Friday 19 June 2009

أرأيتم كيف تعامل بغداد الغزاة؟

11/04/2009
لايمر يوم الا وتؤكد فيه المقاومة العراقية الباسلة حضورها ودفاعها عن عزة وكرامة العراقيين والوطن. لايمر يوم الا وتنصر فيه الضعفاء وتدافع عن حقوق من سلبهم الاحتلال كل حقوقهم. لا يمر يوم الا وتطلق فيه المقاومة، بكل فصائلها، طلقاتها في وجوه الغزاة ومستخدميهم الصغار، معلنة، مع كل طلقة، حقنا في الدفاع عن وطننا وحقنا في التخلص من المحتل، مهما كان اسمه ومهما كانت جنسيته، بكل الطرق الممكنة.
اليوم، تقول بغداد لكل المنافقين والكاذبين والعملاء الذين دخلوها مع الغزاة متسربلين بعارهم: أرايتم كيف انني لم استقبلكم، كما ادعيتم بعنجهية، بالحلوى والورود؟ أرأيتم كيف جعلتكم تسيرون على ارض من جمر؟ أرايتم كيف حولت حياتكم في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة الى جحيم ابتلعكم جميعا بآلياتكم واسلحتكم؟ أرأيتم كيف يدافع ابنائي وبناتي عن تربتي عن وطنهم؟
اليوم، ايضا، نعيش صمت معظم اجهزة الاعلام العالمية والعربية والعراقية ازاء المقاومة. فذكر المقاومة غير وارد اطلاقا في اجهزة الاعلام العالمية بل ان اجهزة الاعلام البريطانية اختارت تجاهل ذكرى شن الغزو السادسة و ما تسميه عادة بسقوط بغداد الا من زاوية قرار الحكومة البريطانية بسحب قواتها في منتصف العام 'بعد ان نجحت في تحقيق مهمتها'. ولن اضيع مساحة الكتابة هذه بمناقشة مفهوم 'نجاح' المهمة البريطانية في العراق. اذ ان مجرد اتخاذ الحكومة البريطانية قرارا بسحب قواتها المتبقية، وباسرع وقت ممكن هو في حد ذاته تكذيب لزيف ادعائها. وحذت اجهزة الاعلام العربية حذو اجهزة الاعلام العالمية في تحريم النطق بكلمة المقاومة مما يذكرني بقرار الحكومة البريطانية المفروض على قناة الـ 'بي بي سي' وغيرها في امكانية عرض صور زعماء المقاومة الايرلندية ضد الاحتلال البريطاني، اذا ما حدث وعرضت في نشرات الاخبار، ولكن بدون صوت. ولم يتم اطلاق سراح اصوات المتحدثين الايرلنديين الا بعد توقيع معاهدة السلام . اذ تراوحت مواقف اجهزة الاعلام العربية ما بين الاشارة الى الذكرى السنوية مع تعليق سريع او في احسن الاحوال اجراء مقابلة، ضمن نشرة الاخبار، مع احد المناهضين للاحتلال بعد التأكد من حضور احد اعضاء حكومة الاحتلال (من باب الموضوعية الرثة) وسرد بعض الاحصائيات وما بين عرض الاعلانات مدفوعة الاجر بملايين الدلارات المحتفية بـ 'ديمقراطية العراق الجديد'.
اما اذا انتقلنا الى اجهزة الاعلام العراقية فسنجد انفسنا ازاء قنوات وصحف تبيع مساحتها وصحافييها وتستمد صوتها من حنجرة الاحتلال مع بعض التنفيسات، تبثها على استحياء، عن 'معاناة' المواطن العراقي 'المظلوم' بدون ان تمس اساس ظلمه.
على الرغم من التعتيم والتضليل وشراء الذمم ونشوء طبقة جديدة من تجار اعلام الاحتلال وسياسييه ومتعاقديه، تبقى المقاومة حاضرة حضور الذات الانسانية. وتبقى للمقاومة وللحركات المناهضة للاحتلال والاستعمار الجديد اصواتها. ففي بغداد المقاومة، التقت في منتصف هذا الشهر مجموعتان من نساء الأعظمية والكاظمية فوق جسر الأئمة لتعلنا وحدة العراقيين ضد الإحتلال والطائفية، ثم عقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر القوى الشعبية الرافضة للاحتلال وآثاره مؤتمراً شعبياً وطنياً، في 27 آذار (مارس)، حضرته العديد من الشخصيات الدينية والوطنية، من بينها من هيئة علماء المسلمين والتيار القومي العربي والتيار الصدري. وقال أمين عام حركة العدالة والتقدم: 'إن الإرهاب الحقيقي هو الذي يقتل أبناءنا ويهدم مدننا وقرانا ويغتصب بناتنا ويؤتم أطفالنا، وهذا هو فعل المحتل في بلادنا فمن الإرهابي؟' . وقرأ ضرغام الزيدي كلمة شقيقه منتظر الزيدي التي بعث بها من خلف القضبان والتي جاء فيها: 'أنا فخور بما فعلته من اجل الثأر للكرامة العربية والإسلامية التي أراد أن يُذلها الطاغية'، ثم وجه كلامه إلى أبناء غزة المجاهدة: 'يا إخواني في غزة، عسى أن يكون فعلي بلسماً لجراحاتكم وجراحات الشرفاء في العالم التي سببها بوش الأرعن'. وتساءلت نادية العبيدي، عضو التنظيم النسوي العربي قائلة: 'إخوتي ألا يستحق بلدنا التضحية؟ ألا تستحق بغداد أن يفك أسرها؟'. بعدها تحدث عضو هيئة علماء المسلمين قائلاً: نحن نحمل الاحتلال كل ما يجري في بلادنا، وعلينا ان نضمد جراحنا ونجمع صفوفنا وان نكون يقظين.
واشار الشيخ جواد الخالصي، الأمين العام للمؤتمر التأسيسي العراقي، الى ان بعض السائرين في فلك الاحتلال فكروا فوجدوا أنفسهم لا يستطيعون أن ينتموا إلى العراق كله، ولا إلى الأمة كلها، فأرادوا أن يقطعوا العراق عسى أن يتمكنوا من ابتلاع بعض من أجزائه، كل حسب أحلامه المريضة، فأثاروا مسألة الطائفية والعرقية، ثم انتقلوا إلى الحزبية والفئوية وأثاروا قضية المثلثات والمربعات (الشيعي السني الكردي)، أي المخطط القديم نفسه... وهو من تدبير الموساد الإسرائيلي... أقول للذين يدعون أنهم أوقفوا الفتنة الطائفية: انتم من أنشأها، فليس بين أبناء الشعب حرب أو فتنة، بل هي بينكم.' وبين الخالصي ان غاية الملتقى هي التأكيد على 'أولا، إن الدولة العراقية هي ملكنا جميعاً وليست ملكاً لأحد. ثانيا، هذه الدولة العراقية لا يمكن أن تكون فئوية أو طائفية أو عرقية. وثالثا ان العمل يجب أن يبدأ من أبناء العراق الذين رفضوا الاحتلال والطائفية منذ البداية'. ولخص الشيخ الخالصي اسس ما اطلق عليه اسم خيمة العمل الوطني بانها: اولا، وحدة العراق. ثانيا استقلال العراق والذي لا يتحقق إلا بجلاء كافة قوات الاحتلال. وثالثا الحفاظ على الهوية، الذي لا يعني إخراج القوميات والأقليات الأخرى أو إيذاءهم، بل العيش معهم إخوة متحابين ضمن ميزان المواطنة الذي نؤمن به وندعو له. وكانت الكاظمية قد شهدت في ذكرى ثورة العشرين العام الماضي 2008 إجتماعا حاشدا مشابها، جدد البيعة لمبادئها الوطنية التوحيدية التي ما زالت سارية في يومنا هذا.
وكانت المقاومة الباسلة محور الرسالة المفتوحة التي وجهتها هيئة علماء المسلمين إلى أبناء الشعب العراقي يوم التاسع من نيسان هذا العام. حيث جاء في الرسالة: 'كانت المقاومة العراقية الباسلة ـ وما تزال ـ الشعلة الوضاءة والأمل الوحيد في ردع العدوان الأمريكي اللامبرر والمخالف لكل القوانين والأعراف الدولية على العراق، والانتصاف منه على ما ارتكب ولا يزال يرتكب من أعمال إجرامية ووحشية يندى لها جبين الإنسانية'، وقد لخصت الرسالة بعض منجزات المقاومة الهامة على مدى السنين الست الماضية، وهي : أولا، وقوف المقاومة العراقية أمام اكبر قوة عسكرية وتكنولوجية في العالم، على الرغم من التفاوت الهائل في ميزان القوى بينهما، وإرغامها على تبديل خططها وإستراتيجيتها في العراق أكثر من مرة، كما صرح بذلك بعض قادة الاحتلال أنفسهم. ثانيا، إفشال المشروع الأمريكي للهيمنة على العراق والمنطقة، وإفشال ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان يهدف إلى تقسيم العراق، وتقسيم دول المنطقة الرئيسية فيها، وتغيير خريطة المنطقة وفق رغبة المحافظين الجدد والقوى التي تقف وراءهم. ثالثا، دفعت المقاومة العراقية شر العدوان عن بعض دول المنطقة، لإشغالها لقوات الاحتلال عنها، وتكبيدها الكثير من الخسائر التي لم تكن تتوقعها، وذلك بشهادة الكثير من المراقبين من الأعداء والأصدقاء على حد سواء. رابعا، مشارفتها على تحقيق هدفها الأهم، وهو تحرير العراق.
اليوم ونحن نستعيد ذكرى الاطلاقة الاولى في مقاومة المحتل، أقول: لولا المقاومة لما استطعنا ان نرفع رؤوسنا فخرا، لما استطعنا ان نكتب، لما استطعنا ان نفتخر بانتمائنا الى العراق. نقول: لولا المقاومة لمتنا كمدا ومهانة وعبودية. فالمقاومة هي العراق وهي الوطن الام وهي العائلة، وهي هواء الحرية الذي نستنشقه لنواصل الحياة. المقاومة هي التي تدافع عن البيت ضد غارات ومداهمات الغزاة انها من تحمى المرأة والطفل وتمد الجميع بالامل.. انها من ترسخ وتنمي القيم الانسانية السامية وتتفاعل مع كل ما تربى عليه العراقي وتعلمه دينا وادبا وتاريخا وتراثا
.