Sunday 13 July 2008

كلا ... لم يصافح رئيس العراق الكردي وزير الدفاع الاسرائيلي


12/07/08
القدس العربي
تبدأ القصة، في معجم المحبين، دائماً، بنظرة فحب فموعد فلقاء وبعدها يأتي الزواج. ويبدو ان الخطوات ذاتها تتكرر في معجم ساسة الاحتلال البراغماتية. فالقاء نظرة سريعة علي الصورة التي تجمع بين رئيس جمهورية الاحتلال جلال الطالباني ووزير دفاع الكيان الصهيوني إيهود باراك وهما يتصافحان ويضحكان باسارير منشرحة، يبين بان الاثنين قد تجاوزا، منذ فترة، مراحل الحب السرية الاولي وقاربا، بمباركة العراب محمود عباس الواقف بينهما، مرحلة اطفاء شوق قد طال. وتشكل ملامسة المصافحة الحميمة علي هامش مؤتمر الاشتراكية الدولية، في أثينا الثلاثاء المصادف الاول من تموز/يوليو، اول فعل تقارب علني بين ساسة المحميات الامريكية الثلاث، الطالباني وباراك وعباس، منذ احتلال العراق. وهي خطوة، علي الرغم من كل التبريرات التي صاحبتها، تهدف الي شرعنة السبب الرئيسي لغزو العراق، أي تقوية الكيان الصهيوني وتوسعه الاستيطاني المستمر، علي حساب الشعب الفلسطيني، كقاعدة عسكرية وترسانة سلاح تستخدم لارهاب وترويع المنطقة، وهي خطوة لاختبار مدي استعداد الشعب العراقي لقبول التطبيع مع الكيان الصهيوني وهو الشعب الرافض ابدا لهذه السياسة. وتأتي المصافحة في وقت تحاول فيه ادارة الاحتلال استغلال الوضع المأساوي لابناء شعبنا المنشغلين في الحصول علي ما يقيم أودهم ويضمن سلامتهم وعوائلهم، وبعد تفريغ العراق من مليونين ونصف مليون من خيرة مواطنيه من العلماء والاكاديميين والباحثين والمثقفين، في حملة منظمة لتصفية العقول من ابناء وبنات الطبقة الوسطي، فكان امل المحتل كبيرا في ان ينسي الشعب العراقي، المنغمر بهمومه، القضية الفلسطينية، ليوافق علي التطبيع المقدم اليه علي صحن القبول بالامر الواقع. غير ان حملة الاستنكار والغضب الفوري، حتي من قبل بعض نواب الاحتلال انفسهم، لمرأي الطالباني مصافحا وزير دفاع الكيان الصهيوني دفع مكتب (فخامة الرئيس) الي اصدار بيان توضيحي ( بأن الطالباني استجاب لطلب الرئيس الفلسطيني تعامل مع الأمر بصفته الأمين العام للإتحاد الوطني الكردستاني وليس بصفته رئيس جمهورية العراق) وان (ما جري لم يكن سوي سلوك اجتماعي حضاري لا ينطوي علي أي معني أو تداعيات أخري). وانبري رئيس التحالف الكردستاني فؤاد معصوم بسرعة مدافعا عن الطالباني مستخدما اسلوب سيده المحتل في مضغ مفردات الديمقراطية، قائلا: (ليس هناك من مادة دستورية تحاسب الرئيس الطالباني علي هذا الموقف، وكل نائب حر في التعبير عن رأيه). وكأن وجود المواد الدستورية قد وفرت للمواطن العراقي حقوق التعليم والصحة والحياة. هنا، علينا التوقف قليلا لفهم أبعاد الصورة بكاملها وبشكل واضح لنتجنب السقوط في فخ التفاصيل التي بات الاحتلال ماهرا في حياكتها تضليلا، ولئلا نفشل في أن نري الغابة بسبب الاشجار المنتصبة امام انظارنا. لقد سارع بعض الافراد والجهات الي الكتابة واصدار البيانات لادانة مصافحة الطالباني ووزير دفاع الكيان الصهيوني فورا، وهذا ما يجب ان يتم من قبل الجميع، لان اعتبار مصافحة مجرم الحرب الصهيوني كسلوك اجتماعي وحضاري لاينطوي علي اي معني وان الطالباني صافحه كرئيس لحزب وليس كرئيس جمهورية هو محض هراء. فقد سافر الطالباني وتم استقباله وتقديمه وتعريفه كرئيس جمهورية ولم يتم لانه رئيس حزب او مواطن عراقي عادي. هذه اذن كذبة مفضوحة. وقد جاء اصدار البيان التوضيحي بحد ذاته تراجعا عن خطة كانت ستقود الي خطوات أخر، وتأكيدا علي ان الشعب العراقي أكثر وعيا من ان تمرر عليه خطوات التطبيع التمهيدية بحجة السلوك الحضاري مع كيان يمارس القتل والعقاب الجماعي منذ عقود. غير ان المطب الذي وقع فيه بعض من كتب مستنكرا وغاضبا هو في معاملة ومخاطبة الطالباني لا كرئيس لجمهورية الاحتلال ولا كعراقي متعاون مع الاحتلال بل ككردي. هنا يتميز الخطاب بالخلل علي ثلاثة مستويات. فقد نفذ كتاب الادانة، بالتحديد، ماجاء في البيان التوضيحي من ان الطالباني حضر كرئيس حزب كردي وان استنكروه، كما وقعوا في بركة المهاترات العرقية البغيضة وهو ما يريده الاحتلال لتفرقة الشعب العراقي، وجاء التأكيد مرارا وتكرارا علي كردية الطالباني ليخلط ملامح السياسي البراغماتي المتعاون مع الاحتلال بكينونة الشعب الكردي وهو المكون الرئيسي الثاني للشعب العراقي. وهو المكون الذي يضم بين افراده مثل بقية العراقيين مساندي ومناهضي الاحتلال معا. لقد اثبتت سنوات الاحتلال الخمس بان ما يفرق العراقيين بشكل جذري ليس الدين او المذهب او العرق او الجندر بل الموقف من الاحتلال وجرائمه النكراء، واذا ماحدث ونسينا في زحمة التفاصيل اليومية الخانقة وسرعة توالي الاحداث والمآسي هذه النقطة فلنقرأ علي انفسنا وعراقنا السلام. ان محاولة اجبار الشعب العراقي علي تطبيع العلاقة بشكل رسمي مع الكيان الصهيوني ليست وليدة مصافحة الطالباني لانه كردي، فالاستعمار يتعامل مع مستخدميه بمساواة تامة مهما كانت اديانهم وطوائفهم واعراقهم، لا يفرق بينهم الا بدرجة الولاء والخدمة لمصالحه. يرفعهم الي اعلي المناصب حين يحتاجهم وينبذهم الي حد السجن والقتل عندما تنتفي الحاجة الي وجودهم. وتتبع خط سياسة الامبريالية الامريكية منذ التسعينات بصدد الكيان الصهيوني يعطينا بعض الامثلة. ففي الفترة التي سبقت غزو العراق، وعندما كان نجم المستخدم أحمد الجلبي (ليس كرديا) متألقا لدي الادارة الامريكية كان احد اسباب تبني البنتاغون والمحافظين الجدد له هو تأييده لتطبيع العلاقات الرسمية مع اسرائيل، ليضع بذلك حدا لمعارضة آخر دولة عربية، أي العراق، حسب صحيفة نايت رايدر، في 13 كانون الاول/ديسمبر 2003. وكانت تصريحات المؤتمر الوطني لصاحبه الجلبي قد سبقت ذلك التاريخ بفترة. وتلا ذلك زيارة القيادي في المؤتمر وعضو لجنة اجتثاث البعث مثال الآلوسي ( ليس كرديا) لاسرائيل. ومثل الطالباني، برر الآلوسي زيارته بانها شخصية ولانه كان يكتب في الصحافة في مجال الارهاب، حسب تصريحه في برنامج نقطة نظام علي قناة العربية، بتاريخ 17 ايلول/سبتمبر 2004، كما صرح فيما بعد ان العديد من السياسيين في الحكومة العراقية قد زاروا اسرائيل سرا و انه اراد ان يكون مختلفا عنهم قائلا تبريرا لحيثيات الزيارة وليس جوهرها اللااخلاقي: (أنا سياسي عراقي قمت بزيارة علنية وأرفض أن تكون مثل هذه الزيارات زيارات سرية). ولم تنفع خطوة جس النبض يومها لا الآلوسي ولارئيس حزبه ولا حكومة الاحتلال التي انخرطوا في صفوفها. وتلا الآلوسي رئيس وزراء الاحتلال المؤقت، إياد علاوي (ليس كرديا)، في مصافحته وزير خارجية الكيان الصهيوني، سيلفان شالوم، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث صرح شالوم، حسب البي بي سي 23/9/2004 بأن ذلك كان أول اتصال رسمي بين إسرائيل وبغداد منذ الغزو الأمريكي للعراق. وقال إنه أخبر علاوي أنه يأمل في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. اما علاوي فقد تحدث عن مسايرته الموقف العربي بالنسبة الي فلسطين خاصة وانه كان مشغولا حينها في مساعدة سادته المحتلين في تهديم مدينة الفلوجة وقتل شبابها وتهجير نسائها واطفالها. الا انه سرعان ماعبر عن مشاعره الحقيقية في مقابلة له مع برنامج من العراق علي قناة العربية وبتاريخ 29 أيلول/سبتمبر 2004 ، اذ حاوره المقدم قائلا: (إيلي ناكوزي: يعني لو عرفتهم إسرائيليين دولة الرئيس كنت رفضت أن تصافحهم؟
أو بتعتبر هذه مسألة تافهة يعني سلمت أم ما سلمت.د. إياد علاوي: والله.. لا.. لا صراحة لو أعرف إسرائيليين ما أرفض السلام يعني مال مصافحة بس ما في مشكلة..إيلي ناكوزي: يعني بس سلام كما اعتبرها.. د. إياد علاوي (مقاطعاً): لا هذا كان كلام قبل 50، 60 سنة، الآن أعلام إسرائيل مرفوعة في معظم الدول العربية).
وهذه حجة نسمعها، غالبا، من مسؤولي الاحتلال ومستخدميهم من المثقفين والليبراليين الجدد المبررين لاقامة العلاقة مع الكيان الصهيوني، متناسين بان الحكومات العربية ليست نموذجا يحتذي في تمثيلها لآمال شعوبها وطموحاتهم وان الدفاع عن العدالة ضد الظلم السافر وعن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال هو موقف اخلاقي وشرعي تدعمه القوانين الدولية.فلا تقولوا كانت مصافحة كردي لصهيوني، خاصة وان نوري المالكي (لاحظوا انه ليس كرديا) لم ينبس بحرف احتجاج واحد متظاهرا بالعمي والطرش والخرس. بل قولوا انها مصافحة رئيس حكومة احتلال مع وزير دفاع كيان صهيوني مختلق، تجمعهما مصالح مشتركة. لأن خدمة الاحتلال لا تجرد الخادم من وطنيته فحسب بل ومن عرقه ودينه ومذهبه وجنسه. انها مصافحة كيانين مشوهين مبنيين علي القتل والخراب ولن يضع حدا لنموهما غير مقاومة الشعب الأبي المتسلح بوعيه ووحدته