Sunday 1 June 2008

إياد علاوي: الرجل القويّ؟

al-akbar.com
الأخبار-عدد الجمعة ٧ أيلول ٢٠٠٧
هل هناك فرق بالنسبة إلى الضحية إذا كان القاتل يرتدي عمامة وجبّة أو كان علمانياً يرتدي السترة والبنطلون؟مناسبة السؤال هي أن إدارة الاحتلال الأميركي بعدما غسلت يديها ممن ارتدوا الإسلام عمامة لترويج سياسة المحافظين الجدد والصهيونية في العراق، التفتت لتبحث عن البديل العلماني القوي حسب تعبيرها. وكان بإمكانها أن تلجأ إلى الحزب الشيوعي، إلا أنه منخرط من الرأس حتى القدمين ببراغماتية المحاصصة الطائفية والعرقية. فعادت إدارة الاحتلال إلى إياد علاوي بديلاً علمانياً لقوى القرون الوسطى الظلامية التي جلبتها إلى العراق، فحطت عليه كالجراد تلتهم كل ما فيه.لقد ذاق الشعب العراقي لمدة ستة أشهر طعم علمانية «الرجل القوي» إياد علاوي، حسب وصفه في حملته الدعائية أثناء انتخابات الاحتلال، بدءاً من مهزلة تسليم «السيادة» من حاكم العراق الأميركي بول بريمر إليه كرئيس للوزراء في الحكومة المؤقتة في 30 حزيران 2004. فمن أين أتت صفة الرجل القوي، وما هي تفاصيل شهادة «حسن سلوك» علاوي؟إياد علاوي، في منظور إدارة الاحتلال، رجل قوي لأنه ابن المخابرات الأميركية والبريطانية البارّ منذ تطوعه للعمل لديها في فترة التسعينيات. واستمر في تعاونه معها بشكل مكثف في فترة التحضير للغزو وما بعده، باعتباره رئيساً لتجمُّع الوفاق الوطني العراقي المؤسس عام 1990. وكان خلافه مع أحمد الجلبي مركّزاً على كيفية التعاون مع أجهزة المخابرات الامريكية ـــــ البريطانية لغزو العراق، لا حول شرعية أو أخلاقية الغزو أو عدمه. وهو الذي اختارته إدارة الاحتلال ليكون واحداً من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي عينته قوى الاحتلال. ويتألف المجلس، الخاضع لإدارة الحكم المدني الأميركي في العراق، من 25 عضواً عُيِّنوا وفق محاصصة طائفية وعرقية.وقد عيّنت إدارة الاحتلال علاوي رئيس وزراء لحكومة الاحتلال الثانية، مكافأة له على خدماته لها، ولأنّها وجدته الأصلح والأكثر تطابقاً مع مصالحها. والمعروف أنّ تشكيل الحكومة الانتقالية جاء حلاً سريعاً لإنقاذ قوات الاحتلال من مسؤوليتها القانونية إزاء الشعب العراقي، وستراً لجرائمها التي ارتكبتها أثناء الغزو، كما وفّر لها الغطاء القانوني للبقاء كيفما وحسبما تشاء بذريعة «أن الحكومة العراقية تريد منا البقاء وسنرحل حالما يطلب منا ذلك!».فما الذي فعله علاوي للشعب العراقي وهو رئيس للحكومة «الانتقالية ذات السيادة»؟أول عمل قام به، ومن بين أفعال عدة يندى لها الجبين، أنّه واصل دوره بوقاً لشرعنة الاحتلال وجرائمه، حيث صرح قائلاً: «إن القوات الأميركية ستكون جزءاً من القوات المتعددة الجنسية، وقد تكون هي من يتولّى قيادة هذه القوات، لكنها ستعمل بالتوافق والتنسيق مع الحكومة العراقية ذات السيادة». ثم أصدر مجموعة قرارات لمصلحة الاحتلال من بينها: إعلان حالة الطوارئ، ما يعني إعطاء قوات الاحتلال صلاحيات مطلقة في دهم البيوت والاعتقال والتعذيب والقتل حسبما تشاء. كما سيذكره التاريخ بأنه هو الذي وافق على توقيع أوامر الهجوم على النجف والكوفة وسامراء وقصفها جوياً، ومن ثم الهجوم الأميركي ـــــ البريطاني الكاسح في شباط 2004 على مدينة الفلوجة، وهو الهجوم الذي بات رمزاً لوحشية الاحتلال وعملائه، والذي أدى إلى تخريب ومسح 70 بالمئة من المدينة، وقتل المئات من سكانها بما فيهم النساء والأطفال، بحيث اضطر السكان إلى دفن الجثث في ملعب المدينة لكرة القدم. واستحق علاوي جراء هذا الفعل الشنيع لقبه الشائع في العراق، أي جزار الفلوجة. المجازر الجماعية إذن، هي مصدر «القوة» التي يتحلى بها علاوي، لا تحرير الشعب العراقي من الاحتلال وتمتع المواطن بالعيش الكريم وحقوق الإنسان.وكان إصرار علاوي على السير حسب جدولة الاحتلال للعملية السياسية وكونه بوقاً للاحتلال حتى النفس الأخير، مصدراً آخر من مصادر الاعتزاز به كرجل قوي. ففي حديث للبرنامج التلفزيوني البريطاني «إفطار مع فروست»، قال علاوي إنه يعتقد أن الانتخابات في العراق ستؤذن بنهاية العنف. ونحن نعلم جميعاً النتيجة الكارثية التي سببتها انتخابات الاحتلال المزيفة. إلا أن العدو مُصرّ على المضي في رغبته بالسيطرة على العراق والاستحواذ على ثرواته وتطويع أهله من خلال استنباط كل الطرق الممكنة للقضاء على مقاومته الباسلة. لذلك، ها هو يعيد الكرّة في إعادة تقديم الوجه القديم لعلاوي بعد ان اهترأت البدائل، ليسلط عليه الأضواء إثر تلميعه بورنيش «العلمانية ضد الطائفية».ولأن علاوي يعرف جيداً أن ذاكرة المواطن العراقي لا تخونه، وأنه لا ينسى هوية قتلة أبنائه ومهدمي مدنه ومدارسه وجوامعه، قام في الآونة الأخيرة بتوقيع عقد تبلغ قيمته 300 ألف دولار أميركي، لمدة ستة أشهر، مع شركة علاقات عامة أميركية لتجميل صورته ولطرحه في سوق النخاسة السياسية الأميركية باعتباره بديلاً لنوري المالكي الذي قاربت صلاحية استخدامه على الانتهاء، بعد فشله الذريع في تحقيق أوهام المحتل في القضاء على المقاومة العراقية.والمعروف أن الشركة التي وقّع علاوي عقده معها هي الشركة نفسها التي تعمل لتبييض وجه ما يسمى حكومة إقليم كردستان، وهي تتبع سياسة الحزب الجمهوري وتدعى «بي. جي. آر» (باربر جريفيث آند روجرز)، ويعمل ضمن طاقمها اثنان من مساعدي جورج بوش السابقين في السياسة الخارجية. الأول هو السفير روبرت بلاكويل الذي عمل مبعوثاً لبوش في العراق وأسهم في تشكيل حكومة علاوي في عام 2004، والثاني هو فيليب زيلكو مستشار وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. بلاكويل، حسب محطة «سي. أن. أن»، هو المسؤول عن الحملة الترويجية سياسياً. وقد نفى زيلكو أن تكون له علاقة بالحملة ضد المالكي، وإن لم يتحدث عن تفاصيل الحملة للترويج لعلاوي. وقد صرح علاوي لقناة «سي. أن. أن» بأنه كلف الشركة بالعمل لمصلحته «نظراً للدور الحاسم الذي تؤديه الولايات المتحدة في العراق». وأوضح قائلاً: «نحن نطلب من هذه الشركة أن تقدم وجهة نظرنا كعراقيين وطنيين غير طائفيين... سنقاتل من أجل بلدنا. سنواصل إيماننا بالعملية السياسية، وسنبحث عن دعم الولايات المتحدة»، وهو الخطاب نفسه الذي تبناه عشية تعيينه رئيساً للوزراء في حكومة الاحتلال الثانية كصدى لسياسة إدارة بوش.وقد ساعدت شركة «بي. جي. آر» علاوي على نشر مقالة له في صحيفة «واشنطن بوست» بعنوان «خطة من أجل العراق»، استعرض فيها مساوئ حكومة الاحتلال الرابعة، ملقياً اللوم على المحاصصة الطائفية، متجاهلاً أنه كان من أوائل مثبتيها ضمن سياسة الاحتلال ومبرّئاً إدارة الاحتلال من مسؤولية جرائمها وانتهاكاتها، ليثبت ولاءه الأبدي واستعداده لتقديم خدمات أفضل من خدمات المالكي، إذ قال: «دعوني أوضح: تقع مسؤولية الفوضى الحالية في العراق على عاتق الحكومة العراقية، لا الولايات المتحدة، فقد فشل رئيس الوزراء نوري المالكي في استغلال رغبة الشعب بحياة سلمية ومثمرة، والالتزام والتضحيات الكبرى التي قدمتها الولايات المتحدة والدول الأخرى».إن رغبة الإدارة الأميركية في التخلص من عملائها عندما تنتهي صلاحيتهم لخدمتها ليست جديدة، فهي تكرر في العراق ما فعلته في فيتنام، حيث عملت وكالة المخابرات الأميركية في الأوّل من شباط 1963 على إطاحة حكومة العميل دييم واغتياله واستبداله بفيتنامي جنوبي آخر هو ثيو، لأن الإدارة الأمييكية رأت في ثيو شخصاً وفياً وطيّعاً أكثر من سابقه. لذلك لا يبدي المواطن العراقي اهتماماً كبيراً بمن سيحلّ محلّ من، إلا أنّه لن ينسى لرؤساء حكومات الاحتلال، علمانيين كانوا أو طائفيين، الجرائم التي ارتكبت في ظلهم، ولن ينسى المواطنون كيف أجهز المارينز الأميركي على جريح عراقي أعزل داخل مسجد بالفلوجة، منتهكين حرمة أماكن العبادة ومعتدين على جريح يمنحه القانون الدولي الحماية، بل والعلاج، وكيف أن الجريمة ارتكبت بمرأى من «رئيس الوزراء» إياد علاوي.