Wednesday 10 November 2010

انشاء معتقل خاص لحماية الاعلاميين العراقيين

القدس العربي
13/08/2010
تتميز فترة الاحتلال وحكوماته المتعاقبة بآلية ' ديمقراطية' فريدة من نوعها، أصبحت ماهرة فيها الى حد تقديمها بديلا عن توفير الخدمات الاساسية للمواطنين.وهي آلية وضع الخطط لمشاريع 'مستقبلية'. وتبدأ هذه الآلية بالاعلان عن عقد الاجتماعات لتشكيل اللجان لدراسة الخطط وعن اللجان وعما ستبحثه.
ومن ثم يبدأ تشكيل لجان اخرى للبحث في اسباب عدم وضع الخطط. كل هذا يتم بسخاء اعلامي وميزانيات كبيرة تحسدنا عليها الدول الفقيرة والغنية على حد سواء.المهم في الأمر، وما تعلمناه في سنوات الاحتلال العجاف، ان هذه الخطط لن تنفد وأن غرضها الاول هو التضليل الاعلامي للايحاء بانهم يفعلون شيئا على غرار حائك ملابس الامبراطور. وغرضها الثاني هو فسح المجال لتقديم مشاريع وهمية تبرر تلاشي مليارات الدولارات في ضباب الاختلاس والسرقات بينما ينشغل الناس بالركض وراء لقمة العيش. وتنطبق آلية تشكيل اللجان ووضع الخطط الافتراضية على موضوعات كثيرة تتراوح ما بين تشكيلها لجان التحقيق في جرائم اغتيال الصحافيين وغيرهم من المواطنين او الشروع ببناء اكبر مدينة ملاهي في العالم او تبليط شارع معين تم تبليطه عشرات المرات.
ومن اطرف ما قرأت، يوم الخميس الماضي، خبرا مفاده ان المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا، صرح بإن 'القيادة تدرس وضع خطة جديدة لحماية المؤسسات الإعلامية ستعلن عن تفاصيلها خلال الأيام المقبلة'. ويشخص عطا سبب استهداف الاعلاميين لسببين: الاول، هو 'الانتشار العشوائي لوسائل الإعلام في مناطق متفرقة من بغداد الذي اثر بشكل سلبي في توفير الحماية اللازمة لها. ثانيا، أن وجود 50 محطة فضائية و20 محطة إذاعية إضافة إلى عدد كبير من الصحف والمجلات ووكالات الأنباء في بغداد، بحاجة إلى جهد امني كبير لتوفير الحماية لها. فما هو الحل؟ يقول اللواء عطا بان الحل سيكون عن طريق: اولا، إنشاء مدينة إعلامية تضم جميع وسائل الإعلام مما سيسهل أمر حمايتها. وثانيا أن القوات التي ستنفذ الخطة تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية مجهزة بالمعدات والأسلحة المتطورة والحديثة.
ان هذا التصريح بتفاصيله كان سيصلح للارسال الالكتروني كنكتة، او لعله لا يصلح لشيء غير التجاهل الذي يليق به، لولا انه يتعلق بحياة الاعلاميين وتنوع سبل تصفيتهم من قبل الاحتلال وحكوماته منذ عام 2003 وحتى اليوم.واللواء عطا هو احد المسؤولين في تركيبة الاحتلال وقوات 'حفظ الامن' وبالتالي فانه احد الذين يتحملون مسؤولية كل ما اصاب الاعلاميين على مدى السنوات الاخيرة. وينوي اللواء عطا حماية المدينة الاعلامية بواسطة قوات الدفاع والداخلية. ولكن، اليست هذه هي ذات القوات المعروفة بارهاب الناس واختطافهم، منذ بداية تشكيلها استنادا الى المحاصصة الطائفية وبوجود 'المستشارين' الامريكيين؟ اليست هي من يقوم بمداهمة البيوت والمؤسسات وارتكاب الجرائم والناشطة في معتقلات يتفنن افرادها بطرق التعذيب المستحدثة، حسب تقارير المنظمات العالمية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ويونامي؟ أليست هي المعنية، وبالتحديد قيادة عمليات بغداد، بتقرير مرصد الحريات الصحافية العراقي الاخير لعام 2009 2010 والذي جاء فيه:
' واجه العديد من الصحافيين مضايقات واعتداءات بالضرب على يد القوات العسكرية وقوات الأمن العراقية، وشكلت التخاويل التى تفرضها قيادة عمليات بغداد والقيادات الاخرى السبب الرئيسي لذلك، حيث ان القيادات العسكرية نصبت نفسها كوصي رئيسي على حركة الصحافيين داخل المدن ...ان عناصرها ما زالت تمنع تحرك اي فريق اعلامي دون أذن مسبق وتعتدي عليهم بالضرب وتمنعهم من ممارسة عملهم في اغلب الاحيان. لقد وثّق مرصد الحريات الصحافية حالات من الاعتداءات والمضايقات ضد الصحافيين في مدن عديدة في العراق وقامت قوات الأمن خلالها باستخدام القوة والتهديدات وإتلاف معدات التسجيل والتصوير سعياً لمنع الصحافيين من أداء عملهم'. ويشير التقرير الى ان 'جميع حالات مداهمة المؤسسات أو أغلاقها لم تأت بأمر قضائي انما بتوجيهات حكومية فقط'.فما الذي سيمنع ذات القوات، بقيادة اللواء عطا او غيره، من مداهمة المؤسسات الاعلامية الموجودة في مكان واحد وتحت حمايتها افتراضا؟ الن تتحول المدينة الاعلامية، في ظل هكذا نظام، الى معتقل تسهل السيطرة عليه وبحراسة سجانين يمتلكون حرية المداهمة والسيطرة الكلية بهدف تحجيم دور الاعلام وتحويله من صوت نقدي الى أخرس؟
ان حال الاعلاميين مأساوي في ظل الاحتلال مهما تنوع الخطاب الدعائي لوضع اجراءات لحمايتهم.اذ يحتل العراق المرتبة الاولى بين الدول التي لم يتم التحقيق فيها بجرائم قتل الصحافيين كما لم يتم حل أي منها، حسب لجنة حماية الصحافيين الدولية. وتتراوح اساليب اخماد الاصوات النقدية (لاحظوا بان معظمها ليس مناهضا للاحتلال بل يكتفي بتغطية الاخبار والاشارة الى هموم الناس اليومية واستشراء الفساد، كما في اقليم كردستان) ما بين التصفية الجسدية (163 صحافيا) والاعتقال والتهديد والترويع والاختطاف (اختطف 64 صحفياً ومساعداً اعلامياً قتل اغلبهم ومازال 14 منهم في عداد المفقودين).
وتواصل قوات الاحتلال الامريكي بالاشتراك مع 'الجيش العراقي' استهداف الصحافيين، حيث قامت في 19 أيار/مايو 2010، 'بالاعتداء على محمد جليل، مصور ومراسل وكالة الأنباء الألمانية في الفلوجة. اذ اقتحم جنود من الجيشين منزل الصحافي وأبرحوه ضرباً ومن ثم عمدوا إلى مصادرة حاسوبه النقال وكاميراته الشخصية من دون أن يتقدّموا بأي تبرير لأسباب هذا التهجّم' حسب لجنة حماية الصحافيين الدولية. وقد لجأت حكومة اقليم كردستان المعنية، اكثر من الحكومة المركزية، بتلميع وجهها 'الديمقراطي' الى تطبيق اسلوب رفع الشكاوى القضائية فضلا عن ممارسة بقية الاساليب وبشكل أعم من بقية انحاء العراق. وتشكل آخر شكوى نموذجا سورياليا لا مثيل له حتى بين القضايا المرفوعة ضد أثرى دور الصحافة في العالم، اذ رفع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، شكوى تشهير ضد الصحيفة الأسبوعية المعارضة 'روزنامة'، طالب فيها بمبلغ مليار دولار أمريكي بدل أضرار وإغلاق الصحيفة. وكانت صحيفة 'روزنامة' قد نشرت في 20 تموز/يوليو 'تقريراً صحافياً اتهمت فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بجني ملايين الدولارات من تهريب النفط إلى إيران، حسب كاتب التقرير، سيروان رشيد، واستناداً إلى عدة مصادر من بينها ماذكرته صحيفة 'نيويورك تايمز' بإن مئات صهاريج النفط تدخل إيران من كردستان العراق يومياً.
وقد رفع الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه الدعوى القضائية بعد خمسة أيام من نشر التقرير الصحافي أمام محكمة إقليمية، وطالب فيها أن تصدر المحكمة أمرا بحظر السفر ضد سيروان رشيد، إضافة إلى رئيس تحرير الصحيفة، آزاد جالاك، ومالك الصحيفة، نوشيروان مصطفى. وكان آزاد جالاك قد طالب بان تحال القضية على قانون العمل الصحافي، بدلاً عن قانون المحاكم المدنية الذي احيلت إليه القضية، متهماً الحزب الديمقراطي الكردستاني بتحويل القضية من 'مدنية' الى 'سياسية'، مشيراً إلى أن هذه القضية قد تؤسس سابقة خطيرة في الاقليم. وأفاد جالاك للجنة حماية الصحافيين، 'نحن نريد تغيير موقع المحاكمة لأن العديد من القضاة في أربيل متحالفون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني'. وقال محمد عبد الدايم، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحافيين، 'إن من المذهل أن يسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني للمحاججة بأن التغطية الإخبارية لصحيفة روزنامة تنطوي على تشهير. إن هذه المطالبة غير المعقولة للتعويض تكشف عن أن هذه الدعوى القضائية ليست دعوى جدية، وإنما محاولة واضحة لاستخدام القضاء من أجل إسكات صحيفة'.
ان استهداف الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية عمل منهجي منظم لاعلاقة له بانتشار المؤسسات في اماكن مختلفة او زيادة عددها بل يتعلق برغبة الاحتلال، وما افرزه من احزاب ميليشيات وارهاب، في اسكات الاصوات النقدية والقمع لفكري وحرية التعبير. ولن يتمتع الاعلاميون بهذه الحريات، كما يعدهم مسؤولو الاحتلال، في بقعة مكانية مسيجة ومحاطة بقوات أمنية، اذ ان هذا يتعارض مع جوهر عمل الصحافي الذي يتمتع بحرية الحركة ليتابع الحدث، ويكفينا كنموذج لتنوع طرق السيطرة على اجهزة الاعلام، على الرغم من توفير الامان المكاني المسيج، النظر الى ما يتعرض له الاعلامي في اقليم كردستان من القتل الى المحاكمة
.