Wednesday 16 January 2013

فساد ' الديمقراطية' يسري على الجميع

22/06/2012
ما هو مقياس حضارة مجتمع ما؟ يتفق الكثيرون على ان المقياس هو رعاية الدولة والمجتمع للضعفاء غير القادرين على حماية انفسهم والمطالبة بحقوقهم كما يفعل البقية. وهم، غالبا، الشريحة المهمشة التي تشمل الاطفال الايتام والمعاقين والمسنون الموجودون في قلب المجتمع الا انهم، في الوقت نفسه، غير مرئيين نتيجة الاهمال والتجاهل والتمييز بالاضافة الى الاحساس بالخجل من وجودهم فيقوم بعض الناس بإخفاء الأطفال المعاقين والمرضى عقليا.
وسبب تناولي لهذا الموضوع هو اعلان محافظة بغداد، منذ ايام، بان'المحافظة وضعت رؤيا لإدراج ثلاثة مشاريع مهمة تنفذ لعدد من شرائح بغداد المتضررة مجتمعياً في العام المقبل'، أي إنشاء ثلاثة دور للأيتام والمعاقين والمسنين في العاصمة. وهو اعلان رائع لو تم تحقيقه ولم يقف في صف مئات المشاريع المعلنة، اعلاميا، لـ'وجود رؤيا لأدراجها'، مع وقف التنفيد. فوجود الرؤيا لا يعني، في الواقع، غير نفخ بالون جديد واطلاقه في فضاء الاعلام الحافل، بالبالونات الملونة عن كل المشاريع غير المنفذة منذ عام 2003 وحتى اليوم، وعلى الرغم من وجود الميزانية الهائلة والتنافج الحكومي بزيادة انتاج وصادرات النفط واهتمامها بحقوق الانسان. والملفت للنظر في 'العراق الجديد' ان صناعة الفساد المالي والاداري والاعلامي لم تستثن اية شريحة من شرائح المجتمع حتى اكثرها ضعفا، اي المهمشين مجتمعيا والذين هم بأمس الحاجة للرعاية والدفاع عن حقوقهم ومطالبهم وتكييف الخدمات لتتماشى مع متطلباتهم.
ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المعاقين وذوي الحاجات الخاصة في العراق، ولكن تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تشير الى ان عدد المعاقين هو أكثر من مليوني شخص. في حين يقدّر آخرون، ومن بينهم منظمات رعاية المعاقين المحلية، أن الرقم قد يصل إلى الضعف وأن واحداً من كل عشرة عراقيين يعاني من نوع من انواع الإعاقة، نتاج الحروب والاحتلال وماتمخض عنها من صراعات طائفية دموية، وتتراوح ما بين العجز الكلي والجزئي، ما بين بتر للأطراف أو فقدان للبصر أو الشلل الجزئي أو الكلي. وهم يعيشون في ظروف مأساوية صعبة. واعتقد أن هذه الأرقام تقديرات لا يمكن التحقق منها، حاليا، اذ انها تضم اشخاصا يعانون من الحالات النفسية وما يترتب عليها من عزلة وانطواء، أوإصابات ثانوية مترافقة مع صدمات نفسية، وحالات 'أمراض عقلية' لا يسجلها الأهل مكابرة، أو لأنها لا تعتبر، في مجتمعنا، أعراضا مرضية طبيعية كبقية الأمراض. لكن من المؤكد أن وضع المعاقين كارثي بعد عشرة أعوام من الإحتلال.
وقد نشرت منظمة المعاقين الدولية بالتعاون مع وزارتي العمل والصحة دراسة بينت فيها جانبا من حجم المأساة. أقول جانبا لانها تعتمد على عدد المسجلين لديهم فقط. اذ يبلغ عدد المعاقين المنتسبين إلى هيئة رعاية معوقي الحرب بـ 43600 معاق بينهم 5600 من ذوي العجز الكلي، فيما يبلغ عدد المعوقين مبتوري الاعضاء 100 الف وعدد المكفوفين أكثر من 100 الف في حين يقدر عدد المهددين بالعمى وضعف البصر بنحو 205 آلاف. ويعاني معظم المعاقين من الكآبة والاحباط نتيجة احساسهم بانهم عالة على عائلاتهم بعدما كانوا هم الذين يعيلونها. وقد وقع العراق، بداية العام الحالي، على الاتفاقية الدولية للإعاقة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2008 والتزمت بها 175 دولة. وغاية هذه الاتفاقية، حسب تصريح فرانسيسكو موتّا، رئيس وحدة حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة في العراق، هي: 'تعزيز وحماية وكفالة تمتع من يعانون من إعاقات بكافة الحقوق التي يتمتع بها سواهم وعلى نحو متساوٍ. وتُغطي الاتفاقية عدداً من المجالات الهامة كإمكانية الاستفادة وسهولة التنقل الشخصي والرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل والتأهيل وإعادة التأهيل والمشاركة في الحياة السياسية والمساواة وعدم التعرض للتمييز. وتُمثل الاتفاقية تحولاً في التفكير بالإعاقات من كونها شواغل للرعاية الاجتماعية إلى كونها قضايا ذات علاقة بحقوق الإنسان تنظر إلى الحواجز المجتمعية والتحيز على أنها هي الإعاقات'. وتجدر الإشارة إلى أنه يتعين على الدول التي صادقت على الاتفاقية إدخال تدابير جديدة تعزز حقوق الإنسان الخاصة بمن يعانون من إعاقات دون تمييز. وتشمل هذه الإجراءات إدخال تشريع يُناهض التمييز وإلغاء القوانين والممارسات التي تنطوي على تمييز بحق المعاقين، وأخذ هؤلاء الأشخاص بالاعتبار عند تبني سياسات وبرامج جديدة. وتشمل التدابير الأخرى توفير الخدمات والسلع والمرافق الخاصة بالمعاقين. وأضاف السيد فرانسيسكو موتّا: 'إن الأمر المهم الآن هو أن تكفل حكومة العراق تنفيذ أحكام هذه الاتفاقية، وأفضل السبل للقيام بذلك هو التشاور مع منظمات المجتمع المدني وممثلي الأشخاص الذين يعانون من إعاقات على نحو يكفل اتخاذ التدابير الملائمة لتنفيذ الاتفاق وتعزيز وحماية حقوقهم للمشاركة على نحو متكافىء في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع العراقي دون تمييز'.
واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان المادة 32 من الدستور تنص على أن 'ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع'، فما الذي نفذته 'الحكومة' حتى الآن تماشيا مع الاتفاقية الدولية والدستور؟
يقول عبد الله اللامي المستشار الإعلامي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في تصريح صحافي مدافعا عن ما تقوم به 'الدولة' في مجال الرعاية، إن هناك 'معاهد لرعاية الأطفال المعاقين عقليا باسم معاهد (الرجاء) وعددها 17 معهدا، ومعاهد لرعاية الصم البكم وعددها 22 معهدا، وهناك معاهد للمعاقين بشكل جزئي والمكفوفين ولمراحل عمرية متعددة'. وهي ارقام ضئيلة قياسا الى عدد المعاقين.
واترك الأجابة لموفق الخفاجي، رئيس تجمع المعوقين في العراق ونائب رئيس المنظمة العربية للمعوقين الذي يتحدث عن مشكلة اعمق بكثير وهي عدم وجود نظام يحل مشاكل المعاقين جذرياً خاصة وان عددهم هائل بكل المقاييس. حيث صرح الخفاجي لوكالة (الإخبارية للأنباء، 12 حزيران/يونيو 2012): 'إن العراق لا يمتلك نظاما لتأهيل المعاقين وتوفير فرص العمل لهم وجعلهم ينسجمون مع المجتمع ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي، مشيرا إلى أن الكثير من المعاقين لديهم مواهب مميزة، والكثير منهم هم أصحاب شهادات عليا، لكن فرص الاستفادة من هذه الطاقات ضعيفة'.
ولم ينس الخفاجي ان يشير (مثل كل العراقيين والعالم كله)، إلى ميزانية العراق الهائلة التي يحسدنا عليها القاصي والداني، لكنها 'لا تتضمن شيئا للمعاقين باستثناء قانون رقم 20 لتعويض ضحايا الإرهاب بمبالغ بسيطة لا تتجاوز ثلاثة ملايين دينار عراقي (حوالي 2500 دولار) لا تنفع شخصا بترت أطرافه أو فقد بصره بانفجار إرهابي أو عملية عسكرية امريكية او غيرها. بينما يتم تعويض جنود الجيش الأمريكي الذين يصابون في العراق بـ100- 150 ألف دولار'.
وفي ورقة حقائق ارسلتها منظمة 'تضامن' العراقية النسوية الى اعضاء البرلمان البريطاني حول انتهاكات حقوق الانسان في العراق وبضمنها تجاهل حقوق المعاقين والاطفال، ذكرت كاتبة الورقة السيدة ثريا محمد، وبناء على تجربتها كأم لصبي معاق: 'ان على الحكومة وضع إطار مؤسساتي شامل لمعالجة التحديات والصعوبات التي يعاني منها المعاق. ومن بينها توفير الخدمات اليومية، ومراكز التأهيل، والعلاج المهني، وتقديم المشورة، والبرامج التعليمية والتدريبية والفوائد ليس للمعاقين فحسب ولكن، ايضا، لذويهم وأسرهم وكل من يقدم لهم الرعاية والمساعدة لكونهم بحاجة إلى الدعم والمساعدة المالية وفترات الراحة. كما انهم بحاجة الى التدريب والمعلومات الواضحة عن كيفية التعامل مع المعاقين والخدمات المتاحة في مناطقهم'.
ولعل واحدة من اهم مهام الحكومة، في هذا المجال، بالاضافة الى كل المذكور اعلاه، هو العمل على شن حملة توعية وطنية عن الأعاقة للتوصل الى فهم افضل للصعوبات التي يواجهها المعاق وذويه، وكيفية الاعتناء بهم، والقبول بالاعاقة لا باعتبارها عارا يجب اخفاؤه والتستر عليه بل معاملة المعاق كمواطن ووفقا لقوانين حقوق الإنسان. ولن يتحقق ذلك، في ظل حكومة تعلن ولا تنفذ واذا ما شرعت بتنفيذ مشروع ما فلن تكمله اذ يلتهم الفساد 'الديمقراطي' ميزانيته
.