Saturday 5 January 2013

براعم الحرية والكرامة تتفتح في ساحات بلادنا

 22/04/2011
منذ يوم التاسع من نيسان/أبريل، بمناسبة الذكرى الثامنة للاحتلال الانكلو امريكي للعراق، وشباب عدد من المنظمات والتجمعات، يعتصمون في ساحة الأحرار، في منطقة السجن القديم، وسط مدينة الموصل، شمال العراق.
وقد أعلن المعتصمون، في بيان لهم، تم تداوله على المواقع الالكترونية ومن خلال الفيسبوك، بأن اعتصامهم لن يكون لساعات أو أيام بل سيكون مستمرا ليلا ونهارا حتى تنفذ مطالب المعتصمين المتضمنة خروج المحتل من دون شرط أو قيد وإلغاء الاتفاقية الأمنية التي تنتهك سيادة واستقلال العراق، إلغاء نظام المحاصصة الطائفية والعرقية في العملية السياسية وبناء دولة عراقية مدنية عبر الانتخابات النزيهة، وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء.
وكان حوالي 700 متظاهر من النساء وشيوخ العشائر والطلاب واساتذة الجامعات ووجهاء واهالي المدينة قد انضموا الى المعتصمين الذين دعوا، ايضا، الى اضراب عام .
وجاء رد الحكومة منافيا، تماما، لادعاءاتها بالديمقراطية والسماح للمواطنين بالتعبير عن مطالبهم المشروعة بصورة سلمية وبعيدا عن التهديد الامني، حيث قامت بفرض حظر التجول وقطع الجسور والطرق في المدينة بحجة 'وجود معلومات عن سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة لاستهداف المتظاهرين'، وفي الواقع للتغطية على الاضراب العام ولمنع وصول المواطنين لساحة الاحرار كما منعت بعض وفود العشائر الوافدة من جميع انحاء العراق من دخول الموصل والانضمام الى المعتصمين .
ويأتي اعتصام ساحة الاحرار بالموصل استمرارا لتظاهرات يوم الجمعة في ساحة التحرير، ببغداد، وفي بقية المدن والمحافظات، المستمرة منذ يوم 25 شباط /فبراير (مع ملاحظة التفاوت في مطالب المتظاهرين وشعاراتهم)، والتي جوبهت بردود أفعال قمعية تراوحت مابين اطلاق الرصاص على المتظاهرين واعتقالهم وتعذيبهم وسد الجسور والطرق لمنعهم من الوصول الى اماكن التظاهرات وأخيرا باصدار قرار منع التظاهر في ساحة التحرير والسماح به في ملاعب كرة القدم فقط! وكانت حصيلة المجابهات 29 متظاهرا وعشرات الجرحى والمعتقلين. وقد قامت منظمة 'هيومن رايتس ووتش'، منذ ايام، باصدار نداء لمعرفة مصير عدد من المتظاهرين المعتقلين الذين تخشى المنظمة ان يكونوا قد تعرضوا للتعذيب، كغيرهم من المعتقلين، او التصفية الجسدية.
كما أصدر اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق بيانا حول مداهمة قوات الأمن لمقره الرئيسي، في 13 نيسان/ابريل، واعتقالها فراس علي، الناشط العمالي واحد أعضاء تجمع 25 شباط/فبراير، بدون اي أمر قضائي او مذكرة اعتقال تحريرية، بالاضافة الى اهانة الموجودين وتطويق المنطقة واقتحام مقر منظمة حرية المرأة المجاور للاتحاد. وكان الاتحاد قد طالب بإطلاق سراح علاء نبيل المعتقل اثناء تظاهرة سابقة، والكشف عن مصير حيدر شهاب احمد، وإطلاق سراح جميع المعتقلين من المنظمين والمشاركين في التظاهرات.
وكان موقف نوري المالكي من المتظاهرين ومطالبهم المشروعة لا يختلف كثيرا في مضمونه عن ردود افعال بقية الحكومات العربية القمعية، سواء في توجيه التهم الى وزراء حكومته او المتظاهرين انفسهم او كليهما معا. حيث قام اثر موجة التظاهرات التي عمت البلاد مطالبة بالخدمات والعمل ومكافحة الفساد بامهال 'وزارء حكومته فترة لا تتجاوز مائة يوم، لتحسين اداء وزارتهم'، مخاطبا الوزراء كأنه لايعرفهم (معظمهم من تحالفه الحزبي) او كأنهم وزراء في بلاد الواق الواق. وكما هو متوقع من نبرة تصريحات الوزراء، ستدفن مهلة المئة يوم، في مقبرة واحدة بجوار لجان التحقيق التي طالما أعلن عنها المالكي في جرائم القتل والتعذيب والفساد واستحق جراءها ان يؤلف له المتظاهرون أغنية 'كذاب نوري المالكي كذاب'. وبطبيعة الحال، لم يتم تحقيق أي من مطالب المتظاهرين، بل ازدادت حملات المداهمة على البيوت بالاضافة الى تصاعد روائح الفساد الآسنة من فضائح وزارية جديدة. فبعد منتصف ليلة الاثنين 18 نيسان/ أبريل، قامت قوات من الفرقة الثانية بحملة اعتقالات ليلية عشوائية (حسب التدريب الأمريكي) بمداهمة البيوت في حي المثنى في مدينة الموصل، ثم قامت باقتياد 45 شابا وصبيا الى اماكن مجهولة. وقد اكد قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين ان القوات الحكومية نفذت خلال الشهر المنصرم 270 حملة اعتقلت خلالها 1311 مواطنا بريئا بينهم اربع نساء، اضافة الى اختطاف 14 شخصا، آخذين بنظر الاعتبار 'ان هذه الإحصائية اقتصرت على ما تضمنته البيانات الرسمية التي اصدرتها وزارتا الداخلية والدفاع الحاليتان فقط؛ ولم تشمل الاعتقالات التي تقوم بها ما تسمى وزارة الأمن الوطني، ومكاتب ما يسمى مكافحة 'الإرهاب'، أو تلك التابعة لمكتب رئيس الحكومة الحالية، كما ان هذه الاحصائية لا تتضمن الاعتقالات العشوائية التي تقوم بها عناصر ما تسمى الصحوات، والميليشيات والأجهزة الأمنية الكردية بمسمياتها المختلفة'. أما سجل الفساد فقد طالعنا بفضيحتي صفقة الزيت الفاسد (قيمتها 55 مليونا بالاضافة الى 30 مليون دولار تكلفة الخزن) وصفقة استيراد رؤوس التوليد الخاصة بمحطات توليد الكهرباء التي حولتها عصا الفساد السحرية الى لعب للاطفال، ولايزال المبلغ البسيط الذي تبلغ قيمته 40 مليار دولار فقط مختفيا، ربما، في مطبخ أحد الوزراء (هل تذكرون كيف اختفت حوالي 600 قطعة اثرية ضمن الأدوات المطبخية لمكتب رئيس الوزراء)؟ والملاحظ ان كشف صفقات الفساد لا يتم الا حين يصبح الوزير او وكيل الوزير صاحب الصفقة 'وزيرا او وكيلا سابقا'، اي بعد ان يشفط المال ويرحل مغادرا البلاد بسلام. في الوقت نفسه، يواصل الشباب، في مدينة السليمانية، تظاهراتهم وسط المدينة حيث قامت قوات الأمن بإطلاق النار بغية تفريقهم المتظاهرين، مما ادى الى إصابة 80 شخصاً.
ان كتابة اي سيناريو يجمع ما بين التخلص من قوات الاحتلال، مهما كانت مسمياتها، ووضع حد لظلم وفساد الحكومة، يبدو مستحيلا. اذ بات التلاحم المصلحي ما بين الاثنين متجذرا في طبقة جديدة من اغنياء الحرب لن تتورع عن ارتكاب اكثر الافعال شراسة للحفاظ على غنائمها. بالمقابل، تشير الدلائل، كما في بقية دول المنطقة التي انبعثت الحياة في أوصال شعوبها، بأن اصوات الشباب وكل المتظاهرين ستبقى مرددة:لا للطائفية، لا لقتلة الشعب، لا للفاسدين وسارقي الأموال، لا للأجندات الخارجية وتقسيم العراق، نعم لإرادة الشعب، نعم للحرية والكرامة والعدالة.