Saturday 21 February 2009

وزيرة البيئة العراقية تتجاهل ذكر اليورانيوم المنضب

01/12/2008
كنت وما ازال متحيزة للمرأة عموما وللمرأة العراقية خصوصا، لاسباب عديدة من بينها التمييز التاريخي والاجتماعي التقليدي فضلا عن التشريعات القانونية المستندة، في البلاد العربية والاسلامية، على التفسيرات الدينية الخاضعة، غالبا، لهوى ومصلحة الطبقة او الحزب او العائلة الحاكمة. وكنت، في فترات متغايرة، على وشك ان أصبح متطرفة في تحيزي للمرأة لفرط الظلم المجتمعي الذي تتعرض له من جهة، وتأثرا احيانا، كما يحدث لبعض المهتمات بالشأن النسوي، بالحملات العالمية المساندة للمرأة مهما فعلت ولمجرد كونها امرأة.
غير ان بروز اسماء نسوية قيادية على المستوى السياسي العالمي وسلوكهن المشابه لاي رجل يستلم زمام السلطة، كان له فعل الفرامل الكابحة للسرعة، لما كان يمكن ان يصبح تطرفا اعمى. من بين النسوة اللواتي أدين لهن باستعادة التوازن: السيدة ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، التي اشتهرت بعملها على تقويض فكرة المجتمع، ومادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية الامريكية السابقة، التي اعتبرت ان وفاة نصف مليون طفل عراقي نتيجة الحصار الجائر على العراق ثمنا يستحق الدفع لتغيير النظام، وكوندوليسا رايس وزيرة خارجية امريكا، حاليا، الواقفة بصلابة بجانب حكومة الكيان الصهيوني في استهدافه النساء والاطفال الفلسطينيين، والتي تعتبر قتل النساء والاطفال العراقيين، من قبل قوات بلادها، مجرد خسائر جانبية تثير الأسى. 
هذا على مستوى تسنم المرأة للمناصب القيادية عالميا، اما اذا انتقلنا الى خارطة المساواة في السلوك السلطوي وغير الانساني بين الذكور والاناث من العراقيين الذين تعاونوا مع قوات الغزو الامريكية والبريطانية في رسم خارطة الغزو والاحتلال لوجدنا انهم، وعلى الرغم من تباكي بعض نسوة الاحتلال على التمييز ضدهن، يقفون جميعا مثل فرق تنفيذ احكام الاعدام رميا بالرصاص، في صف واحد مقابل ابناء الشعب المناهض للاحتلال الواقف في الصف المقابل متلقيا رصاصهم. ومثل ثاتشر واولبرايت ورايس، صار لنا نماذجنا من النسوة المتساويات مع الرجال في جلب الخراب على النساء اللواتي يدعين تمثيلهن. فقد عملت نساء الاحتلال مثل رند رحيم فرانكي وزكية اسماعيل حقي وصفية السهيل وآلاء الطالباني وصفية السويج وأخريات، بشكل محموم، يماثل عمل أقرانهم من الذكور مثل احمد الجلبي وكنعان مكية والطالباني وعادل مهدي والحكيم، على تزويد العدو بالمعلومات والدعم بانواعه وقرع طبول التأييد لغزو بلادهم. واستمر نشاط النساء تحت الاحتلال ليتخذ مسارا جديدا وهو الاستجارة بالعدو المحتل ليوفر لهن حماية (حقوقهن) ضد ما يسمينه بالتمييز الجندري او النوع الاجتماعي. ولاداعي للتكرار بان الدفاع عن حقوق المرأة كمواطنة وعدم تعريضها للعنف بسبب جنسها ومساواتها بالرجل قانونيا من الاهداف الانسانية النبيلة التي نؤيدها، جميعا. غير ان التطبيقات الدعائية الرخيصة والكاذبة لأكثر الاهداف الانسانية نبلا في العراق المحتل حولها الى اداة اعاقة لعمل الناشطين حقا في هذا المجال وجعلها محط استهزاء وسخرية من قبل عموم الناس. كما ان استخدامها لاغراض دعائية وسياسية تزويقية لاضفاء صفة الانسانية والاخلاقية على محتل همجي يرتكب الجرائم ضد المرأة، بانواعها، بدءا من الاهانة والاغتصاب والتجويع والتشريد الى القتل المستهدف لها ولافراد عائلتها، أمر يستدعي مراجعة مواقف وتاريخ من يحاول استغلال هذه المفاهيم. 
ان نسوة الاحتلال سواء في حكومة الاحتلال أو برلمانه ساهمن وبدرجات متفاوتة في تزييف الحقائق وتضليل المرأة العراقية واهانتها والسكوت على الجرائم التي تتعرض لها يوميا. حيث اختزلت قضية المرأة ومأساتها الى مجرد سعي لتوقيع الاتفاقيات ولحضور الندوات والمؤتمرات العالمية واصدار البيانات عن (وجوب تدريب المراة القيادية). فعن قيادة أي بلد يتحدثن وملايين العراقيات لم يعد لديهن بيت أو عمل في بلدهن اساسا؟ 
لذلك تأتي تصريحات نسويات الاحتلال فيما يسمى بالكتلة النسوية في البرلمان ومطالبة (الحكومة العراقية) بضرورة الاسراع بتشريع قوانين تحمي المرأة من العنف الاسري والاجتماعي ضد العراقيات، كبند استعراضي لتحويل الانظار عن الجرائم الجسيمة التي تتعرض لها المرأة في ظل الاحتلال وحكومة الميليشيات الطائفية والعرقية ولدغدغة مشاعر الرأي العام العالمي ومنظمات الامم المتحدة الراعية لحقوق المرأة، وكأن المرأة العراقية مخلوق هوائي مجرد، حيث تتعامل معها البيانات وكأنها لا تنتمي الى اسرة او مجتمع او شعب ولا تحمل هوية تاريخية. وتصورها باعتبارها تعيش في شرنقة نسوية خاصة غير معنية بالسياسة والاقتصاد والهم العام. واختارت عضوات الكتلة النسوية، مثل زملائهن من رجال الاحتلال، تحويل الانظار عن المرأة العراقية القتيلة والمشردة والارملة والعاطلة عن العمل والمعتقلة والمغتصبة والمهانة والمستغلة التي فقدت حق التعليم والمستجدية للعلاج الصحي والمرعوبة من انجاب اطفال مشوهين، لتتحدث عضواتها باسهاب وحماس عن كليشيه مساهمة المراة القيادية في بناء ديمقراطية الاحتلال.
وقد قرأت في اليوم العالمي لمناهضة العنف، المصادف يوم الثلاثاء الماضي، مقابلة مع نرمين عثمان، وزيرة البيئة، أجرتها صحيفة 'الصباح' الرسمية، تحدثت فيها عن عام 2009 عام باعتباره عاما لتنفيذ أهم المشاريع البيئية في العراق. فماهي الخطط والمشاريع البيئية التي ستشرف على تنفيذها السيدة نرمين عثمان في عام 2009؟
تقول الوزيرة بان وزارة البيئة ستستثمر التقنيات المتوفرة في البلد من اجل التوصل لحلول نهائية لبعض المشاكل الكبيرة التي تعاني منها البيئة العراقية. وقد يظن البعض بان الوزيرة تتحدث عن مشكلة العراق البيئية الاولى أي اليورانيوم المنضب او الاشعاعات النووية الناتجة عن استخدام قوات الاحتلال للاسلحة المحرمة دوليا في غزوها واحتلالها في عام 2003 وما سبق ذلك منذ التسعينات، الامر الذي نتج عنه اصابة الآلاف بامراض سرطانية مختلفة وولادة اطفال مشوهين وحرمان النساء من حق تكوين الاسرة فضلا عن تسبب الاشعاع في التأثير على البيئة عموما وانتقال اليورانيوم المنضب بشكل تراب قاتل من جنوب العراق الى شماله. وكما تدل بحوث ودراسات المنظمات المعنية. 
وكلها يوصي بوجوب الاسراع بحملات التنظيف السريعة وتحميل الدول الغازية مسؤولية الخراب الصحي الذي سيصيب الاجيال المقبلة من اطفالنا وعلى مدى آلاف السنين. غير انه سرعان ما يتبين بان الوزيرة انما تتحدث عن تقليل الغاز المنبعث من افران الخبز وعن توقيع الاتفاقيات الدولية (للسيطرة على الغازات المنبعثة غير الصديقة للاوزون) وانها، وهنا المضحك المبكي، ستحاول (بث الوعي بين النساء حول كيفية استعمال انواع 'السبريه' من البخاخات وحتى بخاخات الحشرات والتي يجب ان تكون فيها اشارات بان فيها غازات صديقة للاوزون ايضا). اما عند الحديث عن تنظيف العراق من الالغام ويحتوي العراق باعتراف الوزيرة 25 مليون لغم اي ربع الموجود في العالم فانها تسرع لتبرير قلة العمل بان الوزارة رقابية وليست تنفيذية وان عملية التنظيف تحتاج اموالا طائلة. فهل حدث وفكرت الوزيرة بمصير مليارات الدولارات التي اختفت في جيوب المحتل والمتعاقدين معه والمشاريع الوهمية التي وفرت للمسؤولين العراقيين الهاربين منهم والموجودين حاليا ملايين الدولارات المسروقة من ابناء الشعب والتي كان بالامكان استخدام جزء منها لتنظيف البيئة؟ 
ومثل كل الوزراء ورئيس الوزراء وقيادة الجيش والشرطة، الذين امسكوا بالديمقراطية من ذيلها، لاتكف السيدة نرمين عن تشكيل اللجان والاشتراك في غرف العمليات واللجان المشتركة بل وتتفاخر بان لديها (غرفة عمليات) خاصة ولديها من المشاريع الورقية ما سيمكنها من اجراء المقابلات الصحافية على مدى عشرة اعوام مقبلة !
ان مقابلة وزيرة البيئة نموذج ممتاز للتضليل الاعلامي المغلف لدور المنخرطين في منظومة الاحتلال سواء كانوا رجالا ام نساء ومهما كانت طبيعة مناصبهم، التي قد لا تستدعي بالضرورة الكذب او التهميش او التضليل. فمن المعروف، ان وزيرة البيئة، خلافا لوزير للدفاع او الداخلية أو الخارجية لا تحتاج اطلاق التصريحات السياسية او العسكرية المضللة أو عدم ذكر الحقائق بحجة الدفاع عن أمن البلد.
المعروف، ايضا، انها مسؤولة عن وزارة حيوية ومهمة جدا في المحافظة على نوعية حياة وصحة ومستقبل ابناء الشعب العراقي والبلد ككل، ولا يمكن لوزارة كهذه القيام بواجباتها ان لم تستند الى الحقائق العلمية الموثقة والاحصائيات والدراسات الميدانية، وهي امور اما ان الوزيرة غير قادرة او لا تريد القيام بها او انها تعيش، حالها حال زملائها من الذكور، في واقع المنطقة الخضراء الافتراضي، بينما يواصل المواطن العراقي، عيش الكفاف والموت في المنطقة الحمراء، وهو يتنفس تراب اليورانيوم القاتل، ويأكله مختلطا بالخضروات واللحوم، ويحمله في داخله مشوها للجينات على مدى اجيال مقبلة. 
والاكثر من ذلك، يتاجر سياسيو الاحتلال، نساء ورجالا، بمأساته ويطالبون بتوعيته، وهو الاوعى منهم مئات المرات، ليزوقوا صورتهم القبيحة امام انفسهم والعالم.