Monday 2 June 2008

هل سينفع المالكي تغيير زئير الأسد الي أم الربيعين؟

2008/05/18
قبل ان يشد الرحال الي مدينة الموصل ليقف متغنيا بما سيحدثه من خراب، تحدث رئيس وزراء حكومة الاحتلال نوري المالكي عن مشاعره.وحديث ساسة الاحتلال العراقيين عن مشاعرهم هو امتداد لحديث سادة البيت الابيض عن مشاعرهم ازاء الاحداث، يستخدمون فيه المفردات التعبيرية ذاتها. والحديث عن المشاعر هو تقليد شعبوي امريكي يتبعه السياسيون والمواطنون علي حد سواء. حيث لا يجد الامريكي حرجا في الحديث عن مشاعره الخاصة وبصوت عال امام الجميع، سواء في اللقاءات الخاصة ام العامة او حتي علي شاشات التلفزيون. واذا ما كان الاحتلال قد حقق نجاحا واحدا في (العراق الجديد) فان نجاحه سيكون في مجال تدريب الساسة العراقيين علي التعبير عن مشاعرهم المخلوطة بالتقية في خطبهم وتصريحاتهم، فبتنا نسمع عن مشاعر قلقهم وراحتهم وبهجتهم أحيانا ورفضهم وعدم قبولهم احيانا أخري.لذلك لم يستغرب المواطن العراقي تصريحات المالكي الاخيرة عندما قال انه (لن يقبل) ان تبقي الموصل اسيرة كما كانت مدن الرمادي والفلوجة والبصرة ومدينة الصدر بأيدي القاعدة وبقايا النظام السابق والخارجين علي القانون. وانه (مرتاح) لتعاون أهل الموصل مع حكومة الوحدة الوطنية التي تسعي لإعادة (البهجة) وبسط القانون في مدينة الموصل... وبطبيعة الحال كان المالكي يتحدث عن العملية العسكرية المشتركة بين قوات الاحتلال الامريكي وحكومة الاحتلال المسماة، بداية، عملية زئير الاسد. الا ان المالكي أدرك وقبل ان يصل مدينة الموصل، مدينة اولي المدارس واوائل المتعلمين في العراق ومدينة التفوق العلمي والطبي والمعماري والروح الوطنية، الي انه اذا ما اراد تسويق الهجوم العسكري علي المدينة بشكل اعلامي ناجح، سيتوجب عليه تغيير اسم العملية، عربيــا، لكي يتجنب الضجة الاعلامية غير المرغوبة التي صاحبت شن الهجوم علي مدينة الثورة (الصدر) تحت اسم عملية صيد الجرذان.وكان مصدر عسكري عراقي قد وضح لنا سبب استخدام الاسم المثير للاحتقار والتقزز لوصف أهل المدينة الكادحة: (ان بعض الجنرالات الامريكيين يصفون المسلحين في المدينة بالجرذان التي تطلق النيران وتعود لتختبئ بين صفوف الابرياء من السكان، وهو ما دفعهم لتسمية هذه العملية بصيد الجرذان). ولا بد ان المالكي نفسه كان متخوفا من تسمية صيد الجرذان، لا لحرصه علي كرامة المواطنين، ولكن لانه وجد ان من الافضل له ان يوصف بانه يقود صولة الفرسان علي ان يوصف اعلاميا وشعبيا بأنه صائد الجرذان! وقد غلب استخدام اسماء الحيوانات، كبيرها وصغيرها، علي العمليات العسكرية بقيادة الاحتلال والالوية العسكرية، مثل لواء الذئب والعقرب، إما تعظيما لشأنها وارهابا للناس او للحط من كرامة العراقيين، وان كانت التسمية قد وصلت ادني درجاتها في العملية الموجهة ضد أهل مدينة الثورة. ويخبرنا د. عبد السلام المسدّي، أستاذ اللسانيات في جامعة منوبة بتونس في بحث أكاديمي له عنوانه، فعل التسمية بين العمليات العسكرية ومقاصد السياسة، قائلا:(إن كثافة حضور الكائنات الحيوانية في أفعال التسمية حين يكون موضوعها الحروبَ والمنازعات وما يصطلح عليه بالعمليات العسكرية تؤكد بجزم أن المقصود بفعل التسمية يخرج عن غرضه الأول البديهي وهو فعل التعيين، إنّنا بحضرة قصد إرادي من الدرجة العليا، وهو الإصرار علي توطين المفاهيم المرومة ودفعها إلي أن تقبع في اللاوعي الجماعي عبر الحامل اللغوي، فكأنها عملية تطويق لمحاصرة إرادة المتلقي مهما يكن موقعه أو انتماؤه، ومهما تكن منطلقاته في الحكم علي فعل الحرب. ولئن كانت أسامي الحروب متجذرة في تواريخ الصراع فإن المشهد اللغوي ـ السياسي ـ الحربي، تجلت مظاهره بفوارق نوعية فائقة. ويوشك أن ينحصر الأمر في مبدأ إطلاق الاسم علي الفعل الحربي عند اعتزام إنجازه، وهذا ما يؤكد أسبقية الإضمار، وهو ما يجعل التسمية جزءا ملتحما بالأداء العسكري). لهذه الاسباب مجتمعة، ولئلا تفضح حقيقة العملية وبشاعتها، بل يراد لها ان تبقي قابعة متوارية خلف الخطاب السياسي غيروا الاسم بسرعة، مستدركين خطأهم تجاه الوعي الجماعي العراقي. فتم تغيير اسم العملية ضد أهل الموصل من زئير الأسد الي أم الربيعين، للدلالة علي نعومة مسار العملية بل وجماليتها المشابهة لجمال المناخ في مدينة الموصل.واذا كانت عملية الهجوم الوحشي علي مدينة الثورة قد سببت قتل مئات الضحايا وتهديم البيوت وفرض الحصار علي اهالي المدينة بشكل عقاب جماعي لمدة شهرين تقريبا، والقتال لا يزال دائرا فيها علي الرغم من اعلان الهدنة بين ساسة الاحتلال انفسهم بمعزل عن المواطنين، والحال هو نفسه في مدينة البصرة، فإن اول ملامح (نجاحات) المالكي في مدينة الموصل هو اعتقال 500 مواطن من بينهم العسكريون والاساتذة وكل من حدث وعارض الاحتلال علي مدي السنوات الماضية، تحت ذريعة التخلص من الارهاب التي لم يعد هناك من يصدقها باستثناء اعضاء حكومة الاحتلال ووفق قاعدة الاعلام النازي: واصل الكذب حتي تصدق اكاذيبك. وقد وصف مجلس عشائر نينوي عملية (أم الربيعين) بانها عمل انتقامي من الضباط الذين اشتركوا في أداء واجبهم الوظيفي والوطني في الحرب العراقية الايرانية. وهذه ليست المرة الاولي التي تهاجم فيها مدينة الموصل بحجة التخلص من (ارهابيي القاعدة وبقايا النظام السابق)، فقد شن الجيش الأمريكي واحدة من عملياته الوحشية برفقة من دربهم من العراقيين علي حقوق الانسان في عام 2004، حيث تم الاعلان عن (تنظيف المدينة) بعد قتل المئات من مواطنيها. كما ان المالكي ليس الوحيد بين رؤساء حكومات الاحتلال الذين يباركون عمليات الاحتلال فقد سبقه رفيق دربه في حزب الدعوة الاسلامي الدكتور ابراهيم الجعفري، حين بارك بدعواته اعلان ًجيش الاحتلال الأمريكي شن عملية السيف، في مدينتي حديثة وهيت في محافظة الأنبار، في عام 2005 بهدف (اقتلاع الإرهابيين الأجانب). ثم مضي للقاء توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني يومها، مؤكدا له: ان عامين سيكونان كافيين بل وأكثر من كافيين لإحلال الأمن في بلادنا. وها هو المالكي يعيد تدوير نفس الاسطوانة المشروخة بينما يعاني اهل الموصل من شحة غير مسبوقة بمياه الشرب بعد قطع المياه في مناطق بكاملها وتفاقم ازمة شحة الغذاء بسبب منع التجول المستمر منذ أيام. وازدادت الحالة الصحية سوءاً حيث يمنع الوصول الي المستشفيات والمراكز الصحية وخاصة لذوي الحالات الطارئة من النساء والأطفال الي جانب ذوي الامراض الخاصة والمزمنة فضلا عن قلة الخدمات العامة وتراكم النفايات وما قد يحدث من جراء ذلك من انتشار للامراض.ان ما تتعرض له المدن العراقية الواحدة تلو الاخري من قصف وحصار ومداهمات واعتقالات تحت ذريعة محاربة الارهاب من قبل قوات الاحتلال الوحشية وبالتعاون مع حكومة المالكي ما هو الا عقاب جماعي وحملة ترويع وترهيب منظمة لاخضاع المواطنين واجبارهم علي الهجرة واهانة البقية منهم ومنعهم من دعم المقاومة الوطنية. ان العقاب الجماعي هو جريمة حرب بكل المقاييس والقوانين الدولية، ولن يتساهل القانون، في المستقبل، مع حكومة وساسة الاحتلال مهما غيروا من اسماء العمليات العسكرية لتجميلها. ولن يتساهل الوعي الشعبي أيضا مع الساكتين عن تلك الجرائم والمبررين لها، غباء ام بسبب الربح والغنيمة، المتعامين عن تجارب حركات التحرر التاريخية وحتمية هزيمة الاحتلال.