Friday 19 June 2009

تحولات سياسيي الساعة الاخيرة في العراق المحتل

25/04/2009
حين يحاول المستعمر تطبيق سيناريو جديد لتمديد فترة هيمنته على العراق، ما معنى ان يغير بعض السياسيين العراقيين اتجاه بوصلتهم السياسية من المزايدة بالوطنية الى المزايدة بالواقعية، في حين يسير في الإتجاه المعاكس آخرون كانوا قد بدأوا بالواقعية؟
هل هي السذاجة أم الاحساس بالخنوع للسيد والتخوف من رحيله ذات يوم؟ قد يكون هذا التبرير صحيحا بخصوص من تعاون مع المستعمر في فترة التحضير للغزو وكذلك في سنوات الاحتلال الاولى، ولكن ماذا عمن بدأ ينزلق للتعاون مع منظومة المستعمر في الفترة التي اعترف فيها المستعمر نفسه بانه غارق حتى قمة رأسه في مستنقع سيخنقه ان لم يغادر العراق سريعا؟
هل هو الاغراء المادي ومحاولة اللحاق بركب المستفيدين بسرعة خارقة من ثروة العراق الطائلة التي حرمتهم منها مواقفهم السابقة؟ هل هي الرغبة بالوصول الى السلطة والحصول على منصب، أيا كان، يوحي بامتلاك القوة؟
أم انه الاحساس بوجود فرصة ذهبية لخداع النفس والناس والظهور بمظهر الوطني الحكيم في مرحلة أطلق عليها المستعمر تضليلا مرحلة جلاء القوات والمصالحة الوطنية؟
هناك الكثير من الأدلة التي تشير الى ان لهذه الاسباب منفردة او مجتمعة تأثيرات عميقة على تعاون السياسي مع المستعمر واستعداده لتغيير اتجاهه السياسي ليتطابق مع تغير الخطاب السياسي للمستعمر متى شاء. فقد رأينا، في العراق المحتل نموذجا، كيف يهرول البعض لعرض خدماتهم على المستعمر حينا وعلى خدم المستعمر، حينا آخر، حسب قوانين العرض والطلب لسوق النخاسة وحسب مفهوم اأنا معروض للبيعب.
غير ان العامل الاهم والأكثر تأثيرا هو العامل الشخصي النابع من التكوين العقلي والمجتمعي والفكري، في بعض الاحيان، والمستند، غالبا، الى تضخم الذات وحب البروز والاحساس بانه هو، لاغيره، مركز الكون والمحور الذي يجب ان تدور حوله البشرية. وهو عامل غالبا ما يبقى مستورا، على اولويته، عندما نتناول بالتحليل المواقف السياسية المتلونة تلون الحرباء للبعض، وكأن ذلك مسألة مشينة يجب عدم التطرق اليها. وهي مسألة تستحق المراجعة، لاسيما وان مواقف البعض المتلونة قد تجاوزت حدود السذاجة المفترضة ومحاولة جذب الانظار بشكل طفولي وحتى الانتفاع المادي بشكل معقول.
لقد عانينا طويلا من قصور او انعدام الدراسات الاجتماعية والبحوث السياسية المجتمعية العلمية التي تساعد على فهم النوازع الشخصية للسياسيين المقترنة، عادة، بحب البروز والتكالب على السلطة والجشع المادي والمعنوي، باستثناء دراسات عالم الاجتماع الراحل الدكتور علي الوردي. وهي خصائص قد تكون مجتمعة او منفردة، وقد ازدادت هذه الاعراض سوءا بعد الاحتلال وبرعاية المستعمر للمحاصصة الطائفية والعرقية وتنمية شريحة جديدة من السدنة الذين لا يرون ابعد من مصالحهم الشخصية، وان رأوا أبعد فبحدود الطائفة. فبات السياسي الطائفي، اسلاميا كان ام علمانيا، من اليمين او اليسار، هو البضاعة السائدة وان كان يعرض نفسه كوطني لا يهمه شيئا بقدر ما تهمه مصلحة العراق وشعبه. ان هذه الازدواجية في المواقف السياسية، بين ما هو معلن ومخفي، المتبدية في مراحل جدولة المستعمر السياسية، وتبنيها التدريجي من قبل سياسيين كانوا الى فترة قريبة ضدها او على الاقل كانوا قد اختاروا الوقوف في ظل مقاومتها، تتم تحت ذرائعية القبول بالامر الواقع. وهي ذات الذرائعية التي تبناها من ساهم في الدخول الى العراق على دبابات الغزاة ومن تسابق لعرض خدماته على ادارة الاحتلال منذ الايام الاولى.
وكما هو معروف، ان ذرائعية القبول بالامر الواقع وان االعدو قوي عسكريا ونحن ضعفاءب هي النغمة التي يتبناها المتعاونون مع الاستعمار للبقاء ضمن جوقته، وهي الذريعة التي طالما واجهتها مقاومة الشعوب في الماضي، كما في الجزائر، ولاتزال تواجهها في العراق وفلسطين. مقابلها هناك اصرار الشعوب على المقاومة ومقاومة الشعب العراقي لا تشكل حالة استثنائية بل هي الامتداد الطبيعي لكل مقاومة شعبية وطنية اخرى ولدت من رحم تاريخه او تاريخ الشعوب المقاومة الاخرى. فمقاومة الشعوب للاحتلال والاستعمار لا تبنى على امنحى الحساب والجمع والطرح في دفاتر التجارب كما يقول العقاد، وقد تكون نسبة المقاومين قليلة، غير ان هذا هو واقع حال كل حركات المقاومة في العالم وبعلى قلتهم قد ينجزون مالا ينجزه الكثير من الناسب كما يقول الدكتور علي الوردي عن الثوار المثاليين وندرتهم في العالم.
ولا تختلف تصريحات المنضمين الجدد الى منظومة الاستعمار بحجة المصالحة الوطنية (التي لايعرف احد، لحد الآن، مصالحة من مع من) في تبريرها عن ذرائعية القبول بالامر الواقع باستثناء بعض التغيير الطفيف في التعابير اللفظية. انهم، في استغراقهم في اداء دورهم الجديد، ولكونهم من الملتحقين بآخر الطابور،انما يحاولون اثبات وفائهم للمستعمر وسدنته في فترة وجيزة. لذلك نجدهم يتبارون مع القدماء باستنباط تبريرات براقة رنانة على مستويين: المستوى الاول لتبرير انزلاقهم لانفسهم والمستوى الثاني لمن يدعون تمثيلهم. في كلا الحالتين هم بحاجة ماسة الى ادانة مواقفهم السابقة، ولو بشكل غير مباشر. مما يتطلب منهم اصدار تصريحات وبيانات يتم فيها طرح التعبيرات المستحدثة كمواقف فكرية وقناعات يتمادون فيصفونها بالتاريخية. ثم تلي ذلك الخطوة الحتمية وهي تناول المقاومة اما تشويها او سلخا من حاضنتها الاجتماعية او وصفها بانها طائفية او ارهابية أو حتى الادعاء بعدم وجودها. ويبدو الانزلاق في تبني خطاب المستعمر سلسا ومقبولا وكأن المقاومة، فكرا وموقفا وروحا، هي العائق امام االمصالحة والديمقراطيةب وليس الاستعمار وجرائمه وفساده.
ان المقاومة العراقية هي التي وجهت للعدو الامريكي الصهيوني اقسى الضربات واشدها ضررا سواء على مستوى استهداف قواته العسكرية، واعداد قتلاهم وجرحاهم متوفرة في احصائياتهم، او على مستوى الاستنزاف المادي والمعنوي اذ تمكنت المقاومة العراقية، وباعتراف العدو، من افشال مشروع الزحف الامبراطوري الى المنطقة كلها.
ومن لا يرى ذلك فلأنه يختار ألا يرى، اما من ينكر ذلك فانه لايدرك مدى تعطش المواطن العراقي، الذي يعيش مجازر المحتل وتستر عملائه في كل دقيقة من حياته، للتخلص من كابوس الشرذمة الجاثمة على انفاسه ولنيل الاستقلال الحقيقي
.