Tuesday 9 September 2008

اهل العراق يستعيدون الإجماع الوطني وميثاق ثورة العشرين

القدس العربي-

30/08/2008

مثل فقاعة، فقأ الشعب العراقي مؤامرة الفتنة الطائفية. وهي التي بذل المحتل ومستخدموه المحليون قصارى جهودهم لنثر بذورها في العراق من أجل اشاعة التفرقة واحكام السيطرة عليه، وهل هناك ما هو أشد تفرقة ودموية لابناء الشعب وأكثر نجاحا للمحتل من الطائفية البغيضة؟ وعلى مدى سنوات الاحتلال الخمس، تساقطت، ايضا، جدولة العملية السياسية يوما بعد يوم، ليبقى آخر مراحلها، أي توقيع المعاهدات السرية وانتخابات المحافظات، معلقاَ في الهواء بلا جذور في الواقع العراقي. فها هي المعاهدة التي اريد منها تكريس الاحتلال العسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي بشكل شرعي، تنخر المحتل وعملاءه من الداخل الواحد بعد الآخر، والصراعات حرصا على ديمومة بقائهم وحمايتهم على أشدها. واما التهيؤ لانتخابات المحافظات فانه يعاني من شلل نصفي جراء ضربة قاسية من المواطنين. فحسب جريدة الصباح الحكومية (سجلت مراكز تسجيل الناخبين تراجعا ملحوظا في نسبة اقبال المواطنين على المراكز الانتخابية في بغداد وعموم المحافظات وحسب تصريحات المسؤولين عن المراكز الانتخابية وصلت النسبة في بعضها الى 4') . مما دفع ايتام العملية السياسية الى اللجوء، كما في المرة السابقة الى عكاز المرجعية الشيعية المؤيدة للعملية السياسية بالتحديد. والمرجعية في هذه الحالة هو آية الله علي السيستاني الذي نادرا ما يراه أحد من عامة الناس، الى حد ان اشاعات وفاته في الاسابيع القليلة الماضية، دفعت الى تجميع عدد من الصحافيين على عجل لالتقاط صورة معه لاثبات وجوده حيا. والمعروف ان السيستاني كان قد رفض اجراء اي لقاء شخصي مع قوات الاحتلال الا انه لم يعترض على استقبال موفق الربيعي الذي عمل كصبي لتبادل الرسائل بينه وبين بول بريمر، حاكم العراق الامريكي السابق. فتأرجح الربيعي بين الاثنين ذهابا وايابا لمدة عام تقريبا، حسب مذكرات بريمر، وتمت مكافأة الربيعي على حماسه وخدمته للاحتلال بتعيينه مستشارا للامن القومي بقانون بريمري خاص لايمكن نقضه.
ويعتمد العراقيون في استلامهم لفتاوي ودعوات السيستاني لاتخاذ موقف سياسي دون غيره على (مسؤول في مكتب المرجع الديني الاعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني). لذلك حين لم يتوجه العراقيون للتسجيل في مكاتب الانتخابات وحسب المطلوب وفق (ديمقراطية) الاحتلال، قام المسؤول اياه في المكتب باصدار تصريح صحافي باسم السيستاني، نشر يوم الخميس، أي عشية اليوم الأخير للمدة الممنوحة للناخبين لتحديث سجلاتهم الانتخابية، دعا فيه العراقيين الى تسجيل أسمائهم في سجلات الناخبين كون هذه السجلات وثائق مهمة لدى الأمم المتحدة! واسباب عدم توجه العراقيين للتسجيل في الدوائر الانتخابية عديدة وسأترك لمنظمة بنت الرافدين النسوية، وهي منظمة مجتمع مدني تتماشى مع سياسة الجدولة السياسية ولا يمكن اتهامها بمناهضة الاحتلال، بذكر الاسباب كما جاء في آخر تقرير لها عن تنفيذها (سبعة وعشرين منتدى تثقيفيا حول الانتخابات خلال الفترة من 1/ 7/ 2008 ولغاية 14/ 8/ 2008، مستهدفين 1191 مواطنا في مناطق عدة... وقد لاقت المنظمة صعوبات كثيرة في عملية التنسيق لاقامة الورش حيث واجهت رفض الشارع العراقي لعملية الانتخابات، ورفضهم الحضور الى الورش لانهم ابتداء قرروا مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها) وتخبرنا المنظمة بان من بين الورش التي اقامتها (ست ورش لمخيمات النازحين في مركز الحلة والهاشمية تحت شعار: صناديق الاقتراع... املنا في حياة فضلى). وهو ما يعطينا صورة واضحة عن اولويات المنظمة ومموليها والجهات الحكومية وحرصها على اقامة المنتديات الثقافية وورشات الانتخابات تنفيذا لعملية الاحتلال السياسية، على حساب السخرية من آلام ابناء الشعب النازحين في المخيمات، وبدلا من ايجاد المأوى لهم وتوفير الخدمات الاساسية. ومن المعروف ان عموم الناس عازفون عن التسجيل لانهم ما عادوا يصدقون اللعبة التي انجروا اليها سابقا وتحت ضغوط سياسية وطائفية ومادية كبيرة، فضلا عن تصور البعض، سذاجة، باحتمال ان تكون الانتخابات هي البوابة التي ستقود البلاد الى التخلص من الاحتلال والاستقرار. فلا عجب ان تستعين الحكومة الطائفية بالمرجعية، من جديد، لجر الناس الى صناديق اقتراع ذاقوا نتائجها بانفسهم وتعلموا ومن خلال الحياة اليومية المريرة الا يثقوا بها او بمن ينادي بها كذبا وتضليلا. ان ما لا تبرزه الصحافة الغربية، وأن ذكرت كتابات الحيطان المنتشرة من نوع (لا إنتخابات بلا كهرباء)، هو أن هذا الرفض للعملية السياسية ليس رد فعل ساذجاً بل تعبيراً عن إجماع وطني يتشكل منذ زمن حول حقيقة أوضاع العراق. وقد تأكد للمواطن العراقي، بعد خمس سنوات من الخراب الشامل والسرقات اليومية لثرواته وموارده، من قبل حكومة الميليشيات الطائفية والعرقية وبانواعها ان سبب ما يعانيه هو جرثومة الاحتلال المتغذية على الطائفية المقيتة. وان استخدام الالقاب الدينية كغطاء تبريري لبعض الافعال الموالية للاحتلال لم تعد تخدع الناس، خاصة مع مثابرة عدد من الشخصيات الدينية على الوقوف ضد هذا الاستخدام الاستهلاكي، واتخاذ موقف مقاوم او مناهض للاحتلال وعمليته السياسية ومعاهداته السرية. فقد أكد المرجع الديني محمد اليعقوبي في تصريح له نشرته صحيفة الحياة بتاريخ 26 آب (أغسطس) 2008 عن الانتخابات المقبلة أن (القوى التي تسيطر على العراق اليوم لن تتخلى عن السلطة بديمقراطية شفافة، وما يجري ديمقراطية عوراء تتضمن تصفية الخصوم). موضحا لجوء (الاحزاب الحاكمة الى استغلال الدين واسم المرجعية الدينية أو القومية أو الطائفة، فالتعويل على تداول حقيقي للسلطة احتمال ضعيف).
وها هو المرجع فاضل المالكي، يتحدث عن مقاومة الاحتلال، قائلا في برنامج بلا حدود، في قناة الجزيرة بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 : (المقاومة اليوم هي نتيجة طبيعية لتمادي قوات الاحتلال في بقائها في العراق، انها مقاومة جزئية هنا وهناك يعني هنالك شرائح تقوم بها في بعض محافظات العراق ولكن هذه المقاومة الجزئية هي ضرورية لثلاثة اعتبارات: الاعتبار الأول أنها تمهد للمقاومة الشاملة تدرب الشعب للوثبة الكبرى وثانيا أنها تسترد اعتبار هذا الشعب المظلوم الذي يتهم هنا وهناك بأنه جلب الاحتلال أو رضي بالاحتلال أو ما شاكل ذلك، هذه المقاومة تثبت أن الشعب العراقي وبكل فصائله شعب يرفض الاحتلال ويرفض العملية السياسية المرتبطة بالاحتلال وثالثا أن هذه المقاومة الجزئية تزلزل الأرض تحت أقدام المحتلين مما يسهل خروجهم لأنهم إذا استقرت الأرض تحت أقدامهم سيتمادون في البقاء). وفي اجتماع لشخصيات وطنية وعشائرية في جامعة مدينة العلم للإمام الخالصي الكبير في الكاظمية ببغداد، بتاريخ 30 حزيران (يونيو) 2008، وفي ذكرى قيام ثورة العشرين ضد المحتل البريطاني، ألقى الشيخ جواد الخالصي، الامين العام للمؤتمر التأسيسي الوطني، كلمة أكد فيها على اهمية مواصلة العمل والثبات على موقف موحد لمواجهة نهايات مشروع الاحتلال، مبينا بان شعارت المرحلة السابقة من سنة وشيعة قد (صنعت في جامعة تل أبيب وجهاز تنفيذها يقوم على قطعة من ارض العراق). وتطرق الخالصي الى نقطة مهمة، قد تساعد على رفع الغشاوة عن بعض العيون فيما يخص استخدام الالقاب السياسية والدينية الهادفة الى تحويل المرء الى ما يشبه النصب المقدس الذي لا يمكن توجيه النقد اليه مهما كانت زلاته واخطاءه. حيث قال : (هنالك صراعات في داخل العراق لا حدود لها واحدة تتعلق بالمناصب والمحاصصة والوظائف والألقاب!!! هذه الألقاب لا تقفوا عندها. كل انسان هو آية من آيات الله، لان الله خلق في الإنسان آيات وآيات. هذه لا تهمنا لا الألقاب الدينية ولا الألقاب الأكاديمية، الذي يهم صدق الموقف مع الله تعالى). وقد اقترح الخالصي على الحاضرين توقيع ميثاق العهد الوطني لأهل العراق المأخوذ من الميثاق الاول الذي وقعه ابناء العراق من العلماء والمفكرين والسياسيين في كل المدن العراقية في ثورة العشرين. وهذا نصه : (نحن أهل العراق قد تعاهدنا فيما بيننا على أن لا نقبل قيمومة أية جهة أجنبية على العراق بأي وجه من الوجوه وان نبذل قصارى جهدنا في المطالبة بحقوقنا وان نرد أية مداخلة أجنبية في شؤون بلادنا الداخلية والخارجية ونبذل أموالنا وأنفسنا في هذا السبيل ونستعين الله ونسأله التوفيق لذلك). كان من المفترض، وفق مشروع الاحتلال، ان يكون ساسته قد وصلوا الآن الى مرحلة الاحتفال بعيد الاعياد أي ولادة الدولة الطائفية العرقية المقسمة، غير ان مقاومة الشعب العراقي جعلتهم لا ينتهون من فشل الا ليسقطوا في خندق افلاس شعبي آخر. وبات همهم الوحيد انقاذ ماء الوجه في انتخابات الرئاسة الامريكية من جهة وتوقيع المعاهدة السرية من جهة اخرى. ولم يعد تخويف السنة بالشيعة او الشيعة بالسنة البعبع الذي تأملوا نجاحه بعد ان ذاق ابناء الشعب الامرين من انتهاك الكرامة والاعراض والبطالة والحرمان وفقدان الخدمات على الرغم من توفر الميزانية وبسبب الفساد الاداري والمالي. وتبين للجميع في جميع ارجاء العراق عربا او كردا سنة او شيعة بان لا فرق بين المشتركين في الحكومة والعملية السياسية الا
بتفاوت درجات الفساد.