Friday 19 June 2009

العراق: لنسجل البطولات الفردية في ذاكرتنا الجماعية

28/02/2009

في خضم الاحداث المتسارعة وما يحيطها من تضليل اعلامي والتباس، على مستويات عديدة في العراق المحتل، نعجز، احيانا، على الرغم من متابعتنا ورصدنا للاحداث، في ان نولي احداثا معينة ما تستوجب من اهتمام وتوثيق، مما قد يؤدي الى اندثارها في كومة الاستهلاك اليومي للاخبار والمعلومات. وينتج عن اندثارها عدم توثيقها بشكل مكتوب أي السرد الحقيقي لتاريخ الشعب ونضالاته، المستند الى التواصل والرصد والتسجيل، الهادف الى تعزيز اهمية الذاكرة الجمعية للمجتمع.
ومن المعروف لكل من يدرس التاريخ، بان التاريخ المدون، منذ بدء التاريخ، هو تاريخ رسمي كتبه كهنة المعابد، لانهم كانوا يعرفون القراءة والكتابة ويعملون في خدمة الآلهة وظلالها على الارض من ملوك، بالاضافة الى مؤرخي السلاطين والحكام والملوك والطبقات الحاكمة. اما ما يقدمه الانسان العادي من انجازات، فيبقى حبيس الذاكرة الشفهية التي قد يتم تناقلها من شخص الى آخر ومن امة الى اخرى، اذا ما اتيح لها التحول، في لحظة زمنية معينة، الى بطولة اسطورية، ليتم تناقلها وتداولها من قبل عامة الشعب لحقبة زمنية معينة ثم تصبح سجينة تلك الحقبة.
انتقالا الى وقتنا الحالي، برزت في ظل الاستعمار الامريكي الحالي للعراق، ومنذ عام الغزو في 2003، بطولات عديدة في مجال مقاومة المحتل. وهي بطولات جماعية وفردية، تم توثيق بعضها من خلال الاشارة اليها في بيانات الاحزاب والمجموعات المناهضة والمقاومة للاحتلال. وجاء التوثيق معنيا، بشكل خاص، بالمقاومة المسلحة وعملياتها وما تلحقه بالعدو من خسائر. وقدمت لنا بعض البيانات القليلة اشادة ببعض الاعمال الفردية المقاومة للنساء والرجال معا، مع ذكر اسم وانتماء الفرد ومكان اقامته واسباب انجاز العمل. وهي مسألة، على ندرتها، ومع ادراكنا لمخاطر كشف هوية المقاتلين، ضرورية جدا لكي نبين اعتزازنا باباء وعزة المقاوم ورفضه لعبودية الاحتلال ولتوثيق العمل الذي يجب الا يضيع في زحمة الاحداث الاخرى. وهو واجب علينا، لئلا ننسى ولئلا تتلاشى، من ذاكرتنا، الاسباب التي دعت الافراد الى القيام بهكذا اعمال، ومن بينها بطولات مذهلة ستخلد، عند الاطلاع عليها من قبل الاجيال المقبلة، باعتبارها تواصلا لنضال المواطن العراقي منذ ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني.
وقد تناقلت وكالات الانباء، بشكل سريع، أخيرا، حدثين بالامكان ادراجهما ضمن نمط المقاومة الفردية العفوية البطولية، حيث جاء في الخبر الاول: ' ان مسلحا أطلق النار على دورية أمريكية كانت متوقفة أمام بيته، يوم 30 كانون الثاني/ يناير، مما أسفرعن مقتل أحد جنود الدورية واصابة آخر بجروح في قضاء بيجي، شمال العراق. وأوضح مصدر أمني أن القوات الأمريكية قتلت المواطن العراقي واعتقلت شقيقه بعد أن داهمت بيته' . من جهة اخرى، بطبيعة الحال، أصدرت قوات العدو تصريحا ذكرت فيه اسم الجندي الامريكي وعمره وفرقته، كما قام العديد من المواقع والمدونات، المعنية بمتابعة اخبار جنود الاحتلال، بوضع صورة الجندي وتقديم صورة تفصيلية عن حياته وعائلته والاشادة بـ' تضحيته' من اجل وطنه واستشهاده في سبيل المحافظة على أمن بلاده والدفاع عن ' المبادىء' الامريكية.
في الوقت نفسه، لم يكلف الناطق الرسمي 'العراقي' أو اي من اجهزة الاعلام العراقية والعربية، انفسهم عناء ذكر اسم المواطن العراقي والسبب الذي دفعه الى ان يطلق النار على دورية عسكرية مرت من امام بيته. وبالامكان وصف نقل اجهزة الاعلام للخبر مبتورا ومشوها ومضللا، اما غباء او مشاركة في جريمة الصمت المرتكبة يوميا بحق المواطنين في العراق عموما والشهداء خاصة.
غير ان جهة واحدة وموقعا الكترونيا واحدا، حسب علمي، قاما باعطاء الشهيد مايستحقه: اسما وموقعا ومأثرة تشكل اسمى التضحيات. حيث أصدر تجمع اهالي بغداد بيانا، تم نشره على موقع البصرة نت، حيا فيه ' الوقفة البطوليه للشهيد اسامه هاشم حسين العزاوي الذي اطلق النار على مجموعه من جنود الاحتلال الامريكي في قضاء بيجي التابع الى محافظة صلاح الدين نهارا جهارا في سوق للخضار'.
واكد الشيخ الشمري، الناطق الرسمي باسم التجمع: 'ان تلك الوقفة الشجاعة للبطل اسامة هاشم العزاوي التي وقفها نهارا جهارا... كانت تعبيرا صادقا يعكس مدى غضب كل العراقيات والعراقيين الذين نالهم اذى هؤلاء الاشرار من قتل وتشريد وتدمير واحتلال لوطنهم وكذلك تعكس حجم الظلم والقهر والانتهاكات التي تحصل الان والتي حصلت في سجن ابو غريب وبقية المعتقلات التي يرزح فيها مئات الالاف من الابرياء'.
اما الحدث الثاني، فقد تم تجاهله من قبل اجهزة الاعلام، واعطانا قسم الثقافة والاعلام، في هيئة علماء المسلمين، في تصريح له نشر على موقع الهيئة نت، وكذلك وكالة اخبار يقين، بتاريخ 3 شباط/ فبراير، صورة يتوجب علينا توثيقها لكي لا ننسى همجية الاحتلال وجرائمه التي لا تستثني احدا. اذ قامت 'احدى المدرعات التابعة لقوات الاحتلال السافرة، في الساعة الواحدة من ظهر الاثنين المصادف الثاني من شباط (فبراير)، بدهس سيارة حمل نوع (كيا) في منطقة (رأس الجادّة) بمدينة الموصل ما أدى إلى وفاة سائقها وطفلهُ وشخص آخر كان قريباً من الحادث، ثم اتّجهت تلك المدرعات إلى شارع نينوى (السرجخانة) وصدمت عددا من السيارات المدنية، بعدها ترجّل جنود الاحتلال من مدرعاتهم وقاموا بتحطيم زجاج السيارات المدنية بأخمص البنادق، ما أدى إلى اصابة عدد من الأشخاص الذين كانوا فيها بجروح'.
ونقل التصريح الصحافي عن شهود عيان في المنطقة قولهم: 'ان أحد عناصر الشرطة الذي ينتسب الى فوج الطوارئ الثالث في الموصل فقد صبره ولم يتحمل ذلك الموقف فأطلق النار على قوات الاحتلال الأمريكية وإصاب عددا منهم بجروح، لكن تلك القوات المسعورة اطلقت النار على الشرطي فأردته قتيلاً في المكان'.
ان توثيق مثل هذه الانتهاكات والجرائم وما يقابلها من بطولات، في عصر الانترنت والمواقع والمدونات الشخصية، يجعلنا في غنى عن انتظار اجهزة الاعلام المقروءة والمرئية التي تتحكم بها مصالحها وسياساتها الخاصة، لتقوم بالمهمة. وكل ما نحتاجه هو ان نبادر بانفسنا بكتابة ما نراه وبالتفصيل الممكن عن الحوادث. مع التأكيد على ذكر التاريخ واسماء الاماكن والشهداء ان امكن. ان الكتابة وتسجيل التفاصيل ستزودنا بسلاح ذي حدين. الاول هو الاساس لمحاكمة المجرمين والمسؤولين مستقبلا، والثاني لئلا يتم تغييب بطولات شهدائنا.
ان حرمان المواطن العراقي من اسمه هو تغييب متعمد لانجازه وذكراه. وشهود الصمت الذين يبررون صمتهم بالحيادية، يساهمون في تحويل جرائم المحتل البشعة الى حالة عادية تمنح القاتل الحماية والشاهد غفوة الضمير. انهم يريدون دفن جرائمهم. فلنقاومهم بتدوين ما نراه ليبقى الحدث حيا. انهم ينشدون موتنا في براغماتية الخنوع والذل، بينما يولد في مدننا الخصبة بالكرامة هديرالف اسامه
.