Monday 2 June 2008

الفيل الوردي ووزراء الخارجية العرب

2008/04/27
حضرالمؤتمر الدولي حول العراق، الذي انعقد في الكويت، يوم 22 نيسان (ابريل)، وزراء خارجية الدول العربية بالاضافة الي الولايات المتحدة وإيران. وكان البيان الختامي مكونا من 21 نقطة، اعلن المشاركون، جميعا، اتفاقهم عليها، ثم لملموا حقائبهم، بعد التقاط الصور التذكارية مع كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الامريكية، وعادوا الي ديارهم، وهم يتنفسون الصعداء كمن ينفض عن نفسه غبار هم كبير.كان هذا هو المؤتمر الثالث، ويمكن تلخيص نقاط البيان، عموما، باستثناء التوصيات المطالبة بتنفيذ توصيات المؤتمرين السابقين التي لم تطبق، بثلاث نقاط. اولا الموقف مما يسمي بالحكومة العراقية، حيث تؤكد عدة نقاط مصاغة باشكال لغوية مختلفة علي شرعية حكومة الاحتلال من خلال الدعم الكامل لجهود الحكومة العراقية ومجلس النواب المنتخب دستوريا و دعم جهود الحكومة العراقية في توسيع العملية السياسية ، و الاشادة بدور الحكومة العراقية في المصالحة الوطنية ، و استحسان الجهود المستمرة التي تقوم بها الحكومة العراقية لمواجهة الذين يثيرون العنف في كافة أنحاء العراق . ثانيا، الموقف من شعار محاربة الارهاب الذي تسوقه امريكا عالميا وتمارسه في داخل العراق، ويقدمه البيان مصاغا، ايضا، باشكال لغوية مختلفة مثل: ادانة كافة اعمال الارهاب في العراق ، و مكافحة الانشطة الارهابية ومنع الارهابيين من استخدام اراضيه ، و منع انتقال الارهابيين والاسلحة غير المشروعة من والي العراق و منع جميع اشكال الدعم غير المشروع . ثالثا الادانة الشديدة للعدوان وجرائم الحرب التي ارتكبها النظام العراقي السابق في حق المواطنين العراقيين ومواطني الجمهورية الاسلامية الايرانية ودولة الكويت . وتشكل هذه النقاط المطابقة للخطاب الامريكي المكرر لتبريرديمومة الاحتلال، زبدة ما تفتقت عنه قريحة وزراء الخارجية العرب في حضرة كوندوليزا رايس. وأصغي الوزراء لنوري المالكي وهو يصف جرائم نظامه المكون من الميليشيات الطائفية والعرقية، كاذبا بان القوات الامنية حققت انتصارات كبيرة في بغداد والانبار والبصرة وهي تستعد لمعركة حاسمة في الموصل وأنه يرفض اي وصاية علي نظامه... وان الدستور لا يسمح بالاستقواء بالغرباء عن العراق . وغض وزراء الخارجية العرب الطرف وهم يرونه يرسل نظرات استجداء التشجيع من سيدته كوندوليزا رايس، مستقويا بحضورها. ان ما أهمل ذكره وزراء الخارجية العرب بحضور امريكا وايران كثير جدا. وهو يعادل، حتي عند قياسه بمقياس المسؤولية الاخلاقية، جريمة بحق الشعب العراقي وغطاء سيشجع مرتكبي الجرائم، علي ارتكاب المزيد. فقد تعامل الوزراء العرب مع كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الدولة الارهابية الاولي في العالم، التي شنت حربها العدوانية علي العراق، كذبا وزورا حسب وثائقها وتصريحات ادارتها، باعتبارها حمامة سلام تطير بين فلسطين والعراق وافغانستان، في اليوم الذي امر فيه وزير دفاع حكومتها روبرت غيتس بايجاد السبل الكفيلة من اجل الإسراع بإرسال طائرات من دون طيار وانظمة استطلاع غير مأهولة الي العراق، ليتم قصف النساء والاطفال وتهديم البيوت عن مبعدة. وقدم الوزراء الي المالكي رئيس وزراء حكومة الميليشيات العميلة، المستقوي بدولة الارهاب العالمي، غطاء الشرعية المخضب بدماء مليون شهيد، يتزايدون يوميا في المدن التي يدعي المالكي تحقيق الانتصارات فيها مثل البصرة ومدينة الثورة في بغداد والموصل والرمادي وتلعفر، تاركين وراءهم ملايين اليتامي والأرامل والمعوقين. لقد أنصت الوزراء الي الاكاذيب تلو الاكاذيب ووقفوا صفا واحدا وهم يصفقون اعجابا بالتطريز الجميل لفستان وهمي نسجه نول الامبراطورية التوسعية.غير انهم استجمعوا شجاعتهم، ليدينوا، بشدة الفرسان ، عدوان وجرائم حرب النظام السابق (هل يتذكرون كيف كانوا يقبلون كتفي رئيس النظام السابق اعجابا وخشية، قبل أن ينقلبوا ليساهموا في حصار العراق الجائر؟) بينما أخفوا رؤوسهم في الرمال عميقا لئلا يدينوا مسؤولية سلطة الاحتلال وحكومته العميلة عن المقابر الجماعية المتناثرة في ارجاء العراق وجرائم الحرب والابادة المرتكبة بحق المواطنين، واغتصاب النساء والاطفال ورجال الدين في سجون الاحتلال ومعسكراته، منذ الغزو في عام 2003 وحتي اليوم. لقد حاول المجتمعون، ومن بينهم منظمات الامم المتحدة، ان يبينوا للعالم، من خلال ادانتهم لجرائم النظام السابق، احترامهم لحقوق الانسان، متناسين حرب الابادة الجماعية المرتكبة يوميا ومن قبل ذات الاطراف المجتمعة في السنوات الخمس الاخيرة، وكأن حقوق الانسان ليست واحدة بل تكال بمكيالين مختلفين. ففي يوم انعقاد المؤتمر، نفسه، تم العثور علي مقبرة جماعية شمالي بعقوبة وبالعثور علي هذه المقبرة الجديدة يرتفع عدد المقابر التي اكتشفت خلال أسبوعين، فقط، من شهر نيسان (ايار) الحالي، الي سبع مقابر تتوزع علي مناطق بلدروز والخالص والمقدادية بمحافظة ديالي. ففي يوم 20 نيسان (ابريل) تم العثور علي 16 جثة مقطوعة الرأس وعليها آثار تعذيب، غربي الديوانية. وعثر علي 21 جثة مجهولة الهوية خلال يومي السبت والاحد الماضيين في شمال مدينة بعقوبة. وعثر يوم 11 نيسان (أبريل) علي اكثر من 30 جثة في مقبرة جماعية في منزل في بلدة المحمودية، جنوب بغداد. وعثر علي مقبرة جماعية تضم رفات نحو 100 شخص في قضاء الخالص غرب محافظة ديالي. كما عثر علي مقبرة جماعية تضم 14 جثة مجهولة الهوية في مدينة سامراء بداية آذار (مارس). فيما سبق ذلك العثور علي مقبرة للنساء في قرية الهاروجة ضمت ثماني جثث لنساء مجهولات الهوية ثم مقبرة جماعية في قرية القريشات لثماني جثث ايضا اعقبها العثور علي عشر جثث في قرية الكبيات، وكلها في محافظة ديالي.لقد قادت ميليشيات الحكومة العراقية الجالسة في البرلمان المنتخب ، حسب تسمية المؤتمر، عمليات الاختطاف والقتل حتي ضمن مباني الوزارات المقسمة طائفيا، وكان لفرق الموت حصة كبيرة في القتل وما ترتب علي ذلك من غنائم بمساندة ودعم قوات الاحتلال الانكلو امريكية الصهيونية حتي بات الاحياء من المواطنين رهائن، وحياة الفرد مشروع جثة مجهولة الهوية. لقد تنافس الحاضرون، في تعاملهم مع الواقع العراقي بحضور وزيرة خارجية ادارة الاحتلال، علي اعتبار الإحتلال كارثة طبيعية مركزين، لفظيا، علي ضرورة معالجة اعراضها مع عدم الاشارة ولو تلميحا الي الاسباب الحقيقية، متسابقين علي اهمال كل ما تربينا عليه، وتربي عليه العالم وبضمنه الشعبان الامريكي والبريطاني، من مفاهيم الاستقلال والسيادة والوطنية والكرامة الانسانية. لقد كان حال المجتمعين في المؤتمر الدولي عن العراق، في انكارهم لمسؤولية امريكا الاجرامية الواضحة حتي للشعب الامريكي الذي تطالب نسبة 81 بالمئة منه بانسحاب القوات، مثل حال المتواجدين في غرفة صغيرة مع فيل وردي. فبينما يحتل الفيل بحجمه الضخم ولونه الغريب معظم مساحة الغرفة فاعلا ما يشاء، لا يتجرأ احد الحاضرين علي الاقرار بوجوده خوفا من ان يستفز فيدوس عليهم.