Friday 19 June 2009

فيلم بريطاني جديد: استثمروا وستجدون شعب العراق صديقا لكم!

09/05/2009
في أجواء احتفالية وبتغطية اعلامية بريطانية وعراقية مكثفة تشبه حملة الترويج لافتتاح أحد افلام أرنولد شوارزنيغر أو جيمس بوند، تم افتتاح مؤتمر (استثمر بالعراق)، الاسبوع الماضي، في لندن. وقد بدا جو المؤتمر مألوفا، من ناحيتي الاعداد والحاضرين، وكأنه أمتداد لموضوع في سلسلة أفلام تحمل اسم (نهب العراق).
وحضر العرض، عفوا المؤتمر، عدد كبير من ممثلي الشركات البريطانية والعالمية المتلهفة لا على الاستثمار الحقيقي وبناء علاقات متكافئة بين البلدين كما حاول رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون وتابعه نوري المالكي ايهامنا بل على كيفية الاستيلاء على البقية الباقية من ثروات العراق وتحطيم صناعته الوطنية بلا مساءلة او محاسبة، وبشكل يشرعنه حضور من يدعون تمثيل العراق. وكان حضور ابطال المحاصصة والفساد من السياسيين العراقيين كبيرا، خشية ان يتم اقتسام غنيمة ما او ترتيب صفقة قد تفوت أحدهم. ولم يؤثر مقتل مئات المواطنين، أيامها، في العراق على الاحتفال الضخم الذي أقيم في وسط العاصمة اللندنية وليس في العراق، حرصا على حياة المستثمرين، المترددين، في دخول حقل الاستثمار لانعدام التأمين والنشاط المصرفي وكثرة الفساد وغياب القانون، حسب مجلة الايكونومست البريطانية المتابعة للشأن الاقتصادي. وقد دفع تردد بعض المستثمرين اعضاء فريق بيع العراق الى عرض المزيد من المغريات شبه المجانية. وقد تبارى ممثلو الاحزاب الطائفية والعرقية مع سادة الاحتلال البريطانيين في اطلاق التصريحات الرنانة، وأكثرها أعلامي لصالح الرأي العام البريطاني عن (الاستقرار الأمني) و(اعمار العراق الجديد) و(سيادة العراق). وقد تم تسهيل عقد المؤتمر من قبل الحكومة البريطانية ودعمه بشكل جعله يحتل حيزا في اجهزة الاعلام البريطانية لتزامنه مع حملة الحكومة البريطانية الاعلامية الكبيرة لتزويق اجبارها على الانسحاب من العراق من قبل المقاومة العراقية الباسلة، وتقديم الحدث الى البريطانيين والعالم، باعتباره نجاحا والترويج بان وجود القوات العسكرية البريطانية في العراق مرحلة نجاح، كما صرح القائد البريطاني، الميجر جنرال سالمون، أثناء استبدال القوات البريطانية بالامريكية، في الاسبوع الماضي، (تم فيها انجاز الكثير خلال السنوات الست الماضية).
وكان سالمون قد صرح لراديو البي بي سي: (لقد ساهمنا في إحلال الأمن، وهيأنا الظروف لاستمرار التطور الاجتماعي والإقتصادي، وأظن أن بإمكاننا الرحيل ورؤوسنا مرفوعة). ولتمرير هذه الصورة المزورة، عن واقع العراق الذي تم تدميره على كافة الأصعدة، ولتخدير الرأ ي العام البريطاني بصدد الانسحاب المشين وتبرير قتل الجنود البريطانيين في حرب غير شرعية، مبنية على كذبة مختلقة واحتمال تقديم المسؤولين عنها، مستقبلا، الى المحاكمة كمجرمي حرب، لهذه الاسباب مجتمعة، ساهمت الحكومة البريطانية في تنظيم مؤتمر الاستثمار وسهلت حضور مسؤولي حكومة المالكي بالجملة الى لندن لكي يغني كل على ليلاه، بعيدا عن الواقع العراقي السقيم بفوضاه وعدميته القاتلة حيث لا حكومة تؤدي الواجبات الاساسية لمواطنيها، ولا خدمات تعتبر من صلب حقوق الانسان كالتعليم والصحة وتوفير فرص العمل، فضلا عن ان الجيش والشرطة واجهزة المخابرات كلها عبارة عن ورم سرطاني موجه نحو جسد الشعب لاضعافه وليس، كما هو مفترض عادة، لحمايته وامداده بالقوة.
واذا ما تركنا جانبا واجهة مؤتمر الاستثمار المزينة بالتصريحات الكاذبة على غرار ان (العراق سيصبح أكثر ديمقراطية بعد ثلاث سنوات(، حسب تصريح المالكي لأذاعة البي بي سي، لوجدنا بأن فعل عقد المؤتمر ذاته، بغض النظر عن نجاحه او فشله ماديا، من منظور المواطن العراقي الذي ذاق الأمرين من انتهاكات وجرائم الاحتلال الانكلو امريكي، هو في واقع الحال اهانة لكرامته وحقه في الحياة لأنه يكافىء المحتلين القتلة على جرائمهم التي ليس هناك متسع لسردها. هذا لا يعني ان حكومات الاحتلال المتعاقبة لم تترك العراق مفتوحا للنهب سابقا الا ان هذا المؤتمر يشرعن وبشكل قانوني منظم عملية النهب والتخريب المتعمد للصناعة والتنمية الوطنية. وهي مسؤولية مضاعفة ستدمر مستقبل العراق كما حاضره. واذا ركزنا على نقطة مكافأة المحتل لوجدنا بانه فعل يخالف كل الاعراف والقيم الاخلاقية فضلا عن القوانين والتشريعات الدولية التي تنص وبشكل صريح على تحميل الدولة التي تشن حربا عدوانية وغير شرعية ضد دولة اخرى المسؤولية القانونية وبضمنها اجبارها على دفع التعويضات عن الخراب البشري والعمراني الناتج عن الغزو والاحتلال. ولدينا في قرار الامم المتحدة الصادر ضد العراق، بعد غزو الكويت، بدفع التعويضات مثال حي. اذ لا يزال العراق، حتى بعد زوال النظام الذي قام بغزو الكويت وتدمير دولة العراق، ملزما بدفع التعويضات. ومن المفارقات المضحكة المبكية ان يستمر العراق بدفع التعويضات وبالمليارات لان حكومته السابقة قد غزت الكويت بينما لا تتم مقاضاة حكومات الاحتلال الانكلو امريكي للعراق بل مكافأتها، وبضمنها الكويت التي استخدمت ولاتزال تستخدم كقاعدة عسكرية لقوات الغزو والاحتلال. ويبلغ انتهاك مفهوم العدالة والقوانين الدولية مداه حين نعلم بان منظمة الامم المتحدة تتعامل بشكل مفتوح مع التعويضات وليس هناك ما يشير الى وضع حد لها. حيث اقرت لجنة الأمم المتحدة للتعويضات في 29 نيسان (ابريل) 2009 توفير 300 مليون دولار للكويت لعشر مطالبات جديدة.
وقالت اللجنة في بيان لها إن هذه التعويضات تمت في إطار خمسة تعويضات من الفئة (هـ) الخاصة بالمطالبة بالتعويض عن خسائر قطاع الشركات والكيانات الأخرى غير الفردية، ومطالبات من الفئة (و) الخاصة بالمطالبة بالتعويض عن خسائر القطاع الحكومي والبيئة وغيرها. وذكرت اللجنة انه تبقى للكويت عشر مطالبات في الفئتين ذاتها.
ويذكر، حسب راديو دجلة، انه بما توفر من دفع فان لجنة التعويضات تكون قد وفرت أكثر من 27 مليار دولار لمطالبات ناجحة لأفراد وشركات وحكومات ومنظمات دولية. وصرح مسؤول كويتي من ادارة التعويضات العامة ان على العراق ان يسدد للكويت 25.5 مليار دولار كتعويضات متبقية.

ومادمنا في مجال الاشارة الى مفاهيم العدالة والقيم الانسانية ومحاسبة الدول المعتدية حسب القانون الدولي، فان مما يستحق الذكر خبر منح مجلة (ذي بانكر) العالمية بنك الكويت الوطني، بتاريخ 1 ايار (مايو) 2009، لقب صاحب أفضل صفقة تمويل في الشرق الأوسط لعام 2009 لدوره في ترتيب وانجاز صفقة تمويل لعملية بيع شبكة (عراقنا) في العراق لمصلحة شركة زين العراق بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي.
وأوضحت متحدثة باسم البنك: (أن البنك قام بدور المدير الوحيد في تمويل تلك الصفقة البارزة ... وهو ما يؤكد قدرة البنك على ادارة وترتيب مثل هذا النوع من الصفقات الضخمة). مما يدفعنا الى التساؤل، وحسب فهمنا لتصريحات ذوي القرار في امريكا وبريطانيا والعراق والكويت ومجلس الأمن بان العراق لم يعد (دولة غازية معتدية) بل واحة للديمقراطية صالحة للصفقات الضخمة والاستثمار العالمي، لماذا يواصل عدد من البلدان، مثل الكويت، على معاقبة المواطن العراقي بدفع ملايين التعويضات لكل من هب ودب وبضمن ذلك احتساب رأس الخس الذي اكله الجندي الامريكي في عام 1991 بسعر 35 دولارا؟ ولماذا لا يطالب سياسيو حكومة المالكي واعضاء برلمانه، الذين يدعون بانهم حكومة ديمقرطية منتخبة لتمثيل مصالح الشعب العراقي، جيش الاحتلال البريطاني بالتعويضات عن الخسائر البنى تحتية الجسيمة التي الحقها بالعراق؟ وماذا عن الضحايا من المواطنين ومنهم من قتل في معسكرات الجيش تحت التعذيب كما حدث للعشرين شابا في محافظة ميسان؟ مع العلم ان وثائق الانتهاكات والجرائم متوفرة سواء من قبل منظمات حقوق الانسان العالمية او العراقية ولا يزال شهود العيان احياء يرزقون. واذا كانت هناك منظمات بريطانية وامريكية واوروبية تعنى بالقانون الدولي والانساني وبضمنها شخصيات لا يتطرق الشك الى اقتناعها بالديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير، تعمل بمثابرة على تجميع الأدلة والوثائق لاجبار الحكومات المشاركة في غزو العراق على الاعتذار من الشعب العراقي والعمل على دفع التعويضات لما اصابه جراء الغزو ومن ثم العمل على بناء علاقات سياسية واقتصادية مبنية على العدالة والمساواة، فلماذا يقف سياسيو حكومة (الدولة والقانون) منادين، خلافا للقوانين، بمكافأة الغزاة الذين فعلوا كل ما في وسعهم لاهانة وترويع الشعب العراقي، وفي ذات المجالات التي شن الغزو من اجلها، أي النفط والغاز، وفي ذات المجالات التي هدمت البنية التحتية من اجلها أي لتقوم شركات دول الاحتلال (باعمارها)؟
وحين اصغي للمالكي وهو يعرض (باسم شعب العراق وحكومته شراكة مع أصدقائنا في مجال النفط والغاز والمقاولات والخدمات المالية والمعادن ومؤسسات التنمية، وستجدون شعب العراق صديقا لكم)، اتذكر قول كنعان مكية بان شعب العراق سيستقبل الجيش الامريكي بالحلوى والزهور، واجدني اتساءل: لماذا لم يقم (اصدقاؤنا) منذ عام 2003 وحتى اليوم، بكل امكانياتهم وقدراتهم ومع توفر ثروتنا النفطية، باعادة اعمار البنى التحتية وتوفير الخدمات من ماء وكهرباء ومدارس ومستشفيات؟ ألأنهم كانوا مشغولين، وبمساعدة (اصدقائهم) من سياسيي الاحتلال باختلاس المليار تلو المليار بلا مساءلة أو عقاب؟ وهو ذات الحال الذي سيستمر مادام العراق محروما من استقلاله وسيادته ومحكوما من قبل المستعمر واتباعه
.