Saturday 7 February 2009

رانيا ووجبات الاعلام الجاهزة في العراق المحتل

07/09/2008
خبران تناقلتهما اجهزة الاعلام في الاسبوع الماضي عن العراق المحتل. الاول خبر تسليم انتحارية لنفسها لرجال الامن العراقيين، والثاني هو خبر (قتل القوات الأمريكية عن طريق الخطأ ستة عراقيين بينهم أربعة من رجال الأمن خلال إطلاق نار بين الطرفين في ناحية الطارمية شمالي بغداد)، حسب الوكالات. الخبر الأول جزء من مشروع إعلامي أمريكي متواصل منذ أشهر مر بتلفيق أنتحاريتي سوق الغزل، ثم إنتحاريات ديالى والموصل. وهي تبدو مشابهة لمقاولة جعل الزرقاوي القوة الكبرى في المقاومة في العراق، بإختراع خطر جديد وإستخدامه كسلاح ضد العراقيات وفي الإعلام العالمي. لكن الاخراج يبدو متهافتا وهزيلا على أيدي منفذيه الذين لا يحسنون التمثيل والتصوير. الخبر الثاني هو الواقع المتزايد الوضوح، بأن الأحتلال لا يستطيع حتى التمييز بين عملائه ومن يقاومه كونهم جميعا عراقيين. 
وقد صاحب نشر الخبر الاول، بصيغة بدت ومنذ اللحظات الاولى غامضة وملتبسة، توزيع شريط فيديو صوره ووزعه رجال الامن العراقيون. يبين الشريط الفتاة المدعوة رانيا ابراهيم العنبكي البالغة من العمر 13 عاما، حسب قولها، و15 عاما حسب رجال الامن، وهي شبه فاقدة للوعي، مقيدة من يديها، عارية الصدر تقريبا ثم يقترب رجال الامن منها الواحد بعد الآخر بشكل تمثيلي لنزع الحزام الناسف الذي ترتديه كما يخلع اي فرد قميصا عاديا. تلا ذلك، عرض قنوات التلفزيون العراقية والفضائيات لقطات من استجواب رانيا، حيث بدت غير مدركة تماما لما يجري حولها وللاسئلة الملقاة عليها فنفت ان تكون قد خططت لتفجير نفسها وانها البست الحزام من قبل امرأتين اخرييين قضت ليلتها معهما. ثم ظهر شريط آخر على (اليو تيوب) قام بتصويره احد رجال الامن وهو يستجوب مع اثنين آخرين رانيا الجالسة داخل سيارة معهم. وتم الاستجواب ببذاءة وسوقية وتمتع بالغ الانحطاط بشكل لا يليق الا بمن يعمل في جهاز أمن حكومة الميليشيات. حيث تلذذ المستجوبون واثناء التصوير بتهديد الفتاة باغتصابها وتوجيه الاسئلة السوقية اليها عن جسدها ورغبة احدهم بارتكاب الفاحشة معها مع تذكيرها بواجباتها الدينية في رعاية جسدها! ويستمر الاستجواب المقزز الى ان يكتشف رجال أمن الحكومة الطائفية ان الفتاة من طائفة معينة وليست كما توقعوا من الطائفة الثانية، فيتوقف التصوير.
وفي سياق غريب، قامت قناة البغدادية الفضائية، بعرض مقابلتين الاولى مع رانية والثانية مع والدتها. اجرت الاولى صحافية استعرضت قدرتها على الاستجواب والتزويق اللفظي بطريقة تعامت فيها انها ازاء فتاة لا تفقه مثل هذه اللغة خاصة وانها مرت بمحنة خداعها واجبارها على ارتداء حزام ناسف من قبل القاعدة، حسب تصريحات المسؤولين الامنيين، واستجوابها المستمر لعدة ايام. كان واضحا من المقابلة بان رانيا لم تفهم معظم الاسئلة. غير ان امها وهي المتهمة بانها من أميرات القاعدة (لو صدقنا تصريحات قوات الاحتلال وعملائها عن اتهام كل من يلقى القبض عليه أو يقتل في العراق بانه امير للقاعدة او من القاعدة لتجاوز عدد افراد القاعدة في العراق المليون بكثير) سخرت من التهمة بمرارة. وجاءت اجوبة رانيا وأمها متناقضة مع القصة الاعلامية ولا علاقة لها باجابات رانيا الاولى في شريط الشرطة الرسمي أو في الشريط غير الرسمي الذي ظهر على اليو تيوب. ففي الوقت الذي اكدت فيه القصة الاولى ان رانيا قامت بتسليم نفسها، جاءت التصريحات التالية لتثني على كفاءة رجال الامن الذين ألقوا القبض عليها. واكمالا للسيناريو صرح اللواء عبد الكريم خلف، قائد شرطة ديالى بالوكالة، (كانت الخطة تتضمن قيام بعض عناصر القاعدة الذين نسقوا مع زوجها بقتل عدد من رجال الشرطة وسط السوق، فينتظرون تجمع الشرطة ثم يفجرون رانيا بواسطة جهاز التحكم عن بعد لقتل اكبر عدد من قوات الامن). وأضافت مصادر امنية ان والد رانيا وشقيقها سبق ان نفذا عمليتين انتحاريتين قرب بعقوبة. بينما أكدت الام بان والد رانيا قد تم اختطافه في عام 2006 كما اختطف ابنها البكر بعد ذلك، ولانها مسؤولة عن رعاية اطفال صغار فعندما تقدم شاب يعرفونه ولديه عمل لخطبتها وافقت. وهي مسألة تكاد تكون عادية هذه الايام، في العراق الجديد، مع تزايد الفقر والبطالة وغياب المعيل واستغراق مسؤولي الحكومة بالنهب والفساد المالي وعدم توفير لقمة العيش لمن لادخل لديهم. ثم ولاضفاء نوع من المصداقية على السيناريو المتهافت تناقلت الصحافة تصريحا للفريق الركن عبد الكريم الربيعي، قائد العمليات في محافظة ديالى، باعتباره (يقوم بأبحاث عن النساء في محافظة ديالى وعن الانتحاريات بالذات كما انه حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ) عزا فيه وجود الانتحاريات (الى التخلف الكبير لنساء القرى اللواتي يدعين ارتباطهن بعوائلهن بشكل كبير وخصوصا الزوج الذي قد يأمرهن بهذه الاعمال) ثم تفتحت قريحة الباحث القائد في تصريحه لجريدة الشرق الاوسط قائلا بأن (الفتاة لا تتمتع بخلق عال) وأن التحقيقات كشفت عن ان (هذه الفتاة سليطة اللسان وتتحدث بصوت مرتفع). وكان الاجدر بالفريق الركن المؤرخ والباحث، لو كان مهتما بالاخلاق حقا ان يشاهد ويصغي لبذاءة واسفاف الرجال العاملين تحت امرته في الشريط الذي صوروه بانفسهم. وحسب علمنا، لم يحدث وان عومل مواطن في العالم بالطريقة التي عوملت بها رانيا لمجرد انه سليط اللسان ويتحدث بصوت مرتفع!
ان طريقة التعامل مع رانيا تعكس غباء المسؤولين في حكومة الميليشيات، فمن خلالها تبدت وحشية رجال الامن وشراستهم تجاه المعتقلين والمعتقلات منهم خاصة. حيث الاهانة والتهديد بالاعتداء والاغتصاب تجاه طفلة قامت هي وحسب الرواية الرسمية بتسليم نفسها لانقاذ حياتها وحياة الآخرين، وكان من المفترض معاملتها بشكل يشجع بقية (الانتحاريات والارهابيات والاميرات ) على تسليم انفسهن. وقد انساقت اجهزة الاعلام على اختلاف سياساتها الى تقديم سيناريو حكومة الميليشيات وجهاز أمنها الفاشي، أو بالأحرى البربري المتخلف، عبر صحفها وقنواتها، مثل الوجبات الجاهزة السريعة، بلا تمحيص او تدقيق او حتى التساؤل عن توقيت تسليم رانيا لنفسها في وقت تزايدت فيه حمى قوات الاحتلال وعملائها في تقديم صورة المرأة العراقية كارهابية مسؤولة عن قتل الابرياء، وفي وقت انفضحت فيه كذبة ان المقاومة العراقية تستخدم المرأة والاطفال لقتل الآخرين، وثبت ان المقاومة هي التي تقوم بحمايتهم وتوفير الرعاية لهم بقدر الامكان، بينما تنهب الحكومة اموال الشعب، ولم يتفضل احد من (الاعلاميين) العراقيين او العرب والغربيين باستحضار برنامج (مع الارهاب) الذي قدمته قناة العراقية الرسمية وتم فيه استعراض المعتقلين بوجوههم المتورمة بفعل الضرب والتعذيب واجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها وادلائهم باسماء ضحايا تبين فيما بعد بانهم لايزالون احياء يرزقون. كما وثقت منظمة العفو الدولية حالات نساء، اعترفن على الشاشة، بعد تهديدهن باغتصابهن او اغتصاب بناتهن ما لم يعترفن بانهن قد ساهمن بعمليات ارهابية.
واذا انتقلنا الى الخبر الثاني وهو قتل القوات الامريكية لعدد من رجال الامن العراقيين (في أثناء ملاحقة جنود أمريكيين لمسلح مشتبه بانتمائه لتنظيم القاعدة)، الذي وصفه المستشار الإعلامي لقوات التحالف بانه حادث مؤسف وان (قوات التحالف أطلقت النار دفاعا عن النفس)، لوجدنا بان ما حدث هو جريمة نكراء وليس حادثا مهما كان موقفنا من رجال الامن والشرطة العراقيين، وهي جريمة، مثل كل جرائم الاحتلال، تستوجب التحقيق وانزال العقاب بالمسؤولين وفق القانون العراقي الذي يجب تطبيقه على الجميع بدون استثناء. ويدفعنا (الحادث المؤسف) الى التساؤل عما اذا كانت حكومة المالكي ستقوم باعتقال الجنود الامريكيين المسؤولين واستجوابهم امام اجهزة الاعلام بالطريقة ذاتها التي تم فيها استجواب رانيا وامها وعرض صورهم وهم نصف عراة في الصحف والقنوات الفضائية ثم اطلاق التصريحات عن سوء اخلاقهم وسلاطة لسانهم؟ وهل سيتجرأ مسؤول في حكومة المالكي بدءا من الاحزاب الطائفية بشقيها وانتهاء بالعرقية والشيوعية واعضاء البرلمان باستنكار ازدواجية المعايير في معاملة من يستهدف العراقيين، على افتراض ان رانيا مثلها مثل قوات الاحتلال ارهابية حقا؟ وهل ستتجرأ واحدة من نسوة البرلمان أو وزيرة المرأة منبهة الى ان رانيا معتقلة تحت حماية الحكومة وان معاملة المعتقلين، أيا كانت تهمتهم، يجب ان تخضع لقوانين البلد واحترام حقوق الانسان والا سيبقى العراق دائرا في حلقة العنف الهمجي المفرغة التي لانهاية لها، والتي ستهدد كل فرد مهما كانت قوميته او دينه او جنسه؟