Sunday 1 June 2008

العراق: مئة عام من الاحتلال..!

2008/01/13

اجري الرئيس الامريكي جورج بوش، يوم الاربعاء، محادثات أخري عبر دائرة تلفزيونية مغلقه مع رئيس وزراء حكومة الاحتلال نوري المالكي وقائد قوات الاحتلال الامريكية في العراق الجنرال ديفيد بتريوس والسفير الامريكي رايان كروكر.بعد المحادثات، بشر بوش العالم في مؤتمر صحافي مرة أخري، في البيت الابيض، بأن حديثه مع الثلاثة كان حول استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في العراق التي بدأت العام الماضي . وان هذه الاستراتيجية تنقسم الي عناصر رئيسية اولها ارسال المزيد من القوات العسكرية لحماية العراقيين من العناصر التي وصفها بالإرهابية والميليشيات غير القانونية والثانية بدأت بشن هجمات مكثفة لإخراج المسلحين من معاقلهم التي كانوا يتحصنون فيها والثالثة ارسال فرق اضافية لإعادة الإعمار في العراق. موضحا بان فرق اعادة الإعمار الأمريكية تقوم بمساعدة العراقيين علي تحقيق مشروع المصالحة الوطنية. ويمكننا اعتبار التصريح الصحافي موجزا لاستمرارية سياسة ادارة بوش في العراق المحتل في الشهور الاخيرة السابقة للانتخابات الرئاسية، مع نفس الأعداء المقربين الي قلب الادارة الامريكية وهي تحاول إبقاء الناخبين في صفوف الوطنية الأمريكية: الارهاب والمسلحين المتمردين والقاعدة. وهو مؤشر لسياسة الحكومة المقبلة المماثلة اذا كان الفائز بالانتخابات الرئاسية جمهوريا او مع بعض التغيير الطفيف اذا كان ديمقراطيا، ما لم يحدث تغيير مفاجئ في توازنات القوي الامريكية الداخلية او العالمية. ويبقي المصدر الرئيسي الممكن لمثل هذا التغيير في يد المقاومة العراقية علي صعيدي الحاق الخسائر العسكرية والبشرية بالعدو واستنزاف طاقاته وقطع خطوط امداده بالتجهيزات علي ارض الوطن وايقاف مصادر تمويله بالطاقة. وهذا الأخير قد يعني ايقاف ضخ النفط العراقي الذي لم ير منه ابناء الشعب غير الفتات بينما صار مصدرا اساسيا لتمويل الحرب بكل انتهاكاتها وجرائمها علي ابناء الشعب ان لم يكن قتلا فسرقة ونهبا.ولا شك ان عمليات المقاومة ومساندة الشعب لمقاومته الباسلة في استهدافها للعدو هي النقطة الجوهرية والمحك في افشال رسم سياسة ترسيخ الوجود الامريكي في العراق عبر بناء القواعد العسكرية الدائمة وربطه بمعاهدات اقتصادية ونفطية تحرمه من مصادر ثروته وبالاتفاق مع حكومة الاحتلال تحت مسميات علي شاكلة اتفاقيات الصداقة والتعاون الاقتصادي والامني المؤمل التوقيع عليها في شهر تموز (يوليو) المقبل، كما أعلن هوشيار زيباري، وزير خارجية حكومة الاحتلال، يوم أمس. وتعتبر صفقة توقيع معاهدات القواعد الامريكية الدائمة ضرورية لدي الادارة الامريكية اذا ستكفل لها السيطرة الدائمة علي العراق بدون الخسارات البشرية التي تتعرض لها الآن وستوفر لها استمرارية استخدام عملائها كدروع بشرية لحماية قواتها والاساءة في الوقت نفسه الي سمعة المقاومة العراقية. وكان جورج بوش قد صرح بان القوات الامريكية ستبقي في العراق مدة 50 عاما، بينما أخبرنا السيناتور جون ماكين وهو المرشح الاقوي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في مقابلة أجراها يوم 3 من الشهر الحالي، ردا علي تعليق لاحد الصحافيين جاء فيه : لقد تحدث الرئيس بوش عن بقائنا في العراق مدة خمسين عاما... فقاطعه ماكين بسرعة قائلا: اجعلها مئة عام. حاول الصحافي ان يستوضح قائلا هل هذا؟ فقاطعه ماكين ثانية قائلا: لقد بقينا في اليابان ستين عاما ونحن في كوريا الجنوبية منذ 50 عاما تقريبا . هذه مسألة مقبولة لدي. مادام ... الامريكيون لايتعرضون للأذي او يجرحون أو يقتلون. هذا مقبول لدي وارجو ان يكون مقبولا لديك ايضا ان نواصل حضورنا في منطقة متأزمة من العالم حيث تقوم القاعدة بتجنيد وتدريب وتزويد الناس بالسلاح في كل يوم . ولابد ان نجاح المقاومة العراقية في قتل 9 من جنود الاحتلال الامريكي، يوم الأربعاء الماصي، أي بعد يوم من فوز ماكين في انتخابات هامبشاير الاولية، قد ضبب بعض الشيء الصورة الوردية التي رسمها للرأي العام الامريكي عن دعمه لادامة الاحتلال في العراق مدة مئة عام. واذا ما التفتنا الي النقطة الثالثة في الاستراتيجية الامريكية الجديدة، وهي واحدة من عدة استراتيجيات، يعلنها المحتل مرة، كل ستة اشهر تقريبا، بحثا عن طريق يحفظ للاحتلال ماء الوجه ظاهريا ويزوده بالنفط والموقع الاستراتيجي خفية، لوجدناها هي ذات النقطة التي تحدث عنها عندما اعتلي، ظهر حاملة الطائرات يو إس إس ابراهام لنكولن، قبالة ساحل كاليفورنيا، يوم الاول من ايار (مايو) 2003، قائلا وامام انظار العالم اجمع ( في معركة العراق انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤنا. والان فان تحالفنا منغمر في تأمين واعمار ذلك البلد). ثم عاد وختم خطابه بالقول ان (الاهداف الرئيسية لامريكا هي اعادة اعمار العراق). وكأن بوش والمتعاونين معه قد اصيبوا بفقدان الذاكرة الانتقائي، اذ ها هو يعود اليوم، وبعد مرور ما يقارب الخمسة اعوام علي وجود قوات الاحتلال ومع توفر الميزانية الهائلة وخدمة العملاء، ليتباحث مع المالكي حول جدية التفكير بمشروع اعمار العراق.فما معني اعمار العراق علي ارض الواقع؟ معناه ان فترة التزود بالكهرباء في بغداد، مثل، هي أقل من مستواها حتي عما كانت عليه تحت الحصار الذي استمر 12 عاما ونيف. والآن بعد خمس سنوات من الغزو يأمل وزير الكهرباء ان تتمكن وزارته الي رفع مستواها في عام 2011 لتصل مستوي ماقبل الغزو. ويعتقد الكثيرون من العراقيين بان الوزير متفائل جدا. لأن مشروع اعمار العراق، الذي بات بالنسبة الي المواطنين سرابا، هو في الواقع كنز لايفني بالنسبة الي ادارة الاحتلال والمتعاقدين الامريكيين والمحليين العراقيين وبضمنهم سياسي حكومات الاحتلال المتعاقبة ذوي المحاصصة السياسية والعرقية و(الاعمارية). وقد بلغ المبلغ المخصص لاعمار العراق واختفي بدون معرفة سبل الانفاق 22 مليار دولار حسب صحيفة الـ واشنطن بوست بتاريخ 17 كانون الاول (ديسمبر) 2007. وقد اطلقت الصحيفة علي المشروع اسم لعنة اعمار العراق حيث ان كل من اتصل بقضايا الاعمار في العراق لم يخرج منها الا بيد ملوثة او بتهمة التلوث. وآخر المتهمين هو كبير مفتشي مكتب التحقيق في كيفية انفاق اموال الاعمار الامريكية . وكان مكتب المفتش العام لإعادة اعمار العراق (سيغير) قد انشئ بقرار من الكونغرس عام 2004، للعمل كرقيب علي جهود احلال الاستقرار، عن طريق بناء المستشفيات والمدارس وتدريب قوات الامن وزيادة انتاج الطاقة الكهربائية. الا انه سرعان ما صار مكتبا للتحقيق في حالات إهدار الأموال ليتم أخيرا الاعلان عن التحقيق في ممارساته هو الآخر حول سبل الإنفاق وسوء الادارة. ومن الجدير بالذكر ان مدير المكتب كان مستشارا خاصا لبوش. وتكاد قصته أن تكون نسخة أمريكية لما حدث لمفوضية النزاهة العراقية تحت الإحتلال. وأظن ان نوري المالكي نفسه، علي تماهيه الكلي مع لعبة الاحتلال الامريكية، قد ابتسم ابتسامته الملتوية عندما حدثه بوش عن ارسال المزيد من(فرق اعادة الإعمار الأمريكية لتقوم بمساعدة العراقيين علي تحقيق مشروع المصالحة الوطنية) . فالكل يعلم ان مصطلح المصالحة الوطنية لم يعد صالحا حتي للاجترار وان ترجمة تصريح بوش علي ارض الواقع يذوقه العراقيون بشكل مختلف. حيث قامت قاذفتان من طراز بي ـ 1 وأربع مقاتلات اف ـ 16، يوم الخميس، 10 كانون الثاني (يناير)، 2008 بالقاء قنابل ثقيلة زنتها 40 ألف رطل علي جنوبي بغداد، في هجوم كبير جاء كعقاب جماعي حسب الاسلوب الصهيوني ضد المواطنين، وردا علي نجاح المقاومة في استهداف جنود الاحتلال. وكالعادة، ادعي جيش الاحتلال في بيان له ان الطائرات الامريكية القت القنابل علي (اهداف تابعة للقاعدة). كما شنت قوات الاحتلال عملية الحصاد الحديدي وهي جزء من عملية تدعي العنقاء الشبح ويشارك فيها 24 الف امريكي و50 الف عراقي تشمل بغداد وضواحيها الجنوبية اضافة الي المحافظات الشمالية ديالي وصلاح الدين والتأميم ونينوي. وحسب نتائج العمليات السابقة الكارثية التي ادت الي مضاعفة عدد المعتقلين الابرياء وقتل الآلاف واسكات الاصوات المستقلة لمجرد مناهضتها الاحتلال، نتوقع ان تكون العمليات الجديدة حملة ابادة جماعية منظمة ومكرسة لفائدة المتواطئين مع الاحتلال لزيادة ربحهم السريع من صناعة الموت وترويج الخيانة.اما بالنسبة الي ماكين الحالم بالبقاء محتلا في العراق مئة عام فانه يفترض متغابيا بان التوسع الامبراطوري سيستمر بدون ان تسيل الدماء الأمريكية، وان العراق بلا شعب يحميه ويدافع عنه ويصونه.