنازعة.