Saturday, 25 August 2007

بورتريه المثقف قراط العراقي وثقافة التسامح

25/08/07
تناقلت وكالات الانباء ان ستة مدنيين قتلوا واصيب خمسة آخرون يوم الثلاثاء 21 اب (أغسطس) اثر تعرضهم لاطلاق نار من قبل قوات الاحتلال الامريكية التي حاولت (تفريق تظاهرة للاهالي تطالب بتحسين الخدمات والوضع الامني المتردي في قضاء الخالص شمالي بعقوبة. ولم يصدر عن الجانب الامريكي أي توضيحات في هذا الشأن). ولمن يسأل عن توضيح (الجانب العراقي) فان الجواب واضح: انه بانتظار ان يصدر المحتل الامريكي توضيحه ليبصم عليه، كما لم يسأل أحد من حكومة (المصالحة الوطنية) لماذا قتل المتظاهرون المسالمون وهم يمارسون حقا من حقوقهم (الديمقراطية)؟ وتعيد هذه الجريمة البشعة الي الاذهان تفاصيل الجريمة التي دفعت اهل الفلوجة الي الثورة في نيسان (ابريل) 2004، حيث تظاهر عدد من الاهالي امام مدرسة ابتدائية ليطالبوا قوات الاحتلال باخلاء المدرسة لكي يعود اطفالهم الي مقاعد الدراسة فكانت نتيجة المطالبة السلمية مجزرة استشهد فيها 17 مواطنا. وليست حوادث اطلاق النار علي المتظاهرين في الخالص والفلوجة غير مثالين بسيطين علي كيفية تعامل قوات الاحتلال بالعنف والارهاب القاتل مع المواطنين الذين يحاولون الاحتجاج او المطالبة بحق من حقوقهم بالوسائل السلمية. مما ينقلنا الي بدعة مفهومي الارهاب وثقافة العنف التي يتم ترويجها في صفوفنا من قبل بعض المثقفين باعتبار ان كل من يقاوم الاحتلال باسلوب الكفاح المسلح هو ارهابي، مسؤول عن قتل المواطنين الابرياء ويحمل في داخله جذور القسوة وثقافة العنف وان كل من ساهم في غزو العراق ويساهم في بناء هيمنة الاحتلال السياسية والاقتصادية وتقييد المواطنين بسلاسل المعاهدات والعقود الاستغلالية البعيدة المدي وساهم حتي الان بشكل او اخر بقتل مليون مواطن هو وطني يحمل في داخله حب السلام والديمقراطية ومقاومة الاحتلال بالطرق السلمية. ولنتوقف قليلا عند تهمة ثقافة العنف التي اضيفت الي التهم المنهمرة علي رأس المواطن العراقي مثل القنابل والصواريخ التي يصبها عليه طيران الاحتلال. فقبل قتل المتظاهرين المحتجين سلميا برصاص قوات الاحتلال بأيام نقلت احدي القنوات الفضائية ندوة تحدث فيها أحد المثقفي قراط، أي من يعرضون خدماتهم كمثقفين لمن بيده السلطة والنفوذ في أي وقت كان، عن الوضع الامني والسياسي المتردي في العراق بلباقة موضحا في النهاية بان السبب وراء مايجري هو ثقافة العنف المتوارثة في المجتمع العراقي، كما نشر احد الشعراء المتمايلين يمينا ويسارا موضوعا بين فيه ان ثقافة العنف مترسخة في دواخل العراقيين منذ العهود القديمة، وأدلي مثقف قراط آخر، في حزيران (يونيو) السابق بتفسيره معترضا بان ثقافة العنف والكراهية المستأصلة في ذات العراقي محيرة حقا وان كان لديه مايثبت بان اصولها السيكولوجية تعود الي الثقافة العربية الاسلامية تحديدا وهي التي (أشاعت العنف وجعلته الوسيلة الوحيدة لحل النزاعات ولإجبار الخصوم علي الطاعة والخضوع. وهذه خاصية سيكولوجية في العنف، أنها تغلق كل نوافذ التفكير وتحشد كل قوي الحقد والعدوان باتجاه الانتقام). وقد خلص المثقفوقراط الثلاثة ضمنيا الي ان (ثقافة العنف المتجذرة) في داخل العراقيين تمنعهم من رؤية محاسن (الديمقراطية والسلام وثقافة التسامح) وتدفعهم الي التخريب المتعمد للبناء الحضاري فضلا عن ممارستهم الارهاب. هذه الامثلة ليست فريدة من نوعها، فقد بدأت عملية تهميش المواطن العراقي ووصفه بالقسوة والعنف والتخلف قبل غزو العراق بسنوات طويلة وبموازاة استئجار صوت المثقف قراط لينطق باسم سيده في تسويق المشروع الامريكي للاحتلال والهيمنة الاقتصادية والثقافية. فوجود المثقف قراط ضروري جديدا لنجاح المشروع الامريكي للهيمنة الثقافية وهي الاخطر من الهيمنة العسكرية المباشرة لما قد يترتب عليها من نتائج بعيدة المدي. واذا ما اردنا رسم بورتريت المثقف قراط العراقي فعلينا ان نبدأ منذ البداية. فهو من يحدثنا في كتاباته ولقاءاته الاعلامية التي غالبا ما تجري بعد ان ينتهي من كتابة رسالة موجهة الي الرئيس الامريكي جورج بوش، كما بتاريخ حزيران (يونيو) 2004 تعبيرا عن شعوره بالامتنان (لتحريرالعراق) وتثمينا لجهد القوات الامريكية (المستشهدة) علي ارض العراق، عن عمله الهادف الي (نشر ثقافة السلم والديمقراطية ومواجهة ثقافة الارهاب والتعصب الطائفي والعنصري والتطرف بأشكاله)، ثم يتدرج في حديثه المنمق السلس الي وصف اعراض ثقافة العنف السائدة في العراق والمتجذرة في تاريخه ويستطرد اكثر فيصبح العنف سمة مركبة في جينات العراقي مما يستدعي بالضرورة الاستعانة بالقوي الخارجية لتخليص العراقي من عنفه وقسوته وشراسته التي تجلب الخراب علي نفسه وعلي الاخرين. الخلل اذن فيما يصيب العراق الان هو العراقي نفسه وكما يبدو من مسار الاحداث ان الحل الوحيد هو في التخلص من العراقيين أنفسهم. وبينما يحلل المثقف قراط كل خلية في جسد المواطن العراقي المبتلي تأكيدا لوجود جينات العنف والقسوة يتعامي عن رؤية قوات الاحتلال الجالسة في بيته وعلي صدره، الخانقة لانفاسه، القاتلة لابنائه والمشردة لعوائله، الناهبة لثرواته، فلايراها وقد بلغ عددها ما يقارب النصف مليون عسكري ومرتزق ومتعاقد وحارس منشآت. ما يختار ان يراه المثقف قراط من موقع المستخدم هو انهم بناة (الديمقراطية وثقافة السلام والتسامح) بينما يختار ان يري ابناء جلدته المدافعين عن كرامتهم ووطنهم كارهابيين حاملين لثقافة العنف والقسوة. ومن بين الامثلة الصارخة علي مواقف المثقف قراط من ابناء الشعب العراقي هو خطاب أحد (الرفاق) الموظف في وزارات الاحتلال المتعاقبة، في شهر حزيران من العام الحالي والذي تحدث فيه عن كارثة الاحتلال والجرائم والانتهاكات الواضحة وضوح الشمس بعتب ناعم رقيق مختزلا احتجاجه علي : (الطريقة التي تم بها القضاء علي النظام السابق)، بينما تحدث عن شخصية الفرد العراقي المتميزة الان ولاسباب عديدة (بتكريس نزعات التطرف والتعصب وثقافة العنف)، متناسيا بانه هو وليس المواطن العراقي من اختار العمل ضمن منظومة الاحتلال بمحاصصاتها الطائفية والعرقية، متجاهلا بان ردود افعال الناس علي جرائم الاحتلال أمر طبيعي وان الاحتلال لم يضع ولو للحظة واحدة مصلحة الشعب العراقي نصب عينيه. ويعتقد المثقف قراط ان أحد اسباب انتشار جرائم القتل والانتهاكات المستهدفة للعراقيين بشكل عام وللاكاديميين والصحافيين والمثقفين بشكل خاص هو (تراجع احترام الرأي الآخر وعدم التزام مبادئ الحوار والتسامح، وصعود ثقافة الكراهية والتعصب والطائفية والعنف). والحل الوحيد هو (المصالحة الوطنية) في ظل حكومة المالكي وهو حل لم يعد بحاجة الي النقاش حتي مع اكثر الناس جهلا وسذاجة. وكأن المثقفي قراط في حالة سباق لتبرئة ساحة المحتل من مسؤولية جرائمه ورميها علي كاهل المواطن المثقل بالآلام والنكبات، فها هو مثقف قراط آخر يكتب لصحيفة الصباح الرسمية مزيفا صورة ما يجري حولنا ليترك القارئ ازاء صورة مبهمة، غامضة المعالم، حيث يقول (تهيأ العراقيون بسقوط النظام السابق لاستقبال الثقافة الديمقراطية بديلا عن ثقافة العنف التي عمت جميع اوجه الحياة والمشهد الثقافي العراقي، ولكن ظروف ما بعد الحرب تحالفت مع اعداء العراقيين وديمقراطيتهم المنشودة، لديمومة ثقافة العنف في العراق في عهده الجديد)، واقصي ما نفهمه من التصريح هو ان المثقف قراط كان حذرا من اغضاب رؤسائه الي حد دفعه الي استبدال مفردة الاحتلال، وهي المفردة القانونية حسب الامم المتحدة، بـ(ظروف ما بعد الحرب). ان ما يمر به الشعب العراقي من مآس ونكبات علي قسوتها مماثلة لما مرت به شعوب عديدة اخري وخاصة في فترات محاربة الاستعمار والتحرر الوطني. فنضال الشعب الجزائري لم يكن خاليا من المآسي وكذلك الشعب الفيتنامي ولايزال الشعب الفلسطيني يعيش في كل لحظة من لحظات النضال ضد العدو الصهيوني قصص المعاناة والتفرقة وسياسة خلق الجبهات المختلفة. ان أحدي يدي المستعمر مليئة بالنقود والمناصب لاغواء الضعفاء والثانية باسلحة الارهاب وخلق الفتنة والاقتتال الداخلي وهي اسلحة تخطئ احيانا وتصيب في احيان أخري حسب قوة الشعب وحرصه علي استقلاله وسيادته ووحدته الوطنية بمواجهة اسلحة المحتل المتعددة المستويات ومن بينها سلاح استخدام المثقف قراط المغلف بالحرص علي بناء (الديمقراطية والسلام) ووصف مقاومي الاحتلال بانهم: (يتمسكون بالسلاح والعنف والارهاب وسائل حصرية للوصول الي اهدافهم السياسية!)، تكريسا للنظرية الاستعمارية القديمة المستندة الي القاء اللوم علي الضحية بدلا من الجلاد