Monday 2 June 2008

الفرق بين الشاهدة الامريكية ليندا وسياسيي الاحتلال في العراق

2008/05/04
في جلسة ترأسها السناتور بايرون دورغان، رئيس اللجنة السياسية للحزب الديمقراطي الأمريكي، استمع الحاضرون، يوم الاثنين، لشهادة اثنين من موظفي شركة (كي بي آر)، وهي جناح من شركة هالبرتن الامريكية العملاقة، عن الفساد الذي ميز عمل الشركة في العراق. هذه هي الشركة المستحوذة علي اكبر العقود البالغ قيمتها 27 مليار دولار كمزود وحيد للخدمات للجيش الامريكي في العراق وافغانستان، والتي حصلت في بداية شهر نيسان علي عقد اضافي قيمته 150 مليون دولار للعشر سنوات المقبلة. تحدثت الشاهدة ليندا وورن عن التهديدات الجسدية التي تعرضت لها وطردها من العمل لانها احتجت علي ما رأته، اذ ذكرت انها ومنذ يومها الاول في بغداد قد لاحظت كيف ان موظفي (كي بي آر) الذين كان من المفروض ان يعملوا علي تنفيذ عقود الاعمار كانوا منشغلين بالنهب وتطوير أنظمة للتهريب حيث سرقوا الاعمال الفنية بانواعها والكريستال وذوبوا الذهب وصبوه بطرق جديدة. واستخدموا القوافل العسكرية لنقل المشروبات الكحولية من مطار بغداد وسرقة المعدات واللوازم عن طريق مهاجمة الشاحنات العسكرية ومن ثم بيعها او مقايضتها مع العراقيين. وبكت السيدة ليندا متحدثة عن ألمها وخوفها من التهديد وكيف انها، غالبا، ما كانت تشعر بالخجل كمواطنة أمريكية ازاء ما رأته. وكيف انها اصيبت بالكآبة والأرق وقررت اثر عودتها الي امريكا الادلاء بشهادتها امام الكونغرس، حفظا لكرامة الجنود الامريكيين. أما شهادة المتعاقد السابق فرانك كاسيدي فكانت عن حفر الحرق المشتعلة مدة 24 ساعة يوميا لإتلاف المعدات والآلات التي تبلغ كلفتها ملايين الدولارات (من اموال الخزينة الامريكية حسب ادعائه) لمجرد ان المتعاقدين لا يريدون نقلها الي مكان آخر او يريدون استبدالها باخري جديدة حال الانتهاء من استعمالها مرة واحدة. كما تحدث عن خنادق كبيرة بعمق 3 أمتار تم فيها دفن كل المعدات التي لم يتمكنوا من حرقها مثل الكمبيوترات والاجهزة الالكترونية والاحذية العسكرية والازياء والاطارات والمعلبات وحتي المتفجرات وسجلوا كل ذلك باعتباره خسائر نتيجة الحرب. واختتم فرانك حديثه قائلا بانه جاء ليشهد امام اللجنة لانه رأي كيف عانت القوات الامريكية وتعرضت للخطر جراء الانتهاكات التي مارسها المتعاقدون. وقد ذكرت تفاصيل الشهادتين لا لفضح اعمال النهب والتهريب المنظم وفضائح عقود (اعمار العراق) التي لم تعد خافية حتي علي اكثر المتعاونين مع الاحتلال سذاجة وبلاهة بل ذكرتها للمقارنة بين موقف الشاهدين الامريكيين المعتزين بوطنيتهما وكيف انهما لم يتحملا عبء الصمت علي أفعال قد تلحق الأذي بمواطنيهما من الجنود، وموقف سياسيي حكومة الاحتلال المجبول لا علي الصمت فحسب بل علي التوسل واستجداء كل السبل من اجل ابقاء الاحتلال وديمومته لابادة المواطنين.ففي الوقت الذي يقتل فيه الاطفال والنساء، في مدينة الثورة (الصدر) ببغداد، وتهدم البيوت علي رؤوس سكانها، قصفا من قبل قوات الاحتلال الامريكي وعملائها بحجة التخلص من اللصوص والمارقين، وكأن حكومة الاحتلال تعتلي أعلي سلم النزاهة والنقاء والمسؤولية الاخلاقية تجاه شعبها بين دول العالم وليس اسفله، وبينما يتم تضليل العالم اعلاميا من خلال نقل تصريحات بوش وسياسيي البيت الابيض واجترارها من قبل ساسة الحكومة العراقية، وبينما يقف المالكي منتفخا، مهددا، واصفا كل من يقف ضد الاحتلال بأنه يحرض علي العنف، متوعدا مدينة الموصل بان دورها آت في مسلسل العقاب الجماعي للمدن والمحافظات المنتفضة واحدة تلو الأخري، تقوم الادارة الامريكية بصياغة الاتفاقية الاستراتيجية الطويلة الأمد ووضع اللمسات الأخيرة علي قانون النفط والغاز لتمريره بأسرع وقت ممكن، فضلا عن محاولة قطع رأس مقتدي الصدر ووضعه في صينية فضية لتقدمه كهدية للمالكي والحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الأعلي، مكافأة لهما علي خدماتهما الثمينة. كل ذلك يتم ضمن اطار أمني دموي وصفه القائد العام لقوات الاحتلال الجنرال ديفيد بترايوس بانه ما كان يهدف الي تحقيقه منذ البداية وهو (جو العنف الدائم ولكن المتحكم به) أي ان يبقي الوضع الأمني والسياسي في العراق ضعيفا هشا لا تتمتع فيه أية جهة عراقية، مهما كانت، بقوة حقيقية يمنحها امكانية التغيير وتهديد وجود الاحتلال ومستقبله. ضمن هذه الاجواء تستعد إدارة بوش لتوقيع اتفاقية استراتيجية طويلة الامد مع حكومة الميليشيات ستكون مقدمة لوجود امريكي غير محدد الانتهاء، تحت حجج الحفاظ علي مصالح العراق وحمايته من تدخلات دول الجوار. وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست ان ادارة بوش تريد التوقيع علي اتفاقيتين لاستبدال وصاية الأمم المتحدة التي تنتهي صلاحيتها في نهاية العام الجاري. تتعلق الاتفاقية الاولي بتعريف وحماية الوضع القانوني للجيش الامريكي ومسؤولياته في العراق. وتعني، حسب، توضيح ديمقراطيين في مجلس الشيوخ، انها تتضمن السماح للقوات الأمريكية بالقيام بعمليات عسكرية أحادية الجانب، واعتقال عراقيين، ومنح حصانة من الملاحقة القانونية في العراق للمتعاقدين المدنيين مع الولايات المتحدة. أما الاتفاقية الثانية، فهي ذات اطار استراتيجي طويل الأمد، قالت الإدارة الأمريكية إنها سترسي تعاونا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية. وتتضمن (ضمانات امنية والتزامات تجاه جمهورية العراق لردع أي عدوان خارجي ينتهك سيادة البلد ووحدة أراضيه ومياهه وأجواءه).ومن الواضح ان استكلاب الادارة الامريكية علي توقيع الاتفاقية وبسرعة بمصاحبة حملة التعتيم الاعلامي، غرضه حصولها علي شرعية قانونية اضافية. فهي تسعي لان تنجز ما فشلت في تحقيقه حتي الآن خاصة في مجال توقيع الاتفاقيات مع شركات النفط العالمية التي رفضت الدخول في حلبة الاستثمار بدون هذه القوانين. وبينما سيمدد توقيع الاتفاقية عقد خدمة حكومة المالكي، والكسب الحرام لأصحاب العملية السياسية، بضعة أشهر أخري، سيكون تخلص ابناء الشعب العراقي منها ولاجيال مقبلة صعبا وقاسيا ومكلفا لحياة المزيد من مواطنينا. فبالاضافة الي شرعنة السرقة والنهب بترتيبات دولية من الصعب تجاوزها كونها خارج الأطر القانونية التقليدية، ستبقي هذه الاتفاقية سيف القتل والاهانة وامتهان الكرامة مسلطا علي اعناقنا. خاصة وان قوات الاحتلال تتمتع بحرية الحركة والحصانة القانونية والمرتزقة والمتعاقدين الأمنيين ينهبون ويقتلون، خفية أو علنا، بلا رادع او مساءلة. ولاتزال جريمة قتل المواطنين في ساحة النسور ببغداد، من قبل قتلة شركة بلاك ووتر الامنية، حية في الذاكرة، وهي واحدة من جرائم عديدة وأكثر بشاعة، لايزال معظمها، مستورا، ارتكبتها هذه الشركات وغيرها منذ عام 2003 وتحت انظار ذات المتعاونين مع الاحتلال. والأدهي من ذلك كله، والأكثر مثارة للسخرية من حكام المنطقة الخضراء، يقوم الكونغرس الامريكي، حاليا، بمناقشة عدة قوانين ستجبر الشعب العراقي علي دفع تكاليف ومصاريف جيش الاحتلال بحجة ان علي العراقيين ان يتحملوا مسؤولياتهم، حسب تصريح أيك سكيلتون رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي. وكأن قتل العراقيين وسرقة اموال النفط واستخدامها لتشريد المواطنين من ديارهم لم تعد كافية.ان قراءة التاريخ تبين بان الطريقة المفضلة لإدامة السيطرة الإستعمارية هي إفقار البلدان المحتلة عبر بذخ نخبها الفاسدة، وتكبيلها بالديون، وشراء مواردها ومنتجاتها بأثمان بخسة. لكن هذه الحالة يصعب تطبيقها في بلد يقدر دخله من النفط وحده هذا العام بحوالي 15 ألف دولار للبيت الواحد، إضافة لكونه غنيا بثروات طبيعية وبشرية وثقافية موازية. مما سبب نشوء حالة الخيانة والفساد الفريدة من نوعها التي تحاول اعادة تكبيل أيدينا بإغلال تحررنا منها، عبر نضال صعب. وهي الحالة التي تجعل ساسة الاحتلال المتعامين عن حقيقة استحالة تقييد الأيادي التي ترفع السلاح، أقل احساسا بالمسؤولية واستيقاظ الضمير حتي من أصغر موظفي الشركات الامريكية الاحتكارية.