Tuesday 10 February 2009

خيانة الوطن واحدة بكل اللغات

14/09/2008
قام أربعة من سياسيي حكومة الاحتلال، في الاسبوع الماضي، بنشاطات محمومة في بلدان ساهمت وتساهم، بدرجات مختلفة، بشكل مباشر او غير مباشر، في تخريب البلد وقتل ابنائه. لبعض هذه النشاطات علاقة وثيقة بتوقيع المعاهدة بعيدة الامد ما بين الادارة الامريكية وما يسمى بالحكومة العراقية.
بينما للبعض الاخر صلة بتطبيع العلاقة مع العدو الصهيوني. وتأتي ملابسات النشاطات في ظرف حاسم للانتخابات الامريكية وصراع الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض على منصب الرئاسة. مما يجعل ادارة بوش بأمس الحاجة الى توقيع المعاهدة لتغسل عن الحزب الجمهوري بعض اوحال الهزيمة في العراق. ولابداء الدعم وللاستفادة من تقاطع المصالح، حسب تعبير ابناء الاحتلال، سارع جلال الطالباني وهوشيار زيباري لمخاطبة الهم الامريكي مباشرة بينما مضى عادل عبد المهدي الى ايران ومثال الآلوسي الى الكيان الصهيوني، كل حسب موقعه وقوميته ولغته، لابداء الولاء والطاعة. 
حيث التقى جورج بوش بالطالباني، زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ( قد يكون مدى الحياة) اولا ورئيس الجمهورية ثانيا، في البيت الأبيض وابلغه باهمية الاسراع بتذليل الخلاف بين الاحزاب المتصارعة وتوقيع الاتفاقية الامنية باسرع وقت. وفرك بوش أذن الطالباني بقوة مذكرا اياه بان امريكا هي السيد المحرر ثم همس في اذنه قائلا ان توقيع المعاهدة هو لصالح الاكراد قبل غيرهم. فخرج الطالباني من البيت الابيض ليؤكد على ضرورة توقيع الاتفاقية الامنية لانها تخدم مصلحة البلدين حتى بدا، لفرط تأكيده على ( مصلحة البلدين)، وكأن امريكا ستهاجم من قبل اعدائها، خلال الايام القليلة المقبلة، ومن واجب (الحكومة العراقية) توقيع الاتفاقية لحمايتها! 
وتلا الطالباني في سلم الحماس لتوقيع الاتفاقية هوشيار زيباري، الناطق الرسمي حتى عام الغزو، باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني وخال مسعود البارزاني زعيم الحزب ورئيس اقليم كردستان وأخيرا وزير الخارجية.
ففي الوقت الذي تتصاعد فيه صرخات التحذير الوطنية من مغبة ربط العراق بمعاهدة ستحوله الى مستعمرة عسكرية واقتصادية وثقافية، طالب زيباري بتوقيع الاتفاقية الامنية بين العراق وامريكا لاسباب لا يكررها الا من كان بليدا او مستعدا للركض بلا تفكير ليجلب بين اسنانه العصا التي رماها سيده. من بين الاسباب التي علكها: (للابقاء على القوات الاجنبية الى حين جهوزية القوات العراقية بشكل كامل وانتفاء الحاجة الى وجود قوات اجنبية في البلاد.. خوفا من اعادة القوات الاجنبية اذا لم يكن هناك خروج متدرج للقوات).
ولكي يثبت قادة الاحزاب العربية الطائفية الموالية للاحتلال جدارتهم في السباق على ابداء الطاعة والولاء للاجنبي، ومساواتهم في هذا المجال مع اخوتهم قادة الحزبين الكرديين المواليين للاحتلال، اجتمع عادل عبدالمهدي القيادي في المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي تم تأسيسه في ايران ونائب رئيس الجمهورية مع سادة حزبه في طهران ليزيل مخاوفهم بشأن الاتفاقية الامنية مع واشنطن. وقد (تمكن الجانب العراقي من إزالة أغلب المخاوف التي أبداها الإيرانيون تجاه الإتفاقية الأمنية)، حسب تصريح السفير العراقي في طهران. 
وفي لعبة التظاهر بالحرص على مصلحة العراق وشعبه اعلاميا وسياسة الابادة الدموية واقعا، تختلط تصريحات المحتل الامريكي مع (عدوه) النظام الايراني. فها هو الرئيس بوش يفرد جناحيه متحدثا عن حرصه على وحدة الشعب العراقي ضد الارهاب واهمية دعم العملية السياسية والانتخابات الديمقراطية، وها هو امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي ينبه منظمة الامم المتحدة الى (ان السبيل الوحيد لحل مشاكل هذا العراق يكمن في دعم العملية السياسية والديمقراطية)، مجددا دعم بلاده لهذا المسار الجديد!
ولئلا يصاب الكيان الصهيوني بالاحباط من تسارع ساسة (الحكومة العراقية) الى واشنطن وطهران، قام مثال الآلوسي (عضو البرلمان العراقي) ويتيم المؤتمر الوطني العراقي بزعامة احمد الجلبي،
بزيارة اسرائيل للمرة الثانية، داعيا (لاقامة علاقات دبلوماسية بين العراق واسرائيل)، حسب صحيفة 'الزمان'. ولا يختلف الآلوسي في منطقه الاعوج عن زيباري، بل يسير على خطاه مع فارق بسيط في الاولويات وهو اصرار زيباري على الولاء لامريكا أولا بينما يدين الآلوسي بولائه لاسرائيل أولا، اذ قال الآلوسي: أنه (ينبغي التعاون مع اسرائيل من أجل انتاج سلاح استخباراتي سوية مع تركيا والولايات المتحدة والكويت من أجل ضمان انتقال معلومات استخباراتية جيدة ومواجهة الارهاب الشرق أوسطي معا!). 
فهل نحن بحاجة الى تسمية الجهات التي يدين لها الطالباني وزيباري وعبد المهدي والآلوسي بالولاء، كل حسب عرقه او طائفته ومهما كانت لغته ؟ وهل هناك اخطر من ان يعيش بين ظهرانينا من يخون امته ووطنه بينما يتظاهر، يوميا، بعكس ذلك؟ 
يقول ماركوس كيكيرو، مفكر روما الكبير، عن الخيانة ان من السهل محاربة العدو الواقف على بوابات المدينة لانه معروف ويحمل رايته بشكل واضح، لكن الخائن يتحرك بحرية بين من يعيشون في الداخل وتنتقل همساته الخبيثة بين دروب المدينة، لأن الخائن لا يظهر بمظهر الخائن، انه يتحدث بلهجة مألوفة لدى ضحاياه، وهو يرتدي وجوههم وحججهم. 
انه يمس الاسس العميقة في قلوب كل الناس. 
اليست المصيبة الكبرى التي بذرها الاحتلال بيننا هي تعدد ولاءات ساسة اليوم، والليبراليين الجدد، لجهات خارجية يدافعون عنها ويعملون على تقسيم العراق ؟ وهم الذين يخاطبهم الشاعر كريم الاسدي قائلا: (الى اين يريد بك الخونة الذين يرومون توزيعك حصصا في المزاد وتقطيع اوصالك، ياعراق!) ومكررا تساؤل بدر شاكر السياب: (أيخون انسان بلاده؟ ان خان معنى ان يكون فكيف يمكن ان يكون؟). 
ويبقى امل الشعب في التحرر الوطني والاستقلال مرتبطا بقدرته على استمرار روح المقاومة، بكل اشكالها، وتغذيتها بالكرامة والاباء، فبدونهما يتحول الوطن الى مستعمرة والشعب الى حشود من خدم وعبيد.