Saturday 28 June 2008

التظاهرات لوحدها لن تمنع معاهدة العبودية بالعراق المحتل

2008/06/08
القدس العربي
ضمن خطوات شرعنة الاحتلال، المنفذة بدقة إعلامية (ديمقراطية)، من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة في العراق، وصلنا هذا الشهر الي مرحلة توقيع (الاتفاقية طويلة الاجل). ويجدر بنا التوقف عند هذه المرحلة التي وصفها تقرير لقناة الـ سي ان ان الامريكية، صوت سياسة الادارة الامريكية والصهيونية العالمية،، بانها مرحلة (الجدل المتزايد حول مشروع الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية). وبطبيعة الحال، كرر مسؤولو وسياسو حكومة الاحتلال صيغة الطرح التي سرعان ما تلقفتها اجهزة الاعلام العربية بأنواعها، ومن بينها حتي الاجهزة المعروفة بمواقفها الواضحة والصريحة في مناهضة الاحتلال، لتنقلها بلا تمحيص الي المشاهدين. فما الذي سيتلقاه المشاهد وقارئ الخبر؟ سيتلقيان ما يريد اعلام الاحتلال تزييفه وهو أولا، وجود جدل بين المواطنين مما يعني ان هناك جوا ديمقراطيا حقيقيا في العراق، يتمكن فيه المواطن من معرفة فحوي ما يدور حوله من مباحثات سياسية بين (الحكومة العراقية) والامريكية، كما يستطيع تكوين فكرة عن بنود (الاتفاقية) التي من المفترض توقيعها، حسب جدولة الاحتلال، نهاية الشهر المقبل. ولا يشير الخبر الي ان المواطن المسكين مشغول حتي آخر نفس في جسده المرهق بملاحقة لقمة العيش له ولعائلته، متوسلا الأمان والاستقرار والخدمات الصحية وساعة من التيار الكهربائي يوميا. النقطة الثانية في الخبر هو القول بان الجدل الحاد يدور حول (مشروع الاتفاقية الامنية)، وهو وصف يمكن ادراجه فورا في خانة التضليل الاعلامي المفضوح. فما سيتم توقيعه بين حكومة الاحتلال والادارة الامريكية ليس اتفاقية بل معاهدة أقرب ما تكون في بنودها الاساسية الي الانتداب الاستعماري وان كانت ستقدم الي المواطنين برداء مزركش جديد. النقطة الثانية هي ان الجميع يعلمون بان المعاهدة جاهزة للتوقيع منذ عدة شهور وستقوم حكومة الاحتلال مسلوبة الارادة بتوقيعها، وانها ليست مشروعا مطروحا للنقاش كما يدعي وزراء حكومة المالكي ورؤساء الاحزاب الموالية. اذا كان الامر كذلك، فلم ضجة الجدال وزيارة المرجعيات للاستخارة والوقوف امام الكاميرات تصريحا؟ الملاحظ ان معظم التصريحات المنطلقة من المنخرطين في عملية الاحتلال السياسية لا تتضمن رفضا قاطعا لما يسمونه (الاتفاقية) بل ان أغلب الاختلافات تدور حول التفاصيل وليس المبدأ ووصل الابتذال الي ادني مستوياته عندما صرح احد مسؤولي الاحتلال ان الاختلاف هو حول قيمة ايجار قواعد الاحتلال العسكرية التي سيتم ابقاؤها حسب رغبة المحتل الامريكي. كما يشير آخرون بانهم لا يؤيدون توقيع الاتفاقية (بشكلها الحالي) لانها لا تتضمن بندا صريحا بحماية (الحكومة الديمقراطية)! وبعيدا عن مفهوم السيادة الوطنية الذي تحول في ظل حكم الاحتلال الي جثة اشبعوها ركلا، أوصي ما يسمي بالمجلس السياسي للامن الوطني الذي يضم المسؤولين والكتل السياسية بضرورة (استمرار التفاوض مع الولايات المتحدة للتوصل الي اتفاقية ترضي الشعب العراقي ولا تضر بمصالحه). ويكفينا ان نلقي نظرة سريعة علي ما ارتكبته هذه الكتل السياسية من جرائم وانتهاكات بحق العراقيين، خلال سنوات الاحتلال الخمس، لنري اي نوع من المعاهدات سيوقعون والي أي حد ستنال المعاهدة رضي الشعب العراقي! وينطبق علي افراد العملية السياسية وخاصة حكومة الاحتلال تعريف عالم الاجتماع الدكتورعلي الوردي لخلل في تكوين الذات اطلق عليه اسم (داء الصفاقة)، حيث يقول (انه لا يستحي من التناقض الذي يظهر عليه او لعله لا يدري به... فهو لا يبالي بما فعل في الماضي، او ما سوف يفعله في المستقبل، ولا يستحي منهما... وهو قد يبتسم لك ابتسامة بلهاء ثم يكرر الوعد لك مرة بعد مرة بلا جدوي... ويستفيد الشخص الصفيق في بعض الظروف، فقلة الحياء تجعله ناجحا في انتهاز الفرص احيانا. انه يستطيع ان يتزعم كل مظاهرة، ويقف في كل حفلة ويتزلف لدي كل متنفذ. والمعروف ان بعض المتنفذين انهم يحتاجون الي شخص من هذا الطراز لكي يقوم بخدمتهم في المهمات التي لا يرضي ان يقوم بها الاشخاص الاسوياء). وقد ساهم بيان لوزارة الخارجية العراقية بتذكير سياسي الاحتلال بمكانتهم الحقيقية بنظر الادارة الامريكية، وكان البيان قد صدر اثر اجتماع هوشيار زيباري بممثل للسفارة الامريكية في العراق، وأكد فيه الطرفان علي (أهمية مواصلة المباحثات لانجاز الاتفاقية في الوقت المحدد). وسارع نائب رئيس الوزراء برهم صالح للتذكير هو الآخر باهمية التوقيع علي المعاهدة في الوقت المحدد مستهجنا مع هوشيار زيباري اعلان البعض عن توقف المباحثات، ومؤكدا (ان المحادثات مستمرة والحديث عن وقفها يأتي من جهات لم تشارك اساساً بالمفاوضات).يتبين لنا من تصريح اثنين من المشاركين في الوفد الرسمي لتوقيع المعاهدة ان جوهر الموضوع هو ان يتم التوقيع في الوقت المحدد وما عداه من الرفض والتصريحات المؤيدة والاخري المعارضة لا يزيد عن كونه واجهة ضرورية للطرفين العراقي والامريكي معا. انها ضرورية لحكومة الاحتلال لتبين بانها ديمقراطية تعددية ذات سيادة وانها لا تساوم في المفاهيم التي يتمسك بها الشعب العراقي عموما، بينما تقوم عمليا بعكس ذلك كله. كما انها ضرورية لادارة بوش لتؤكد للرأي العالمي ولشعبها بانها ستوقع علي اتفاقية طويلة الامد بعد ان استمعت وتباحثت مع كل الاطراف السياسية العراقية، ولتجد مخرجا لها من الكارثة التي ورطت نفسها بها، ولتحقق نصرا ينهي به بوش مدة رئاسته ويوفر للمرشح الجمهوري التأييد الجماهيري الداعم لموقفه من الاحتلال والذي سيساعده علي الفوز بانتخابات الرئاسة الامريكية. لقد استنبط العراقيون في عشرينات القرن الماضي طرقا عديدة لمعارضة توقيع معاهدة مع المحتل البريطاني وهي مماثلة في العديد من بنودها لمعاهدة الاحتلال الامريكي. من بين الاساليب، حسبما يذكر الدكتور علي الوردي، (استخدام النساء والصبيان للتأثير علي النواب. حيث كانوا يأتون بالنساء الاعرابيات من ذوات الشخصيات القوية، ويرسلن الي بيوت الشيوخ من النواب، فاذا دخلت احداهن علي الشيخ صرخت في وجهه علي الطريقة العشائرية: علي بختك يا أبو فلان، تبيعونا للصوجر، ألف وسفة عليكم (أي تبيعونا لجنود الاحتلال، وااسفنا عليكم). وكثيرا ما كانت هذه الطريقة تؤثر في الشيوخ لانها تمس اوتار قلوبهم البدوية).ويخبرنا د. الوردي ان المس بيل مستشارة الحاكم البريطاني كتبت في 4 حزيران/ يونيو 1924، في واحدة من رسائلها، تقول ان عجيل الياور جاء لرؤيتها هذا الصباح وقال لها: (خاتون، جئت لاخبرك بان ليس علي وجه الارض قوة قادرة علي جعل المجلس يصادق علي المعاهدة. فأنت لا تدرين ماذا يجري في المدينة. فهناك امام بيتي يقف ليلا ونهارا شخص من اهل السوق. انه ليس كبيرا في السن بل صبي رث الملابس. وفي كل مرة ادخل الي البيت او اخرج منه يتلقاني هذا الصبي فيمسك بيدي لتقبيلها او يقبل عباءتي ثم يبكي قائلا: ايها الشيخ، يا والدي، ارفض المعاهدة. لا تبيعنا الي الانكليز... واذا كان امام بيتي واحدن فان هناك ثلاثة او اربعة امام بيت كل عضو من اعضاء المجلس).وعلي الرغم من كل طرق الاحتجاج السلمية التي ابتكرتها المعارضة العراقية حينئذ، وقع المجلس المعاهدة. مما يجعل الدعوة الي التظاهرات كل يوم جمعة بعد الصلاة او حملات جمع التواقيع للاحتجاج علي المعاهدة، كطريق وحيد لاجبار حكومة الاحتلال علي عدم توقيع المعاهدة بالاضافة الي كونه طريقا وحيدا للتخلص من الاحتلال، موقفا لن يوقف المعاهدة ولن ينهي الاحتلال. ان المطلوب، حاليا، هو الموقف الواضح الصريح في رفض توقيع معاهدة العبودية للاستعمار الجديد التي ستربطنا باغلالها لاجيال مقبلة والعمل في جبهة واحدة مع القوي المقاومة للاحتلال، وستكون هذه هي الفرصة الاخيرة لمن ساهم بسذاجة وبحجة الواقعية السياسية في تنفيذ جدولة الاحتلال السياسي حتي الآن.