Wednesday 10 November 2010

على العراق ان يدفع التعويضات لأمريكا

القدس العربي
20/08/2010
أخبرنا كريستوفر كراولي، رئيس الوكالة الامريكية للتنمية الدولية، بالعراق، بانه على العراقيين البدء بدفع التعويضات الى ضحايا الحرب، مبينا، في 13 آب/أغسطس، بان الولايات المتحدة 'تسعى للحصول على أكبر مساهمة من الحكومة العراقية لهذه البرامج بحيث تصبح أكثر قابلية للاستدامة مع مرور الوقت ...
وان الكثيرين، في الولايات المتحدة، يعتقدون ان العراق لديه الامكانيات للدفع بطريقته الخاصة، اذ يمتلك ثالث اكبر احتياطي نفط في العالم'. وقال ردا على سؤال حول لماذا يتعين على الحكومة العراقية دفع تعويضات عن وفيات خلال عمليات امريكية' أجاب قائلا وببساطة شديدة، لأن الضحايا 'هم مواطنون عراقيون'. وهو موقف قد يبدو، مثل كل المواقف الامريكية المتعلقة بالعراقيين، انسانيا ونبيلا. ولم لا، ومليارات الدولارات تختفي في جيوب الفساد او ترحل مغادرة العراق الى حسابات سرية واستثمارات بدأت تدهش مواطني الدول الاوروبية الاثرياء! واذا ما اضفنا الى ذلك نجاحات الحملة الاعلامية التي تغذي الاجهزة الاعلامية العراقية والعربية بالمال والاعلانات الترويجية عن حملات 'الاعمار' وبناء 'الديمقراطية'، وتحول قوات الاحتلال الى 'شركاء العراق'، لوجدنا الرجل محقا في مطالبة الحكومة حتى بدفع التعويضات الى ضحايا التسونامي والفيضان في باكستان.
ولكن، بعيدا عن فساد ساسة حكومة العراق، (من الضروري ان نسميها حكومة اذا ما اردنا مستقبلا تحميلها واعضائها مسؤولية المشاركة في الجرائم والخراب الذي اصاب بلادنا)، ان ما لا يذكره كراولي في تصريحه هو انه لم تكن هناك حرب بين الولايات المتحدة وشركائها من جهة والعراق من جهة أخرى بل غزوا وعدوانا تثبت كل الدلائل القانونية التي ظهرت الى العيان في السنوات السبع الاخيرة بانها كانت حربا لا شرعية وإن النتيجة الطبيعية للمسؤولية الدولية، هي التزام الدولة المسؤولة بتعويض الضرر (المادي والمعنوي) الذي نشأ عن الفعل غير المشروع باعتباره بلدا معتديا. هنا يصبح السؤال هو: هل من المعقول ان ينقلب القانون الدولي والانساني، كلية، رأسا على عقب ليتهرب المعتدي من مسؤوليته القانونية تجاه ضحاياه والبلد الذي دمره، بكل المستويات؟ واذا كان القانون الدولي بهذا الشكل فكيف لايزال اليهود، في جميع انحاء العالم، يفوزون بقضايا التعويضات، الواحدة تلو الاخرى، وعبر أجيال، ضد الدول التي شنت الحرب وكل من تعاون معها جراء معاناتهم في الحرب العالمية الثانية؟ واذا ما أردنا تطبيق منطق السيد كراولي، لماذا لايزال العراق يدفع التعويضات للكويتيين جراء احتلال الكويت، اما كان الاجدر بحكومتهم وهي الدولة النفطية الغنية، بان تدفع التعويضات للمتضررين 'لانهم كويتيون' ؟ مع العلم ان العراق لايزال يمنح خمسة بالمائه من عائدات نفطه الى صندوق الأمم المتحدة لتعويضات الحرب الذي أنشأه مجلس الأمن بموجب الفقرة (18) من قراره المرقم 687 الصادر في 3 نيسان/ابريل 1991، وذلك بغية إنفاذ مسؤولية العراق بموجب القانون الدولي عن أي خسارة أو ضرر، مباشر، بما في ذلك الضرر اللاحق بالبيئة واستنفاد الموارد الطبيعية، أو ضرر وقع على الحكومات الأجنبية أو رعاياها أو شركائها نتيجة احتلال الكويت. وكل هذه المواصفات تنطبق تماما على الغزو الانكلو امريكي للعراق.
وقد دفع العراق الى الكويت، ما يزيد عن 27 مليار دولار امريكي للتعويضات وبانه ما يزال يدين بـ 25.5 مليار دولار، بضمنها 24 مليارا حصة الكويت، وتصر الكويت على استمرار الدفع على الرغم من تغيير النظام السياسي وتحطيم الدولة وكونها قد ساهمت في الغزو غير الشرعي واحتلال العراق من خلال توفير القواعد والخدمات للقوات الغازية. وتجدر الاشارة هنا، للتذكير بازدواجية المعايير، الى ان مجلس الأمن لم يفرض التعويضات على يوغسلافيا على الرغم من ارتفاع نسبة المتضررين والضحايا. ولعل كتاب 'مجلس الأمن والحرب على العراق' لمؤلفه د. باسم الجنابي، هو واحد من المصادر المهمة لدراسة وفهم مدى مشروعية الحرب ودور مجلس الأمن في شرعنة الاحتلال.
ان المسألة التي يجب الا نتخلى عنها كمواطنين تعرض بلدهم للغزو والاحتلال، وانا اعتقد بان سنوات الاحتلال بوجهها النيو كولونيالي، ستستمر لعقود مقبلة، هي المطالبة بالتعويضات مهما طالت السنون وحتى لو لم نبق على قيد الحياة لنرى بأعيننا استخلاص العدالة، لأن جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم، حسب القانون الدولي، كما ان عملنا سيكون لصالح الاجيال المقبلة. اننا يجب ان نواصل العمل وحملات المطالبة بدفع التعويضات لمواطنينا الذين انتهكت حقوقهم بمختلف الاشكال المتراوحة ما بين الاعتقال والتعذيب وتهديم الممتلكات الى حرمانهم من ابسط حقوق الانسان وتخريب البيئة واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا، سواء عن طريق رفع القضايا الفردية او الجماعية وسواء كانت ضد مؤسسات معينة او حكومات. كما في قضايا التعذيب المرفوعة ضد الحكومة البريطانية وتم تحقيق الفوز في بعضها، ولاتزال الجهود مستمرة آخذين بنظر الاعتبار ان القانون الدولي، على الرغم من تعرضه للاختطاف والتشويه الامريكي والغربي، عموما، هو في نهاية المطاف، مصدر قوة لنا اذا ما ثابرنا على المطالبة بعناد المطالب بالحق، وكما يذكرنا د. الجنابي: 'ان حالة الاحتلال لا تعني، في اية حال من الاحوال، نشوء حالة من الفراغ القانوني والتشريعي في البلد المحتل. ولا تعني تأسيس قانون غاب في اقاليم دول الاحتلال. وفي هذا الصدد جاء القانون الدولي الانساني وفي مقدمة مصادره اتفاقيات جنيف الاربع لتضع عددا من الضوابط التي تحكم دولة الاحتلال وتصون في الوقت نفسه امتيازات وضمانات تحمي طرف المعادلة الضعيف وهو الشعب المحتل'.
ان قائمة الانتهاكات والجرائم التي قامت بها سلطة الاحتلال وحكوماته المتعاقبة طويلة ويستلزم كل جانب منها العمل بمستويات مختلفة. بعضها متعلق بالحاجة الماسة في جميع البلدان، وخصوصا أثناء الحروب، بأن يكون هناك سجل بكل حادث قتل، احتراما لكل ضحية ولعوائلهم وأبنائهم واحفادهم، يكون مكشوفا وموثقا بحيث يمكن تصحيحه والاعتماد عليه من قبل عوائل الضحايا في مقاضاتهم للغزاة أو الميليشيات، تفاديا لأعمال الثأر العشوائية من جهة، ومنعا للتلاعب والتكذيب أوالمتاجرة و التهويل من جهة أخرى. وقد استغرق هذا الأمر في البوسنة، حوالي ثلاث سنوات، وبدعم عالمي، حيث أصبح هناك سجل منشور على الشبكة البينية لإكثر من 97 ألف قتيل، كما ذكر الإستاذ جون سلوبودا، صاحب موقع تسجيل التفاصيل المنشورة في الإعلام عن الضحايا العراقيين في ندوة، هذا الأسبوع، في نادي الصحافيين البريطانيين، بلندن.
ان العمل في هذا المستوى مستمر ويتوسع من توثيق الانتهاكات والجرائم بواسطة المبادرات الفردية ومنظمات المجتمع المدني الى رفع القضايا وتشكيل فرق خبراء ومتابعة باصرار ومثابرة (وليكن لنا في مثابرة اليهود والكويتيين على المطالبة بالتعويضات عبرة). ولنبدأ، على المستوى العام، بالمطالبة بتعويضات مساوية لما تحصل عليه الكويت من العراق، على الاقل، استنادا الى ذات القرار الدولي الذي يخضع له العراق حاليا والذي يخنق العراق بنطاق البند السابع. وهو البند الذي تبين زيف ادعاء امريكا برفعه اثر توقيع المعاهدة الامنية التي اضافت الى العراق قيدا جديدا يضاف الى بقية القيود. ولمن يعتمد على قيام 'الدولة' بهذه المطالبات، علينا التذكير بان الدولة قد حطمت والحكومة الحالية، بحكم ارتباط مصالح شخوصها بالاحتلال والنزاعات الطائفية والاقليمية، هي لا حكومة وشخوصها سعداء بهذا الوضع الذي يوفر لهم المنصب الاسمي والراتب الخيالي في آن واحد، فلماذا يغيرونه، ولماذا يورطون انفسهم بمشاكل الشعب الذي لا ينتمون اليه؟
ان العمل الحقيقي للمطالبة بالتعويضات من الغزاة والمحتلين، يتطلب أيضا قيام حكومة وطنية قوية تدفع باتجاه حملة دعم عربية واسلامية وعالمية للضغط على المجتمع الدولي للعمل بالقانون الدولي والانساني، والا وفي ظل السياسة الامريكية ومتغيراتها وفق مصالحها وأمنها القومي، وقياسا بما يجري حاليا، تشير الدلائل الى ان المواطن العراقي سيتحمل تكلفة كل غزو تشنه أمريكا بالوكالة في المنطقة، وربما العالم، مهما كانت نوعية او طبيعة الحكومة أو اللا حكومة العراقية. وسيبقى الشعب مثل شخصية سيزيف في الأسطورة الإغريقية معاقبا بأن يحمل صخرة من أسفل جبل إلى أعلاه، ولكن قبل أن يبلغ قمة الجبل، تفلت الصخرة منه، دائما، ويتوجب عليه أن يبدأ من جديد مرة أخرى ويستمرهكذا بلا نهاية، رمزا للعذاب الأبدي
.