Sunday 1 June 2008

العراق: لئلا يتحول أطفالنا الي قتلة مأجورين

5/11/2007
رأيت منذ أيام صورة علي الانترنت ألتقطها أحد مصوري وكالة الاسوشيتد برس الاخبارية المعروفة وهي لشاحنة مكتظة بالاطفال العراقيين الذين تتراوح اعمارهم مابين 13 الي 15 سنة وهم يحملون بايديهم الرشاشات والبنادق الجديدة ويلوحون بها فرحا في وجه الكاميرا التي جمدت لحظة زمنية مرعبة في قسوتها وما ستحمله من كوارث مستقبلية علي الاطفال انفسهم وعلي كل من يحاول التصدي لهم من كبار وصغار. وقد جاء في تعليق الصورة اللا واقعية في واقعيتها، انهم مجموعة (شباب الصحوة السنية) الذين شرعت القوات الامريكية بتدريبهم، مؤخرا، لتحقيق التوازن مع (الحكومة الشيعية). بقيت أتمعن في الصورة، في وجوه الاطفال الضاحكين وكأنهم يشاركون في لعبة مسلية او يحتفلون بمناسبة سعيدة أو قد حصلوا لتوهم علي جائزة التفوق الدراسية، فرأيت اطفالنا وقد فقدوا طفولتهم وتعليمهم وبراءة أرواحهم ليتم بدلا من الحصول علي التعليم والخدمات المجتمعية التي يجب ان تتوفر لامثالهم، لرعايتهم وابراز وتقوية الجوانب الانسانية الطبيعية لديهم، ليتم تحويلهم في مصانع الموت والسلاح الي قتلة محترفين لا يهمهم غير الحصول علي المزيد من العتاد واطاعة اوامر قادة الميليشيات وبعض الدولارات المغرية لمن في اعمارهم. فمن هو المسؤول عن هذه الجريمة الجديدة التي ستمسح من سجل الحياة جيلا آخر لن يعوض من أبنائنا؟ انظر الي الاسلحة اللامعة الجديدة والي السيارات والشاحنات، الي انعدام التعليم وخراب المدارس وقتل المعلمين والتربويين وهرب معظمهم حفاظا علي الحياة، أنظر الي غياب الدولة والقانون وتحكم ميليشيات العصور المظلمة والي الساسة ببدلاتهم المكوية بحرص وملامحهم الملتوية كذبا وتضليلا فأري ان المسؤول الاول هو صانع أسلحة الدمار الشامل وبائعها وموزعها أي الارهابي الامريكي، أبن امبراطورية الديمقراطية المغلفة بورق صقيل، اللامع لمعان الاسلحة التي يوزعها علي اطفالنا ليحولهم الي قتلة مأجورين لارتكاب الجريمة الابشع في تاريخ البشرية أي اغتيال الامهات وآلاباء والاقرباء وأهل الوطن، ليحولهم الي جيل الخراب والتدمير كما فعل في أفريقيا عندما أسس لجيل القتلة الاطفال من الجنود والميليشيات وغذاهم بالسلاح والعتاد ليقتلوا أهلهم ويسلموا ثروات البلاد من ماس ومعادن الي المحتل. ان اساليب الهيمنة متعددة وطرق اثارة النعرات وتفرقة الناس ملتوية ومبنية علي معرفة نقاط الضعف في مجتمع البلد المحتل وتضخيمها وتشويه الحقائق، مما يدفعنا الي النظر الي الاحتلال العسكري كواحد من ابسط اشكال الهيمنة وأكثرها وضوحا. وحين يقوم المحتل بتسليح الاطفال واستخدامهم كقتلة مأجورين ضد أهاليهم فهذا يعني انه يهدف الي الاستحواذ علي روح الامة ونسغها الصاعد ومستقبلها مما يتطلب الصحو الجماعي من سبات السذاجة الذي يتلحف به كل من بقي مطمئنا الي العدو حتي اليوم، وان يكون استخدام اطفالنا كقتلة مأجورين من قبل العدو الانكلو ـ امريكي ـ الصهيوني وأسلحته موجهة الي صدورنا وفي داخل بيوتنا قرع الاجراس المؤذنة بانتهاء حقبة السذاجة السياسية وتبرير الاحتلال بمسميات جميلة مزوقة. ان حجم الموت الذي نعيشه ولون الدم والاسلحة اللامعة الصقيلة بأيدي أطفالنا صار أكبر واشمل من ان يتمكن اي انسان ذو ضمير وحس أخلاقي ان يدير وجهه جانبا مدعيا عدم رؤيته. لقد صار الصمت علي ارتكاب الجريمة مشاركة في الجريمة. وصار التأكيد علي المسؤولية الاخلاقية للمواطن العراقي، اينما كان، جزءا لايتجزأ من مقاومة الاحتلال. من هذا المنطلق وترسيخا لضرورة التذكير بمأساة الشعب العراقي تحت الاحتلال منذ غزو البلاد في نيسان (أبريل) 2003، ولكي لا تنسي جريمة الابادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا خلال الثلاثة عشر عاما من الحصار الجائر، وتوثيقا لجرائم وانتهاكات الاحتلال ومستخدميه لحقوق الانسان وحقوق المواطنة اليومية في العراق المحتل، أقامت منظمة (تضامن من أجل عراق حر وموحد) النسوية مؤتمرا ولمدة نهار كامل يوم السبت الماضي في لندن. واستقطب المؤتمر بمحاوره المهمة الاربعة عددا كبيرا من العراقيين والبريطانيين وتميز بالتفاعل الايجابي مع مقدمي البحوث والدراسات وعضوات المنظمة اللواتي أدرن الجلسات بمهارة حرفية وربطن ما بين حقوق المواطنة وحقوق المرأة مؤكدات علي أن تحرير العراق من المحتل الانكلو امريكي الصهيوني واستقلال العراق والمحافظة علي وحدته هو اللبنة الاساسية في تمتع كل العراقيين بحقوق المواطنة واستعادة المرأة لحقوقها التي طالما ناضلت من اجلها وعلي مدي عقود. وركزت المحاور علي المهجرين قسريا في داخل وخارج العراق الذين تجاوز عددهم الاربعة ملايين منذ الاحتلال وبزيادة 60 ألف شخص شهريا منذ بدء ما يسمي بعملية (فرض القانون) حسب تقرير منظمة الهجرة التابعة للامم المتحدة. وتناول المحور الثاني تصفية العقول كمحاولة لتفريغ العراق من طاقاته الذهنية ومن كل من يمتلك القدرة علي التفكير وتقسيمه الي امارات طائفية وعرقية لاهم لها غير تربية جيل من الميليشيات المتقاتلة والقتلة المأجورين كما يحدث الآن مع أطفالنا. وقدم المساهمون الحقائق والاحصائيات الدالة علي ان عمليات الاغتيال والغدر بالاكاديميين والعلماء والصحافيين وتهجير من بقي منهم انما هي عمليات منظمة ومدروسة وليست كما يشاع عشوائية وتستهدف طائفة دون غيرها ضمن صورة (العنف الطائفي وانهم يقتلون بعضهم البعض) الذي يحاول الاحتلال وساسته ترسيخه.وتناول المحور الثالث عن المعتقلين سواء في معتقلات الاحتلال مباشرة او عملائه، البالغ عددهم 40 الف معتقل حسب احصائية الصليب الاحمر الدولي وهو عدد من استطاعت المنظمة تسجيله فقط او معرفة مكانه، والكثير من المعتقلين كما هو معروف لا يمكن الاطلاع علي اماكن اعتقالهم او زيارتهم او توكيل محام للدفاع عنهم. كما أدت الاشارة الي عدد المفقودين الذي بلغ المليون حسب تقرير جديد للصليب الاحمر أيضا حيث كان العدد منذ عام 1980 وحتي 2003 قد بلغ ونتيجة حروب الخليج 375 ألف مفقود وبلغ العدد المليون منذ الغزو في 2003 وحتي اليوم. وتساءل الحاضرون عند مناقشة الموضوع عن مفهوم (الابادة الجماعية) حسب القانون الدولي ولم لا يستخدم المصطلح بشكل واسع لوصف الجرائم المرتكبة بحق المواطنين. وقد خصص المحور الرابع لتناول الوجه الثاني لهيمنة الامبراطورية الامريكية الصهيونية وتوسعها الذي ليس بالامكان النجاح فيه بدون الهيمنة الاقتصادية وخاصة علي شريان النفط، حيث تناولت الورقة المقدمة الاسباب الداعية الي وجوب مناهضة التوقيع علي قانون النفط والغاز ومهما كلف الامر لانه سيربطنا وأولادنا من بعدنا بأغلال العبودية الاقتصادية. ان متابعة عمل منظمة (تضامن من اجل عراق حر وموحد) النسوية يصلح كنموذج جيد لدراسة نشاط منظمة نسوية عراقية تعمل في المهجر، تضم في عضويتها نساء ناشطات في المجتمع البريطاني، من مختلف الاعمار والكفاءات والانتماءات، تعني بالشأن العراقي بكافة جوانبه الانسانية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية، ولايقتصر عملها علي زاوية ضيقة تحصر فيها كما تفعل منظمات الاحتلال النسوية تحت عنوان (العنف الذكوري ضد المرأة)، لانها تري ان حق المواطنة هو واحد سواء كان المواطن ذكرا أم أنثي، وهو المظلة التي تطمح الي العيش في ظلها بعد التخلص من جرثومة الاحتلال وخلاياه الوبائية. وهي تري ان العنف وليد عنف أكبر، وهو ما يجب ان يعمل المجتمع المتحرر من عبودية الاحتلال والهيمنة الاقتصادية والثقافية علي التخلص منه بنفسه ووفق أدواته وظروفه وثقافته وحضارته. أما بالنسبة الي العمل مع المجتمع الدولي ومنظماته فأنه سيتم بشكل طبيعي، وبالأسناد القوي من معظم الرجال كما عودنا آباء وأعمام الجيل الحالي من النساء العراقيات، عندما يكون العراق واقفا علي قدم المساواة مع العالم وليس تابعا أو عبدا له. لذلك تؤكد المنظمة في بياناتها وموقعها وتصريحات عضواتها علي ان مقاومة الاحتلال وبكل السبل المتاحة وبضمنها المقاومة المسلحة، حسب الاعراف الدولية، مسؤولية اخلاقية.ولعل أهم ما يميز منظمة تضامن هو انها منظمة مستقلة اقتصاديا وسياسيا حيث تعتمد في اقامة نشاطاتها علي دفع التكاليف من مساهمة العضوات ودعم الحاضرين لها، كما انها ليست ملحقا أو مجسا من مجسات الاحزاب السياسية. وتمارس نشاطها علي الساحة البريطانية كواحدة من المنظمات المناهضة للاحتلال ايمانا منها بأن جزء من المنظومة العالمية التي قاومت الغزو والتي نطمح الي العمل معها وبناء الجسور علي قدم المساواة مستقبلا وبعد رحيل قوات الغزاة.وقد أختتم مؤتمر المنظمة بطرح مشروع تناقشه المنظمات المناهضة للاحتلال بعنوان (العدالة للعراق) الداعي الي تحميل الدول الغازية والمحتلة مسؤولية الخراب الشامل البشري والعمراني قانونيا واخلاقيا والتداول في كيفية اجبار الحكومات علي دفع التعويضات للعراق.ازاء هذا كله وربط المرأة العراقية ما بين كونها أما واختا وزوجة، حريصة علي سلامة البنية المجتمعية، مدافعة كاللبوة عن سلامة اطفالها وحريصة كل الحرص علي الا يتم تحويل ابنائها الي قتلة مأجورين في سوق الاحتلال والعمالة، يلهثون وراء الدولار ويستنشقون الهواء المختلط برذاذ الدم، ازاء هذا كله لا غرابة اذن عندما نعلم ان عضوات (تضامن من اجل عراق مستقل موحد) قد تلقين رسائل تهديد تصفهن بأنهن (ارهابيات) وحملة ابتزاز لتمزيق وحدة المساهمين اثناء تنظيمهن المؤتمر، الجامع بين البحث الاكاديمي والنشاط التعبوي الجامع بين الاصوات المناوئة للاحتلال والدعوة الي دعم المقاومة الوطنية العراقية الباسلة.