Sunday 1 June 2008

لو تدخل العالم كله لما تصالح سياسيو الاحتلال في العراق

2008/01/20
راقبت في الايام السابقة والتالية لفترة اعياد الميلاد ورأس السنة عددا من برامج الفضائيات العراقية والعربية وكان اغلبها، كالعادة في كل عام، يركز علي سؤال الناس في الاستديوهات والشوارع عن آمالهم وما يتمنونه في العام الجديد. وكان للمواطن العراقي نصيب في الادلاء برأيه الذي يمكن تلخيصه برفع الكفين دعاء وابتهالا بان يكون العام الجديد عام خير وسلام للعراق.وكنت اتوقع ان تنتهي الادعية بهذا الاسلوب الا ان البعض كان يستطرد، وهو لا يزال رافعا كفيه ووجهه المتضرع نحو السماء، قائلا: وان يهدي الله السياسيين العراقيين ليتحدوا ويحققوا المصالحة بينهم .وهو دعاء فريد من نوعه، من نوع ما تردده الأمهات والاباء للأطفال العاقين، ومايردده الناس عموما للمختلين. اذ انه يعكس الادوار المتعارف عليها عادة بين الشعب والحكومة. فمن أول واجبات الحكومات، الديمقراطية منها خاصة، وكما نعلم جميعا ان هذه الحكومة لا تدع فرصة تمر بدون ان تذكر العالم بانها حكومة منتخبة بنزاهة ديمقراطية، هو في أقل القليل حماية المواطن وتوفير الامان والاستقرار له واحترام كرامته.الحكومة، اية حكومة، هي أداة تنفيذية للصالح العام، يتوجب علي من فيها القيام بواجبات تحددها مواصفات الوظائف والقانون سواء أكانوا متفقين أم مختلفين، ومهما كانت انتماءاتهم الحزبية واديانهم وقومياتهم. أنهم يأخذون رواتبهم من خزينة الدولة مقابل خدمة المواطن وحماية البلد. وان حدث خلاف بينهم فعليهم أن يسارعوا الي حله لإبعاده عن التأثير علي حياة الناس ليتمكن ابناء الشعب بالمقابل من اداء واجباتهم كمواطنين. باختصار شديد يجب ان تكون الحكومة مسؤولة عن مصالح الناس وليست عالة عليهم، تدافع عنهم ولا تعتقلهم وتعذبهم، توفر لهم الخدمات ولا تنهبهم، توفر لهم سبل العيش الكريم في وطن يتمتع بالسيادة والاستقلال ولا تتوسل بالقوات الغازية لتمديد بقائها، تصون وحدة الوطن ولاتجزئه. والا أصبحت عالة علي الشعب بأكمله. ولأن أيا من هذه المستلزمات الطبيعية لا تتوفر لحكومة الاحتلال لا عجب ان نري المواطنين وهم يسألون أمام عدسات الكاميرات في جو إرهابي، لا يفعلون شيئا غير أن يرفعوا ايديهم متضرعين لله تعالي أن يمن علي سياسييها بالوفاق وان تنتهي مشاكلهم وازماتهم ويضع حدا لسرقاتهم واقتتالهم وان يفتح عيونهم علي جرائم الاحتلال الذي تعاونوا علي جلبه الي البلاد ليحرق الاخضر واليابس وليكبد الشعب حتي اليوم مليون شهيد. ويشكل هذا الدعاء في جوهره واحدا من الامثلة العديدة الدالة علي ان الشعب العراقي المتهم، يوميا، بالعنف المتأصل في نفسيته تاريخيا، وكأنه هو الذي غزا امريكا وبريطانيا بوحشية المغول البرابرة وليس العكس، ببساطة لا مثيل لها وبحكمته الشعبية وبلغة بسيطة وواضحة ومباشرة بأن سبب العنف السائد في العراق منذ الغزو في عام 2003 وحتي اليوم يعود اساسا الي الصراع الطائفي والعرقي بين ساسة الاحتلال انفسهم وميليشياتهم المدعومة من الاحتلال وليس بين ابناء الشعب الواحد. وأن ما تمخض من المحاصصة والصراع من قتل وهجرة قسرية وخراب شامل ليس الا اقتتال نزلاء المنطقة الخضراء المتفيئين بظل السفارتين الامريكية والبريطانية والمستعدين للوقوف انضباطا لخدمة سادتهم. ولا يقتصر اطلاق الدعاء لحل مشاكل حكومة الوحدة الوطنية علي العراقيين لوحدهم بل يشاركهم الحملة، باشكال مختلفة، عدد آخر من المسؤولين والسياسيين من جميع ارجاء العالم. حيث دعا الرئيس التركي عبدالله غول كافة الاطراف العراقية الي التشاور من اجل وضع نهاية للمشكلات الداخلية . ويؤكد غول هنا علي وجوب حل المشاكل السياسية للاطراف المشاركة فيما يسمي بالعملية السياسية وليس الشعب.وكرر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون النداء الي نفس الاطراف المتصارعة متعهدا، لا بحل مشاكل الشعب العراقي بل بمواصلة بعثة الأمم المتحدة جهودها للتوسط بتشجيع القيادات العراقية لحل الخلافات السياسية ، موضحا بان العملية السياسية لم تحرز درجة التقدم المطلوب. وشاركت في الوساطة بين سياسيي الاحتلال مؤكدة تمسكها بدعم المصالحة الوطنية . ولئلا تتهم اية حكومة في العالم بانها لم تضع اصبعها في طبخة العراق اعلنت ايران انها ستشارك في المؤتمر الذي تستضيفه الكويت حول امن العراق في نيسان (ابريل) المقبل. ويجمع المؤتمر الدول المجاورة للعراق اضافة الي الامانة العامة للامم المتحدة والاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي ودول مجموعة الثماني بالاضافة الي مصر والبحرين.وبطبيعة الحال، تدخلت وزيرة الخارجية الأمريكية هي الاخري ولانها عضوة في الحكومة صاحبة القرار الحقيقي في العراق لم تكتف بالتدخل عن مبعدة بل قامت، كعادة المفتشين، بزيارة المنطقة الخضراء بشكل مفاجيء للاطلاع علي اداء سياسيي الاحتلال. فتم تجميع رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الجمهورية جلال الطالباني ونائبيه طارق الهاشمي وعادل عبد المهدي، إضافة إلي رئيس المجلس الأعلي الإسلامي عبد العزيز الحكيم ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني في غرفة واحدة مهددة بان عليهم اداء واجباتهم التي عينوا من اجلها وهي ضرورة إقرار موازنة العام 2008، واصدار قانون النفط والغاز واجراء الإنتخابات المحلية ، ولوحت الدكتورة رايس باناملها التي تجيد عزف البيانو في وجوههم، مذكرة اياهم بان ولاءهم الاول والاخير هو للادارة الامريكية التي حررتهم وضحت بحياة جنودها ليحصلوا علي مناصبهم. ونبهتهم الي انهم ليسوا اصحاب القرار في بقاء او رحيل القوات الامريكية لان الرئيس بوش هو الذي (سيتخذ قراره بشأن عدد القوات الأمريكية في العراق بعد لقائه قادته العسكريين ومعرفة توصياتهم). وقد لاحظت دكتورة رايس ان الرئيس الطالباني كان واقفا وهو شارد الذهن فزجرته قائلة: آمل أن يكون هناك تركيزعلي مايجب أن نعمل، وايضا أن نركز علي ماتم عمله . فأيدها بابتسامة عريضة املا منه في تخفيف حدة التوتر في الغرفة، الا ان محاولته باءت بالفشل ازاء تجهم الدكتورة رايس وانتقادها ما اسمته عدم التحرك السريع للمصالحة الوطنية . هذه هي اذن الحكومة ذات السيادة المنتخبة ديمقراطيا . وهي ذات الحكومة التي ستقوم بتوقيع قانون النفط والغاز، بناء علي اوامر الادارة الامريكية، وباسرع وقت ممكن، لتكبيل ابناء الشعب العراقي بعقود ستحرمه من حرية التصرف بثروته الرئيسية لفترة قد تصل إلي 50 عاما. وهي ذات الحكومة التي تعمل علي تجزئة العراق وتقسيمه الي اقاليم لينهب مسؤولو كل اقليم ما يبقيه اللص الكبير او الاحتلال وشركاته الاحتكارية، كما يحدث الآن في كردستان العراق حيث يطالب الحزبان القوميان بتوقيع قانون النفط والغاز ليقوما بتوقيع عقود التنقيب مع شركات الاحتلال الاحتكارية مباشرة، كما ستقوم كل محافظة فيها نفط بالشيء ذاته لتعم الفوضي في الصناعة النفطية، وسيكون الخاسر الأول والأكبر هو الشعب العراقي برُمّته ، حسب تعبير فؤاد قاسم الأمير في دراسته القيمة المعنونة حكومة اقليم كردستان وقانون النفط والغاز . ازاء هذه الكوارث التي تتراوح ما بين الابادة الجماعية والقواعد العسكرية والهيمنة الاقتصادية، اليس من الطبيعي ان يتجاوز من يتمكن من المواطنين مرحلة الدعاء والابتهال الي مرحلة العمل الفعلي للتخلص من حكومة المليشيات وقوات الاحتلال، ولحرمانها من شريان النفط الذي يمدها بالحياة والبقاء لفترة اطول علي صدورنا وارضنا؟ اليس من الطبيعي أيضا أن من لم يستطع فعل شيء بيده ان يرفع صوته براءة من حكومة المليشيات الطائفية هذه، كي لا يسجل التاريخ عليه أنه شيطان أخرس، مادام الحق واضحا وأدوات تحقيقه في متناول اليد؟