Sunday 1 June 2008

العراق: لماذا لا تستقيلون لتريحوا ضميركم ؟

عندما يكتب الوطنيون المناهضون للاحتلال الامريكي للعراق عما يسمي بالحكومة العراقية فانهم يعنون، بوضوح لايقبل الالتباس، حكومة الاحتلال التي لا تتمتع بالسيادة وسلطة اتخاذ القرار في الشؤون العسكرية والاقتصادية والامنية بحكم انصياعها لسياسة المحتل الذي تتمتع قواته العسكرية ومرتزقته من مستخدمي شركات الحماية بالحصانة من القانون العراقي، حسب الأمر الذي أصدره الحاكم الامريكي السابق بول بريمر في حزيران (يونيو) 2004 مانحا المتعاقدين الأجانب الحصانة من الملاحقة الجنائية علي يد السلطات العراقية. وهي، ايضا، الحكومة التي لا تزال تعمل في ظل قرارات بريمر النافذة ما لم يلغها أو يبطلها تشريع جديد، مؤكدة عجزها عن السير ولو خطوة واحدة علي طريق التغيير، علي الرغم من عكازات تسليم السيادة والاستفتاء علي الدستور والانتخابات. وقد دفع استهتار قوات الاحتلال والمرتزقة او المتعاقدين الامنيين، وهم عادة من أسوأ انواع الجنس البشري اخلاقا وسلوكا، منظمات حقوق الانسان العالمية وبضمنها الامريكية الي اصدار البيانات داعية (الحكومة العراقية) الي الاسراع باصدار التشريع الجديد انقاذا لحياة المزيد من الضحايا العراقيين وحماية الارواح الابرياء. فقد اصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 8 كانون الثاني (يناير) 2008، تصريحا تناشد فيه الحكومة العراقية (وكأن المنظمة هي التي تمثل الشعب العراقي) والبرلمان العراقي أن يوافقا علي تشريع يهدف إلي إنهاء حالة إفلات المتعاقدين الأجانب من القطاع الخاص من العقاب، ويبطل الأمر رقم 17 الذي يمنح المتعاقدين الأجانب وموظفيهم من غير العراقيين الحصانة ضد الملاحقة الجنائية العراقية. وطالبت هيومن رايتس ووتش المشرعين العراقيين بضمان الموافقة العاجلة علي هذا القانون. وقد قوبل نداء المنظمة الانساني بالصمت من قبل رئاسة الحكومة واعضاء البرلمان المنشغلين بأمور يعتبرونها أكثر اهمية وأولي بالرعاية من حماية المواطن العراقي ومساءلة القتلة من الشركات الامنية مثل بلاكووتر وغيرها والبالغ عددهم قرابة 48 ألف موظف يعملون لدي المتعاقدين الأمنيين من القطاع الخاص، وهذا من بين إجمالي يبلغ أكثر من مئة ألف عنصر من المتعاقدين. ولم يقم أحد في البرلمان حتي الآن بأي تسجيل أو جرد حتي لجنسيات هؤلاء، و أدوارهم الرسمية، ومسؤولياتهم، وشبكة علاقاتهم بالجوانب الأمنية الأخري، كتدريب قوي الأمن والأشراف علي فرق حراسة المنشآت. والتجارب تشير الي أدوار تخريبية ودخول المخابرات الأجنبية بشكل واسع في هذا القطاع المستثني من جميع القوانين، حتي الأمريكية منها. هذه هي بعض الملامح العامة لحكومة الاحتلال كما يراها الوطنيون المناهضون للاحتلال، فكيف يراها اعضاؤها من وزراء ومسؤولين يشغلون المناصب العليا، وأعضاء ما يسمي بالبرلمان المنتخب، والمنخرطين معها في العملية السياسية بالاضافة الي رؤساء الاحزاب والتجمعات الموالية للاحتلال؟ وهل يعرف المستخدمون في مراكزها معني الحكومة حقا؟ ولنبدأ برئاسة الحكومة. من الواضح ان رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي يعتبران ان (الحكومة) درجة استخدام وظيفية تتطلب منهما عدم الالمام بما يجري حولهما الا اذا ما صدر أمر من رب العمل يطالبهما بالتنفيذ. وهما، في معظم الاحيان يصرحان بشيء، ليعود المسؤول الامريكي، أو رب العمل، لتقريع المستخدم وتصحيح الخبر. ويعتبر المالكي المتلقي الاول لصفعات التقريع بينما يتفادي الطالباني الصفعات عن طريق ارتداء قناع التنكيت وخفة الدم المشهور به. وقد تلقي المالكي آخر الصفعات منذ اسبوع عندما تظاهر امام عدسات مصوري القنوات التلفزيونية، بأنه صاحب قرار معلنا عن شن هجوم (حاسم ونهائي ضد القاعدة) في مدينة الموصل، الواقعة شمال العراق، التي يعتبرها القادة الأمريكيون اخر معقل رئيسي للتنظيم في المدن. وكالعادة، سارع السيد الامريكي وهو، في هذه الحالة، قائد القوات الأمريكية في شمال العراق الميجر جنرال مارك هرتلينغ، الي تذكير المالكي بمكانته الحقيقية كتابع لا يحق له الادلاء بما لا يحق له التدخل فيه. اذ قال هرتلينغ ان القتال ضد القاعدة في الشمال ومناطق اخري في العراق جزء من الهجمات المستمرة مكررا بانه ليس واثقا بما يكفي لأن يقول ان هذا هو الهجوم النهائي ضد تنظيم القاعدة في العراق في الموصل. وعندما ذكره احد الصحافيين بتصريح المالكي، اكتفي بالقول ببرود: (لا اريد التعارض مع حكومة المالكي). كما ان من الواضح ان لقاءات الطالباني بالمالكي، وكلاهما في المنطقة الخضراء ومكتباهما علي بعد أمتار، أقل حدوثا من لقاءات الطرفين بالسادة في البيت الابيض. فهما لا يلتقيان ما لم يسبق ذلك لقاؤهما منفردين بمسؤول امريكي وافد من واشنطن أو اثر اجراء لقاء عاجل اما مع بوش او كوندوليزا رايس عبرالاقمار الصناعية. لهذا التقي الطالباني بالمالكي، منذ ايام، حسب طلب السيد في البيت الابيض، ونشر الخبر اعلاميا ليؤكدا علي (ضرورة تنفيذ القرارات التي تتعلق بمجمل العملية السياسية والقضايا المفصلية في البلاد)! ولأن العراق يعيش حالة تفتت الحكومة ما بين الاحزاب والميليشيات والصحوات والمحاصصات فمن الطبيعي انبثاق التصريحات، بين الفينة والفينة، من متحدثي هذه الفئة أو تلك حسب الاهواء والمصالح الشخصية والفئوية. فعبد العزيز الحكيم منزعج من (الحكومة) وكأنه ليس طرفا فيها، والهاشمي يحملها الانتهاكات وكأنه ليس نائبا لرئيس الجمهورية. أما رئيس (الحكومة الكردية) نيجيرفان بارزاني فقد طالب، أخيرا، (الحكومة العراقية) بتقديم الاعتذار الي الشعب الكردي عن عمليات الانفال التي تعرض لها في عهد النظام العراقي السابق، وكأن المنطقة الكردية ليست جزءا من العراق وكأن رواتب البارزاني والطالباني وحزبيهما وميليشياتهما غير مدفوعة من قبل الميزانية المركزية وكأن سياسيي الاحتلال جميعا عربا او كردا، سنة او شيعة في سباق محموم للفوز بجائزة من هو الاكثر مظلومية وبالتالي من الذي يحق له اقتطاع جزء اكبر من ارض العراق لنهب موارده.وللبرلمانيات مواقف لا تقل طرافة عن المالكي والبارزاني عندما يصرحن وكأنهن لسن عضوات في احزاب وبرلمان الحكومة. والمعروف انهن يشكلن نسبة الربع في البرلمان حسب نظام المحاصصة ولايسمع لمعظمهن صوت. الا ان النائبة سميرة الموسوي، رئيسة لجنة المرأة بالبرلمان، من بين القلة الناطقة بلسان حزبها. اذ قالت لوكالة رويترز، يوم 31 كانون الثاني (يناير)، انها (أصبحت في حيرة من امرها كيف ترد علي النداءات اليائسة لعدد ربما يتراوح بين مليون ومليوني امرأة أرملة في العراق). ومثل كل سياسيي الاحتلال، سواء كانوا يرتدون الفستان او البنطال، لا تشير الموسوي الي مسؤولية ارهاب الاحتلال وانتهاكاته وجرائمه ضد المرأة، بل تتبادل مع بقية السياسيين تمثيلية اظهار الأسي علي حال المرأة. وتشاركها نرمين عثمان، وزيرة شؤون المرأة بالنيابة، تمثيلية اظهار الأسي علي حال المرأة والتزام الصمت الكلي ازاء مسؤولية الاحتلال والقاء اللوم علي الحكومة التي هي وحزبها يشكلان جزءا لا يتجزأ منها. ان السبب الحقيقي لكارثة العراق الغني بثروته النفطية وموارده هو وجود الاحتلال التوسعي المتعطش للاستيلاء علي النفط فضلا عن وجود مستخدميه المتهافتين علي السرقة والاختلاس بينما يتظاهرون بالأسي والقلق علي حال الارامل والايتام والمهجرين. ان براعة سياسيي الاحتلال، ذكورا واناثا، في تفريغ القضايا التي تمس حياة المواطنين من محتواها وتحويلها الي ادوات للتضليل الاعلامي وتشكيل اللجان لزيادة مخصصاتهم، لن تخدع المرأة العراقية وهي المعروفة بنضالاتها وانجازاتها بل اسمعها وهي تقول: اذا كنتم تهتمون بمأساتنا حقا، واذا كنتم قد شاركتم في الحكومة من اجل خدمة ابناء الشعب وليس طمعا في منصب او مال، واذا كنتم قد ادركتم الآن، بعد سنوات الدمار، ان لا جدوي من النفخ في جثة، وأن قلوبكم تفيض بالأسي لمرأي ايتامنا، فلماذا لا تستقيلون لتريحوا ضميركم وتريحونا؟