Sunday 29 June 2008

تسويق مفردات الثقافة الامبريالية في العراق المحتل

2008/06/15
القدس العربي
عثر وزير المالية في حكومة الاحتلال باقر صولاغ جبرالزبيدي، أخيرا، علي الحل السحري لمشاكل المواطنين المعيشية من خلال منظور جديد لبناء مستقبل العراق الاقتصادي. مع العلم ان باقر صولاغ ليس اقتصاديا بل كان قد تم تعيينه وزيرا للداخلية، ممثلا عن المجلس الاعلي للثورة الاسلامية في العراق، ضمن المحاصصة الطائفية والعرقية لحكومة الجعفري.وقد تعرض في ظله معتقلو وزارة الداخلية ومن بينهم معتقلو الجادرية التابع للوزارة، الذي تم العثور فيه علي مئات السجناء المعرضين لاقسي انواع التعذيب وحتي الاغتصاب. وكان سكرتير عام الامم المتحدة كوفي عنان قد اصدر بيانا عبر فيه عن قلقه العميق ازاء الانتهاكات بحق عدد من المعتقلين في مبني تابع لوزارة الداخلية العراقية، وان (الامم المتحدة اعربت مرارا عن قلقها ازاء انتهاكات حقوق الانسان الجارية في العراق وخصوصا فقدان التعامل المناسب مع المعتقلين واستخدام التعذيب والايذاء بحقهم). فماذا كان جواب وزير الداخلية باقر صولاغ؟ في مقابلة له مع قناة العربية، قال تعليقا علي كيفية تعامله مع الموقوفين والسجناء: (أقول... لأول مرة في وزارة الداخلية عُومل الإنسان السجين بما يسمي معاملة إنسانية ضمن قوانين حقوق الإنسان). وتبعا لمنطق الاحتلال الاعوج تمت مكافأة وتعيين باقر صولاغ وزيرا للمالية في حكومة المالكي، بدلا من المساءلة والعقاب كما لم يتم اعلان نتائج التحقيق من قبل لجنة ادعت حكومة الجعفري تعيينها.واذا ما انتقلنا الي عمله كوزير للمالية، سنلاحظ بان كفاءة باقر صولاغ كوزير للمالية عرضة للتهكم والهجوم حتي من قبل أهل البيت أي اعضاء حكومة المالكي. اذ وصفه سامي العسكري، النائب عن الائتلاف العراقي الموحد ومستشار المالكي، بتاريخ 19 شباط (فبراير) بانه (غير مناسب لتولي هذه الحقيبة، لانه لا يحمل أي إختصاص في الشؤون المالية ولم يقم بزيارة مقر وزارته منذ توليه مهامه وحتي الآن). كما انه لم يحدث وساهم في حل أية مشكلة تمس حياة المواطن الي ان قام اخيرا باعلان حله السحري.وقبل ان اذكر حل باقر صولاغ السحري سأحدد بعض المشاكل المعنية بالحل. هناك مثلا مشكلة تأمين مفردات البطاقة التموينية وهي التي كانت تعتبر واحدة من الحلول الناجحة في منع تدهور الوضع المعيشي في ظل الحصار الجائر الي مرحلة المجاعة، ولا يزال حوالي 16 مليون عراقي يعتمد علي مكوناتها درءا للجوع في العراق (الديمقراطي الجديد). وكان وزير التجارة عبد الفلاح السوداني قد بشر المواطنين، منذ ايام، بتأمين خزين الحنطة والرز لمتطلبات البطاقة التموينية وتوريد كميات كبيرة من الحنطة الاسترالية بعد توقف دام 4 سنوات. لاحظوا كيف بات الحصول علي مواد البطاقة التموينية الضرورية والتي كانت متوفرة تحت النظام السابق، امرا يستحق التهنئة والبشري. من بين المآسي التي سيحلها باقر صولاغ ما يسميها المستشار الإعلامي لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الرقم المليوني للعاطلين عن العمل، ووجود أكثر من مليون ارملة وخمسة ملايين يتيم بلا معيل. وعلينا ان نكون موضوعيين وألا نتهم حكومة المالكي بانها لم تفعل شيئا لصالح الايتام، فقد قام المالكي، والحق يقال، برعاية مؤتمر تحت شعار (اليتيم أمانة في أعناقنا) متزامنا مع الاحتفاء بيوم اليتيم العراقي. ولم يبخل المالكي يوما بوقته الثمين في حضور المؤتمرات والاجتماعات الداعية الي تشكيل اللجان وتفعيل الاهتمام بالايتام ومشاريع الارامل، خاصة تلك المشاريع التي تبقي معلقة في الهواء ولن تنفذ اطلاقا بل تبقي حبرا علي ورق صقيل، تتضمن عباراته (التوصية بتشكيل لجان تقوم بدراسة استطلاعية سواء عن طريق الاستبيان او اللقاءات المباشرة او عقد الندوات والحلقات النقاشية التي ترسم طبيعة التعامل مع هذه المسألة علي نحو واضح وعملي كي يتم الانتقال الي خطوات فاعلة وجريئة). وهي عبارات جاهزة تصلح لوصف كل مشكلة وكل حل في كل مكان وزمان. وكان هناك اقتراح عملي واحد بزيادة الحد الادني من رواتب شبكة الحماية الاجتماعية المشمولة بها النساء والارامل الي 75 الف دينار شهريا، الا ان وزارة المالية، بامرة السيد الوزير، لم تنفذ الزيادة لغاية الان. من بين المشاكل، ايضا، أزمـــــــة الكهـــــــــــــرباء المزمنة، التي باتت نكتة سمجة يكاد يبكي العراقيون لذكرها. والكل يتساءل لماذا لا تتمكن (الحكومة وحليفتها امريكا العظمي) من حلها بل والادهي من ذلك تراجع الوضع عما كان عليه في سنوات الحصار؟ وكيف بالامكان الشروع بما يسمي بعملية التنمية والاعمار والبناء بدون الكهرباء؟ واذا ماكان المواطنون داخل العراق يعانون من ازمة الكهرباء وشرب الماء المختلط بالمجاري وقلة الامان والاختطاف والفساد فان الناجين منهم هربا الي الخارج يعانون من كوارث أخري لاتقل في مأساويتها بدءا من البطالة الي التسول ومشاكل السكن وانعدام الدخل وتمديد الاقامة. اذ بدا من الواضح ان حكومة الاحتلال هي المستفيدة من هجرة مليوني عراقي الي الخارج. ومن يشك بصحة هذا القول، عليه ان يحسب ما سيتبقي في جيب الحكومة من تكلفة الحصة التموينية والخدمات العامة ورواتب المجازين بلا رواتب والبيوت والاملاك التي تم الاستيلاء عليها فضلا عن المساعدات الخارجية التي تم الحصول عليها باسم النازحين والمهجرين ولم يصرف ايا منها عليهم. لقد باتت مأساة النازحين والمهجرين بشعة الي حد دفع عدد من نواب الاحتلال الي الاعلان عن اهتمامهم بها وجعلهم مادة للمزايدات السياسية. فما هو اقتراح باقر صولاغ الاقتصادي؟ لقد دعا باقر في بيان لوزارته الي (عدم الاعتماد علي الواردات النفطية)، مشيدا بجهود الهيئة العامة للضرائب في تعزيز الواردات من خلال (اعتماد الدقة والشفافية في العمل... والاسهام بشكل فاعل في عملية النهوض بالواقع الاقتصادي من خلال اعتماد اساليب عملية ومتطورة في الجباية واهمية خلق ثقافة ضريبية لدي المواطنين والشركات). اذن، يمكن تلخيص المنظور الاقتصادي الجديد لباقر صولاغ بنقطتين الاولي ان ينسي الشعب العراقي واردات النفط، والثاني الاعتماد علي البديل وهو الجباية من خلال خلق ثقافة ضريبية! مما يعني، علي ارض الواقع، منح النفط العراقي لمن يريد من اللصوص والحرامية والمهربين الناشطين في العراق بالنيابة عن الاحتلال الامريكي الصهيوني، بينما يقوم السيد باقر، صوت سيده المستعمر، بجباية الضرائب من ابناء الشعب المحروم من موارده وحقوقه الطبيعية، فهل أتي تصريح باقر، كوزير للمالية، كخطوة أخري لشرعنة الفساد أكثر مما عليه الحال الآن وكأن كون العراق ثالث أكثر دولة فساداً في العالم لم يعد كافيا؟ يقول مسؤولو الاحتلال بان الميزانية الاستثمارية للسنة الحالية ستكون 13 مليار دولار. واذا مانظرنا الي وضع المواطن المزري صحيا وتعليميا ومعيشيا وأمنا واستقرارا بالاضافة الي القتلي والمهجرين والارامل والايتام والمعوقين، واذا ما القينا نظرة علي عدد العراقيين الواقفين امام سفارات الدول وحدود البلدان استجداء للاقامة والفيزا، لادركنا ان مليارات العراق من واردات النفط تسير في طريق واحد وهو جيوب المسؤولين وحساباتهم الخاصة واملاكهم خارج العراق. وكما يقول الصحافي جويل برنكلي، الحائز علي جائزة بولتزر للعمل الصحافي المتميز، نقلا عن مسؤولين امريكيين (أن العاملين في الحكومة العراقية اختلسوا لحساباتهم الخاصة، ليس مليارات الدولارات من الأموال العراقية فحسب، بل وحتي المساعدة الأمريكية البالغة 18 مليار دولار)... وأن المسؤولين الامريكيين لم يكتفوا بالوقوف سلبا تجاه هذه الاختلاسات بل انهم ساعدوا كذلك وحرضوا علي ممارسة السرقات، كما تعمدت وزارة الخارجية الأمريكية، بصفة خاصة، إخفاء وتغطية هذه الممارسات اللصوصية، زاعمة خشيتها من الإساءة لسمعة حكومة الاحتلال في بغداد.ومن الامور التي لايمكن انكارها، تعلم افراد حكومة الاحتلال بعض المفردات (الديمقراطية) واشاعة استخدامها، من بينها (تدريب العراقيين علي ثقافة حقوق الانسان) وكانت النتيجة جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان في المعتقلات الخاضعة لادارة قوات الاحتلال الامريكي ـ البريطاني ومستخدميهم العراقيين. من بينها أيضا ما تضمنه حل باقر جبر السحري وهو التدريب علي (الثقافة الضريبية)، ونتيجته كما رأينا حتي الآن هو احتلال موقع الصدارة في الفساد المالي والاداري. وها هو تقرير عن حقوق الانسان، اصدرته وزارة الخارجية الامريكية، يوفر لنا نموذجا آخرا للثقافة حين يصف انتشار الفساد في الحكومة العراقية بانه (يكمن في ثقافة الافلات من العقوبة). وبانتظار تطوير نوع آخر من (الثقافة) الامبريالية التي تكرس مفهوم ان المسؤول عما يحدث هو الضحية وليس الجاني، لاندري كم مواطن آخر سيعتقل او يهجر أو يقتل!