Sunday 1 June 2008

العراق: منظمات للبيع حسب التمويل وحسب الطلب

30/10/2007
منذ غزو العراق في نيسان 2003 ووتيرة تأسيس منظمات المجتمع المدني في حركة صعود ونزول مثل اسعار الاسهم في سوق البورصة حسب مؤشرات العرض والطلب. وتشير احصائيات منظمة الامم المتحدة وكذلك تباهي رئيس وزراء حكومة الاحتلال نوري المالكي في خطاب له مؤخرا، الي ولادة مايقارب الستة آلاف منظمة، أغلبها ظهرت الي النور قبيل انتخابات 2005، وتشكل المنظمات النسوية نسبة عالية منها. ولايتطلب تأسيس منظمة مجتمع مدني غير بضعة امور شكلية من بينها كتابة أهداف ومبادئ المنظمة مع اسماء المتقدمين بالطلب ووجود عنوان ما كمقر للمنظمة.وغالبا ما تكون لجنة التأسيس مكونة من زوج وزوجه كرئيس و سكرتيرة للمنظمة، واذا كانت المنظمة عامة تعني بشأن الانتخابات مثلا سيضاف اليهما عدد من أقاربهما. أما اذا كانت المنظمة نسوية تعني بشأن حقوق المرأة فان تشكيلة المؤسسين والاعضاء ستبقي كما هي باستثناء تغيير جنسوي طفيف وهو تعيين الزوجة كرئيسة والزوج أمينا عاما للمنظمة. وقد أثبتت سنوات تكاثر منظمات المجتمع المدني بان نسبة عالية منها وهمية اسما ومضمونا، همها الاول والاخير هو الحصول علي المنح المكرسة لمنظمات المجتمع المدني فضلا عن خداعها المواطن وسرقته تحت مسميات مختلفة، فحسب تصريح اعلامي أن وزارة شؤون منظمات المجتمع المدني أبلغت محافظة واسط عن وجود 35 مؤسسة وهمية من مؤسسات المجتمع المدني في المحافظة، أما مسؤولة لجنة منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان في مجلس محافظة بابل فقد صرحت بان اقل من 50 منظمة من اصل اكثر من 300 مسجلة في بابل تمارس عملها بشكل فعلي في حين ان باقي المنظمات وهمية. وكان ممو فرحان عثمان وزير الدولة لشؤون المجتمع المدني العراقي قد أكد في الفترة السابقة للانتخابات (وجود 2000 منظمة نسوية وهمية كانت تستحوذ علي مساعدات الدول المانحة من دون وجه حق). وتعتبر منظمات المجتمع المدني ضرورية لتحقيق التوازن مابين الحكومة والشعب في المجتمعات الديمقراطية الا ان ما خطط له الاحتلال هو ان تكون منظمات المجتمع المدني المدعومة بسخاء من قبله بديلا للدولة التي تم تفكيكها من قبل الحاكم الامريكي السابق بول بريمر. وقد خصص بريمر مبلغ 750 مليون دولار أمريكي لتأسيس منظمات المجتمع المدني وخاصة المنظمات النسوية التي لاتزال تنعم بالتمويل المباشر من قبل المؤسسات الرسمية الامريكية، الا ان معظم المبلغ الذي تم تسليمه نقدا التهمه عدد لايتجاوز أصابع اليد الواحدة من المقربين من الادارة الامريكية ان لم يكن باشخاصهم فبتقاطع مصالحهم، فكانت النتيجة ارتباط طول عمر المنظمة بمقدار التمويل الذي تحصل عليه وارتباط طبيعة عملها بمدي صياغتها للبرامج والأهداف المتطابقة مع جهة التمويل وليس العكس كما هو الشائع في الدول الديمقراطية. وكرست حكومات الاحتلال المتعاقبة سمعة المنظمات السيئة بين المواطنين بعد ان أسس كل حزب سياسي منخرط في العملية السياسية للاحتلال العديد من منظمات المجتمع المدني وتحت مسميات تتراوح مابين الدفاع عن حقوق الانسان وتمكين المرأة القيادية، يقتصر دورها علي ان تكون صدي للاحزاب وتحمل في تركيبتها تشوهاته الطائفية والعرقية والنفعية. وكان من الطبيعي ان تنتقل اعراض هذه الامراض من الرأس أي ادارة الاحتلال الامريكية الي مستخدميها في حكومة الاحتلال ومنها الي المحافظات. حيث استغل اعضاء مجالس المحافظات صفتهم الوظيفية ـ الطائفية ـ الميليشياوية لدعم منظماتهم الخاصة ومنع قيام أي نشاط مجتمعي أهلي أو مدني حقيقي يمثل المواطن. وقد شهدت الفترة السابقة للانتخابات المزيفة ازدهارا لامثيل له لتأسيس منظمات المجتمع المدني حيث تسابقت الاحزاب المشتركة علي انشاء مئات المنظمات وتمويلها لكسب الأصوات والترويج لديمقراطية الاحتلال المزعومة، وسرعان ما رميت المنظمات جانبا حالما انتهت الانتخابات وكأنها محارم ورقية صالحة للاستخدام مرة واحدة فقط. وان كان بعضها سيصبح، بالتأكيد، ناشطا في السوق الأمريكية الصهيونية الراهنة لتقسيم العراق طائفيا وعرقيا. اذ أسس الكثير من المنظمات علي قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية، أو موزعة في المناطق بدون تنسيق فيما بينها، بينما تلزم خيوطها جميعا مؤسسات أمريكية وعالمية. انها النموذج الرئيسي لظاهرة البناء الثقافي والسياسي المفروض من الخارج عبر السيطرة الأجنبية واستفحال الارتزاق، في مقابل التطور الطبيعي للثقافة والسياسة الوطنية مهما كانت تلك معقدة ومديدة الزمن. وقد لا ينجو من السقوط في هاوية الخيانة الوطنية عبر التقسيم بعض من كان يبغي من وراء غير الربح الشخصي السهل، بدون وعي للأذي الذي تلحقه هذه المنظمات مجتمعة بمصلحة الوطن والمواطنين. فأن الطمع يزداد والأرباح تتعاظم بمدي استمرار الاحتلال، وأصبح بمقدور الاحتلال انتقاء الأكفأ ممن يطرحون أنفسهم للبيع. وقد لخص الكاتب احمد محمد احمد في محاضرة له بعنوان (المجتمع المدني المفتري عليه) السمات الثلاث لمنظمات المجتمع المدني في ظل الاحتلال أو مثلث الفساد حسب تعبيره وهو لا يسميها منظمات وهمية بل عصابات قانونية سرية ، اذ قال ان (الصفة الاولي هي الولاء للاحزاب السياسية التي ساعدت علي بناء هذه المنظمات، وغالبا ما يكون ممول الحزب هو نفسه ممول المنظمة ان لم يمر التمويل علي قيادة الحزب اولا. الصفة الثانية التي اتسمت بها بعض المنظمات المدنية المرتبطة بمنظمات عالمية، كانت صفة السرية، لا خوفا من امن مفقود بل لتقتصر عضوية المنظمة علي ابن العم وابن الخال والزوجة واقاربها، حتي لا تضيع المكاسب ولا تقل المغانم. وقد استطاع بعض هؤلاء النشطاء بفضل سرية التعامل، وسرية المكان من اختلاس اموال لاعد لها ولا حصر. الصفة الثالثة هي أن منظمات المجتمع المدني العراقي الحالي تعتمد مبدأ الربحية وليس التطوعية. فغالبا ما تنشأ جمعيات او منظمات بسرعة البرق لو علم بعض الشطار ان هناك جهة مانحة لدعم مالي في مجال من المجالات! فيتم تصميم الجمعية او المنظمة اساسا لتلبية شروط ومواصفات الجهة المانحة، فاذا كانت الجهة المانحة تعني بالشأن الثقافي اصبحت المنظمة او الجمعية ثقافية، واذا كانت الجهة المانحة تربوية او مهنية او غيرها جاء الشطار بالمواصفات المطلوبة لاستلام الدعم). ويبقي اساس التعامل مع وزارة شؤون منظمات المجتمع الاهلي مثل بقية الوزارات هو المحاصصة الطائفية والعرقية وعدم ذكر الاحتلال. والمعروف ان الفساد الاداري والمالي مستشر في الوزارة والمنظمات التي تحوز علي الدعم المادي والمعنوي وفتح سبل الاتصالات مع الجهات المانحة والمنظمات التي يتطابق خط عملها مع الاحتلال عموما. ومن يقرأ برامج منظمات المجتمع المدني المفبركة وأهدافها سيجدها متشابهة اللغة والمضمون الي حد يصبح فيه من الصعب التمييز بين منظمة وأخري. فكل المنظمات ناشطة في بناء العراق الجديد وكلها تريد (تدريب الفرد العراقي علي برامج الديمقراطية والسلام والمصالحة الوطنية بنشر التربية الديمقراطية والمدنية وقيم حقوق الانسان والمجتمع المدني وبناء السلام والشفافية). أما المنظمات النسوية فانها تستخدم كليشيه مختلفة بعض الشيء وان كان مضمونها فارغا ومثال ذلك برنامج منظمة يقين النسوية الهادفة الي: (ضرورة تحفيز الكفاءات النسوية المغيبة للدخول في معترك العمل السياسي والمهني والعمل باتجاه ايجاد آليات لرفع المستوي الثقافي والفكري والاجتماعي للمجتمع النسائي بجماهيره ومنظماته). وهو برنامج مترجم من النص الذي يراه المعهد الديمقراطي الوطني NDI الامريكي صالحا للترويج من قبل منظمة يقين الممولة من قبله. وتبلغ الاستهانة بالمرأة العراقية قمتها حين يستطرد شطار أو في هذه الحالة شاطرات المنظمة بالبحث في استطرادات فقاعية في الوقت الذي فقدت فيه المرأة كل الانجازات التي حصلت عليها عبر قرن من النضال المتواصل واصبحت، بفضل الاحتلال وعملائه، تناضل من اجل الحصول علي الغذاء والماء والكهرباء والتعليم والخدمات الصحية وحق مواصلة السكن في بيتها ومدينتها ومع افراد عائلتها، حالمة بالمحافظة علي كرامتها. ومن يقرأ برنامج وأهداف ونوعية المحترفات التي تديرها المنظمة لحفنة من النساء لن يلومه أحد اذا ما حدث وظن انها تتحدث عن بلد هو غير العراق المحتل لأنها لا تشير من قريب او بعيد الي الاحتلال. ذلك ان الشرط الاول للحصول علي الأذن بتسجيل المنظمة والحصول علي التمويل والدعم مشروط بعدم ذكر الاحتلال وجرائمه وانتهاكاته اليومية حسب قاعدة ان السكوت من ذهب. ان انتشار منظمات المجتمع المدني المرتبطة بالاحتلال والتي تشكل نوعا من الخطر علي بنية المجتمع العراقي لانها الخط الثاني للاحتلال أو ما يسمي بالاحتلال الناعم، لا ينفي وجود عدد من المنظمات الاصيلة المعروفة تاريخيا في العراق مثل منظمة الهلال الاحمر وعدد آخر من المنظمات الانسانية التي تعمل بشكل هاديء ودؤوب علي خدمة المواطنين. وقد جاء ذكر امثلة عن هذه المنظمات في تقرير المنظمة الدولية اوكسفام الاخير(حزيران/تموز 2007) وكيف انها تحجب هويتها لاسباب امنية الا انها تقوم بتوفير الخدمات للنازحين في داخل العراق فضلا عن تقديم المساعدات الطارئة للمستشفيات والعيادات المختلفة. وكما هو واضح تعاني منظمات المجتمع المدني الاصيلة من نقص التمويل وعدم قدرتها علي الوصول الي شريحة اكبر من المنتفعين بينما يتمتع أبناء الاحتلال من ذكور وأناث بنهب المليارت من ثروة الشعب وارتشاف ثروته الوطنية.