Saturday 21 February 2009

العراق: كيف لا يقاتل من يُحتل بلده وتُغتصب اخته؟

03/11/2008
في رواية الطاعون المنشورة عام 1947، قدم الكاتب الفرنسي البير كامو، الذي ناضل في صفوف المقاومة ضد الاحتلال النازي وحكومة فيشي الفرنسية العميلة، تعريفا جديدا للبطولة فهي: عندما يقوم الناس العاديون بأمور غير عادية نتيجة احساسهم بالمسؤولية الاخلاقية.
بهذا التعريف اصبحت البطولة ملكا لا للنخبة بل لكل الناس. ومن هذا المنطلق بامكاننا ان نفهم موقف الشاب العراقي ابراهيم القرغولي، الذي حكمت عليه (محكمة عراقية يوم الثلاثاء بالموت شنقا بسبب قيامه بقتل ثلاثة جنود أمريكيين عام 2006 بطريقة وصفت بالوحشية)، وحسب بيان وزعه جيش الاحتلال الامريكي يوم الثلاثاء الماضي، واستنسخته وكالات الانباء العربية والعالمية.
وكان مصدر كل ما نشر عن اصدار حكم الاعدام بحق ابراهيم هو جيش الاحتلال الامريكي. لذلك وصفت العملية التي ساهم بتنفيذها بالوحشية تارة وبالارهاب تارة أخرى. بينما كان ما قام به ابراهيم هو مساهمته في عملية عسكرية ضد جنود العدو التابعين للفرقة 101 المنقولة جوا، الذين كانوا يقومون بدورية استطلاع في مدينة اليوسفية بمحافظة بابل جنوب غربي بغداد في 16 من حزيران/يونيو 2006. وقال المتحدث باسم العدو الامريكي، بان (الشهود الذين قدموا الدليل على القضية لم يحضروا الى المحكمة للادلاء بشهاداتهم. ويشعر الجميع بأن قرار المحكمة هو خطوة في الاتجاه الصحيح... وان من المرضي جدا رؤية المحكمة العراقية تعمل...) وما لم يذكره المتحدث المسرور بأداء (المحكمة العراقية) واصدارها الحكم المطلوب منها ، هو ان الشاب ابراهيم القرغولي، خلافا لجنود الاحتلال الغاشم ومرتزقته، انما قام بعمل بطولي دفعه اليه احساسه بالمسؤولية الاخلاقية لتحقيق العدالة وهو فعل كان يتوجب على القضاء العراقي، لو كان مستقلا حقا، ان يقوم به، أي محاكمة جنود الاحتلال التابعين للفرقة 101، الذين قاموا بواحد من اكثر الافعال انحطاطا وهو اغتصاب الطفلة عبير قاسم حمزة بشكل جماعي ثم حرقها لاخفاء معالم جريمتهم وقتل شقيقتها هديل البالغة من العمر 5 سنوات بعد قتل والديها. وللتستر على الجريمة، أصدر المتحدث الرسمي باسم قوات الاحتلال بيانا حمل فيه (المتمردين الارهابيين) مسؤولية جريمتهم. وكان موقف (الحكومة العراقية) هو موقف القرد الذي يغطي عينيه واذنيه وفمه للدلالة على انه لا يرى ولا يسمع ولاينبس ببنت شفة. بينما كان غضب الناس العاديين عارما على استهتار جنود العدو بكرامة المواطنين وانتهاك الاعراض وقتل الابرياء. ولم يتم تقديم المجرمين من القتلة الى القضاء العراقي لان قوات الاحتلال ومرتزقتهم يتمتعون بالحصانة من القضاء العراقي. وهذه هي ذات الكارثة التي سيعاني منها المواطن على مدى اجيال مقبلة اذا ما تم توقيع الاتفاقية العسكرية طويلة الامد مع الادارة الامريكية. 
لذلك كان من الطبيعي في ظل استهتار الاحتلال وعنجهيته واستمراره في ارتكاب الجرائم بلا محاسبة وفي ظل غياب القانون والقضاء، ان يلجأ الشباب المقاوم ومن التنظيمات المحلية الى الرد على العدو ووفق الطريقة التي يراها مناسبة. فكانت عملية استهداف جنود العدو ومن ذات الوحدة التي اغتصب افرادها الطفلة عبير، فأين الجريمة في ذلك؟ وأين كان (القضاء العراقي) يومها؟ لماذا لم تصدر محكمة الجنايات حكم الاعدام شنقا بحق القتلة من الامريكيين؟ 
والى كل من يصف عملية قتل الجنديين الامريكيين بالوحشية ، نقول: هل كانت معاملة المعتقلين من النساء والرجال والاطفال واغتصابهم في ابو غريب انسانية؟ هل نفذت مجزرة حديثة التي قتل فيها 24 شخصا بينهم نساء واطفال وشيخ مقعد، بطريقة ذبح انسانية؟ وماذا عن مقتل 17 مدنياً عراقياً على يد مرتزقة الشركة الأمنية بلاكووتر في 16 ايلول/سبتمبر الماضي، هل أصدرت (المحكمة العراقية) حكم الاعدام بحقهم؟
وماذا عن قتل 22 عراقيا اثناء احتجازهم في مدينة البصرة لدى القوات البريطانية؟ وقد تبين من فحص جثثهم بانهم قد تعرضوا للتعذيب بشكل مروع بضمنه قلع العيون والاعضاء التناسلية وبشكل وصفه المحامي البريطاني فيل شاينر بأنه (أسوأ سلوك للجيش البريطاني في الاعوام المئة الاخيرة).
ولا تقولوا بان هناك محاكمات تجري في امريكا وبريطانيا لمحاسبة القتلة، ففي بريطانيا مثل 21 جنديا وضابطا بريطانيا أمام محاكم عسكرية بشأن حالات القتل ولكن لم يتم إدانة سوى جندي واحد فقط بعد اعترافه، والشيء ذاته تم بصدد عشرات الحالات في امريكا مع العلم انها لا تمثل غير اقل القليل من الجرائم التي فضحت.فلماذا اذن اصدار حكم الاعدام بحق الشاب ابراهيم القرغولي؟ الانه ساهم في عملية ضد قوات الاحتلال وأسر اثنين من جنود العدو، اليست مقاومة الاحتلال واجبا شرعيا وقانونيا حسب كل الاعراف والقوانين الدولية وبضمنها قرارات الامم المتحدة وقوانين امريكا وبريطانيا؟ 
ان الطريق الوحيد لكي يستعيد المواطن العراقي كرامته وعزة نفسه هو التخلص من الاحتلال الهمجي ومقاومته بكل الاساليب الممكنة، اما اذا كنا نهدف الى وضع حد للتجاوزات القانونية والجرائم والانتهاكات واذا اردنا ان نضع حدا للانتقام حسب قاعدة العين بالعين والسن بالسن مما سيجعل نصف البشرية بلا عيون والنصف الآخر بلا اسنان، فان الحل الوحيد هو وجود حكومة تمثل الشعب حقا ونظام قضائي يحقق العدالة للجميع بلا استثناء. ولن يتحقق هذا اطلاقا ما دامت حكومة المحاصصات تتعامل مع افراد الشعب بروح انتقامية بينما تفسح المجال للمجرمين والقتلة من قوات الاحتلال والمرتزقة جميعا وبلا استثناء. 
ان ابراهيم القرغولي مواطن عراقي عادي جوبه بجريمتين الاولى هي احتلال وطنه والثانية هي اغتصاب اخت له. فكيف لا يقاوم وكيف لا يثور؟ وهذا السؤال هو الذي يجب ان يطرحه القضاة في محكمة الجنايات على انفسهم، اذا كانوا يتمتعون النزاهة واحترام الذات والقوانين. ولايزال امامهم فترة 30 يوما لتصحيح موقفهم. ولا تزال امامنا افراد ومنظمات في العراق والبلدان العربية والاسلامية وعلى المستوى العالمي الفرصة لرفع اصواتنا عاليا للمطالبة باطلاق سراح ابراهيم. 
ان اصرار المقاوم البير كامو، في روايته الرمزية عن مدينة اصابها وباء الطاعون، على وضع المسؤولية الأخلاقية للفرد في قلب كل الخيارات العامة، يكتسب اهمية خاصة في وضعنا الحالي، حيث يعيش العراق في ظل الاحتلال تحت غمامة ضياع الحق والصمت والاستسلام . وهذه النقطة هي التي تحدث عنها كامو مرارا وتكرارا في الرواية، خشية أن تفوت على القارىء، حيث يقول: (عندما ترى المعاناة التي تنجم عن وباء الطاعون ، يجب ان تكون مجنونا أو أعمى أو جبانا حتى تقبل به).