Monday 2 June 2008

حوار سني ـ شيعي في اليابان .....!

2008/03/23

كانت محاولة عقد مؤتمر لما يسمي بالمصالحة الوطنية في ذكري مرور خمس سنوات علي غزو واحتلال وطننا اما
سذاجة وصلت حد البلاهة من قبل المنظمين او اسلوبا متعمدا للسخرية من آلام المواطن العراقي واهانة لكرامته.حيث كان المؤتمر بمجمله تمثيلية للدمي المتحركة، أتعبت لفرط رتابتها وتكرارها حتي المحتل الذي خطط لفكرة المصالحة وللممثلين الفخورين بحصولهم علي الادوار عادة.وكان معظم الحاضرين هم انفسهم ممن يداومون، احيانا، في المنطقة الخضراء، اذا حدث وكانوا بلا ايفاد خارجي . ومع المتفقين، لفظيا، علي المصالحة الوطنية حضر الممانعون المراوغون ليشاركوا في لعبة الكراسي الموسيقية، بداية، ثم لينسحبوا عندما توقفت فرقة المصالحة عن العزف ولم يجدوا لانفسهم كرسيا يحظون به. وكان التيار الصدري، الذي تفرغ قائده مقتدي الصدر للدراسة وكتابة الشعر، من بينهم. وما لم يعرفه الحاضرون هو ان مؤتمر المصالحة الوطنية كان وحسب تصريح الناطق باسمه (لاستقبال التوصيات التي سترفع الي اللجنة التحضيرية للمؤتمرالتي ستلتزم ومن خلال وزارة الدولة للحوار الوطني برفع هذه التوصيات الي مجلسي النواب والوزراء). اي ما معناه، بعيدا عن الالتواءات اللغوية، ان يتم رفع توصيات الحاضرين الي الحاضرين انفسهم!هنا اشعر بانه من الخطأ تحميل الحاضرين من سياسيي الاحتلال المسؤولية كلها لانهم، في نهاية المطاف، لايزيدون عن كونهم بيادق في لعبة تتخبط فيها قوات الاحتلال الامريكية البريطانية الصهيونية . وهم اداة التنفيذ الطيعة لو توفرت لهم الخطة الواضحة. فمن المعروف ان واجب البيدق هو حماية ذوي الامر واتباع المخطط المرسوم له وليس من واجبه التشكيك والمجادلة واستنباط الافكار ورسم الاستراتيجية. ولم تكن فكرة المصالحة الوطنية وليدة طرح سياسيي الاحتلال العراقيين ولصالح الشعب العراقي بل كانت ابنة الخطة الامريكية الآنية، المتغيرة بتغير توازنات القوي في الواقع العراقي. وقد بات واضحا للعيان ان مخططي السياسة الامريكية في العراق بحاجة ماسة الي ابتكار مبادرة جديدة مرة كل ستة اشهر ليوهموا الرأي العام الامريكي والعالمي بان هناك تحسنا في الوضع الامني والسياسي والعسكري، وكلما تقدمت الادارة الامريكية الي الكونغرس بطلب زيادة الميزانية العسكرية والاستمرار في ابقاء قوات الاحتلال. ولن اكرر هنا اسماء مئات العمليات العسكرية التي تمت تجربتها علي ابناء الشعب العراقي، في مراحل زمنية متعاقبة، وتحت مسميات واهداف تتراوح ما بين التخلص من البعثيين السابقين والصداميين وابناء المثلث السني والارهابيين والقاعدة والمقاتلين الاجانب واعداء ديمقراطية العراق الجديد!وكانت مبادرة المصالحة الوطنية واحدة من الافكار البراقة للاحتلال لاقناع ابناء الشعب العراقي بقبول الاحتلال كأمر واقع، الا انها سرعان ماتحولت الي ملهاة مؤلمة حتي للامريكيين انفسهم حين اصبحت المؤتمرات تلو المؤتمرات تعقد لاغراض اعلامية مفضوحة، والوفود البرلمانية ترسل للدوران حول العالم بحجة تعلم المصالحة، والمحترفات تعقد في افخم الفنادق في عمان والاموال تهدر علي ارسال سياسيي الاحتلال انفسهم لتدريبهم علي المصالحة فيما بينهم. ففي الفترة السابقة لتمثيلية انعقاد المؤتمر، عقد اجتماع في قصر المؤتمرات (مجلس النواب) في يوم 10 اذار (مارس) 2008 حضره عدد من سياسيي الاحتلال المتمرسين، من بينهم سكرتير الحزب الشيوعي النائب حميد مجيد موسي ومعه وزير الحوار الوطني (لمناقشة الاطر السياسية للمؤتمر وورش العمل التي ستناقش اهم الافكار والرؤي للقوي السياسية العراقية) فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة وحسب التقارير الصحافية : ( بعد مناقشة مستفيضة وتبادل الرؤي تم اقتراح لكل ورشة عمل رئيساً لادارتها اثناء انعقاد المؤتمر). مما يدفعنا الي التساؤل: هل هذا عمل حكومة يعاني شعبها الأمرين من القتل المباشر المستهدف لحياة افراده ومن غياب الخدمات الاساسية وهيمنة قوات الاحتلال علي ارضه ومصادره أم انه اجتماع افراد لايفرقون بين رؤوسهم وأرجلهم ويحاولون تشكيل تجمع لاول مرة في حياتهم؟ ومن المضحك المبكي ان النائب موسي، سكرتير الحزب الشيوعي ذا السياسة المستندة علي محاربة الهيمنة الامبريالية، كان قد قام، مع برلمانيين آخرين، بزيارة الي ايرلندا الشمالية، بتمويل من معهد الديمقراطية الامريكي (الامبريالي)، ليتعلم كيفية اجراء المصالحة الوطنية بين (السنة والشيعة). ولم تكن ايرلندا الشمالية التي كما يعلم الجميع، باستثناء من يختار الا يري، قد بدأت مصالحتها الوطنية بين الكاثوليك والبروتستانت، وهما طرفان انعدمت المصاهرة بينهما طوال قرون لأن أحدهما هاجر مع الاحتلال البريطاني لإيرلندا، الا بعد ان أجبرت قوات الاحتلال البريطانية، بواسطة المقاومة المسلحة، علي الاعتراف بحقوق الشعب الايرلندي والجلوس علي طاولة المفاوضات مع الجيش الايرلندي السري. أي ان المصالحة الوطنية ما كان لها ان تبدأ او تنجح في ظل هيمنة الاحتلال البريطاني وهو المعروف، تاريخيا، بتغذيته للنزاعات المذهبية والدينية والقومية. وكانت وجبة النائب موسي المتجولة في ربوع ايرلندا الشمالية لحضور ورشات ودروس المصالحة الوطنية واحدة من وجبات أخر. فقد وصلت ايرلندا الشمالية يوم 10 آذار (مارس) مجموعة ثانية من البرلمانيين لقضاء اسبوع، بتمويل بعثة الامم المتحدة في العراق، ليتعلموا عن المصالحة متعامين عن الحقيقة الساطعة وهي انهم هم انفسهم، سياسيو الاحتلال، سبب من اسباب البلاء في العراق. أنهم هم من عمل علي خلق وتنمية التفرقة الطائفية والعرقية ليكرسوا لانفسهم موضع قدم في العراق وليبرهنوا للمستعمر قدرتهم علي خدمته. ولكي يثبت سياسيو الاحتلال لستيفان دي مستورا الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في العراق قدرتهم علي المصالحة بعد ان أعلن مستورا بأن المجال مفتوح الآن (أمام المسؤولين العراقيين للمضي قدما في مشروع المصالحة الوطنية)، محذرا بان هذه الفرصة قد لا تطول، ولكي لا يزيدوا من غضب الجنرال الامريكي دافيد بترايوس الذي صرح لصحيفة الواشنطن بوست قائلا بان (الزعماءَ العراقيين فشلوا في تحقيقِ تقدمٍ في تسويةِ خلافاتِهم السياسية رغم انخفاض مستوي العنف)، نشروا علي موقع جمهورية العراق ـ مجلس الوزراء ـ الهيئة العليا للحوار والمصالحة الوطنية.ـ خبرا آملين بانه سينجح في طمأنة بترايوس ومستورا بعنوان (حوار سني - شيعي في اليابان)! وصدقوني بانني لم اخترع العنوان أو نصه القائل بان (وزارة الخارجية اليابانية ستدعو 13 زعيما عراقيا، من بينهم برلمانيون وشخصيات لها ثقلها من المذهبين الشيعي والسني، وذلك لاجراء حوار في الفترة ما بين 20 الي 28 من الشهر الجاري، بهدف تشجيع المصالحة بين أبناء الشعب العراقي). ان المصالحة الوطنية فكرة نبيلة وقد تبنتها شعوب اخري وفقا لمقتضيات الظرف التاريخي الذي تمر به. فالمصالحة في جنوب افريقيا قد تمت ما بين غالبية ابناء الشعب وحكومة التمييز العنصري، بعد ان نجح المؤتمر الوطني التأسيسي في فرض شروطه علي حكومة البيض، أثر خوضه كافة انواع المقاومة، بضمنها المقاومة المسلحة، بقيادة نلسون مانديلا الذي اتهمته بريطانيا الاستعمارية بانه ارهابي ويجب عدم التفاوض معه. وحصل الشيء ذاته في ايرلندا. ان المصالحة الوطنية تتم بين من يفرقهم الظلم الناتج عن القمع لفترة معينة ويجمعهم الهم الوطني وحرصهم علي سلامة الشعب ووحدة الوطن. وهو شرط اساسي وجوهري لن تتحرك بدونه صيرورة المصالحة خطوة واحدة. وهذا هو السبب الذي يدفعنا الي القول بان المصالحة الوطنية، حتي بمعناها السياسي الضيق المحصور بين احزاب العملية السياسية المنعزلة عن الشعب، لن تتم اطلاقا ضمن تركيبة الحكومة الحالية لانها تفتقد الي الشرط الاساسي اي المصلحة الوطنية الجامعة للمشاركين في العملية السياسية. اذ ان كل حزب طائفي يغني علي ليلاه، وكل حزب عرقي يطلق الموال اثر الموال جذبا لعرقه، ناهيك عن الصراعات المتأصلة بين الاحزاب الطائفية نفسها من جهة والاحزاب العرقية من جهة اخري. ان حكومة الاحتلال بحكم مصالحها الذاتية الضيقة هي حكومة تفتيت وتجزئة ولن تتمكن من تجاوز ذاتها التفتيتية والتجزيئية لأن في ذلك تدميرا لذاتها ووجودها. ولم يبق امام سياسيي حكومة الاحتلال وبرلمانه، وهم بانتظار مبادرة امريكية جديدة، غير ان يعترفوا بأن بضاعة (المصالحة الوطنية)، علي الرغم من الاموال الطائلة التي صرفت ترويجا لها، بضاعة كاسدة تجاوزت فترة صلاحيتها للاستعمال، وانها باتت، مثل علبة الطعام الفاسدة، لن يتناولها حتي من ساهم في صناعتها والترويج لها.