Sunday 22 February 2009

المقاومة العراقية تتضامن مع غزة بشكل عملي

12/01/2009
عرضت بعض الفضائيات العربية، يوم الاربعاء الماضي، اللقطات التالية: جنود بكامل عدتهم العسكرية، محاطون بدبابات تحميهم، يقتادون عددا من الرجال المعتقلين الى مكان مجهول وقد ربطت ايديهم وغطيت عيونهم. فرق من الكوماندوز يغيرون على البيوت لاحتلالها بينما يأمرون النساء والاطفال المذعورين بالبقاء في زاوية من البيت. جثث واشلاء يتراكض رجال الاسعاف لسحبها بصعوبة بالغة من تحت الانقاض. انقاض المدارس والجوامع والمستشفيات. مدرسة تعرضت للقصف مما ادى الى مقتل 44 شخصا معظمهم من الأطفال بحجة الرد على 'هجمات ارهابية'.
أين رأينا هذه اللقطات سابقا، أين سمعنا مثل هذه التبريرات؟ 
بالنسبة لنا، تعتبر هذه اللقطات والصور تكرارا لما تعرض اليه مليونا شاب من ابنائنا، في العراق، على ايدي المحتل الانكلو أمريكي الصهيوني. وهو تكرار حرفي للغارات على المدنيين والجوامع والمدارس ومداهمة البيوت والقاء القبض على الرجال، واجبارهم على الركوع، وتمريغ رؤوسهم بالتراب، وتكبيل اياديهم وتغطية رؤوسهم باكياس خانقة وغير ذلك من أشكال الإذلال، وما يتبعه من التعذيب. ان بعض اللقطات التي عرضتها الفضائيات العربية، خاصة عن المعتقلين، وزعها جهاز الاعلام الدعائي في جيش الغزو الصهيوني تأكيدا لغطرسته وعنجهيته وترويعا للشباب.
ان التشابه بين حال العراق المحتل وفلسطين المحتلة وما يجري الآن في غزة، بالتحديد، متعدد المستويات الى حد يصعب معه تفكيك الصورة لمعرفة من هو المسؤول الاول عن المأساة: هل هو الامريكي ام البريطاني ام الصهيوني؟
ومن هو صاحب براءة اختراع السلوك الاكثر همجية بين الثلاثة؟ 
أم لعلهم، جميعا، سيفوزون بالجائزة الاولى في سباق القتل والابادة!
ان اكاذيب البلدان الثلاثة واحدة وسياساتها واحدة بالنسبة الى الاحتلال وكيفية معاملة اهالي البلد المحتل. وها هم اهل غزة يمرون بما مر به العراقيون من قبلهم والفلسطينيون عموما من قبلهم. فالحصار الذي يعيشون في ظله الخانق منذ عام 2006 قد امتد في العراق منذ عام 1990 الى عام الاحتلال 2003. والقصف الجوي الذي يتعرض له اهل غزة قد ذاقه العراقيون من قبلهم. ولعل الاختلاف البسيط بين الحالتين مرده صغر مساحة غزة وقلة نفوسها بالمقارنة مع العراق، مما يجعل غزة المحاصرة في رقعة ارض صغيرة وبسكانها المليون ونصف المليون مؤهلة اكثر للتحول الى معسكر اعتقال محاط بقوات العدو الغاشمة. 
من بين حالات التشابه بين غزة والعراق المحتل، قصف العدو الصهيوني للمدرسة التابعة للاونروا في جباليا والتي لجأ اليها حوالي 500 فلسطيني أملا في حماية العوائل الهاربة من القصف الوحشي، معتقدين بأن علم الامم المتحدة سيمنع الاسرائيليين من قصف المدرسة. غير ان القصف لم يرحم الاهالي فاستشهد اكثر من 45 مدنيا، وسارع المتحدث باسم العدو الى التصريح بان القصف سببه وجود مقاتلي حماس في المدرسة.
الا ان الأمم المتحدة، نفت نفيا قاطعا أن يكون المقاتلون الفلسطينيون قد تواجدوا في المدرسة. وتعيدنا صور المذبحة الصهيونية الى حادث مماثل لا يمكن محوه من ذاكرتنا وهو محرقة ملجأ العامرية الذي سبق قصف مدرسة الاونروا بثمانية عشر عاما. اذ قصفت طائرات العدو الامريكي ملجأ العامرية ببغداد في عام 1991 بقنابل مخصصة لحرق الأهداف الكونكريتية والموجهة بأشعة الليزر، فاستشهد 408 مواطنون معظمهم من النساء والاطفال. يومها أصدرت امريكا، كما يفعل الكيان الصهيوني اليوم، بيانا لتبرير محرقتها، مدعية بان ملجأ العامرية مقر عسكري. 
هذه الاكاذيب وحملات التضليل الممتدة منذ عام 1948، عام النكبة في فلسطين، ومنذ الاحتلال الانكلو امريكي وما سبقه من حصار في العراق، تدفعنا الى التساؤل عن البديهيات: ما الذي يريد الكيان الصهيوني تحقيقه جراء الهجوم على غزة؟ وما الذي تريد الادارة الاستعمارية الامريكية تحقيقه في العراق بعد ان صفق عملاؤها لنقل مقر ادارتها او سفارتها من مبناها المتواضع قليل التحصين الى المبنى المحصن وهو الاكبر في العالم واطلقوا على التمثيلية اسم استعادة السيادة؟
سأترك الجواب على الشق الاول من السؤال للموسيقي اليهودي دانيال بارينبوم وهو المعروف بشراكته الموسيقية مع المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد، اذ كتب في رسالة نشرت في صحيفة 'الهيرالد تربيون' العالمية يوم الخميس الماضي، قائلا: 'لو كان غرض الحكومة الاسرائيلية تدمير حماس فيجب ان نتساءل اذا ما كان هذا ممكنا. واذا ما كان الجواب بالنفي فان الهجوم ليس قاسيا وهمجيا ومشينا فحسب بل انه بلا معنى ايضا. واذا ما افترضنا بان القضاء على حماس ممكن عسكريا حقا فكيف ستواجه اسرائيل رد الفعل في غزة حينئذ؟ ان تاريخ اسرائيل القريب يشير الى انه اذا ما تم مسح حماس من الوجود بواسطة القنابل فان مجموعة اخرى ستولد، مجموعة ستكون اكثر تطرفا من حماس، واكثر عنفا واكثر كراهية لاسرائيل'. اما بالنسبة الى شق السؤال المتعلق بالعراق فان استراتيجية المحتل الامريكي وعبيده قد غلفها الفشل منذ اليوم الاول للاحتلال. اذ نجحت المقاومة العراقية في وقف عجلة التوسع الامبريالي ورغبة امريكا في السيطرة على الشرق الاوسط ودفنت احلامها في خلق ' الشرق الاوسط الجديد'. بل ان المحتل فشل في دفع حكومته العميلة الى الاعتراف بالكيان الصهيوني ومستوطناته كدولة خشية اثارة الغضب الشعبي.
وقد شهدت شوارع المدن العراقية المختلفة، منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، على المستوى الشعبي، مظاهرات احتجاج واستنكار ومطالبة بدعم اهل غزة في محنتهم. وعلى المستوى السياسي، اصدرت القوى السياسية المناهضة للاحتلال بيانات تضامنية مع اهل غزة والمقاومة الفلسطينية الصامدة وكان من بين المجموعات: هيئة علماء المسلمين والحزب الاسلامي الكردستاني والتيار الصدري والمؤتمر التأسيسي الوطني ولجنة التنسيق المشتركة للقوى الوطنية المناهضة للاحتلال. اما على المستوى العسكري، فقد أعلنت مجموعات المقاومة العراقية المسلحة تضامنها مع المقاومة الفلسطينية في غزة، لتشن مجموعة عمليات مسلحة ضد قوات الاحتلال الامريكي، اطلقت عليها اسم 'نصرة غزة'، ايمانا منها بان العدو الامريكي والصهيوني واحد وان مقاومتهما واحدة، وان من ينكر مساهمة المقاومة العراقية في وقف توسع الامبراطورية الامريكية وربيبتها اسرائيل، كمن يحاول انكار حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والعودة. وما تجدر الاشارة اليه هو ان كتائب ثورة العشرين لوحدها، على الرغم من كل تحصينات العدو وخلقه ظاهرة الصحوة، قد نفذت 374 عملية ضد العدو الامريكي في عام 2008. 
ان وحشية الاحتلال الامريكي للعراق الذي تسبب في استشهاد مليون مواطن وتهجير خمسة ملايين وترك مليون ارملة وملايين الايتام وعدم الاعتراف بحق الشعب العراقي المحتل في المقاومة، يؤديان، وبشكل يومي الى خلق جيل جديد من المقاومين للاحتلال وبضمنهم النساء. مما يبين بوضوح ان مهمة امريكا في العراق لم تنته كما اعلن بوش في 2003. كما ان وحشية القصف الصهيوني على اهالي غزة المحاصرين، وتعاون رؤساء الحكومات العربية الذين بات دورهم هو دور كلاب الحراسة لحدود ومعابر الكيان الصهيوني، ستؤدي حتما الى ولادة جيل جديد من الشباب المقاوم ليثبت بان مهمة الكيان الصهيوني في فلسطين لن تنتهي.