Sunday 1 June 2008

كل مستشاري الرئيس في العراق المحتل

لا ادري لماذا خطر علي بالي عنوان الكتاب المشهور (كل رجال الرئيس) الذي تم تحويله الي فيلم صار من روائع السينما الكلاسيكية، وأنا علي وشك الكتابة عن الدعوي التي رفعها فخري كريم، رجل الاعمال ومستشار رئيس حكومة الاحتلال في العراق، ضد المثقف سماح أدريس، رئيس تحرير مجلة الآداب، الذي كتب افتتاحية في الآداب عنوانها: نقد الوعي النقدي كردستان العراق نموذجا . ربما لأن (كل رجال الرئيس) هو عنوان الكتاب التحقيقي الصحافي عن فضيحة ووترغيت، المأخوذ من انشودة مشهورة للاطفال تتحدث عن بيضة لها رأس وملامح رجل اسمه هامتي دامتي. وتقول كلمات الانشودة المضحكة: هامتي دامتي جلس علي السياج. هامتي دامتي سقط سقطة كبيرة. كل احصنة الملك وكل رجال الملك لن يتمكنوا من اعادة هامتي دامتي الي ما كان عليه!وقد استخدم الصحافي بوب وودورد الذي ساهم في كشف الفضيحة، العنوان للاشارة الي شخصية الرئيس الامريكي الراحل ريتشارد نيكسون واستحالة اعادة الثقة به سياسيا واخلاقيا بعد الخراب الذي الحقته به الفضيحة الكبيرة. وهو ترميز يصلح لحال رئيس حكومة الاحتلال في العراق ومستشاريه من مثقفين وتجار وسياسيين، وان كانت الحدود الفاصلة بين التصنيفات الثلاثة غير واضحة في معظم الاحيان. الا انني وانا اقتبس العنوان، ادرك ايضا، بانني قد أظلم نيكسون اذا ما حاولت اقتباس المثال لتطبيقه علي اقليم كردستان واستخدامه للدلالة علي الفساد المستشري في الاقليم ودور مستشاري الرئيس العراقي من مثقفي الاحتلال، الواقفين مثل كمامة الافواه، ازاء كل صوت حر مستقل يحاول ان يتساءل او يبحث او يكتب دراسة او بحثا، مهما كان موثقا واكاديميا، عما يجري في ذلك الجزء من عراقنا. فنيكسون كان يمتلك من الحس السياسي والاخلاقي ما يكفي ليدفعه الي الاستقالة، وهي ميزة غائبة تماما عمن ارتبطوا بالاحتلال منذ غزو العراق في 2003 وحتي اليوم باستثناء اثنين او ثلاثة. وكلنا يتذكر كيف التزم مثقفو الاحتلال ومستشارو الرئيس الصمت عندما صدر الحكم بالسجن ثلاثين عاما بحق الباحث والكاتب كمال سيد قادر لانه كتب مقالا عن الفساد في كردستان، ولم يطلق سراحه الا بعد حملة اعلامية عالمية فضحت زيف حرية الصحافة والاعلام في كردستان الديمقراطية. علي الرغم من ذلك، أري ان رمز انشودة الاطفال صالح للاستعارة. لأن منظومة الاحتلال وبعد مضي خمس سنوات، تقريبا، من الانتهاكات والجرائم والابادة الجماعية، لا تزال هي ذات البيضة المكسورة علي الارض ولن يتمكن كل مستشاري الرئيس وكل مثقفي الاحتلال من اصلاحها، ومهما انفقت ادارة التمويل الامريكية من مليارات الدولارات. وهنا علينا ان نشكر مستشار الرئيس لانه نجح حيث فشل الكثيرون عندما تمكن، أخيرا، من دفع حتي المثقفين المحايدين الي الاشارة بصوت جماعي الي ان البئر الذي يستقي منه الدعم، بشكل مباشر او غير مباشر، ذو رائحة تعيق النفس الطليق وتخنق الصوت الحر. ولن اتحدث هنا عن اموال الحزب الشيوعي واشتراكات الرفاق المقتطعة من رواتبهم اينما كانوا في زمن العمل في بقاع المنفي والميزانية التي اختفت جميعا في سنوات تشتت قيادة الحزب، فبالامكان الرجوع اليها في المذكرات والكتب والمقالات العديدة المكتوبة من قبل رفاق فخري السابقين، ولكنني معنية هنا بالتساؤل عن مصدرملايين الدولارات المخصصة لصرف المخصصات واصدار الكتب والمجلات واستضافة مئات (المثقفين العرب) والعراقيين في مهرجانات واحتفالات، عديدة، يصرف عليها ببذخ يماثل بذخ النظام السابق ومهرجاناته التي بلغت قمة الابتذال يوم حضرها ألف شاعر عربي وعراقي مع ملاحظة نقطة اختلاف اساسية وهي ان النظام السابق كان حكومة تملك ميزانية دولة نفطية بينما يدعي فخري كريم بانه (مثقف وناشر)، ونحن نعلم جميعا كم هو فقير مثقفنا وكيف ينام ناشرونا علي أكوام الكتب غير المباعة. وانا معنية، ايضا، بالتساؤل من باب معاملة الاشخاص والمؤسسات والاحزاب وفق تعريفها لنفسها. فاذا كان النظام العراقي الحالي ديمقراطيا منتخبا حسب ادعاء المنضوين تحت رايته فان عملية المساءلة والموازنة هي من خصائص النظام الديمقراطي التي تميزه عن النظام الدكتاتوري. وبضمن هذه العملية يتوجب علي كل الجهات المشاركة في الحكومة الديمقراطية بدءا من المسؤولين واعضاء البرلمان الي كل العاملين في المجال العام من احزاب واتحادات ومنظمات ومؤسسات مجتمع مدني، الاعلان عن مصادر تمويلها وطنية كانت ام اجنبية، ومهما كانت قيمة التمويل. واذا كانت الديمقراطية الامريكية هي المثل المحتذي به من قبل الرئيس ومستشاره فان الاولي به ان يكون اول من يعلن عن مصدر ثروته وقيمتها وان يحذو مستشاره حذوه لترسيخ اسس الديمقراطية التي ينادون بها. وليبين الطالباني ورئيس مستشاريه للشعب العراقي، بشكل عملي، ايمانهما بالديمقراطية التي يتحدثان عنها بكرة وأصيلا. وهل هناك طريقة أفضل من ان يقدم المستشار نصيحته للرئيس بأن يصدر مرسوما رئاسيا يأمر به بالكشف عن مصادر الثروات والتمويل في حكومته (الديمقراطية) وحزبه (الديمقراطي) لاسكات كل الاشاعات والاقاويل التي يبثها (الارهابيون القوميون الفاشيون السنة الصداميون المستلمون لكوبونات النفط)؟ وهل هناك طريقة أفضل لتنظيف سمعة الاحزاب العراقية كلها، خاصة وانه يتمتع بمنصب رئيس الحكومة العراقية وليس رئيس حزب كردي فحسب، من الفساد المالي والاداري الذي بات كالهواء المستنشق بحيث صار العراق من اكثر الدول فسادا في العالم! والي نظام العمل في مجال تمويل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الثقافية والنسوية والتعليمية وغيرها أعود لأوضح بان النصيحة الاولي التي يجب اتباعها في مجال فهم طبيعة عمل هذه المنظمات ومصداقية برامجها المعلنة هو معرفة مصدر التمويل أو حسب المصطلح الامريكي (أتبع المال) لتعرف السياسة! ولعل متابعة الحرب الاهلية بين الحزبين القوميين بقيادة البارزاني والطالباني في اقليم كردستان، في فترة التسعينات، التي أدت الي قتل آلاف المدنيين الابرياء، وتخللها استنجاد البارزاني بصدام حسين والجيش العراقي لحمايته من بيشمركة الطالباني، هي افضل مثال علي مبدأ اتبع المال. حيث ثابر الطالباني، رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، علي الاشارة الي ان اموال الكمارك المستولي عليها من قبل حزب البارزاني هي واحدة من اسباب الاقتتال، إضافة لتعقيدات الصراع الايراني ـ التركي ـ العراقي ـ الأمريكي في وقتها. حيث يقول في رسالة بخط يده ردا علي رسالة بتاريخ 26 ـ 1 ـ 1995 ونشرت في كتاب الحركة الكردية المعاصرة لعبد القادر البريفكاني: (ان القتال هو أم الكمارك وبالذات بسبب اصرار البارزاني علي الاستيلاء علي واردات كمرك زاخو). ولفهم طبيعة توزيع الثروة المتنازع عليها من قبل الحزبين الكرديين، من المفيد قراءة الامر الذي اصدره كوسرت، رئيس الوزراء، بتاريخ 16 ـ 7 ـ 1995 الي وزارة المالية ـ قسم الكمارك جاء فيه: (من الآن فصاعدا توضع 50 بالمئة من عائدات الحكومة في جميع انحاء كردستان في حساب خاص في مصرف او مصرفين. ويجري سحب هذه المبالغ المودعة لتغطية الاحتياجات الادارية العامة وللمكتب السياسي ولميزانية المكاتب من قبل شخصين يتم تخويلهما من قبل الأخ مام جلال (أي الطالباني). اما بقية الواردات والاموال فتخصص للرواتب والمشاريع ولسد احتياجات السكان والحكومة). فيا لها من عدالة في التقسيم ويالها من نزاهة وشفافية مالية! لقد تمكن فخري كريم باعتراف الكثيرين من رفاقه القدماء، بالتعاون مع قيادة الحزب الشيوعي الحالية التابعة لسلطة الاحتلال، ان يجروا الحزب الموصوف انه حزب الكادحين الي الهاوية ولينزعوا عنه صفته الوطنية. ولم يكن فشلهم في الحصول حتي علي واحد في المائة من الأصوات في الأنتخابات التي تحمسوا لها كل الحماس قبل عامين غير الصفعة الاولي. وكانوا قد توهموا، وقتها، ان بقايا قاعدة الحزب الشيوعي القديمة ستغض النظر عن موقفهم المشين في سنوات الحصار، وعن كونهم قد أصبحوا رجال الرئيس بوش، معتقدين بان الشعب العراقي قد صار مثلهم مهيئا للتلوث بالمال والبراغماتية الزائفة، زيف ديمقراطية الإستعماريين والعنصريين والطائفيين