Friday 19 June 2009

العراقيون المناهضون للاحتلال ومبادرات ادارة أوباما

18/04/2009
تجري الادارة الامريكية، بشكل مباشر او غير مباشر، بعض المحاولات، منذ تسلم الرئيس الامريكي باراك اوباما الرئاسة، لاستشارة عدد من العراقيين المناهضين للاحتلال المقيمين خارج العراق. ومجالات الاستشارة واسعة تتراوح من السياسة الى الاقتصاد، وان كانت تركز، بالدرجة الاولى، على العملية السياسية وتطورات الوضع وكيفية القضاء على 'العنف الطائفي'، فضلا عن العمل على اجراء 'المصالحة الوطنية' وتحقيق الاستقرار الامني ومستقبل العراق. وقد تم تسريب اخبار محاولات الاتصال أو الاتصالات التي تمت فعلا، بشكل متعمد، كما هو الحال مع الكثير من القضايا التي تحوز على اهتمام الادارة الامريكية أو الحكومة البريطانية، لفترة معينة، لجس درجة ردود الافعال العامة بين من لم يتم الاتصال بهم، ولغرض تحريك الارض تحت اقدام سياسيي الاحزاب المساهمة في العملية السياسية للاحتلال في آن واحد.
من بين الذين توخت الادارة الامريكية استشارتهم ومعرفة آرائهم عدد من الشخصيات الاكاديمية والباحثين والناشطين ضد الغزو والاحتلال. ويبدو من المنحى العام للاستشارة انها تتوجه نحو التكنوقراط وان تضمنت، ايضا، عددا من التكنوقراط - السياسيين الذين يجمعون ما بين التخصص المهني والعمل السياسي العام. مما يبين بان السياسي، في منظور ادارة اوباما لحكومة العراق مستقبلا، سيشغل حيزا معينا غير انه لن يكون بنفس الحجم الذي يشغله الآن. ولقراءة خبر مشروع الاستشارة الحالي هناك عدة نقاط تستوجب الانتباه. أولا ان المشروع يتم من خلال وزارة الخارجية الامريكية وبتشجيع من عدد من اعضاء الكونغرس. ثانيا، انه لايزال يدور ضمن مجال الانتقائية الامريكية في التعامل مع الشعب العراقي أو شعب 'البلد المضيف'، حسب تسمية الجنرال ديفيد بترايوس، اي تصنيف العراقيين طائفيا وعرقيا. ثالثا، لايزال يتمحور حول العملية السياسية على الرغم من وضوح نتائجها المأساوية رابعا وهي النقطة الأهم يتجاهل المشروع المقاومة العراقية الباسلة.
وحسب علمي، لايزال العمل جاريا لصياغة البرنامج الاستشاري، بشكل اقرب ما يكون الى تقديم مشروع عن مستقبل العراق، بمحاججة يعتبرها بعض العراقيين المناهضين للحرب معقولة، وهي لتبيان وجهة ' نظرنا الى الادارة الامريكية' ولتشكيل مجموعة ضغط فاعلة تعمل بشكل مكثف مع اعضاء الكونغرس الذين وقفوا ضد الحرب ولديهم امكانية التأثير في القرار السياسي. ويعتقد العراقيون ذاتهم بأن رفض من ناهضوا الاحتلال 'الحديث' مع الادارة الامريكية ضار، وان مجال كسب عدد اكبر من المساندين لقضيتنا من بين اعضاء الكونغرس سيزداد، حتما، وستميل الدفة لصالحنا اذا ما بذلنا جهدا اكبر في صياغة مشروع سياسي يفهمه ويقبله الكونغرس الامريكي وبقية السياسيين في واشنطن، خاصة اثر خطاب 'التغيير' الذي وعد الرئيس اوباما بتنفيده.
وفي الوقت الذي تنطلق فيه هذه الدعوة من قبل أشخاص معروفين بمواقفهم الوطنية ومناهضتهم للغزو والاحتلال واخلاصهم لوحدة العراق واستقلاله، من الضروري الانتباه الى ان هذه المحاججة التي قد تكون واحدة من مستويات مناهضة الاحتلال، ستمنح الادارة الامريكية السابقة واللاحقة، اذا ما استمرت في سياستها، تبريرا لما حدث وارتكب من جرائم وتخريب باعتباره فعلا غير متعمد، وهي مسألة بالغة الاهمية في مجال المحاسية القانونية مستقبلا. كما تعيدنا هذه المحاججة، ايضا، الى استذكار 'مشروع مستقبل العراق' الذي عملت ادارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش على الاشراف عليه بالتعاون مع وزارة الخارجية الامريكية في الفترة السابقة لغزو العراق، في تشرين الأول (اكتوبر)2001، وخصصت ميزانية قيمتها 50 مليون دولار لادارته وتنظيمه فقط، حيث تم عقد ملتقياته في واشنطن ولندن وساهم في تقديم البحوث والمقترحات والمشاريع حوالى 60 عراقيا وعشرين امريكيا وبريطانيا 'مختصا بالشأن العراقي' و17 وكالة امريكية بالاضافة الى وزارة الدفاع ( البنتاغون).
وقد أنتج المشاركون 13 ملفا بمئات الصفحات من البرامج المقترحة وهي متوفرة، حاليا، على الانترنت، لمن يريد الاطلاع عليها. عالجت البرامج مستقبل العراق في مجالات الطاقة والنفط والتعليم والدفاع والامن والقضاء والزراعة والتعليم والصحة والاعلام والمجتمع المدني. ومن بين الذين شاركوا في حضور محترفات الكتابة والمؤتمرات فيصل إسترابادي وهند رسام وزينب السويج وكنعان مكية وغسان العطية وليث كبة وبرعاية 'المؤتمر الوطني العراقي' لصاحبه احمد الجلبي.
وكان كولن باول، وزير الخارجية الامريكي السابق، قد وصف مشروع مستقبل العراق بأنه 'يجسد رغبة الحكومة الامريكية لمساعدة العراقيين في جهودهم من أجل تحرير بلدهم من الطغيان. وقد جمع المشروع العراقيين الاحرار المحظوظين لانهم لا يعيشون في ظل حكم صدام حسين والذين لديهم خبرة في طائفة واسعة من المهن. وقد ناقش بجرأة مقترحات ملموسة لاعادة بناء بلدهم وإعادة هيكلة مؤسساتها حتى يتمكن العراق من استعادة مكانته باعتباره دولة رائدة في المنطقة وخارجها.'
وكانت النتيجة تجاهل ملفات البرامج تماما واسناد العمل لتهيئة مخطط العمل في الفترة التالية لاسقاط النظام العراقي الى مكتب الخطط الخاصة وهو مكتب سري يضم عددا من المحللين والمستشارين في مكتب الشرق الادنى وجنوب آسيا في البنتاغون. واقتصر دور المتعاونين العراقيين على تبرير غزو بلدهم وتهديمه. هنا يطرح سؤال نفسه: اذا كانت برامج 'مشروع مستقبل العراق'، التي كتب معظمها (لا اقول كلها من باب القبول بسذاجة حفنة من المشاركين) من قبل حلفاء اوفياء للادارة الامريكية وسياستها في الهيمنة على العراق والمنطقة قد أهملت، فكيف سيتم التعامل مع البرنامج الاستشاري لمجموعة معروفة بعدائها للسياسة الامريكية التوسعية في المنطقة؟ أليست هذه محاولة لتشويه السمعة وتفتيت صفوف الحركة المناهضة للاحتلال والاساءة الى بعض الاسماء وافقادها مصداقيتها؟ أليس هناك ما يكفي من المقالات والبحوث والبيانات والتقارير الصادرة عن ملتقيات الجهات المناهضة للحرب وتصريحات وبيانات المقاومة لتتمكن الادارة الامريكية وسياسيي الكونغرس، اذا كانوا جادين في محاولة فهم الشعب العراقي ( بعد خراب البصرة)، وكل ما عليهم عمله هو توظيف باحث او باحثة لغربلة الموجود مما يمثل وجهة نظر المقاومة والحركة المناهضة للاحتلال وتقديمها بشكل ملف الى الكونغرس او الادارة؟ وما الذي استفاده محمد الدايني، عضو ما يسمى بالبرلمان العراقي، عندما قدم شهادته عن مصاب المعتقلين وتعذيبهم في غياهب سجون الاحتلال ومستخدميه، غير التربيت على الكتف والتظاهربانه كشف سرا لم يكونوا يعرفونه؟ وها هو الرجل قد اختفى منذ اسابيع ولا يعرف احد مصيره ولم يفعل الكونغرس شيئا باستثناء اثنين كتبا عن قضيته وسط الاهتمام الاعلامي الاولي لتدفن قضيته كما يدفن الآلاف من ضحايا الاستعمار الجديد يوميا.
فما هو الموقف المطلوب من مثل هذه الدعوات والاستشارات؟
ان ملخص الموقف، كما يرد في بيانات المقاومة والحركة المناهضة للاحتلال في داخل العراق وخارجه، هو وجوب الانسحاب غير المشروط للاحتلال والتفاوض المباشر مع ممثلي المقاومة بلا شروط والاعتذار من الشعب العراقي ودفع التعويضات بكافة انواعها.
بدون التأكيد على هذه المبادىء لن تؤدي الدعوات الاستشارية الى شيء يختلف كثيرا عما فعله المتعاونون مع الاحتلال في المرحلة السابقة للغزو وستقود الى استبدال سيناريو المحتل لفترة معينة بسيناريو آخر يخدم الاستراتيجية الاستعمارية بشكل افضل.
ومن الضروري التنبيه، بعد مرور ست سنوات على تجربتنا المريرة مع الاحتلال، ان السذاجة لم تعد مبررا مقبولا عندما نراجع حجم التخريب والتهديم والمجازر التي ارتكبتها الادارة الامريكية السابقة في العراق ولاتزال ادارة اوباما تواصل العمل بها
.