Saturday 21 February 2009

حكومة المالكي تبيع صكوك الغفران عن تهديم الدولة

24/11/2008
كان البابا في روما، في سنة 1516، في اشد حالات العوز المادي، فاستنبط طريقة تجلب له وللكنيسة المال، وذلك عن طريق إصدار وبيع صكوك الغفران، وطلبت الكنيسة من الناس شراءها ليغفر الله ذنوبهم وذنوب أقربائهم أو من يشاؤون ممن سيعذبون في المطهر بسبب ما اقترفوه من ذنوب. وماتقوم به حكومة المالكي، حاليا، من توقيع للاتفاقيات مع العدو المحتل يشبه بيع صكوك الغفران مع اختلاف الجهة التي تغفر لها ذنوبها. فبدلا من افراد تغفر لهم ذنوب حقيقية أو وهمية هناك جهة إجرام دولي منظم عن إبادة البشر وتهديم بلد بأكمله. 
ففي اجتماع ما يدعى بمجلس الوزراء، تمت الموافقة، يوم السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2008، على توقيع (الاتفاقية الامنية) من قبل 27 وزيرا وتغيب ثمانية وكان الصوت الرافض الوحيد هو صوت وزيرة الدولة لشؤون المرأة التي امتلكت من الشجاعة ما يكفي لأداء واجبها. ما لم يقله الباصمون (وكل واحد منهم صارأشطر من سيده الامريكي برمي الفقاعات الخطابية) هو انهم وفي خضم الضجة الاعلامية التي فصلها الاحتلال وساعدوا في خياطتها، انما يشاركون لا في توقيع الاتفاقية الامنية فحسب بل ومعها اتفاقية الاطار الاستراتيجي لما يسمى بالتعاون الامريكي العراقي وعلى المدى البعيد، والذي سيمنح الاحتلال الشرعنة القانونية للهيمنة على كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية على مدى لم يحدد بسقف زمني. ان توقيع هذه الاتفاقيات، وهنا وجه الخطورة الكبيرة، سيكون ملزما للشعب العراقي بعد زوال التركيبة الهجينة التي تدعي تمثيله اليوم. ألم نزل، بعد 18 عاما من غزو الكويت، وعلى الرغم من تغير نظام الحكم وحرق العراق وتخريبه وتهجير اهله، ندفع التعويضات لكل من هب ودب؟ ألم نزل ندفع لجيش الغزو الامريكي، ثمن 35 دولارا لكل رأس خس، أكله جنوده وهم يقتلون ابناءنا؟ 
ولا تكمن خطورة توقيع الاتفاقية الامنية والاطار الاستراتيجي المستند الى ميثاق المبادىء الذي وقعه رئيس وزراء حكومة الاحتلال نوري المالكي مع رئيس الدولة المحتلة جورج بوش على شرعنة الاحتلال مستقبلا فقط ولكنه مثل صكوك الغفران، توقيع شامل لمسح كل الذنوب او الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال وعملائه في فترة الخمس سنوات السابقة.. انه صك غفران مفتوح على الماضي والحاضر والمستقبل معا وهو مسح مطلق لحق ابناء الشعب العراقي في مساءلة ومحاكمة ومقاضاة وبالتالي تثبيت العدالة بحق مجرمي الاحتلال الذين مارسوا ابشع الجرائم بذرائع مختلقة. وهي جرائم لا يحق لمن يوقع على صك الغفران ان يغفرها لانه هو الآخر قد ساهم بشكل مباشر او غير مباشر في ارتكابها. فمن البديهيات الانسانية والشرعية والقانونية ألا يحق للمجرم ان يكون قاضيا. 
لقد عمل العدو الامريكي ومستخدموه في حكومة الاحتلال على اشغال الناس بجدولة الاحتلال السياسية والترويج لديمقراطية ابراز المهاترات والتصريحات والبيانات المضللة على حساب الحقيقة. وأصبح التركيز على مهزلة الخلافات المختلقة فيما بينهم سواء ما كان منها بصدد الانتخابات او كتابة الدستور او الاتفاقية الامنية حاضنة لنمو الفساد وتجذير للاحتلال وعباءة يتم بواسطتها ستر عار عبوديتهم وجرائمهم المنسوجة مع جرائم الاحتلال.
وصار بامكان قوات الاحتلال الامريكي والبريطاني ان تفتخر بسجلها في مجال واحد وهو عدد الجرائم مما جعل المنظمات الانسانية الدولية ومنظمات حقوق الانسان تصف العراق بانه بات ينافس في عدد قتلاه ضحايا الابادة الجماعية في رواندا وحقول القتل في كمبوديا. حيث بلغ عدد ضحايا الاحتلال المليون والنصف المليون تقريبا وحسب الاحصائية الاخيرة لمجموعة بحوث الرأي أو آر بي البريطانية المستقلة والصادر في كانون الثاني/يناير 2008. ويشير الصحافي والباحث بيتر فيليبس، وهو مؤسس موقع سنسورشب الاعلامي الذي يدرب الصحافيين على رصد الاخبار التي تتجاهلها اجهزة الاعلام الممولة من قبل المؤسسات الاحتكارية، الى ان الولايات المتحدة الامريكية مسؤولة وبشكل مباشر عن قتل ما يزيد على المليون مواطن عراقي. وان القصف الجوي مسؤول عن ثلث القتلى. وقد بلغ معدل عدد الضحايا عشرة آلاف شخص شهريا، نصفهم قتل باياد امريكية. وهو رقم هائل ومرعب بكل المقاييس، يجعل استخدام مفردة الجريمة بدلا من المجزرة وحملة الابادة، مشاركة في التضليل. وان من بين القتلى امهات وآباء واطفالا فضلا عن العمال والموظفين والشرطة والمعلمين واصحاب المهن الحرة، أي كل شرائح المجتمع. وقد قتلوا لا لشيء الا لان امريكا ارتأت ان تغزو العراق لاسباب كاذبة تماما كشفت حقيقتها الايام والشهادات القانونية التي يتم التصريح بها، الآن، حتى من قبل بعض الجهات التي كانت في صف الغزاة، ولو بعد خراب البصرة. وفي الوقت الذي يقوم فيه ذوو الضمائر الحية من الامريكيين ومحبي السلام ومناهضي الحرب في اوروبا وجميع انحاء العالم، سوية مع المقاومة العراقية وكل من يناهض الاحتلال من العراقيين الشرفاء، بالعمل المستمر والدؤوب على انهاء الاحتلال بكل اشكاله ومطالبة الحكومات التي شاركت في غزو وتهديم العراق بالتعويضات فضلا عن الاعتذار من الشعب العراقي والعمل على معاقبة المجرمين المسؤولين، نرى ان اعضاء حكومة المالكي يتدافعون، مثل المتدافعين للحصول على موطئ قدم في حافلة ركاب مكتظة، للتوقيع على معاهدات يعرفون جيدا بانها ستسبب قتل المزيد من العراقيين وستدفع البلد والشعب الى حافة الجحيم. وهم يعرفون ذلك جيدا، واذا ما أدعى بعضهم السذاجة قبل الغزو وفي بداية الاحتلال، وأدعى آخرون بان مساهمتهم كانت لغرض التأثير والتغيير من داخل العملية السياسية، فلا بد وان دماء الضحايا قد غسلت عيونهم وفتحتها على سعتها بعد خمس سنوات من الاحتلال. كما هم يعرفون جيدا أن العالم يحاول منذ فترة اعادة الحياة للشرعية الدولية وان كبار القضاة العالميين، وبضمنهم البريطانيون، مصرون على ان كوارث الحرب على العراق مسؤولية كل من ساهم في شنها بدون أي حق وإستنادا الى أكاذيب. 
ان الاختلاف بين الجهات المشتركة في حكومة المالكي يشبه الاختلاف بين قتلة اجتمعوا فناول احدهم السكين الى القاتل وقام الآخر بغرز السكين في قلب الضحية ووقف البقية يتفرجون. الاختلاف شكلي وجوهره الاشتراك في قتل الموطن العراقي بلا مبرر. لقد باع البابا وكنيسة القرن السابع عشر المفلسة ماديا صكوك الغفران لتجميع الثروات على حساب الدين والمبادىء والقيم الاخلاقية وها هي حكومة الاحتلال برئاسة المالكي تبيع الى قوات الاحتلال، بالاضافة الى مستقبل العراق، صكوك الغفران عن جرائم قتل راح ضحيتها مليون ونصف مليون شهيد لقاء تجميع الثروات واطفاء شهوة الانتقام وفرصة الحصول على اللجوء في بلدان الاحتلال بعد ان ينبذهم اهلهم وشعبهم. ان مصيرهم الذي اختاروه بانفسهم هو في داخل رحم الاحتلال، يرتبطون به بحبل السرة وسينقطع يوم رحيله.