Friday 19 June 2009

يوم المرأة العراقية: لئلا ننسى جرائم الاحتلال

07/03/2009
ونحن على مبعدة يوم من الاحتفال بيوم المرأة العالمي، تشعر المرأة العراقية بانها تراقب سرابا ملونا بينما تقف، في واقع الحال، على عتبة العام السابع للاحتلال الانكلو امريكي لبلادها، منغمرة بمأساة تدفعها لتقاتل من جديد ضد ما كانت قد نجحت في التخلص منه منذ عقود خلت.
العدو الاول الذي تخلصت منه في نضالها المبكر هو المحتل الذي اراد تحويل ابناء الشعب العراقي الى عبيد لرعاية مصالحه، وتنفيذ سياسته بأمرة حكومة تعمل على عرقنة المستعمر، والوقوف بينه وبين ابناء الشعب المقاتل من اجل نيل حريته واستقلاله. العدو الثاني الذي تخلصت منه المرأة، هو الجهل والتخلف النابعان من قلة التعليم وما يتبعه من استغلال البعض للدين لتحويله الى اداة للتفرقة والاضطهاد. العدو الثالث هو التمييز ضد المرأة الذي يهمش دورها المجتمعي ليقتصر على الوظيفة البايولوجية واقصائها عن الحياة العامة وحرمانها من المساهمة في التنمية وبناء الامة والوطن.
وقد تميز نضال المرأة العراقية، على اختلاف مراحله، منذ بدايات القرن الماضي بخصائص واضحة. اذ وقفت المرأة، في حركة التحرير الوطني جنبا الى جنب مع الرجل. وكانت انجازاتها العديدة، في التحولات المجتمعية والقانونية، قد تحققت بشكل تدريجي وعضوي، نابعة من حاجة المجتمع العراقي نفسه في التطور والتفاعل مع العالم الخارجي، وليست مفروضة عليه فرضا من الخارج بناء على سياسة خارجية تهدف، كما نرى اليوم في العراق المحتل، الى استغلال قضايا المرأة وعزلها لصالح المحتل وديمومة بقائه. كما تميز نضال المرأة، منذ عشرينيات القرن الماضي، بمساندة ودعم الرجل الى حد يدفعنا الى اطلاق صفة 'النسويات' على عدد من الرجال الذين بادروا الى الدعوة لحصول المرأة الى حقوقها في التعليم والعمل ونزع الحجاب والعباءة، محاولين الربط ما بين تعليم المرأة ومساهمتها في بناء الدولة وتطور الامة. فكان الشاعران الزهاوي والرصافي وهما من عائلتين دينيتين محافظتين وكان الكاتب الماركسي حسين الرحال. اتفقوا جميعا، على الرغم من اختلاف اتجاهاتهم السياسية وخلفياتهم الدينية والقومية، على وجوب تمتع المرأة بالمساواة مع الرجل في التعليم والعمل واختيار شريك الحياة وارتداء او نزع الحجاب والعباءة.
وها هي المرأة العراقية التي كانت تسير معتدة بانجازاتها واستقلالها الاقتصادي في طليعة شقيقاتها في العالم العربي وبقية بلدان الشرق الاوسط، تعود اليوم، بقلب مثقل بالهموم والكمد، الى نقطة الصفر لتناضل من اجل الحقوق الاساسية لنفسها ولابناء وطنها. اذ نجح الاحتلال في اسداء الضربة القاضية الى افضل نظام تعليمي وصحي في المنطقة، بعد 13 عاما من الحصار الجائر، وبعد حرب استنزفت الطاقات البشرية والاقتصادية. ها هي مليون ارملة تناضل من اجل توفير لقمة العيش لها ولاولادها. هاهي تناضل ضد جرائم القتل والاختطاف ليواصل خمسة ملايين يتيم حياتهم بشكل قد يحمل بعض الملامح الانسانية. ها هي المرأة تواصل بحثها اليومي عن المختطفين والمفقودين من اعضاء عائلتها من الذكور والذين كان عددهم عشية الاحتلال في عام 2003، ما يقارب 375 ألفا وأصبح منذ الاحتلال وحتى عام 2007 المليون حسب احصائية منظمة الصليب الاحمر الدولي. انها، تحاول على الرغم من المأساة التي تغلف حياتها، ان يواصل ابناؤها، التعليم. فقد بلغت نسبة الفتيات بين تلاميذ المدارس الابتدائية ممن تغيبوا عن الدوام المدرسي 70 بالمئة، مما سيعيدنا، من ناحية تعليم الفتيات، الى ثلاثينيات القرن الماضي. وهو أمر يعني، واقعيا، خسارة جيل كامل. ها هي المرأة واطفالها، الذين يشكلون ثلثي المهجرين والنازحين البالغ عددهم الخمسة ملايين تقريبا، يحاولون الحصول على ابسط مقومات الحياة بينما تحافظ الام والزوجة والاخت والابنة المحافظة على الكرامة والشرف وعزة النفس.
وقد تعمدت قوات الغزو منذ اليوم للاحتلال، تحت انظار العملاء وصمتهم، التعرض لكرامة المرأة وشرفها كاسلوب منهجي لاهانة الشعب العراقي وكسر ارادته. ولم تقتصر اهانة المرأة على مداهمة البيوت فجرا واعتقالها كرهينة لحين تسليم الاقارب من الذكور انفسهم بل وتجاوزتها الى الانتهاكات الجسدية والاغتصاب. وكان ما نشر عن فضائح سجن ابو غريب ما هو الا جزء قليل من الجرائم التي تم التستر عليها من قبل الادارة الامريكية وسياسيي الاحتلال من العراقيين في معتقلاتهم السرية والعلنية. اذ كتب الصحافي الامريكي سيمور هيرش، من مجلة النيويوركرالمعروفة، في 25 حزيران/يونيو2007، قائلا بان الجنرال تاغوبا، رئيس لجنة التحقيق في جرائم ابو غريب، قد اخبره بان هناك المئات من الصور واشرطة الفيديو التي منعت الادارة الامريكية نشرها خشية تعريض قواتها في العراق الى غضب الشعب ومقاومته، ومن بين 'الاشرطة المقززة' التي رآها الجنرال بالتحديد شريط فيديو عن 'جندي امريكي يغتصب معتقلة بطريقة وحشية' وآخر 'يغتصب صبيا معتقلا'. ولاتزال هذه الجرائم، بانواعها، تمارس اليوم في 'العراق الديمقراطي الجديد'، ضد المرأة والرجل والاطفال سوية، بدون ان يحاسب احد على ارتكابها او ممارستها بشكل منهجي.
في ظل هذه المأساة الكارثية، هل من المستغرب ان تدعو المنظمات والناشطات المناهضات للاحتلال الى تخصيص يوم للمرأة العراقية تحت شعار 'لكي لا ننسى'. مع الاقرار بالفارق ما بين عدم النسيان وعدم الغفران. اذ يهدف الاول الى التذكير لئلا تتكرر الجرائم ولكي لا ندور في حلقة العنف ذاتها، بينما يهدف الثاني الى تبني نزعة الانتقام وممارستها بقلوب عمياء كما يفعل الذين عادوا مع المحتل.
ان فكرة يوم المرأة العراقية تأسيس لمنظور استراتيجي نابع من خصوصية وضع المرأة ونضالها ولايتعارض مع الاحتفال بيوم المرأة العالمي باعتباره حلقة الربط بيننا وبين المرأة في جميع انحاء العالم. وتختلف الفكرة كلية عن منظور نسوة الاحتلال ومنظماتهن، المدعومة ماديا، من قبل ادارة الاحتلال، كما انها تختلف عن احتفالات المنظمات النسوية الملحقة باحزاب منخرطة في عملية الاحتلال السياسية كمنظمة رابطة المرأة العراقية لصاحبها الحزب الشيوعي، التي باتت ملكية اكثر من الملك في حرصها على عدم ذكر المحتل وجرائمه. وهي واحدة من منظمات نسوية تدعي الدفاع عن حقوق المرأة بانتقائية الناظر بعين واحدة، حيث تلقي اللوم على ' التطرف الاسلامي' بينما تتغاضى عن جرائم المحتل المخزية وتعمل، في الوقت نفسه، وتتلقى الدعم من حكومة احتلال طائفية وعرقية بغيضة خاضعة لمحتل يروم الهيمنة على موارد ومقدرات الشعب كله ولا يخجل من اعلان ذلك على الملأ.
ان خصوصية فكرة يوم المرأة العراقية نابعة، ايضا، من تزايد جرائم الاحتلال واحتمال استمرارية بقائه وهيمنته باشكال مختلفة تجمع ما بين السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي، في السنوات المقبلة. ومع انعكاسات الوضع على المرأة وبالتالي الاطفال والعائلة المتبدية في ازدياد اعداد الارامل واليتامى والمهجرين والنازحين، على الرغم من ادعاء حكومة الاحتلال بعكس ذلك. ومع فقدان المرأة للكثير من حقوقها التي طالما ناضلت للحصول عليها عبر عقود من تاريخ العراق المعاصر، ومع ازدياد عدد الشهيدات والمعتقلات، ومع تصاعد مساهمة المرأة في المقاومة الوطنية للتحرر من الاستعمار الجديد. ومن المقترح اختيار يوم من شهر آذار/مارس، لانه يحمل في ايامه افراحا واحزانا متعددة. فهو شهر الخروج من ظلمة الشتاء والاحتفال بالربيع، وفيه يوم المرأة العالمي (8 آذار)، وهو الشهر الذي عشنا فيه محنة غزو بلادنا، وشهدت أيامه جريمة اغتصاب عبير حمزة الجنابي (12 آذار). وعبير هي الصبية البالغة من العمر 14 عاما التي اغتصبها خمسة من جنود الاحتلال الامريكي، في مدينة المحمودية، قرب بغداد، بعد قتل والديها وشقيقتها، ثم تم حرقها لاخفاء الجريمة البشعة. ولم يحرك أي من سياسيي الاحتلال، طائفيا كان أو علمانيا او قوميا، ساكنا. بل وقف الجميع وهم يتفرجون على هذه الجريمة وغيرها.
سيكون يوم المرأة العراقية، بعد اقراره للاحتفاء بانجازاتها عبر السنوات ونضالها ومساهمتها في مقاومة المحتل بكل الطرق الممكنة وبضمنها المقاومة المسلحة. وهو تذكير، ايضا، بان الجرائم التي تتعرض لها، سواء من قبل قوات الاحتلال او مستخدميه ممن استمرأوا العبودية والنهب والفساد، لن تمر بلا محاسبة قانونية عادلة بعد التحرير
.