2007/06/03
ان العراق الجديد هو ساحة العجائب حقا، وشخصيات ساسته وعروضهم أعجب وما كنا سنصدق ما يقومون به لواننا
قرأنا عنهم في كتب التاريخ. ولاتقتصر صفة الغرابة علي السياسي لوحده، فهذه مبررة لطبيعة العمل السياسي، بل تتعداها الي المثقف الموظف الحامل للقب مستشار السياسي. وما اتحدث عنه هنا بالتحديد هو السياسي / رئيس الجمهورية جلال الطالباني وموظفيه من المستشارين ولعل ابرزهم من (المثقفين) الروائي المخضرم فؤاد التكرلي وفريق الصحافة والاعلام ومن بينهم جلال الماشطة وفايق بطي وكامران قرداغي، وبعضهم ممن وقف بجانب الشعب العراقي في فترة الحصار.وحسب معلوماتي، ما لم يكن احدهم قد غادر اخيرا، انهم مايزالون ينشطون كل حسب اختصاصه لاسداء المشورة للرئيس في مواقفه وقراراته السياسية. واذكرهم هنا لانهم من بين المعنيين بدعوي قضائية، تعتبر من عجائب العراق الجديد، رفعها رئيس الجمهورية ضد الصحافية نرمين المفتي. ولننظر اولا الي ما يجري في العراق من مجازر وخروقات وانتهاكات وعلي مرأي من الرئيس ومستشاريه المثقفين الصامتين. ففي الوقت الذي تحتل فيه القوات الامريكية البلاد طولا وعرضا، تخرب وتدمر وتقتل كل من يتجرأ علي معارضتها وفي وضح النهار حتي بلغ عدد الضحايا منذ نيسان (ابريل) 2003 وحتي الان مايقارب المليون شهيد، لم يحدث وان رفع الطالباني أو مستشاروه شكوي ضد أي جندي احتلال ولو باسم عائلة عراقية واحدة. وفي الوقت الذي تسرق فيه اموال الشعب ونفطه وبالمليارات وبلغ الفساد والنهب حدا لم يشهده العراق سابقا وعلي الرغم من وجود كل الادلة، حسب مفوضية النزاهة، علي انخراط عدد من الوزراء في السرقات وتزييف العقود، لم يحدث وان رفع الطالباني شكوي ضد اي وزير او لص. وبينما تم تشريد اربعة ملايين عراقي داخل وخارج البلاد قسرا في ظل الحكومة المنتخبة ، مما يعد انتهاكا لكل القوانين الدولية والمحلية وحقوق الانسان، وفي الوقت الذي تعيث فيه الميليشيات في أرض العراق الفساد والتهجير القسري وترويع المواطنين، لم يحدث وان رفع الطالباني أو مستشاريه شكوي لتقديم اي من قادة الميليشيات الي القضاء. وعلي الرغم من وجود فرق الموت والمتعاقدين الذين بلغ عددهم حسب اخر احصائية بريطانية 126 ألف مرتزق ومسؤوليتهم عن رمي جثث المواطنين بعد التعذيب المخيف والتقطيع وبمعدل مائة جثة يوميا لم يقدم الطالباني أو مستشاروه أيا من المتعاقدين الي القضاء. وعلي الرغم من مداهمة البيوت واعتقال المواطنين التعسفي واقتيادهم الي جهات لا احد يعرفها واختفاء 9000 معتقل حتي الان لم يتقدم الطالباني أو مستشاروه بالشكوي الي القضاء ولو باسم مواطن عادي انتهكت كرامته. وعلي الرغم من اعتقال العديد من النساء كرهائن لاهانة ذويهن من الرجال وتعرض الكثيرات للتعذيب والاغتصاب لم يحدث وصدرت من السيد الرئيس ومستشاريه المثقفين ولو همهمة احتجاج ضد من يمارس هذه الافعال المشينة. وعلي الرغم من حملة الاغتيال المنظمة المستهدفة لمئات الاكاديميين والعلماء والاساتذة وكل من يمتلك القدرة علي البحث والتفكير والابداع من قبل جهات معروفة لدي الشعب العراقي لم يقم الطالباني أو مستشاروه المثقفون برفع دعوي واحدة لصالح استاذ جامعي أو مثقف. الا ان رئيس الجمهورية ومستشاريه المثقفين استيقظوا من سباتهم بتاريخ 31 تموز (يوليو) 2006 عندما قرأوا خبرا صغيرا نشرته القلعة، وهي اسبوعية سياسية ناطقة باسم الجبهة التركمانية العراقية، تصدر في بغداد، وترأس تحريرها الصحافية نرمين المفتي. فما هو الخبر؟ يقول الخبر: ( اكدت مصادر وثيقة الصلة بديوان رئاسة الجمهورية ان مستشاري الرئيس جلال طالباني البالغ عددهم 100مستشار يكلفون خزينة الدولة اكثر من مليون دولار وبواقع عشرة آلاف دولار شهرياً في اقل تقدير. وقالت تلك المصادر ان 90 بالمئة من هؤلاء المستشارين يقيمون في الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الآسيوية والاوروبية ويتصلون بالرئيس لتقديم الاستشارات عن طريق الهاتف والبريد الالكتروني والجات. واضافت المصادر ان مستشاري الرئيس يمتلكون علاقات صداقة وثيقة به منذ ان كان ضمن تشكيلات معارضة الحكومة العراقية السابقة قبل عام 2003 مشيرة الي انهم من المثقفين والروائيين والسياسيين. ومن الجدير بالذكر ان راتب الرئيس جلال طالباني يعد من اعلي رواتب رؤساء دول العالم في وقت يعيش فيه 70 بالمئة من العراقيين تحت خط الفقر ويعانون من بطالة قاتلة وصعوبة في المعيشة). خلال أيام، نقلت وكالة الأخبار العراقية تعليقاً علي الخبر المنشور جاء فيه: هدد جلال طالباني بمقاضاة صحيفة القلعة التي نشرت اخبار عن راتبه ومستشاريه ونفي ان يكون مرتبه الشهري يبلغ ثلاثة ملايين دولار بحسب الصحيفة، مؤكدا انه يتسلم 8,000 دولار شهرياً فقط . واشار البيان الي ان عدد مستشاري طالباني 18 فقط وان رواتبهم لا تكلف الدولة شهرياً أكثر من مليون دولار بل ان راتب المستشار الواحد هو (2,000) دولار شهرياً. وان معظمهم يسكنون في بغداد وكلهم في العراق وان المستشارين ليسوا جميعا من المعارضة بل ان بينهم من لم يكن فيها بل انهم من المثقفين المعروفين. واوضح البيان ان طالباني كلف مستشاره القانوني لدراسة رفع دعوي قضائية علي تلك الصحيفة للمطالبة بالتعويضات المستحقة جراء ما نشرته من اكاذيب. وقد قامت القلعة بتاريخ
7/ 8/ 2006
بنشر تصحيح للخبر، وبناء علي البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية وتم نشره، حسب القوانين والاعراف الصحافية، في الصفحة الاولي احتراما للمصداقية، مختتمة الخبر بالقول بان من الجدير بالذكر ان وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وشبكة المعلومات الدولية اهتمت بخبر القلعة وبيان رئاسة الجمهورية الذي يعبر عن التفاعل العميق بين الصحافة العراقية الرصينة ومكتب الرئيس. وهو سلوك وتعليق يدل علي مهنية رئيسة التحرير وخبرتها الصحافية التي تنأي بعملها عن المهاترة، كما قامت فيما بعد بفصل الصحافي المسؤول عن نقل الخبر من عمله. الا ان مكتب الرئيس بموظفيه من (المثقفين المعروفين) تجاهل الخطوة الصحيحة صحافيا وقانونيا وشرع باقامة دعوي مطالبا بتعويض مادي وحسب محامي المفتي قدره 500 مليون دينار. ومن يومها والصحافية نرمين المفتي تعيش في ظل كابوس من التهديد والترغيب، وهي التي تستحق التحية لانها واحدة من قلة من الصحافيين الذين يواصلون العمل داخل العراق خارج المنطقة الخضراء وبلا حرس او حماية تكلف الشعب العراقي ملايين الدولارات وعلي الرغم من كل الضغوطات والمصاعب. وبدلا من ان يكتفي مكتب رئيس الجمهورية بتصحيح الخبر كما يحدث في صحافة البلدان الديمقراطية التي من المفترض ان مستشاري الرئيس قد عاشوا فيها سنوات عديدة وبعضهم مارس الصحافة فيها، واصلوا الضغط بشكل مباشر وغير مباشر علي رئيسة التحرير حيث تقول: وقد عرفت وانا في رحلة خارج العراق بأمر الجلسة الثالثة من المحاكمة حيث لم يتم تبليغي وان كانت حجتهم عدم معرفتهم بعنواني فان القانون يلزمهم بنشر استدعاء في صحيفتين محليتين في الأقل و لم يقوموا بهذا الأمر .فما هو سبب رفع قضية باسم رئيس الجمهورية ضد مطبوعة اسبوعية بسيطة ومطالبتها بتعويض خيالي وخاصة بعد ان قامت المطبوعة بتصحيح المعلومة غير الصحيحة، في وقت يتفرج فيه الرئيس وموظفيه من المثقفين علي قتل المئات من الصحافيين والصحافيات وقد قتل العديد منهم من قبل قوات الاحتلال وعلي مرأي من المواطنين، وفي وقت لم تعد فيه حياة المواطن العراقي تتجاوز سعرا بخسا هو 500 دولار حسب تسعيرة المحتل؟ سافترض وحسب القراءة العامة للدور الاعلامي تحت الاحتلال مايلي: أولا، ان السبب الكامن وراء التمثيلية، هو اسكات الصحافي الذي لم ينضم الي جوقة الرئيس ومستشاريه وتفرعاتهم من المداحين وذوي الحظوة والوساطة، والرافض لتبني خط الاحتلال السياسي والثقافي بأي شكل كان سواء عن طريق التهديد والترهيب او الترغيب من خلال توفير فرص العمل والعلاج والسفر وحضور المؤتمرات. وما اشبه اليوم بالبارحة. ثانيا، قتل الحقيقة والمساءلة وتكريس كل ما يسيء الي حق الانسان في الحرية والكرامة، حيث ستستهلك تفاصيل الدعوي الصحافي المتعب اساسا وتدفعه في النهاية الي الاحساس بالاحباط ومغادرة البلد او ترك المهنة. افترض ثالثا بان السبب هو نشر القلعة في صفحتها الثانية ملفا اسبوعيا عن عراقية كركوك ورفعها شعار كركوك عراقية ودفاعها عن وحدة العراق وهذه مسألة لا تلائم حكومة الاحتلال صاحبة التصريحات المزوقة عن وحدة العراق و(احنا اهلك ياعراق) بينما تعمل في الواقع علي تجزئة العراق وتفتيته وباسماء يتفنن الموظف ـ المثقف في استنباطها وطرق تطبيقها؟ لقد قلت أفترض بان الاسباب هي التي ذكرتها، لاترك مجالا، اذا كان الافتراض خاطئا، ان يقوم احد المثقفين المعروفين من المستشارين، وما أكثرهم، بكتابة موضوع يوضح فيه لابناء الشعب، من أمثالي، حقيقة الامر!