Sunday 22 February 2009

رسالة مفتوحة من امهات عراقيات للسفراء العرب في بريطانيا

05/01/2009
من المتعارف عليه، ان لكل موظف في أية دائرة حكومية أو مدنية وفي أي بلد في العالم، واجباً هو من صلب عمله. لذلك تعتبر من الامور البديهية ان يقوم مسؤولو الدول وحكامها بحماية شعوبهم وتوفير الامن والاستقرار لهم وتنمية اقتصادهم. غير ان معظم مسؤولي وحكام الدول العربية يتصرفون عكس ذلك تماما، وقد قدمت لنا ايام غزو العراق واحتلاله في 2003 والهجوم على لبنان في 2006 والقصف الوحشي المستمر على غزة الآن، نماذج حية على مأساتنا بوجودهم، حيث صاروا، فضلا عن تعاونهم العلني والخفي مع العدو، يقفون على المنصات لـ'يطالبوا ويناشدوا' بدون ان يذكروا يناشدون من او يطالبون من.
مما يدفعنا، كشعوب ابتلت بحكامها، على أخذ المسؤولية بايدينا وبكل الاشكال الممكنة، مهما كانت بسيطة وصغيرة. وقد اثبتت مقاومة الاحتلال في العراق ولبنان وفلسطين بان الشعوب المحتلة ليست عاجزة كما يود الحكام ابقاءها وان بامكانها ان تكسر قوالب القمع المحيطة بها وتؤثر وتغير وان بشكل تدريجي. وقد نجحت المقاومة في البلدان الثلاثة الى تحفيز العالم على مساندتها ودعمها من خلال المظاهرات والاعتصامات والكتابة ومقاطعة البضائع واستنكار وحشية السجون والمعتقلات والتعذيب. مما يجعلنا، مهما كان موقعنا ومهنتنا وامكانياتنا، نساهم ونحث على القيام بعمل ما، ضمن إمكانيات كل فرد، مهما تواضعت، وألا نكتفي بالغضب العارم واحاسيس المرارة بل تحويلها الى عمل مستمر ومتواصل لانهاء الظلم الواقع في فلسطين، ولو بالضغط حول القضايا الإنسانية إذا كان الطرح السياسي متعذرا. وواجب كل منا، حتى من لم يفكر بما يستطيع فعله هو بنفسه، أن يعي مسؤوليته كمواطن في هذا العالم وكإنسان، وأن يطالب ويدفع، لا بالعموميات بل أيضا بتذكير كل من يستلم راتبا من الدولة والشعب أن عليه الإلتزام بالمباديء، ومنها مبادئ مثبتة بمواثيق عالمية أو عربية كميثاق الدفاع العربي المشترك ومقاطعة الكيان الصهيوني. وليس الهدف من ذلك أن هذا الضغط العام على المسؤولين الكبار والصغار سيؤدي الى 'نتيجة رسمية' بمرور الزمن، وهو هدف مشروع، بل أيضا لتثبيت الحق أمام الأجيال المقبلة، ولربط الأحداث ببعضها أي كجزء من الحفاظ على الوعي الإنساني ومفاهيم العدالة والمساواة.
من هذا المنطلق، قامت مجموعة من الامهات العراقيات، يوم الخميس الماضي، بتوجيه رسالة مفتوحة الى سفراء الدول العربية في بريطانيا، عبر اجهزة الاعلام، يطالبن فيها السفراء باتخاذ خطوات عملية تخفف عن شعبنا الفلسطيني في غزة مصابه الآني وتدعمه، كخطوة تالية، في طريق مقاومة المحتل وتثبيت حق العودة من اجل السلام العادل. وقد جاء في الرسالة المعبرة عن موقف الامهات الرافضات لسياسة المحتل الامريكي وعملائه في عزل العراق عن قضايا امته التاريخية العادلة: 'نحن مجموعة من الامهات العراقيات المقيمات في بريطانيا، نكتب اليكم وقد اذهلتنا صدمة العدوان الصهيوني على اهلنا المحاصرين منذ شهور في غزة، والتي تعيد الى اذهاننا همجية الحصار الجائر الذي عشناه في العراق على مدى 13 عاما.
ان العدوان الصهيوني المستهدف للنساء والرجال والاطفال الفلسطينيين مستمر تحت انظار العالم الذي يدعي الحضارة واحترام القوانين والمواثيق الدولية وبصمت لا يغتفر من قبل معظم الحكام العرب والمسلمين الذين بات حجم الهوة واضحا ما بينهم وبين شعوبهم في الايام الاخيرة.
اننا كأمهات مانحات للحياة ندعوكم الى تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقكم بحكم مناصبكم والشروع باتخاذ خطوات عملية لمواجهة حملة الابادة المنظمة ضد الشعب الفلسطيني، لتبينوا للعالم بانكم قادرون حقا على تمثيل شعوبكم من خلال حمايتكم للحياة الانسانية. ولتثبتوا للعدو الصهيوني والمتعاونين معه بانكم، لاتقلون عنهم شأنا، في اعتزازكم بحياة ابنائكم وفلذات اكبادكم.
ولتكن خطوتكم الاولى الاصغاء لرغبة أهلنا في كل البلاد العربية بالمقاطعة التامة للكيان الصهيوني. أن هذا ليس مطلبا عربيا فحسب بل انه مطلب كل المؤمنين بالانسانية في ارجاء العالم.
اننا كأمهات نقدس الحياة. غير اننا ندرك، في الوقت نفسه، بان الحياة بلا كرامة وعزة نفس لا تستحق الحياة. وان المحتل الامريكي الصهيوني هو ذاته في فلسطين والعراق وان مقاومته واحدة، وهي واجب قانوني وشرعي وانساني. واننا، خلافا، لما يظنه بعض الحكام، لن نعيش السلام بلا عدالة وبلاحق العودة للشعب الفلسطيني.'
وتكتسب رسالة الامهات العراقيات أهمية خاصة لانها تأتي في فترة يحاول فيها الليبراليون الجدد ومنظرو 'الصمت حتى لا نمنح العدو ذريعة للهجوم'، ومن بينهم عدد من اليساريين السابقين، ونسوة الاحتلال الناشطات في مجال تفتيت القضايا الوطنية لصالح التهافت على ميزانية هذه المنظمة النسوية او تلك، لتقول بايجاز شديد، بان تجزئة قضايانا ما بين بلد وآخر وما بين دين ودين ومذهب وآخر ما هو غير تكريس لسياسة فرق تسد الاستعمارية بأيدي اهل البلدان المحتلة انفسهم. وهي رسالة بليغة لكل من يقول بان درب المقاومة الفلسطينية ضيق لا يتسع لغير الفلسطينيين أو ان العراق 'غيتو' مغلق في مقاومته للاحتلال الامريكي الصهيوني، متهما كل من يساند ويقاتل في صفوف المقاومة العراقية بانه 'ارهابي اجنبي'. مرددا بذلك، تعمدا او سذاجة، اسطوانة العدو المشروخة. لقد وقف عدد من الانظمة العربية التي تجيد قمع شعوبها وتعتمد على ذلك في تشبثها بكراسي السلطة، على مدى شهور الحصار على غزة متفرجة بل ومتعاونة مع العدو الصهيوني، ملقية اللوم، كما تفعل الآن، على الضحايا.
ولم يتجرأ احد المسؤولين العرب ان يذكر الكيان الاسرائيلي بان ما يمارسونه بحق اللاجئين الفلسطينيين في غزة وبقية الارض المحتلة هو تكرار للجرائم النازية اثناء الحرب العالمية الثانية. وبطبيعة الحال، ظن الصهاينة والحكام العرب بان تجويع الناس وحرمانهم من اساسيات الحياة سيقودهم الى تحويل اتجاه مقاومتهم من العدو الصهيوني الى قيادتهم المنتخبة ديمقراطيا. وعندما لم ينجحوا في مخططهم التفتيتي كشروا عن اسنانهم القبيحة وبدأوا حملة القصف الجوي. وهو ذات ما حدث ويحدث في العراق المحتل كلما حوصر المحتل في زاوية ضيقة وتكاد تخنقه ايدي المقاومين.
ومن هذا المنطلق، منطلق التشابه الآني والاستراتيجي بين اساليب العدو وكيفية مواجهته، يأتي تأكيد رسالة الامهات العراقيات على وحدة المقاومة وان الأم الحريصة كل الحرص على حياة ابنائها هي في قلب المقاومة. وهو موقف يعكس كل اشكال المقاومة ومستوياتها في العراق. ومثال ذلك، البيان الذي اصدرته الجبهة الوطنية والأحزاب والقوى العراقية المناهضة للاحتلال، وبضمنها المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي، الذي خاطبت فيه الشرفاء في جميع انحاء العالم موضحة بان 'الاعتداءات البربرية الذي قامت بها القوات الصهيونية بطائرات وصواريخ أمريكية على الآمنين في غزة والتي ذهب ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء ما هي إلا تكملة لمسلسل القتل والذبح الذي تقوم به القوات الصهيونية والأمريكية ضد شعبنا في العراق وغزة...
تأتي هذه الاعتداءات نتيجة تواطؤ بعض الأنظمة العربية العدو الصهيوني الأمريكي، عند احتلال العراق بمساعدة بعض الأنظمة العربية التي فتحت حدودها وأجواءها لقتل شعب العراق وذبحه وانتهاك حرماته، ثم نتيجة تخاذل انظمة أخرى.
إن السياسة التي تنفذ في منطقتنا العربية والتي تستهدف عمق امتنا العربية لها دلالات خطيرة وأبعاد بعيدة لإضعاف الأمة والسيطرة عليها. إن ما يحصل في غزة العربية وتدمير البشر والحجر يتكرر باستمرار ويوميا في العراق على يد نفس الطغمة العنصرية الفاسدة حيث تقصف الأعراس ومجالس العزاء والجوامع والكنائس والأسواق والقصد منه قتل اكبر عدد من المواطنين العرب وزرع الخوف في نفوسهم لترك بلادهم.'
ان موقف الامهات العراقيات وجبهة مناهضة الاحتلال يتحدى وهم المحتل الامريكي الصهيوني الذي عمل جاهدا ولايزال على عزل العراق وشعبه عن قضاياه المصيرية، وكأن التاريخ لم يعلمنا، بوضوح لايقبل الشك، ان قضية مقاومة الشعوب للاحتلال واحدة ودعمها ومساندتها من قبل الآخرين وبكل الاشكال الممكنة حق مقدس لايقلل من شأنه طول مدة الاحتلال او قوة وتفوق العدو العسكري.
ويكفينا ان ننظر حولنا لنرى كيف يقوم العدو الامريكي الداعم للكيان الصهيوني عسكريا واعلاميا وبميزانية هائلة تصل المليارات، بتبرير غزو البلدان ونحر الشعوب وقصف النساء والاطفال تحت راية موحدة، اسمها ' الحرب على الارهاب'.
وقد جمع معه، تحتها، معظم حكام البلدان العربية المصابين بمرض الخوف من شعوبهم، بعد ان كافأهم بتحويلهم من عبيد حقول الى عبيد منازل خنوعين. أليس الاجدر بنا ان نواجه وحدة عدونا بوحدة المقاومة ضد الاحتلال وقوى العدوان الهمجي، وان نكون مستعدين لمجابهته لفترة طويلة لن نتمكن من تجاوزها ما لم نوحد قوانا البشرية ونستفيد من تراكم خبراتنا؟