Wednesday 10 November 2010

شجاعة معتقلي غوانتانامو بمواجهة التعذيب عبر الحدود

القدس العربي
13/02/2010
من المعروف ان صناعة الترويع الامريكية قد تطورت بعد الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001. لكن من الخطأ النظر الى ذلك باعتباره ظاهرة جديدة لم يسبقها مثيل في تاريخ الولايات المتحدة. فشن الحروب والاحتلال واسقاط الانظمة الوطنية، ديمقراطية كانت أم تسلطية، ودعم الانظمة الخاضعة مهما كانت دكتاتوريتها، كان ولايزال واحدا من اساسيات استراتيجية السياسة الخارجية الامريكية منذ نشوئها. وقد تجاوز عدد ما شنته من حروب وتدخلات تمس بسيادة الدول الخمسة واربعين منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم . ويشكل احتلال العراق وافغانستان أوضح الامثلة التي لا نزال نعيش تفاصيلها، بعد ان تم تسويق ماركة العدو الجديد، اثر سقوط البعبع الشيوعي، بانه 'الاسلامي المتطرف العربي الارهابي' مع ضرورة تخليص العالم منه باسم 'الحرب على الارهاب'.
ولأن سياسة 'الحرب على الارهاب'، كقناع للتوسع الامبراطوري، قد لا يلقى الرضا من دول العالم، كان من الضروري، من منظور الاستراتيجية الامريكية، شن الغزو على افغانستان والعراق بأسلوب الترويع والقوة الماحقة، لتكون عبرة لمن اعتبر. وترافقت هذه الهجمة مع بعض التفجيرات في بلدان اخرى في البلدان الاوروبية والآسيوية وشمال افريقيا لجذب الحلفاء الكبار من اوروبا والصغار من العالم الثالث الى جانبها كونها مهددة أيضا، ليسهل تنفيذ مخطط الهيمنة الامبريالية العسكرية والاقتصادية والثقافية بنجاح. وكانت النتيجة، خلال فترة زمنية قصيرة جدا، اعلان العديد من الدول، الواحدة بعد الاخرى، مشاركتها في 'الحرب على الارهاب'، وتوقيع المعاهدات الامنية والدفاعية مع امريكا باسم 'المصالح المشتركة' أو 'التحالفات المشتركة على اسس متساوية'. وهي مصطلحات تثير الضحك خاصة حين يتم توقيع معاهدة امنية بين امريكا، صاحبة اقوى ترسانة عسكرية في العالم التي حولت العراق الى قاعدة عسكرية لها، مع وكلائها من العراقيين المنغمرين حتى قمة رؤوسهم بخدمة امريكا، على اساس المصالح المتساوية، بينما يرفض رئيس وزراء الصين، مثلا، توقيع معاهدة مبنية على التحالف المتكافىء قائلا بان الصين لا تزال من البلدان النامية وليست متساوية مع امريكا.
غير ان امريكا، التي أوقفت المقاومة العراقية توسعها نحو دول اخرى وبثمن بشري باهظ، حققت نجاحات مع حكومات العديد من الدول العربية والاسلامية، من خلال رفعها عصا 'الحرب على الارهاب' والتفجيرات والمؤامرات المختلقة، لتسيطر على الانظمة القمعية في البلدان التي تخشى ان يؤسس فيها نظام ديمقراطي حقيقي. فصارت سياسة 'الحرب على الارهاب' غطاء قانونيا لمنح الرشى باسم برامج الاعانة والمساعدات والتنمية والقروض المدفوعة لانظمة قمعية تصرف معظم الاموال على اجهزة أمنها واستخباراتها، لتحمي نفسها من ابناء شعبها، ولتكرس سياسة الاستغلال الامبريالي في آن. فكانت النتيجة تشكيل معادلة متوازنة من تبادل المصالح على حساب ارهاب المواطنين ووضعهم في اقفاص من تكميم الافواه والعجز وافتقاد القدرة على المبادرة نتيجة الخوف من التهديد بالاعتقال والتعذيب والتخلص من كل صوت يدعو الى تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي نابع من الشعب ويمثل طموحاته ومصالحه.
ولعل أهم ما ارتكزت عليه المعاهدات الامنية في نطاق 'الحرب على الارهاب' هو منح جهاز المخابرات الامريكية (السي آي أي) اليد العليا في استخلاص المعلومات من المواطنين والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وتسخير كل السبل القانونية وغير القانونية لاكراه من يشتبهون به على الادلاء بما يعرفه، وغالبا ما لايعرفه، بحجة حماية الامن العالمي والامريكي. هكذا صار من حق المخابرات الامريكية اختطاف المشتبه به ونقله الى اي بلد كان او الى معسكر او معتقل يرونه الاكثر صلاحية لاخفاء دورهم لاستخلاص المعلومات بكافة الطرق غير القانونية ومن ضمنها التعذيب بانواعه. ويطلق على العملية اسم 'الترحيل الاستثنائي' حيث ينُقل المشتبه به بصورة قسرية من بلد إلى آخر، دون أن يعرض على أية محكمة. وعلى الرغم من ان الادارة الامريكية في فترة الرئيس الاسبق بوش، كانت قد توصلت الى وضع تعريفات جديدة لمفهوم التعذيب وانتهاك حقوق الانسان ليتماشى مع ممارساتها وحماية محققيها من التعرض للمساءلة القانونية، الا ان سيطرة الادارة الامريكية على كل الناس وعلى مجريات الاحداث مستحيلة تماما، مما يؤدي، بين الحين والآخر، الى فضح جرائمها وبشاعة ما ترتكبه تحت شعار الحرب على الارهاب.
ومن بين الامثلة على فشل الادارة الامريكية في اخضاع كل الناس وتحويلهم الى عبيد صامتين لاحول لهم ولا قوة غير الرضا بالواقع المرير، قصص معتقلي غوانتانامو الذين قضوا فيه عدة سنوات ليخرجوا بعدها دون توجيه تهم رسمية لهم ودون محاكمة، خرجوا وكلهم اصرار على رفض تكميم افواههم متحدثين عن تفاصيل معاناتهم وتعذيبهم كما فعل مصور قناة الجزيرة سامي الحاج، وليعمل بعضهم في منظمات انسانية تشن الحملات دفاعا عن حقوق المعتقلين، كما يواصل معظم بيك، بل وقام البعض برفع الدعوى ضد الحكومة البريطانية لمشاركتها في تعذيبه كما في حالة بنيامين محمد.
وتستحق قضية المواطن البريطاني بنيامين محمد المتابعة لانه لم يسكت وينزوي في ركن مظلم بعد اطلاق سراحه بل قام باتخاذ اجراءات قانونية ضد الحكومة البريطانية وقد تكون للقضية انعكاسات بعيدة المدى على انخراط بعض الحكومات في تنفيذ مهمات الولايات المتحدة في الاستجواب والتعذيب بالنيابة. وقد حدث في الايام الاخيرة تطور مهم بالنسبة الى قضية بنيامين محمد، اذ أمرت محكمة استئناف بريطانية الحكومة بنشر معلومات سرية حول تفاصيل تعذيبه من قبل السلطات الأمريكية.
وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد تقدمت بطلب الحفاظ على سرية وثائق تتضمن تلك المعلومات. وكان محمد قد عاش تجربة اعتقال رهيبة بدأت باعتقاله في الباكستان في نيسان/أبريل عام 2002، ثم نقل إلى المغرب، ثم احتجز لسبع سنوات في معتقل غوانتانامو في كوبا. وقد جاء في الوثائق البريطانية ان 'أقل ما توصف به معاملة السلطات الامريكية لمحمد أنها بشعة، وغير إنسانية، ومذلة'. وكان جهاز المخابرات المركزية الامريكية، حسب اتفاق امني بين امريكا والمغرب، قد نقل محمد الى المغرب حيث تم احتجازه هناك مدة 18 شهرا، تعرض خلالها للتعذيب المنهجي بأمر من سلطات الولايات المتحدة. وقد جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية بعنوان 'من هم سجناء غوانتانامو' تفاصيل ماتعرض له محمد في المغرب: '
وبعد ما يقارب الشهر في السجن في المغرب، يقول محمد إن أحد المحققين المغاربة قدِم إلى زنزانته مع ثلاثة حراس غيره. 'أمسك أحد [الحراس] عضوي التناسلي بيده وراح يحدث جروحاً فيه. قام بذلك للمرة الأولى ثم صمتوا لما يقرب من دقيقة ليراقبوا رد فعلي. كنت أشعر بآلام مبرحة، وأصرخ ... من المؤكد أنهم فعلوا ذلك 20 إلى 30 مرة. وكان الدم يغطي المكان'. ويقول محمد أن هذه الوجبة من التعذيب تكررت لمرة واحدة في الشهر على مدار الأشهر الثمانية عشر. وبحسب ما ذُكر، كان معذِّبوه يزيدون من آلامه بصب مواد كيماوية على جروحه.
وعندما سأل محمد أحد الحراس في إحدى المرات عن سبب تعذيبه، أجاب: 'الغرض هو شل عزيمتك، حتى إذا ما غادرت هذا المكان، ستبقى الندوب ماثلة أمام عينيك ولا تنسى أبداً. وهكذا تظل على الدوام في حالة خوف من القيام بأي شيء سوى ما تريده الولايات المتحدة'.
وعلى الرغم من نشر هذه التفاصيل من قبل اجهزة الاعلام البريطانية والعربية ومنظمة العفو الدولية وبعض المنظمات الحقوقية العربية، اننا لم نسمع تصريحا لوزير العدل المغربي أو غيره توضيحا لما جرى وعما اذا كانت هذه الاساليب اللاانسانية هي المتبعة عادة الى حد المألوف!
ان قرار محكمة التمييز باجبار الحكومة البريطانية على كشف التفاصيل ووضعها على موقع وزارة الخارجية خطوة نحو اعتراف الحكومة البريطانية بدورها في اعتقاله، واستجوابه، وتسفيره، وتعذيبه. وقد تم ذلك على الرغم من كل الضغوطات التي تعرض لها القضاة، وعلى الرغم من تصريح وزارة الخارجية البريطانية إن 'الكشف الكامل عن تلك الوثائق قد يؤدي إلى خفض في تبادل المعلومات المخابراتية مع الولايات المتحدة، ويضر بالأمن القومي البريطاني،' وعلى الرغم من الاتصالات التي قامت بها وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون لمنع نشرها. مما يعيد الى اذهاننا وعد اوباما، اثناء حملة الانتخابات الرئاسية، بنشر صور التعذيب في ابوغريب، وكيف انه عاد واصدر قرارا بمنع نشرها عقب فوزه حرصا على سلامة القوات الامريكية في العراق، حسب تصريحه. ان قرار محكمة التمييزنصر لقضية انسانية عادلة اصر الضحية فيها، بمساعدة عدد من القانونيين، وبدعم من الاصدقاء على الا يصمت وألا يظل 'على الدوام في حالة خوف من القيام بأي شيء سوى ما تريده الولايات المتحدة'، كما نصحه الجلاد، رافضا الاستسلام والقبول بما يجري كفعل تنفذه قوة عظمى لا امكانية لنا بمواجهتها
.