Monday, 10 September 2007

من يحمي الاكراد من الكوليرا والقصف الايراني والتركي؟

جلس مسعود البارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مع نوري المالكي رئيس حزب الدعوة وجلال الطالباني
رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وعادل عبد المهدي ممثلا عن حزب المجلس الاسلامي الاعلي والهاشمي رئيس الحزب الاسلامي في مؤتمر صحافي في بغداد ليعلنوا اتفاقهم علي اصدار بيان. أوضح فيه الموقعون بأن ما يفعلونه في العراق انطلاقا من ضرورة إنجاح العملية السياسية وبناء العراق الاتحادي الديمقراطي التعددي ، أما زبدة البيان فهي: (يؤكد القادة ضرورة الوصول مع الجانب الأمريكي وغيره إن اقتضي الأمر ـ إلي علاقة طويلة الأمد تستند إلي المصالح المشتركة وتغطي مختلف المجالات بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية، وهو هدف يفترض تحقيقه خلال الفترة القصيرة القادمة) ويمكن ترجمة الفقرتين ما تم تطبيقهما، حسب ما يرغبه الجانب الأمريكي، بفعلين هما تقسيم العراق والتوقيع علي قانون النفط الجديد. ولن أتعرض هنا لمسألة فيدرالية الجنوب أو الوسط أو الغرب لاستحالتها نفسيا وتاريخيا وعرقيا ودينيا ومذهبيا، ولم يعد يقترحها غير واحد من اثنين، فأما انه (قائد) حزب أجنبي يهدف الي الاستحواذ علي محط رجل في العراق أو انه غائب عن العالم الخارجي، يعيش علي جرعات متزايدة من المخدرات ومواد الهلوسة.أما بالنسبة الي توقيع قانون النفط والغاز وملحقاته وهو واحد من الاسباب الرئيسية لغزو العراق فان التوقيع عليه لايزال معلقا، وتجمع علي معارضته أغلب الأوساط المشاركة في العملية السياسية نفسها، بات عادل مهدي يبرز يوميا علي شاشات الفضائيات ليشيع بان التوقيع علي القانون سيتم قريبا، والمعروف ان عادل مهدي هو الموعود بكرسي رئاسة الوزراء من قبل وزير الخارجية الفرنسي الذي لا تعجبه وزارة المالكي (لاحظوا مدي تمتع العراق الجديد بالسيادة). ولمن يفكر بتقسيم العراق لتوزيع الثروات بالعدل علي الناس وتحسين الاوضاع كافة نقول انظروا الي مثال فدرالية الشمال. ولنبدأ بمراجعة منجزات الحزبين الكرديين في (اقليم كردستان) المنفصل اداريا والمستقل عمليا منذ التسعينات كمحمية بريطانية ـ أمريكية. لقد تميزت سياسة الحزبين ومنذ احتلال العراق بقلة الوعي وانعدام الفهم الاستراتيجي للعلاقة الخاصة ما بين عرب واكراد العراق ومصلحة المواطنين الاكراد بالتحديد. وقد تجلت حالات قلة الوعي في الجوانب السياسية وخاصة من قبل البارزاني بالاضافة الي الجوانب العسكرية والاقتصادية التنموية. من الناحية السياسية، لم يترك البارزاني مقابلة تمر بدون ان يستعرض فيها عنجهيته القومية ملوحا أما بالانفصال او التهديد بحرب أهلية اذا لم يتم تنفيذ ما يريده، عاجزا عن النظر الي الايام المقبلة عندما يتغير اتجاه الرياح السياسية، وما اسرع تغيرها اذا ما تعارضت مع مصالح أمريكا! وفشل البارزاني ان ينظر الي حالته ليتعظ، وليجنب ابناء شعبنا علي تنوع قومياته وأديانه مغبة اخطاء (القادة). وكان جلوسه مع البقية في المؤتمر الصحافي مؤلما له. يقول انه يكره الحضور الي بغداد وهذا من حقه، فالمدن كالناس، لكل مدينة خصائصها وتاريخها وحضورها الذي يحببها الي البعض او يجعلها مكروهة من قبل البعض الاخر، ونحن نعلم بأنها محبوبة مليون كردي بغدادي. وهو يكره العلم العراقي لانه يذكره بانه العلم الذي رفعه الجنود العراقيون الذين ساهموا بانقاذ حياته وقيادته السياسية من غارات ومجازر (القائد) الاخر أي الطالباني أيام استغاث برئيس النظام السابق لإستعادة أربيل، المحمية أمريكيا وقتها في اواسط التسعينات، اذ غالبا ما يحاول المرء نسيان أخطائه متجنبا النظر اليها او التفكير بها، خاصة اذا ما كان الخطأ هو الاقتتال الوحشي بين قيادة وبيشمركة الحزبين الكرديين التي استمرت عدة سنوات وقتل جرائها ما يزيد علي 5000 مدني، ويزداد الخطأ جسامة اذا كان القائد المعني في مركز يدعي فيه التمثيل القومي للاكراد دون غيرهم. وكان مسعود البارزاني قد حذر في ايار (مايو) 2005 في رد علي سؤال حول تداعيات الوضع العراقي، من أنه إذا ما لاحت بوادر حرب أهلية في العراق، فإن الاكراد قد يستقلون بدولة علي أرض تمتد، حسب الخرائط المعروفة، من زاخو أقصي شمال العراق، وحتي مندلي وخانقين جنوباً، تشمل محافظات أربيل، ودهوك، والسليمانية، وكركوك، وسنجار من الموصل، ومناطق من محافظة ديالي. كما أكد خلال مقابلته مع قناة الحرة الامريكية الناطقة باللغة العربية بتاريخ 31 تموز (يوليو)، في معرض رده علي المطالب الداعية الي تعديل أو تأخير تنفيذ المادة 140 من الدستور قائلا: ( ليس هناك أي مجال لتعديل هذه المادة، ولسنا علي إستعداد لخوض النقاش في هذا الشأن)، مضيفا بأن أي محاولة لتعديل هذه المادة أو إلغائها من الدستور (ستؤدي الي أن تأخذ الأوضاع في العراق منحي أكثر خطورة، منها إحتمالات نشوب حرب أهلية فعلية). تصريحات كهذه تشير بوضوح الي ان النجاح الرئيسي الذي حققه الحزبان الكرديان، منذ بداية التسعينات وحتي الان، هو تغريب المواطنين الاكراد عن اخوتهم داخل العراق وترويعهم مستغلين مشاعر الاحساس بالظلم والخوف من الهجوم عليهم من قبل القوميات الاخري فضلا عن قطع الامل باقامة أية علاقة ودية مع اي بلد عربي لأن البلدان العربية (تخشي قيام اقليم يتمتع بالديمقراطية في كردستان)، حسب تعبير أحد السياسيين. واذا ما نظرنا الي الوضع الجغرافي والسياسي والأنساني للاقليم لرأينا استحالة عزله عن البلدان والأمم المحيطة به، والتي يعتمد عليها وتعتمد عليه عبر القرون، فضلا عن عدم الحاجة الي الانفصال اساسا اذا ما كان هناك عراق مستقل موحد يتمتع بالديمقراطية وحق تقرير المصيرالذي يسانده العراقيون في ظل السيادة والإستقلال، ولوجدنا بان مأساة المواطن الكردي العراقي مستقبلا ستكون مصنوعة بأيدي (القيادة) الحالية، كما ان مصيبة المواطن العراقي عموما مصنوعة من قبل قادة الاحتلال جميعا. من الناحية الاقتصادية، انغمر الحزبان أكثر فاكثر في الفساد المالي والاداري والواسطة والمحسوبية ولعل افضل من كتب عن هذا الجانب هو دكتور فريدون رفيق حلمي وهو القومي الكردي الحريص علي حقوق الشعب الكردي المسلوبة من قبل قيادته اذ علي الرغم من الاستقرار الامني والسياسي في المحافظات الكردية الثلاث وفتح باب الاستثمار الاجنبي والخصخصة وبناء العمارات وحصول المحافظات الثلاث علي 17 بالمئة من ميزانية الدولة الا ان تحسين الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء والخدمات الصحية لم يتم ولايزال المواطن يعتمد علي الحصة التموينية الشهرية ويعاني من الفقر المدقع. وادي عدم توفر المياه الصالحة للشرب واضطرار المواطنين الي شرب واستخدام المياه الملوثة الي انتشار وباء الكوليرا حيث اعلنت وزارة الصحة اصابة ما يقارب الخمسة آلاف شخص ووجود 1600 حالة اصابة بالاسهال بسبب المياه الملوثة، ومعروف أن 30% فقط من منازل السليمانية، أكثر مدن الأقليم رفاها ورقيا، تستلم المياه الصالحة للشرب، بعد 16 عاما من الأستقلال الفعلي عن السطة المركزية. كذلك تم اتخاذ الاجراءات المطلوبة في مخيمات اللاجئين جنوب المدينة. وقد كتب الصحافي باتريك كوبرن في صحيفة الاندبندنت البريطانية اثر زيارته للمخيمات التي تضم النازحين العرب، ان المقيمين في المخيمات المذكورة يشكون من قلة الماء الصالح للشرب وانعدام الخدمات الصحية واجبارهم علي البقاء في المعسكرات طوال الوقت الا في ايام محددة مع منعهم من العمل وحفر المجاري لتصريف المياه الملوثة لئلا وحسب تصريح أحد المشرفين علي المعسكر (يستقر النازحون في المعسكر!) وتتطابق طبيعة الحزبين الكرديين مع بقية أحزاب الاحتلال علي الرغم من ارتداء كل واحد منها قناعا قوميا او طائفيا مختلفا خاصة عندما نقرأ عن تحذيرات هوشيار زيباري وبرهم صالح من انسحاب قوات الاحتلال من العراق وكيف ان الانسحاب سيؤدي الي خلق حمامات دم. حيث تهدف الاحزاب الي ترويع العراقيين من بعضهم البعض وزحزحة ثقة الشعب بالمقاومة المستهدفة للاحتلال وترسيخ صورة الشعب الضعيف المنقسم علي نفسه وغير القادر في النهاية علي تقرير مصيره، وهي صورة رسمتها المس بيل في بداية القرن الماضي عندما كتبت في رسالة لها لوصف دور السياسيين المتعاونين مع الاحتلال البريطاني قائلة: (من بين الامور التي تزيد الرأي العام صلابة ورسوخا معنا اشاعة كليشيهات معينة والكليشة الجديدة الشائعة تنص علي: اذا ما تركتمونا فسيأكل بعضنا البعض. وهي الحقيقة بعينها بدون شك). هنا يكرر زيباري وصالح نفس دور سياسيي الاحتلال البريطاني مما يستدعي الاستجارة بالمحتل الامريكي أو حتي الصهيوني الاسرائيلي. وجاء قصف ايران لمناطق قلعه دزه وحاج عمران وقضاء بنجوين بحجة وجود احزاب كوردية من ايران مناوئة للسلطة الايرانية في هذه المناطق وقصف تركيا لمناطق متعددة بالمدفعية الثقيلة في قضاءي زاخو والعمادية وبشكل عشوائي، مما سبب قتل عدد من الضحايا المدنيين تذكيرا مريرا لقيادة الحزبين باختيارهما الخاطيء لامريكا كحليف استراتيجي بدلا من تنمية العلاقة الاخوية المتينة مع بقية ابناء الشعب العراقي الذين تربطهم بهم اواصر الدين والمصاهرة والجوار بعيدا عن العنجهية القومية وسكرة الفوز بمكاسب مؤقتة ستتبخر حالما يغادر المحتل الامريكي عائدا الي بلده. أما بالنسبة الي تغيير القوانين ومنه قانون النفط والغاز فان المالكي ومهدي والحكيم والهاشمي والبارزاني والطالباني وكل من ناور ويناور معهم يتعامون عن ان النفط ملك للشعب العراقي كله وان أي قرار يخص ثروة الشعب يجب ان تتم من قبل الشعب نفسه وباختياره في ظل حكومة ذات سيادة بعد تحرير العراق من الاحتلال الغاصب وليس من قبل ( قادة) يتسابقون علي ذبح المواطنين ونهبهم وتقسيم الوطن.