Friday, 19 June 2009

حكومة دولة القانون تحتضن شركات خرق القانون في العراق

04/04/2009
اعلنت وزارة الخارجية الامريكية انها اختارت شركة امنية جديدة 'لحماية موظفيها في العراق' بدلا من شركة بلاكووتر. وتشمل كلمة 'موظفيها' بعض سياسيي الاحتلال من العراقيين أيضا.. وكان خمسة من مرتزقة بلاكووتر قد ضبطوا متلبسين بالجرم بعد واحدة من مجازر الاحتلال البشعة عندما اطلقوا النار على مدنيين بساحة النسور في بغداد مما اسفر عن استشهاد 17 مواطنا في 16 ايلول (سبتمبر) 2007، بعد سنين من تكرار جرائمهم غير المعلنة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية 'ان العقد منح الى شركة تريبل كانوبي التي اختيرت نتيجة عملية اختيار دقيقة شملت بضع شركات متنافسة في هذا القطاع'. فما هي شركة تريبل كانوبي، التي يعني إسمها بالعربية (الغطاء الثلاثي)، ولماذا تم اختيارها وهل ستكون افضل في تعاملها مع المواطنين العراقيين من سابقتها بلاكووتر، التي يعني إسمها بالعربية (الماء الأسود)، التي كان عناصرها يتسلون بقتل العراقيين كلما شعروا بالضجر؟ وماهو موقف المالكي، رئيس وزراء 'دولة القانون'، من ابقاء شركات المرتزقة؟
ان تريبل كانوبي شركة امريكية، ومقرها في فرجينيا على مقربة من واشنطن، تضم مرتزقة من جنود وضباط سابقين في القوات الامريكية الخاصة، بشقيها ذوي البيريه الخضراء وقوة دلتا. وهي قوات استخدمت في فيتنام وفي العديد من الدول 'لحماية' الحكومات الصديقة لامريكا ولمجابهة 'المتمردين'. ويعتبر مرتزقة قوة دلتا الافضل كقناصين مدربين بشكل خاص على العمليات السرية التي لا ترغب الحكومة الامريكية في الاعلان عنها، مما يفسر لنا عمل بعض القناصة الذين استهدفوا المواطنين في العراق واشاعوا الرعب بين الناس وشلوا الحركة العامة خاصة في عامي 2007 و2008. وهناك العديد من حالات القنص التي تستحق البحث التفصيلي، يوما ما، لمعرفة حجم الدور الذي لعبته قوات المرتزقة، فضلا عن فرق الموت، في تمزيق نسيج المجتمع العراقي وتقسيمه طائفيا. ففي واحدة من مظاهر الغضب على تواجد القناصة توجه اهالي حيي الجهاد والمهدية في بغداد للاعتصام امام احد مقار الجيش للمطالبة بحمايتهم وحماية المواطنين ممن يتنقلون معهم من القناصة الذين يستهدفون المدنيين في الطرقات. كما اكد اطباء وسكان مدينة الثورة في 24 نيسان (ابريل) 2008 ان القناصين الامريكان يستهدفون عمدا سيقان وبطون المواطنين. وصرح الاطباء بان جراح المصابين هي نتيجة الاصابة برصاص امريكي اطلق من بنادق قناصة. وان الرصاص امريكي وبالامكان تمييزه بسهولة.
وكانت تريبل كانوبي قد حصلت على عقدها الاول مع البنتاغون، في عام 2004، لحماية مكاتب مجلس الحكم في عهد بول بريمر، وهو عقد تم تجديده دوريا. وكانت قيمة العقد الاول متواضعا، 90 مليون دولار، ولمدة ستة اشهر. وتعتمد الشركة اولا على النخبة من قوة دلتا، وهم قلة ويتقاضون اعلى الاجور. اذ يبلغ اجر احدهم 700 دولار يوميا. وتعتمد، ثانيا، على المرتزقة من تشيلي وبيرو وفيجي والسلفادور، وهم الأكثرية لانهم الارخص اجرا اذ يتقاضى احدهم 60 دولارا يوميا. وكانت الشركة قد فازت بعقد آخر في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 لحماية المنطقة الخضراء لم يتم الاعلان عن قيمته. أما العقد الجديد فقد يكون أضعاف تلك البدايات، إذا تابعنا التصاعد المضطرد في تخصيص الحرب، وقد تصل قيمته الى اكثر من مليار دولار سنويا.
ويبدو تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية منطقيا حين يقول 'ان العقد منح الى شركة تريبل كانوبي التي اختيرت نتيجة عملية اختيار دقيقة'. اذ أثبتت سنوات الاحتلال ان تاريخ وحاضر الشركة الاسود في العراق يتطابق مع متطلبات حكومة اوباما كما تطابق مع متطلبات حكومة بوش من قبله فضلا عن كون جرائمها لا تختلف كثيرا عن جرائم بلاكووتر، ان لم تكن استمرارا لها. وبالتالي ستكون جزءا اساسيا من تركيبة الجيش المستقبلي الاستعماري في العراق وفق الاتفاقية الامنية بعيدة المدى التي تبدو، ظاهريا، وكأنها جدولة لانسحاب القوات بينما تدل كل المؤشرات الى ان ما سيجري هو استبدال وحدات الجيش الامريكي الرسمية بفرق المرتزقة الرخيصة التكلفة ووفق منظور خصخصة الحروب.
واذا ما كان عقد بلاكووتر قد الغي ظاهريا (اقول ظاهريا لان عقودها لم تلغ بل جددت مع البنتاغون، أي وزارة الدفاع، أي وزارة الحرب، بالتمايز الظاهري مع وزارة الخارجية) بسبب اغتيال مرتزقتها لمواطنين عراقيين، فان شركة تريبل كانوبي قامت بما هو ابشع ولم تحاسب من قبل احد. وها هي ادارة أوباما تكافأها، علانية وبلا خجل، بعقود جديدة.
ولنعد الى الماضي القريب للتذكير بما ارتكبه مرتزقة الشركة. فبتاريخ 8 تموز/ يوليو 2004، حسب صحيفة 'الواشنطن بوست'، بينما كان اربعة من مرتزقة الشركة في دورية في طريق المطار، قال قائد الدورية شين شميدت، وهو من المارينز السابقين: 'انني ساقتل شخصا اليوم'. بعد دقائق، ترجل شميدت من الآلية واطلق النار برشاشه على سائق شاحنة كانت قد توقفت لمرآهم، وأرداه قتيلا. وحذر شميدت افراد الدورية قائلا: 'ان هذا لم يحدث هل تفهمون؟'. في اليوم نفسه، قال شميدت بانه لم يحدث وقتل شخصا بمسدسه ثم اطلق النار على سيارة تاكسي كانت واقفة وقتل سائقها. كما قامت الدورية ذاتها باطلاق الرصاص على مدنيين في طريق الحلة يوم 2 حزيران/يونيو من العام نفسه.
وعندما كتب اثنان من افراد الدورية تقريرا عن الحادث طردتهما الشركة. فرفع الاثنان دعوى ضد الشركة لانها طردتهما بلا مبرر. ولم تنكر الشركة، اثناء المحاكمة، وقوع الجريمة مكتفية بالقول بان الشركة لم تنتهك او تسيء الى قانون فرجينيا، وولاية فرجينيا هي مقر الشركة.
وقد أصدر المحلفون الحكم في القضية في فرجينيا، لصالح شركة كانوبي باعتبار ان من حقها طرد مستخدميها الاثنين، بدون التطرق الى جرائم قتل المواطنين العراقيين، على الرغم من ان ارتكاب جرائم كهذه في امريكا كان سيؤدي حتما الى اصدار حكم الاعدام او المؤبد بحق المتهمين، حسب قانون الولاية. وهذا الحكم يبين ان القوانين الوحيدة التي يخضع لها المرتزقة في العراق هي قوانين العصابات وشذاذ الافاق، وحسب شهادة أحدهم اثناء المحكمة: 'ان الشعار الذي نتبعه في العراق هو: ما يحدث هنا اليوم يبقى هنا اليوم'. بمعنى ان ليس هناك من يحاسب المرتزقة مهما ارتكبوا من جرائم وانهم وحسب قوانين بريمر، التي تعيش في ظلها حكومة المالكي، يتمتعون بالحصانة من القانون العراقي. ومن المعروف بين مرتزقة الشركة بانهم محميون تماما واذا ماحدث شيء يمسهم فان الشركة، كما بقية شركات المرتزقة، ستتكفل باخراجهم من العراق فورا.
ترى ما هو موقف المالكي، رئيس وزراء دولة القانون، من وجود 200 ألف من المرتزقة المحصنين قانونيا وما هو موقفه من استبدال عقد شركة مرتزقة باخرى؟
بتاريخ 19 ايلول (سبتمبر) 2007 بعد مجزرة ساحة النسور، بدلا من اعتقال المرتزقة ومحاكمتهم امام القضاء العراقي، كما يحدث الآن لكل من تسول له نفسه القيام بعملية ضد قوات الاحتلال ومرتزقته، دعا المالكي 'بقوة' رجل القانون: 'المسؤولين الأمريكيين في العراق إلى استبدال شركة (بلاك ووتر) الأمنية ... ومن مصلحة السفارة الأمريكية في بغداد أن تعتمد شركات أخرى وتتحرك بها'. وليبدو المالكي كصاحب قرار، تم الاعلان، أيضا، عن سحب رخصة عمل شركة بلاكووتر في العراق. غير ان القرار تحول الى صفعة على خد المالكي عندما اتضح أن بلاكووتر التي تعد ثاني أكبر قوة عسكرية في العراق بعد الجيش الامريكي لا تملك رخصة عمل منذ أكثر من عام. وجاءت الصفعة الثانية على خد المالكي الآخر حين جدد جيش الاحتلال عقد الشركة رغما عن 'نهنهة' المالكي ومتحدثيه.
ان عقود شركات المرتزقة في العراق المتجددة حسب طلب واحتياجات السياسة الامريكية، وتزايد اعدادهم وفتح ابواب تجنيدهم من دول العالم الثالث، بارخص الاسعار، وتدريبهم في بلدان قريبة من العراق، قد غيرت من خارطة المفاهيم العسكرية للحرب وللاستعمار البعيد المدى. وان حكومات الاحتلال المتعاقبة المتزينة بخطابات القوة والقانون، تساهم سواء بموافقتها على وجودهم او صمتها أواستسلامها للامر الواقع، في جريمة لا تغتفر بحق المواطنين وهي منح المرتزقة حرية ارتكاب المجازر بلا محاسبة او مساءلة. وهي جريمة بمقاييس قوانين الدول المحتلة وعلى رأسها امريكا وبريطانيا وبكل المقاييس القانونية الدولية. اذ ان هناك فريق عمل خاص في الامم المتحدة يعمل على التحقيق في جرائم وانتهاكات المرتزقة وما تسببه من خروقات للسيادة الوطنية وحقوق الانسان.
ان تعاقد ادارة اوباما مع شركة تريبل كانوبي للمرتزقة وصمت حكومة 'دولة القانون'، وبعد ارتكاب مرتزقة الشركة لمجزرة قتل المواطنين وتبرئة المجرمين من قبل المحكمة الامريكية، يبين بوضوح مدى استهانة واحتقار ادارة اوباما لحكومة المالكي وقضائها وقوانينها. ويبين بوضوح اكبر مدى تمتع 'حكومة العراق الجديد' بالسيادة وقدرتها على تنفيد ابسط الواجبات أي الدفاع عن حق المواطن بالحياة
.