Monday 2 June 2008

عن النكبة والانبياء ومقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق

2008/05/11
ستون عاما علي النكبة. نكبة الشعب الفلسطيني هي نكبتنا كافراد وشعوب تناضل منذ عقود من اجل التحرر من الاحتلال
والتخلص من آثار جريمة نكراء ارتكبت امام أنظار العالم الواقف كشاهد أخرس. ولا يزال الكثيرون كذلك ومن بينهم (رؤساؤنا وقادتنا وملوكنا) الذين ما ان نتصفح الجرائد اليومية حتي نراهم وهم يطلون علينا فرحين جذلين باحتضان القتلة ومجرمي الحروب وكأنهم قد حققوا، لتوهم، النصر الذي يتغنون به في خطبهم الرنانة. ومن بين المتعامين عن حقيقة الاحتلال وطبيعته ساسة ومسؤولو ما يسمي بالحكومة العراقية. ففي الوقت الذي فتحوا فيه ابواب مدننا للغزاة البرابرة وافقوا، ضمن رزمة الخنوع للمحتل الانكلو ـ امريكي، علي التعاون مع الكيان الصهيوني، بمستويات متعددة تتراوح ما بين الصمت علي جرائمه رسميا واعلاميا وفسح المجال لموساده ليسرح ويمرح في أرجاء العراق. غير ان قلوب ابناء الشعب العراقي المقاوم لاحتلال بلده، تبقي نابضة بدعم القضية الفلسطينية والنضال من اجل السلام والحل العادل المرتكز، قبل اي شيء آخر، علي حق عودة اللاجئين. مؤمنين بانه الحق الاول الذي لا يمكن التخلي عنه مهما كانت الشروط المفروضة قاهرة ودعوات (السلام) متسربلة بالقصف الجوي واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا والحصار القاسي المفروض علي المدنيين. مما يعيد الي اذهاننا الحصار الانكلو ـ امريكي تحت عباءة الامم المتحدة الذي فرض علي العراق علي مدي 13 عاما وسيعاني البلد والشعب من جرائه امراضا وموتا بعد موت علي المدي البعيد. كما تستحضر مأساة اللاجئين الفلسطينيين في اذهاننا، أيضا، صورة ما قد يكون عليه حال النازحين العراقيين والمهجرين واللاجئين في مختلف ارجاء العالم اذا ما حدث وقررت حكومة الاحتلال، لاسباب تتعلق بطائفيتها وعرقيتها وعنصريتها ولاوطنيتها، أو نتيجة رزمة جديدة من الاتفاقات مع العدو، الا تسمح لهم بالعودة الي بيوتهم! وتستحضر محاولة تزوير التاريخ الفلسطيني ومحو هويته بالتخريب والنهب والحرق المتعمد الذي قامت به قوات الغزو الامريكي لمسح تاريخنا وحضارتنا وهويتنا الوطنية. ان تبريرات حكومة الاحتلال واجهزة اعلامها للصمت ازاء النشاط الاخطبوطي المباشر وغير المباشر للموساد في العراق وازاء عدالة القضية الفلسطينية بانها مشغولة بما يجري في العراق هو محض هراء، اذ ان سياسة حكومة الاحتلال هي صدي لسياسة امريكا والحركة الصهيونية، وصمتها عن ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين في داخل العراق وفي فلسطين المحتلة يتماشي مع السياسة التي اختارت تبنيها خلافا لرغبات الشعب العراقي واحتقارا لاحاسيسه الوطنية والقومية. لقد سألني احد الناشطين الانكليز المناهضين للحرب والاحتلال، منذ ايام، عن سبب كتابتي، مرة، في احدي صفحات الرأي المنشورة بالانكليزية، أن احداثا ثلاثة ساهمت في تشكيل هويتنا الوطنية العراقية. وهي ثورة العشرين في عام 1920، وثورة 14 تموز في عام 1958، والقضية الفلسطينية. سألني قائلا: افهم معني ان يكون لثورة العشرين و14 تموز تأثير علي الهوية العراقية ولكن لماذا القضية الفلسطينية؟ كان جوابي مختصرا: لأن الاحداث الثلاثة جزء من ذاكرتنا الجماعية. وهي ترتبط بوحشية الاحتلال واستغلال الاستعمار لثروات الشعوب، كما ترتبط بمقاومة ونضال شعبنا للتحرر من الظلم الاستعماري المفضوح. وها نحن في العراق المحتل نعيش امتداد المأساة الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الجاثم كالكابوس علي صدور ابناء الشعب. فالمقاومة العراقية الوطنية الباسلة هي الامتداد الطبيعي لكل حركات المقاومة، في جميع انحاء العالم، التي ساهمنا، كافراد مستقلين احيانا وضمن احزاب وطنية في احيان اخري، في دعمها ومساندتها من الجزائر الي فيتنام وأولها فلسطين. ان دعمنا ومساندتنا للقضية الفلسطينية ومقاومة الشعب من اجل التحرير لم يحدثا نتيجة اطاعة مرسوم ملكي أو امر صادر من مجلس قيادة ثورة او مكتب رئاسة جمهورية، كما يزعم الليبراليون الجدد الذين يصفون القضية الفلسطينية بانها اداة لاستغلال المشاعر الشعبية من قبل المسؤولين العرب والمسلمين و(القومجية)، وان علي الناس ان يستيقظوا من رقادهم ليمدوا أيدي السلام الي اسرائيل التي باتت تمثل واقعا يجب القبول به. ان ما يتعامي عنه الليبراليون الجدد، واذكر من بينهم مثقفي الاحتلال العراقيين المعروضة خدماتهم في السوق وحسب الطلب، هو ان الاحساس الشعبي العميق بعدالة القضية الفلسطينية هو الذي اجبر الرؤساء والملوك علي تبنيها، وليس العكس. وان الشعور الجماهيري بالغضب ازاء الظلم حقيقي وراسخ رسوخ القيم الاخلاقية والانسانية وليس وليد الاستبداد والدكتاتورية أو معاداة ( الديمقراطية). واذا ما نظرنا الي المرأة في البلاد العربية، عموما، كمثال علي تنامي النضال الشعبي، باشكاله، لمساندة الشعب الفلسطيني، للاحظنا، الي جانب مشاركة المرأة الفلسطينية في ثورات شعبها منذ عشرينيات القرن الماضي، انها كانت فاعلة ومنذ وقت مبكر في النشاطات العامة الداعية الي مقاومة المحتل. مثال ذلك الدعوة الي عقد اول مؤتمر نسوي في القاهرة في تشرين الاول (اكتوبر) 1938 وتكريسه للقضية الفلسطينية. حيث بدأت الاتصالات بين لجان السيدات للدفاع عن فلسطين في دمشق وبغداد وبيروت والقدس من جهة وبين الاتحاد النسائي في مصر من جهة اخري. وفي الرابع من ايلول (سبتمبر) 1938 وجهت السيدة هدي شعراوي نداء الي الجمعيات النسائية العربية لحضور المؤتمر ومما جاء في النداء (قررنا عقد مؤتمر نسائي شرقي للنظر في الحالة المؤلمة التي تعانيها فلسطين منذ سنين عدة. تلبية لصوت ضمائرنا ولاستغاثة الانسانية المعذبة في تلك البقاع المقدسة. ان ما يعانيه اهل فلسطين الشقيقة ليزداد خطره تفاقما يوما بعد يوم ففي كل يوم يتيتم اطفال وتترمل نساء ويقتل الكهول والفتيان من الرجال والنساء وتردع الناس في الاسواق والطرق). وبالامكان اعتبار المؤتمر كافضل دليل علي قوة مبادرة المرأة وتوحيد موقفها وقدراتها ووعيها بحقيقة المخاطر، يوم كان اغلب الساسة والحكام العرب ينظرون الي بريطانيا كصديق وحليف للشعب العربي. وكانت كلمة الافتتاح التي القتها هدي شعراوي دليلا آخر علي ان البوصلة الاخلاقية لمواطني البلدان العربية، خلافا لما يشيعه المستبدون والاستعماريون معا، سليمة، اذ جاء في الكلمة التي يمكن قراءتها وكأنها كتبت اليوم: (ان محنة فلسطين لم تثر خواطر رجال الشرق فحسب بل افزعت نساء الاقطار العربية وروعتهن بفظاعتها ووحشيتها ومنافاتها لقواعد العدل ومبادئ الانسانية وانتهاكها لحركات الحق والسلام، فقمن يشاركن الرجال لانقاذ فلسطين المعذبة من جور الاستعمار الانكليزي والاحتلال الصهيوني). ومنذ ذلك الحين كانت القضية الفلسطينية هما عراقيا حيث شارك في المؤتمر وفد عراقي مكون من أربع نساء هن رفيعة الخطيب وماري وزير وصبيحة الهاشمي ومنيبة ثنينان. وكتبت الشاعرة العراقية أم نزار وابنتها الشاعرة نازك الملائكة، عن فلسطين قصائد رسختا فيها الدعوة الي النضال ضد المحتل. حيث كتبت ام نزار قائلة: ما فلسطين هذه، يا لقومي/ أوليست دار التقي والسجود؟ كما كتبت في عام 1938 قصيدتها المعروفة (الغاب المستباح). وتلتهما الشاعرة لميعة عباس عمارة لتقول في بداية قصيدتها المعنونة فلسطين: (ألا أبلغ الباغي الذي وضع الحدا / بأن بلادي لا تباع ولا تهدي). ولم تقتصر مساندة المراة وكل العراقيين للقضية الفلسطينية علي كتابة الشعر والقصة بل تطوع الكثير منهم لينخرطوا في صفوف المقاومة الفلسطينية اما كمقاتلين او في المجالات الطبية والاعلامية والتعليمية. واود ان اذكر الليبراليين الجدد من العرب ومثقفي الاحتلال من العراقيين، مرة اخري، بان انضمام معظم العراقيين الي المقاومة لم يتم بناء علي مرسوم ملكي أو أمر من مجلس قيادة الثورة أو أمر رئاسي بل كان فعلا تطوعيا نابعا من الايمان بان الشعب الفلسطيني، كما هو حال الشعب العراقي اليوم، لن يصل محطة السلام الا بعد التخلص من الاحتلال البشع. وسيبقي السلام مجرد مفردة فارغة ممجوجة ما لم تتضمن تحقيق العدالة استنادا الي حق العودة للاجئين. ان محاولة فرض الغيبوبة الفكرية علي الشعوب المحتلة عسكريا واقتصاديا وسياسيا وتطويعها لقبول حالة العبودية عن طريق الترويع بالقوة العسكرية الهائلة لقوات الاحتلال لن يؤدي كل هذا الا الي عكسه. فعلي الرغم من مرور 60 عاما علي تأسيس الكيان الصهيوني، وعلي الرغم من كل مليارات الدولارات التي تنفقها امريكا سنويا لحماية الكيان في قوقعته، وعلي الرغم من احدث التجهيزات والامدادات العسكرية الهائلة، وفي الوقت الذي يفترض فيه، ان يكون جيل النزوح القسري الفلسطيني الاول قد رحل وان يقبل الابناء والاحفاد بالأمر الواقع، حسب منظور واقعية الليبراليين الجديد، لم تنطفئ شعلة الغضب في الروح الفلسطينية والعربية والمسلمة وقد بدأت تتوهج في ارواح الناس اينما كانوا مع ازدياد الدعم العالمي. ولم يتم أي من هذا انصياعا لمرسوم ملكي أو أمر صادر من مجلس قيادة ثورة أو توجيه رئاسي، بل لو ان الامور تركت للقادة والرؤساء والملوك العرب لكانت القضية الفلسطينية قد دفنت منذ زمن بعيد. الا ان اصرار الشعوب هو الذي ابقاها حية لا تنسي. وسيبقي كل مناهض ومقاوم للاحتلال حاملا للقضية الفلسطينية في داخله من بغداد الي لبنان الي غزة ومن كل المدن العراقية المقاومة الي الشعب الفلسطيني المقاوم علي الرغم من حصاره، مؤمنين، كما قال الشاعر سعدي يوسف: يقف الطفل الفلسطيني في الحجرة: يصغي الانبياء.