Thursday 12 February 2009

لمصلحة من يدير قادة الأحتلال العسكري شؤون التعليم في العراق؟

28/09/2008
لقد كتبت مئات المقالات والتقارير الصحافية وتم بث عشرات البرامج، عبر القنوات والفضائيات العراقية والعربية، عن الاتفاقية العسكرية طويلة الامد المزمع توقيعها بين حكومة الاحتلال الامريكية وصنيعتها الحكومة العراقية، ولكننا لم نقرأ او نطلع، الا بشكل عابر وببضع جمل متداخلة مع تلك الأخبار، عن المعاهدة الثانية أي المعاهدة الثقافية، المزمع عقدها بالتزامن مع المعاهدة العسكرية والتي لا تقل خطورة عنها، في تأثيرها على المدى البعيدة. وقد تم تغليف فحواها بذات العمامة وذات الشروال ولغة 'الديمقراطية' المضببة التي غلفت المعاهدة العسكرية لعدة اشهر الى ان انفضح امر تفاصيلها اخيرا. 
فما الذي نعرفه عن المعاهدة الثقافية وما معناها وما هو سبب وضعها جنبا الى جنب مع العلاقات الامنية والسياسية؟ ان ما نعرفه عن تفاصيلها كمعاهدة قانونية ستربط العراق بامريكا لسنوات لا يعلم أحد مداها لا يزيد على الاسم والذكر العابر في مضمونين. حيث ذكرت مفردة الثقافة اولا في البند السابع من المادة الاولى المعنونة العلاقات السياسية والدبلوماسية والثقافية في 'اتفاق المبادىء لعلاقات الصداقة والتعاون بعيدة المدى بين الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية العراق' الذي تم توقيعه بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2007' ليضع اساس التعاون بين البلدين الحليفين في مجالات الامن والاقتصاد والسياسة'. وينص البند السابع حرفيا على 'تشجيع التبادل الثقافي والعلمي والتعليمي بين البلدين'. وجاء ذكر الثقافة، ثانية، في المعاهدة الموازية للمعاهدة العسكرية وهي التي ستنظم الهيكل الاستراتيجي على المدى البعيد ' للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والثقافية'. واذا ما قرأنا البند السابع لفهم طبيعة ما اطلق عليه اسم التبادل الثقافي والعلمي والتعليمي بين البلدين لوجدنا الصورة حالكة مضللة. فما هو معنى هذا التبادل بين البلدين؟ وهل بالامكان قيام تبادل يتناول اهم اسس البناء الحضاري للعراق، مع استعمار ارسل قواته الهمجية لتحطيم كل ما هو ثقافي وعلمي وتعليمي في العراق لتسهل عليه الهيمنة الفكرية والثقافية؟ ولم يكتف المحتل الهمجي بتحطيم البنية التحتية للبلد وتهديم المدارس والجامعات ونهب المتاحف والمعارض وحرق المكتبات بمخطوطاتها النادرة وكتبها القيمة بل وامتدت حالة الفوضى التي خلقها لتغذي الموساد وفرق الموت وميليشيات الجهل لتستبيح حياة العلماء والاساتذة والمثقفين والصحافيين، تاركة العراق، بعد قتل خيرة ابنائه وهجرة عقوله، لساسة لا يهمهم غير حماية انفسهم وسرقة كل ما يستطيعون سرقته باسرع وقت ممكن وجعل العراق رهينة بيد المحتل على مدى عقود مقبلة. 
لقد قامت ادارة الاحتلال الامريكية بتوجيه الضربة القاضية الى النظام التعليمي الذي نخره الحصار الجائر الذي فرضته امريكا لمدة 13 عاما. أولا، عن طريق جنرالات البنتاغون المسؤولين عن كل محافظة أو قطاع مدني فيها، سواء خرج هؤلاء من مكاتبهم في المنطقة الخضراء أم لا، وبضمنه المسؤولون عن وزارات الثقافة والتعليم، ممن يمارسون دورهم عبر الامساك بأوليات الصرف المالي أو منعه، وثانيا ان النظام التعليمي، بكافة مراحله، أصبح مسيسا لصالح المحاصصات الطائفية والعرقية وخاضعا لبرامج الميليشيات والفساد المالي والاداري بادارة واشراف المحتل الامريكي باستحقاق. فلم يعد التعليم في المدارس والجامعات غير تسجيل حضور واجتياز امتحانات يسودها الغش والرشوة وتدهور المستوى بشكل لم يعرفه العراق منذ تأسيس النظام التعليمي فيه. ولم تستلم الجامعات العراقية كتابا أو جهازا واحدا لطلابها أو أساتذتها خارج المنح المتبعثرة ومراكز الأبحاث الخاصة المرتبطة بمموليها المعروفين وغير المعروفين داخل البلاد وخارجها لشراء الذمم. فخوف المحتل من الشعب المتعلم الواعي، والجهود العلمية والثقافية العراقية المستقلة كبير جدا ويهدد بقاءه. لذلك حرص المحتل، منذ الايام الاولى، على تفكيك الدولة العراقية التي حرصت دائما على اعطاء التعليم الاولوية في سياستها، عبر الحكومات الملكية والجمهورية والوانها السياسية. 
واذا ما كانت ميليشيات احزاب الاحتلال لها اولوية الحضور في الحرم الجامعي في جامعات بغداد والجنوب، ولحماية وزير التعليم حق اطلاق النار على الطلبة، فان حكومة اقليم كردستان، المتمتعة بالديمقراطية، افتراضا، والتي تتباهى قيادتها بانها النموذج الحضاري الافضل للعراق كله، خطت خطوة تفوقت فيها حتى على ميليشيات الجهل والتخلف الطائفي في بقية انحاء العراق، عندما تم تعيين اللواء البريطاني المتقاعد روبن بريمز رئيسا لجامعة كردستان في اربيل، بناء على امر صادر من مكتب رئيس وزراء الاقليم نيجرفان بارزاني. وجامعة كردستان هي الجامعة العراقية الاولى التي تم تأسيسها بعد الغزو الانكلو امريكي في عام 2003 وتدرس فيها المواد باللغة الانكليزية. وقد اثار تعيين بريمز استنكار الاساتذة في الجامعة واستقال سبعة منهم احتجاجا على تعيين آمر عسكري لاعلاقة له بالتعليم اساسا والطريقة التي فرض بها التعيين. والمعروف ان اللواء بريمز لا يحمل اية شهادة جامعية. مما يدفعنا الى مقارنته باساتذتنا الذين تبوأوا منصب رئيس جامعة بغداد، مثلا، وترك كل واحد منهم تاثيره على البناء المعرفي والاكاديمي والتميز بالروح الوطنية العراقية في آن واحد، ومن بينهم: العالم د. متي عقراوي، وعالم الفيزياء النووية د.عبد الجبار عبد الله، والمؤرخ التاريخي المعروف د.عبد العزيز الدوري.
وتقتصر مؤهلات بريمز على القيادة العسكرية وانه كان الآمر الذي حقق (النصر) لقوات الاحتلال البريطاني في البصرة وحاز بسببها على ميدالية تقدير لخدماته للامبرطورية البريطانية وعين نائبا لآمر القوات متعددة الجنسيات في بغداد الى ان تقاعد في2007 . ولاسباب غير معلنة حل بريمز محل البروفسور عباس ولي، وهو اكاديمي كردي يتمتع بسمعة علمية جيدة. وفي كلمته الاولى امام الجامعة، عزا بريمز سبب اعتباره ملائما لمنصب العميد الى كونه قد قضى 38 سنة وهو يقود القوات العسكرية استنادا الى التحليل، والفكرة، والتخطيط والتطبيق! 
وما لم يذكره بريمز (قائد معركة البصرة) في خطابه الاول كرئيس لجامعة كردستان هو ان يديه ملطختان بدماء عدد من المعتقلين في المعتقلات البريطانية في البصرة الذين ماتوا تحت التعذيب البشع. وكان بريمز قد أنكر في شهادته امام اللجنة البرلمانية المشتركة لحقوق الانسان في لندن 2006، ان يكون الجيش قد استخدم اساليب عنيفة في التحقيق مع المعتقلين. بل وأكد ان تغطية رأس المعتقل وحرمانه من النوم وتعريضه للضجة ممنوع في الجيش. الى ان نشرت صحيفة الديلي تلغراف يوم 28 تموز 2008 ان النواب البريطانيين قد خدعوا فيما يخص طرق استجواب المعتقلين وان الحقيقة كانت مختلفة تماما على ارض الواقع في العراق. وهناك عدد من القضايا المرفوعة، الآن، ضد الجيش البريطاني في المحاكم. وما لم يذكره رئيس الجامعة، ايضا، هو ان هذه هي المرة الاولى في تاريخ الشعوب الحديث التي يتم فيها تعيين آمر لقوات احتلال بلد ما لادارة الجامعات فيها خاصة وانه آمر حرب لم تنته بعد، حسب تعليق صحيفة 'انكلش لانغويج غازيت' التي نشرت الخبر. والسؤال المطروح هو لماذا يتم تعيين رجل مثل هذا ساهم في تخريب العراق وتعذيب المعتقلين على رأس مؤسسة تعليمية مهمة؟ اليس هناك اساتذة من العراقيين الكرد، ولننس العرب، المؤهلين لتبوؤ المنصب بدلا من ( بطل) الاحتلال الجلاد؟ أم انه عامل الخوف من التعليم والوعي والاستقلال الحقيقي الذي يجمع ما بين المستعمر وعملائه ويجعلهم يقفون صفا واحدا لمواجهة ابناء الشعب بغض النظر عن اديانهم وقومياتهم؟ لذلك يبذل المحتل وعملاؤه اقصى جهدهم لاغراق الشعب في دوامة الفقر والجهل والغيبيات والترويع المستمر لان انتهاء هذه الحالة سيقود الشعب الى المقاومة والثورة ضد مستغليه.
ان ادارة الاحتلال تدرك جيدا اهمية الهيمنة الثقافية باعتبارها تمس جذورا عميقة في البنية الاجتماعية للامة وتكوينها وهويتها، لذلك نراها تعمل على توقيع المعاهدة الثقافية، بدون الاعلان عنها، كامتداد ضروري للهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية، وتم تخصيص ميزانية كبيرة لشراء المتعاونين كأفراد من دكاكين سوق الثقافة، بعيدا عن الخدمة العامة. وهي ظاهرة لا تخفى على الحركة الوطنية العراقية، متابعة وتسجيلا، وتأهبا لمواجهتها كمواجهة تبعات الاحتلال السياسية والاقتصادية الأخرى.