Monday 2 June 2008

أليس الأجدر بالشيوعيّين العراقيّين قراءة مؤلّفات فهد؟

al-akbar.com
الأخبار-عدد الخميس ٢٧ آذار ٢٠٠٨
كنت أبحث، على الإنترنت، في نشاط جمعيات المجتمع المدني ومصادر تمويلها، فضلاً عن دور المنظمات الحكومية الأميركية، في صياغة برامج تلك الجمعيات، ودعمها للأحزاب المنخرطة في منظومة الاحتلال، عندما واجهتني صورة النائب حميد مجيد موسى، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، واقفاً مع عدد من الرجال والنساء، مصغياً باهتمام شديد وبشكل جدي لم نره سابقاً. فما الذي كان يصغي إليه سكرتير الحزب الشيوعي، وما الذي تعلّمه وممّن؟يتبين من قراءة نص الخبر المرافق للصورة، أن النائب موسى كان عضواً في وفد برلماني عراقي توجه إلى إيرلندا الشمالية على حساب المعهد الديموقراطي الوطني الأميركي، التابع للحزب الديموقراطي، من أجل التعلم وتلقي بعض الدروس، حيث رتب المعهد للساسة العراقيين فرصة الاطلاع على تجربة إيرلندا الشمالية في كيفية تحويل «المشكلات» هناك إلى طريق للسلام في السنوات العشر الأخيرة. وقد سعى «المعهد الديموقراطي» إلى أن تتاح الفرصة للبرلمانيين العراقيين للاطلاع على القضايا المشتركة بين البلدين، مثل إنهاء النزاع الطائفي، وتبني معاهدات السلام، وتعلم كيفية المشاركة في الحكم. وقد حيا البرلمانيون العراقيون الإيرلنديين لشجاعتهم في تقديم صورة صادقة عن صعوبة العمل على تحقيق السلام، وكيف أن تحقيقه غير مستحيل!وكان النائب موسى سعيداً ومستفيداً من التجربة أكثر من غيره، حين صرّح قائلاً: «إن الدرس الذي تلقيناه في هذه الزيارة مفيد جداً لنا. سنحاول ونحاول ونحاول حتى نصل إلى السلام. نحن نعمل ونواصل الحوار، نحن نختلف ولا نتفق لكننا نعود دائماً إلى طاولة الحوار. ليس لدينا خيار غير التقدم إلى الأمام».وتناسى موسى في غمرة الفرح بالرحلة المجانية والمساهمة في تجميل الاحتلال وشرعنته، بأنه ليس هناك تشابه بين الوضع في إيرلندا الشمالية والعراق، حيث فشل المهاجرون الذين جاؤوا مع الاحتلال البريطاني، قبل بضعة قرون، في التعايش مع السكان الأصليين، واستُخدمت الديانة البروتستانتية والكاثوليكية غطاءً وقتيّاً لتمييز طائفتين لا تتزاوجان، في حين أن التقسيم الطائفي البغيض في العراق قد ساد تحت الاحتلال، ولم يكن متجذّراً في نسيج المجتمع، وأن حميد مجيد نفسه قد ساهم بشكل فعال في عملية المحاصصة الطائفية والعرقية يوم عيّنه الحاكم الأميركي السابق بول بريمر عضواً في مجلس الحكم، وفق المحاصصة الطائفية لا غير، وبعد أن تمكن من النجاح بتفوق في الاختبار الذي وضعه بريمر للمرشّحين لعضوية مجلس الحكم، خاصةً في ما يتعلّق بموافقة سكرتير الحزب على الانفتاح الاقتصادي والخصخصة المخطّط لها من قبل الإدارة الأميركية في العراق، حسب ما هو مذكور في كتاب بريمر عن العام الذي قضاه حاكماً مطلقاً للعراق.ترحّمت على روح فهد، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي وسكرتيره الأول، وأنا أنظر إلى صورة سكرتير الحزب الحالي، وأقرأ تعليقه، وكيف أنه ذهب إلى إيرلندا على حساب مؤسسة إمبريالية أميركية لتُعلِّمه كيفية إجراء «المصالحة الوطنية» بين «السنّة والشيعة»، استناداً إلى نجاح التجربة الإيرلندية!ولعل من الضروري استعادة ذكرى فهد أو يوسف سلمان يوسف (1901ـ1949)، سكرتير الحزب الشيوعي ومراجعة مؤلفاته، ونحن نعيش انزلاق الحزب في مستنقع الاحتلال، وهو الحزب الذي كان عريقاً في مواقفه المبدئية، ومرتبطاً في أذهان الكثيرين من أبناء شعبنا بالنضال التحرّري الوطني وحركات مناهضة الاستعمار ومحاربة الإمبريالية التوسّعية، في مراحل مختلفة من تاريخ العراق المعاصر.لقد أعدم فهد من قبل النظام الملكي الذي وصفه بأنه واجهة الاستعمار البريطاني، داعياً إلى تحرير العراق من قبضة سيطرته الاقتصادية والمعاهدات العسكرية والاستغلالية التي ربطته به، وكان واضحاً في إدانته لمن يعمل على تضليل الشعب بشعارات منمّقة كاذبة خدمة للاستعمار، حيث يقول في كتابه (مؤلفات الرفيق فهد ـ من وثائق الحزب الشيوعي العراقي ـ منشورات الثقافة الجديدة ـ 1973): «إن بريطانيا العظمى تريد، مستغلة ظروف هذه الحرب، تقوية نفوذها في العراق وتثبيته سياسياً واقتصادياً وأدبياً، متبعة لهذا أساليب غير شريفة، كشراء أشخاص يعرفهم اليوم، أو سيعرفهم غداً الشعب العراقي، أداة لتمشية السياسة الاستعمارية في العراق، مصبوغة بألوان «الديموقراطية» و«التقدمية» و«الوطنية» الزاهية».هذا النص الذي يبدو كأنه قد كتب اليوم وصفاً لحال العراق المحتل ودور سياسيي الاحتلال، يجب أن يوضع بجانب بعض تصريحات السكرتير موسى ليتقلب فهد في قبره حسرة على حزب دفع، هو ومئات غيره، حياتهم ثمناً لاستمرارية نضاله لتحقيق استقلال العراق وسيادته.فلتبرير تعاون الحزب الشيوعي مع سلطة الاحتلال، يخبرنا موسى بأن الحزب الشيوعي هو «حزب متفاعل مع الواقع»، وأن الاحتلال، بكل أبعاده البشعة، لا يزيد عن كونه «أزمة»، وأن الحزب في مؤتمره الثامن، في العام الماضي، «قدم برنامجاً متكاملاً لحل الأزمة» لا يتطلب رحيل قوات الاحتلال ومرتزقته. ثم يوضح لنا أن سبب ما يجري في العراق ليس إرهاب الاحتلال، بل الشعب العراقي نفسه بخصامه وعنفه، وأن الحل يكمن في «ضرورة بذل كل الجهود لتوحيد قوى الشعب العراقي عبر المصالحة والحوار، وإشراك كل المكوّنات الأساسية للشعب العراقي لتقرير مساره ولإحلال الأمن بدل الخصام والعنف، واعتماد أساليب ديموقراطية، واحترام ما نعنيه بدولة القانون ودولة المؤسسات والشرعية الدستورية». ويبشرنا موسى بأنه، بعد أن يُحقّق ذلك كله، وكأننا نعيش في ظروف مثالية وفّرها لنا الاحتلال، وبعد أن «نكوّن ونؤسس المستلزمات المادية والسياسية المعنوية لاستعادة السيادة والاستقلال واستكمالها»، حينئذ فقط، سيطالب الحزب الشيوعي بقيادة السكرتير موسى بـ«جلاء القوات الأجنبية من أرض العراق»، مستدركاً بأن «يرتبط ذلك بمجموعة كاملة من التدابير التي تعني إعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية، لتأخذ على عاتقها الحفاظ على الأمن والاستقرار»!ولأن ذرائعية الراضين بعبودية الاحتلال قديمة قِدم الاستعمار نفسه، وتبريرهم القبول بالاستعمار كتقاطع مصالح أو جلداً للذات، كما يفعل الحزب الشيوعي اليوم، كتب فهد في أربعينيات القرن الماضي مقالاًً بعنوان «الكفاح الفكري»، فضح فيه ببصيرة نافدة الدور التضليلي للسياسيين والمثقفين والإعلام لإشغال الشعب بأمور جانبية تعيق مساهمته في المقاومة والنضال الفعلي لتحرير الوطن، جاء فيه: «كانت الدوائر الاستعمارية تروّج مفاهيم تتناقلها المطبوعات والأفواه، وتسري بين الناس سريان النار في الهشيم، يتلقّونها من دون قصد ومن دون مناقشة أو تمحيص إلا ما ندر، كأنها من الأمور الثابتة التي لا يشك بصحتها… ومن تلك المفاهيم أنّ «بريطانيا دولة معظّمة تملك أعظم أسطول حربي وجيوشاً جرارة وأسلحة فتاكة... وأنها فتحت البلاد بالسيف»، وأن «بريطانيا دولة متمدنة، وبريطانيا دولة غنية صناعية وتجارية، وبريطانيا دولة ديموقراطية يتصف حكمها بالعدل والإنصاف». وكانت الاستنتاجات الحاصلة المتمّمة لهذه المفاهيم أن لبريطانيا «حق الفتح»، وهو حق طبيعي لحكم البلاد والتصرّف بشؤونها، ولا يمكن الوقوف ضد هذا الحق إلا عندما يكون لنا أساطيل وجيوش وأسلحة وثروة كالتي لبريطانيا، وأن بلادنا متأخرة، وهي بحاجة إلى دولة متمدنة لتمدّن شعبنا وتنشر الثقافة، وأن بلادنا فقيرة متأخرة في الصناعة والزراعة والتجارة ولا بد من تقدم صناعتنا وزراعتنا على أيديها وبمساعدة رساميلها وفنييها، وأن العدل والإنصاف مفقودان عند حكامنا وزعمائنا ولا بد للإنكليز الذين مارسوا الديموقراطية في بلادهم من تطبيقها عندنا. أما الآن فشعبنا، وشعوب العالم، لم يعد يصدق تلك الحجج المبررة للحكم الاستعماري. لم يعد يعترف ولن يعترف بالرغم من تأثير تلك المفاهيم على النفوس بحق الفتح، ولا يرى ضرورة الانتظار حتى تكون له أساطيل وجيوش وأسلحة كالتي لبريطانيا حتى يدحض «حق الفتح»، وهو لا يرى في وجود دولة استعمارية «متمدنة» إلا إبقاءً لتأخره ونهباً لخيراته وإضعافاً لنهضته السياسية العمرانية والاجتماعية. إن شعبنا قد خبر هذه الحقائق في تجاربه خلال ثلاثة عقود كابد فيها جميع صنوف الحرمان، وتحطمت هذه المفاهيم على صخرة الواقع، فظهر زيفها وإفلاسها. لكن إفلاس هذه المفاهيم الاستعمارية الرئيسية لا يعني أن المستعمرين عدموا الحيلة وقبلوا باندحارهم فكرياً، ولا يعني أنهم حرموا العملاء والأنصار الذين يروجون تلك المفاهيم نفسها بأثواب جديدة كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ولا يعني أنهم فقدوا الاستفادة من شعارات الاندحاريين ومواقفهم التي تخدم تلك المفاهيم لتضعف قوة المقاومة عند شعبنا، ولم ينسوا إثارة العنعنات والكراهية والعنصرية والطائفية، ويخلقوا دعاة لهم بين مختلف الطوائف لنشر مفاهيم تخدم أغراض الاستعمار، ولم ينسوا أن يستفيدوا إلى أبعد حدود الاستفادة من وسائل النشر والدعاية فيغرقوا الأسواق بنشراتهم ويستأجروا الصحف والكتّاب، عدا ما يمتلكونه من وسائل الدعاية الأخرى».وينبه فهد إلى ضرورة التمييز ما بين القول والفعل، أو ما يسمى اليوم بالشفافية، وهي آفة الديموقراطية الزائفة، مشيراً إلى «تصرفات هذه الدولة الشائبة، حيث لم يعد يخجلهم شيء ما داموا يكسبون رضى الحليفة، وقد بلغ الاستهتار بهم حد إعلان فساد جهازهم الحكومي على الملأ وفي مناسبات عدة دون أن يهتموا بإصلاحه. وهل في مصلحة الاستعمار أن يكون موظفونا على غير ما هم عليه من فساد، لاهين بما لديهم من قشور ليتسنى للاستعمار تمشية مصالحه وإدامتها؟». ويؤكد فهد، خلافاً للسكرتير موسى المعروف بضبابية تصريحاته المنمقة، أن «الواجب الوطني يقتضي من الحركة الوطنية، على كل من يريد فعلاً وقولاً محاربة الاستعمار والتخلص من امتيازاته السياسية والاقتصادية، أن يتصدى لمحاربة المفاهيم الاستعمارية ومشتقاتها أنّى كان مصدرها وحيثما وجدت».إن مواقف السكرتير النائب موسى وقيادة الحزب الحالية، قد وضعت الشاهد على قبر الحزب الشيوعي في العراق، بعد أن نجحت في تحويل الحزب إلى ما كان يخشاه فهد، أي «ذنباً في المؤخرة»، وخضعوا كلية لسيطرة الاحتلال الذي وعدهم «بأنه سينسى أنهم شيوعيون إذا هم نسوا ذلك»، حسب قول فهد.