Saturday 21 February 2009

اتفاقية أمنية أم تقديم الضحايا قربانا للاحتلال الامريكي؟

27/10/2008
منذ عدة اشهر وساسة الاحتلال العراقيين يتناوبون على اغراقنا بتصريحاتهم المضببة وغمزاتهم ولمزاتهم، فيما بينهم، بدون الافصاح عن حقيقة مواقفهم وأدوارهم في سيناريو الاتفاقية العسكرية طويلة المدى. كما دأبوا، مثل الحائك الكذاب، على اجراء المقابلات والزيارات المكوكية من والى أوطانهم الام:
امريكا بالنسبة الى البعض كما في حالة قيادة الحزبين الكرديين أو ايران كما في حالة المجلس الاسلامي وقيادة فيلق بدر أو الاثنين معا مع بريطانيا، تحت الأضواء أو تحتها، كما في الحزب الاسلامي. كثير من الضجيج والتهويمات عن الموضوع نفسه بلا معلومات او تفاصيل تبين لابناء الشعب العراقي المهمش ما سيفعلون باسمه. وبات من المألوف ان يعمد كل واحد منهم على تغليف الزيارات بالتصريحات عما يسمونه سيادة العراق وحماية استقلاله بل ويتمادى البعض مثل رئيس الوزراء المالكي بالضرب بقبضته ( الحديدية)، بين الحين والآخر، على المنصة في سوق المزايدات، امام كاميرات الفضائيات، ليبرهن بانه وطني مخلص بعد ان قام وحزبه وبقية الاحزاب والميلشيات بتخفيض سقف مفهوم الوطنية تحت الاحتلال الى حد باتت فيه الحكومة الايرانية هي الناطقة الرسمية باسم العراق، لتقف بإباء معلنة رفضها توقيع المعاهدة في أثر حضورها وامريكا المؤتمر تلو المؤتمر للتباحث في الشأن العراقي (ولاتسألوني ما شأن ايران بهذه المعاهدة، الا إذا كانت طرفا فيها أو كانت المعاهدة جزءا من صفقة إقليمية أوسع). وهو الوضع الذي يصفه الكاتب الشيوعي حسقيل قوجمان بانه منطق الاحتلال اللامنطقي متسائلا عما اذا كان يتوجب علينا حقا، كما يبرر ذرائعيو الاحتلال، ان نتخلى عن المنطق ونوافق على اللامنطق، أي توقيع الاتفاقية، مادمنا نعيش في عالم لامنطقي؟ 
وكما امسك رامسفيلد، وزير الدفاع الامريكي السابق، بالعصا ضاربا كل من سولت له نفسه بعصيان السيد المحتل في حكومة الاحتلال برئاسة الجعفري، لوحت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية، بالعصا نفسها، لحكومة المالكي، وهاهو وزير الدفاع روبرت غيتس يحذر يوم الثلاثاء 21-10-2008 من 'عواقب وخيمة' في حال عدم التوصل إلى اتفاق سريع حول المعاهدة. وانتقل غيتس من التحذير الى التهديد قائلا بأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإن القوات الأمريكية بالعراق 'ستكون مضطرة لأن توقف أي شيء تقوم به'. مذكرا كل من يحاول ان يهز ذيله في تمثيلية الممانعة الخجولة بان: 'هناك خيارين فقط: إما اتفاق على وضع القوات الأمريكية، وإما تجديد تفويض الأمم المتحدة'. والمعروف ان الخيارين لن يمسا بأي شكل من الاشكال استمرارية بقاء قوات الاحتلال بل شكل بقائها فحسب ومن منطلق ان الحمار هو ذات الحمار وان تغيرت البردعة. ولن نتفاجأ اذا ما عاد مسلسل التفجيرات والسيارات المفخخة في الاسواق المكتظة بالناس وعلى مقربة من الجوامع واماكن العبادة الاخرى قريبا لتسويق ذريعة ابقاء قوات الاحتلال. 
وتشير مسودة الاتفاقية التي نشرتها قناة السي أن أن الامريكية الى ان العراق سيقيد بقيود ثقيلة بشكل لامثيل له في تاريخه المعاصر وان شد القيود حول معصميه وقدميه سيتم بأياد عراقية ووفق معاهدة مليئة بالاحتمالات والمراوغات المفتوحة بلا نهاية لصالح المحتل. حيث تبدأ كل مادة في الاتفاقية ببسملة احترام سيادة العراق وتنتهي بامكانية تمديد او تجديد او تفسير الصلاحيات وفق مفهوم مغاير. واجد الكلمات عاجزة ازاء حجم الكارثة التي سيوقعنا بها عملاء الاحتلال بينما استعيد من الذاكرة دور فريق المفاوضات الجزائري مع المحتل الفرنسي في أفيان (1956 ـ 1962) من اجل استقلال الجزائر والذي واصل مفاوضاته المتقطعة على مدى ست سنوات، مع الاصرار، في الوقت نفسه وبلا مساومة او تسويف باي شكل كان، على استمرار المقاومة المسلحة ضد المستعمر، وكان خلاف المفاوضين الجزائريين مع الفرنسيين على الجوهر وليس الشكل كما يفعل ساسة الاحتلال في العراق اليوم، كما حرص فريق المفاوضين على ان يضم بين افراده ألمع القانونيين الجزائريين الملمين بالقوانين الفرنسية والدولية لتجنيب الوفد المفاوض الجزائري خطر التوقيع على مفردة تحتمل اكثر من تفسير مستقبلا. بينما بامكان اي شخص يعرف القراءة والكتابة مع القليل من المعرفة بمصلحة العراق ان يدرك بان الاتفاقية المزمع توقيعها لاعلاقة لها من قريب او بعيد بمصلحة العراق او الدفاع عن سيادته. فكل جملة في المسودة حافلة بألغام التفسيرات المتناقضة.
فبينما تنص الديباجة على ان البلدين 'شريكان ذوا سيادة ومستقلان ومتكافئان.' تشير احدى المواد على ان من حق امريكا: امتلاك 'المعدات الدفاعية' أي الأسلحة الدفاعية المنظومات والأسلحة والعتاد والمعدات والتجهيزات والمواد المستخدمة في الحروب التقليدية حصرا، والتي تحتاجها قوات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأنشطة المتفق عليها بمقتضى هذه الاتفاقية'. وتشمل الانشطة المتفق عليها حق امريكا في استخدام السلاح الجوي والمشاة والقاء القبض على من يهدد الامن والاستقرار واجراء العمليات العسكرية ( المادة الرابعة)، وضمان إمكانية الوصول إلى المنشآت والمساحات المتفق عليها واستخدامها من قبل قوات الولايات المتحدة والمتعاقدين مع الولايات المتحدة والمستخدمين العاملين لدى هؤلاء المتعاقدين والأفراد أو الكيانات الأخرى (المادة السادسة)، كما يجوز للسيارات والسفن التي تديرها قوات الولايات المتحدة، أو تلك التي تُدار حينذاك لحسابها حصراً، أن تدخل وتخرج وتتحرك داخل الأراضي العراقية لأغراض تنفيذ هذه الاتفاقية.. ولا تتعرض طائرات وسفن وسيارات حكومة الولايات المتحدة والطائرات المدنية، التي تعمل حصراً بموجب عقد مع وزارة الدفاع الامريكية، إلى صعود أي طرف على متنها دون رضا سلطات قوات الولايات المتحدة على ذلك، ولا تكون عرضة للتفتيش ( المادة التاسعة). ولذر الغبار في العيون، نثرت على طول الاتفاقية وعرضها جمل على غرار ' على ان تتم بالاتفاق مع الحكومة العراقية ' او ' تماشيا مع احترام السيادة '، وهي جمل تمثل قمة السخرية السوداء في بلد يعيش اهله مرارة انعدام السيادة والثقة بمن يدعيها من المتعاونين مع الاحتلال.
وتأتي المادة المتعلقة بحصانة جنود الاحتلال والمتعاقدين والمرتزقة لتحول المأساة الى كارثة. حيث تنص المادة الثانية عشرة على ان 'يكون للولايات المتحدة الحق الرئيسي لممارسة الولاية القضائية على أفراد القوات والعنصر المدني بشأن أمور تقع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها، وأثناء حالة الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها'. اي في كل الحالات. وقد طمأن غيتس الكونغرس الأمريكي أن حصانة جنوده مضمونة في جميع الحالات. فهل من المعقول ان يكون الطالباني او البارزاني او الحكيم او المالكي او الهاشمي قادرا على انزال العقاب بجندي احتلال او مرتزق ارتكب جريمة بحق مواطن عراقي؟ وما الذي فعلوه في السنوات الخمس الاخيرة لحماية أبنائنا وبناتنا، ليطمئن الناس ويشعرهم بالامان؟ ومع ذلك حرصت الجهات الامريكية على اضافة البند الخامس الذي يشير الى أنّه 'يجوز لسلطات أي من الطرفين أن تطلب من سلطات الطرف الآخر أن يتخلى عن حقه الرئيسي في الولاية القضائية في حالة معينة. وتوافق حكومة العراق على ممارسة الولاية القضائية فقط بعد إقرارها وإخطارها الولايات المتحدة تحريريا خلال 21 يوما من اكتشاف الجريمة التي يدّعى أنها وقعت، بالأهمية الخاصة لممارسة تلك الولاية القضائية'. ومثل قرار تجديد بقاء (القوات متعددة الجنسيات) المشروط بطلب من الحكومة العراقية الذي لم يحدث واعترضت عليه الحكومة العراقية اطلاقا تنص مسودة الاتفاقية على ' وتعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت'. انه حق الطلب الافتراضي الذي يراد تحته تمرير إتفاقة الذل. 
ان سلوك ساسة حكومة الاحتلال وأتباعها المتظاهرين بالحرص على سيادة العراق، بينما يقتصر خلافهم مع المحتل على الشكل الذي تخرج به للعيان، يماثل سلوك من يقتل فتاة من أهله اغتصبت بينما تتم تبرئة المجرم المغتصب وتقديم الضحية قربانا. فقد تناوب ساسة حكومة الاحتلال على التصفيق والتمجيد بالمحتل الذي غزا واحتل وارتكب ابشع الجرائم في وطننا، وهاهم يكافئون المحتل عن طريق التوقيع على اتفاقية، تشرعن جريمته، وتتيح له افضل الظروف لمواصلة ارهابه وجرائمه لفترة زمنية تركت معلقة حسب رغبة المحتل وعملائه بعيدا عن قناعة الشعب العراقي والعربي والاسلامي، ولن اقول الحكومات، المتهالكة هذه الايام على ارسال سفرائها الى العراق المحتل، لانها مشاركة في الجريمة كشاهد زور يردد ما يلقنه إياه من يعده بالغنائم عما يسمى بالتحسن الأمني المزعوم، متعاميا عن النظر حوله الى شواهد الضحايا وملايين اللاجئين والأرامل والأيتام.